منیه الطالب فی حاشیه المکاسب المجلد 2

اشارة

سرشناسه : خوانساری نجفی، موسی، 1254 - 1322.

عنوان قراردادی : المکاسب.شرح

عنوان و نام پديدآور : منیه الطالب فی حاشیه المکاسب/ تالیف موسی النجفی الخوانساری؛ تقریرا لابحاث آیت... محمدحسین الغروی النائینی؛ طبع علی نفقه مکتبه المحمدی.

مشخصات نشر : طهران: مطبعه حیدری، 1373ق.= 1333 -

مشخصات ظاهری : ج.

يادداشت : عربی.

يادداشت : افست ازروی چاپ گراورسازی رشدیه.

موضوع : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب -- نقدو تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : نایینی، محمدحسین، 1239-1315.

شناسه افزوده : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب . شرح

رده بندی کنگره : BP190/1/الف8م7033 1333

رده بندی دیویی : 297/372

شماره کتابشناسی ملی : 3976220

ص: 1

اشارة

ص: 2

هذا هو الجزء الثّاني من كتاب منية الطّالب في حاشية المكاسب لمؤلّفه حجّة الإسلام الحاج الشّيخ موسى النّجفي الخوانساري دامت بركاته

[القول في الخيارات]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف أنبيائه محمّد و آله الأئمّة الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّٰه على أعدائهم أجمعين أبد الآبدين

[مقدمتان]

[الأولى في معنى الخيار لغة]

قوله قدّس سره الخيار لغة اسم مصدر من الاختيار إلى آخره

أقول الخيار بمعناه اللّغوي يشمل كلّ مورد كان لأحد المتعاقدين أو لغيرهما اختيار في أمر فالأوّل كملك الزّوجين الفسخ بالعيوب و الثّاني كملك العمّة و الخالة فسخ العقد على بنت الأخ و الأخت و غير ذلك ممّا كان الشّخص مختارا في الفعل و التّرك و بمعناه الاصطلاحي لا عموم له كذلك بل هو حقّ ثابت لشخص في خصوص نقص العقد و العهد و إبرامه

و عرّفه المصنف قدّس سره بأنّه ملك فسخ العقد و عرّفه المحقّقون من القدماء بأنّه ملك إقرار العقد و إزالته و الحاصل من تعريف المصنف أنّ أحد طرفي الاختيار وجوديّ و الآخر عدميّ و من تعريف القدماء أنّ طرفيه وجوديّ و الحقّ ما اختاره القدماء و قبل تحقيقه ينبغي تمهيد مقدّمة قد أشرنا إليها في كتاب البيع و هي أنّ العقود بحسب الثبوت على أقسام ثلاثة منها ما يقتضي اللّزوم ذاتا و منها ما يقتضي الجواز كذلك و منها ما لا يقتضي شيئا منهما فما كان من الأوّل فشرط الخيار فيه ينافي مقتضاه و لا يقبل الفسخ و لا الإقالة و ما كان من الثّاني فشرط اللّزوم ينافي مقتضاه و ما كان من الثّالث فلا ينافي كلّ واحد من الشّرطين فيه

و أمّا بحسب الإثبات فقد استكشفنا من الأدلّة أنّ عقد النّكاح و الضّمان من الأوّل و لذا لا يصحّ فيهما جعل خيار الفسخ و لا يقبلان الإقالة و لا ينافي ذلك جواز فسخ النّكاح بالعيوب الخاصّة و يتخلّف بعض الشّروط و جواز فسخ الضّمان إذا تبيّن إعسار الضّامن مع عدم علم الدّائن به لقيام الدّليل عليه بالخصوص و استكشفنا منها أنّ الهبة من الثّاني و البيع من الثالث

ثمّ إذا كان العقد مقتضيا للّزوم أو الجواز بذاته فاللّزوم أو الجواز حكميّ و لا يقبلان

ص: 3

الإسقاط كما هو الشّأن في جميع الأحكام الشرعيّة سواء كانت ثابتة في العقود أم في غيرها فلو التزم العاقد في إنشائه بضدّ ما اقتضاه العقد كان منافيا لمقتضاه و مخالفا للكتاب و السّنة و لو التزم بما اقتضاه لما أفاد إلّا التّأكيد و أمّا ما لا اقتضاء له فاللّزوم أو الجواز حقّي قابل لجعل الخيار فيه و إسقاطه ثمّ إنّ الالتزام بما اقتضاه ذات العقد من اللّزوم أو الجواز أو الالتزام بمضمون المعاوضة في العقد الّذي لا يقتضي أحدهما إنّما هو بالدّلالة الالتزاميّة

و توضيح ذلك أنّ ما ينشأ بالعقود إمّا مدلول مطابقي و إمّا التزامي أمّا المطابقي فهو في البيع نفس تبديل المال بالمال الّذي يحصل بالمعاطاة أيضا و أمّا الالتزامي فهو التعهّد بما أنشأ و الالتزام به و هذا هو العقد و العهد الموثق لا المعنى المطابقي الحاصل بالفعل أيضا و لذا قلنا في باب المعاطاة بأنّها بيع لا عقد و قلنا بأنّها تفيد الجواز لعدم تحقّق ما يوجب اللّزوم فيها

ثمّ إنّ هذه الدّلالة الالتزاميّة ناشئة من بناء العرف و العادة على أنّ من أوجد معنى بالعقد يلزم عليه أن يكون ثابتا على ما أوجده و بانيا على إنفاذ ما أنشأه و إلّا لم يقدم أحد على المعاملات الخطيرة و المعاوضة في الأشياء النفيسة و سيجي ء زيادة توضيح لذلك فإذا كان هذا بناؤهم في العقود المعاوضيّة و ما يشبهها فكلّ عقد كان اللّزوم من مقتضيات ذاته يصير هذا الالتزام مؤكّدا له كالنّكاح و الضّمان و كلّ عقد كان الجواز من مقتضياته كالهبة يخرج عن عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالتخصيص و كلّ عقد لا اقتضاء له يصير بهذه الدّلالة ذا اقتضاء كالبيع و قوله عزّ اسمه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ناظر إلى هذه الدّلالة لا الدّلالة المطابقيّة لأنّ وجوب الوفاء في البيع بلحاظ معناه المطابقي إنّما هو لحرمة التصرف في مال الغير لا لأنّه عقد و عهد موثق

و بعبارة أخرى في المعاوضات العقديّة مدلولان المطابقي و هو بيع و الالتزامي و هو عقد و وجوب الوفاء يناسب لحاظ العقديّة كما هو صريح الآية فإذا كان اقتضاء اللّزوم من جهة إنشاء العاقد المدلول الالتزامي و التزامه به فلو ثبت الخيار في عقد بأحد الوجوه الثّلاثة الآتية يوجب تخصيص الآية الشّريفة و يكون حقّا مالكيّا قابلا للإسقاط كما أنّه يقبل الإقالة للتّلازم بينهما إذا كان حقيّا و كان بمعناه المصطلح لا بمعناه اللّغوي الشّامل للحكمي أيضا و لا شبهة أنّ الخيار في المقام إنّما هو بمعناه المصطلح لأنّه لو ثبت الخيار في العقد لأحد إمّا بالشرط كبيع الشّرط أو بجعل شرعي كخيار الحيوان و المجلس أو لتخلّف شرط ضمني كالغبن و العيب و نحوهما فمعنى ثبوته أنّ التعهّد بمدلول العقد الّذي تعهّد به العاقد على نفسه و قلنا إنّه من باب بناء العرف و العادة على أنّ كلّ من عقد عقدا يلزم أن يكون على عقده و يبقى على عهده زمام أمره بيد المعاقد أي لثبوت الخيار ليس هذا الالتزام ملكا للطّرف و ليس كنفس المدلول المطابقي الذي هو ملك للطّرف و لو مع الخيار فإذا كان مالكا لالتزام نفسه فله إقراره و إبرامه و له حلّه و نقضه

و بعبارة أخرى ثبوت الخيار لأحد معناه أنّ اختيار المدلول الالتزامي المنشأ من المتعاقدين وضعا و رفعا بيد ذي الخيار فله ردّ ما ألزمه على نفسه من إنفاذ العقد فينحلّ العقد و له إبقاء ما التزم به طرفه له فيستقرّ العقد

إذا عرفت هذه المقدّمة

ص: 4

ظهر أنّ كلّا من طرفي الخيار أمر وجوديّ و قوامه بملك كلا الالتزامين و العقد الغير الخياري قوامه بملك التزام الطّرف و خروج التزام نفسه عن قدرته و بالإقالة يرد ما خرج و يخرج ما دخل و لذا لو أقالا يرد كلّ منهما الالتزام الّذي ملكه إلى طرفه و من هنا ذكروا أنّ الخيار يدخل في كلّ ما يدخل فيه الإقالة

قوله قدّس سره و إن أريد منه إلزام العقد و جعله غير قابل لأن يفسخ ففيه أنّ مرجعه إلى إسقاط حقّ الخيار فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار إلى آخره

بعد ما ظهر أنّ أجود التعريفين تعريف القدماء بأنّ الخيار ملك إقرار العقد و إزالته ظهر أنّ مرجع إلزام العقد ليس إلى إسقاط حقّ الخيار لأنّ معنى إلزامه إعمال أحد طرفي الخيار و أمّا إسقاط الحقّ فهو أمر فوق الخيار فإنّ الإسقاط إذهاب موضوع الحق لا إعماله كما أنّ الإعراض عن الملك فوق السّلطنة و به يذهب موضوع المال و ليس الإعراض من أنحاء السّلطنة على المال

و بالجملة ليس إسقاط الحق في قبال حلّ العقد بل المقابل له الالتزام بالعقد و إن كان أثره الإسقاط هذا مضافا إلى ما سيجي ء من المصنف في أحكام الخيار أنّ الخيار ليس عبارة عن ملك فسخ العقد و عدمه لأنّ نفس عدم الفسخ ليس إعمالا لأحد طرفيه بل يحتاج إلى أمر وجوديّ و هو الرّضا بمضمون العقد

[الثانية ذكر غير واحد تبعا للعلّامة في كتبه أنّ الأصل في البيع اللّزوم]

قوله قدّس سره ذكر غير واحد تبعا للعلّامة في كتبه أنّ الأصل في البيع اللّزوم إلى آخره

لا يخفى أنّ الأصل بمعنى الرّجحان المستند إلى الغلبة لا يرجع إلى محصّل فإنّه ممنوع صغرى و كبرى فالمراد منه إمّا القاعدة المستفادة من العمومات و الاستصحاب أو معناه اللّغوي بمعنى أنّ وضع البيع و أساسه على اللّزوم و ذلك لما ذكرنا من أنّ بناء العرف و العادة على التزام كل عاقد بما ينشئه و يشعر بذلك عبارة التذكرة من قوله و الغرض تمكّن كلّ من المتعاقدين من التصرّف فيما صار إليه و إنّما يتمّ ذلك باللّزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه انتهى

و بالجملة العقد هو العهد الموثق فهو كالبيعة المتعارفة بين الرّؤساء و التّابعين لهم و كالتعهّد الحاصل بتصفيق كلّ منهما يده على يد الآخر فإذا كان هذا بناء العرف و العادة في المعاملات مع عدم ردع الشّارع عنه فيصير كلّ عقد معاوضيّ و ما يشبهه كالنّكاح متضمّنا لهذا البناء و دالّا عليه بالدّلالة الالتزاميّة

نعم لو جعل أحدهما زمام هذا الالتزام لنفسه أو جعله الشّارع له فيصير ذا خيار حقّي قابل للإسقاط و لذا عبّرنا عن الخيار بملك الالتزام لأنّه حقّ لا حكم

قوله قدّس سره بقي الكلام في معنى قول العلّامة إلى آخره

الأولى أن يقال في توجيه كلام العلّامة أنّ الخروج عن أصالة اللزوم يتحقّق بأمرين الأوّل ملك الالتزامين أي الخيار و الثّاني ملك أخذ ضميمة مع مال الطّرف عوضا عن ماله

و بعبارة أخرى كما أنّ العقد يقتضي اللّزوم كذلك يقتضي أن يكون أحد العوضين فقط عوضا عن الآخر فإذا ثبت الخيار فيه يخرج عن اقتضائه اللّزوم و إذا ظهر العيب فيه يخرج عن اقتضائه كون أحد العوضين وحده عوضا عن الآخر لاقتضاء ظهور العيب الأرش مع العوض

و بالجملة ثبوت العيب أو ظهوره و إن كان سببا للخيار إلّا أنّ الخيار الحاصل به مختلف في السّنخ مع سائر الخيارات لأنّ أخذ الأرش ليس من باب فسخ العقد في جزء من مدلوله حتّى يكون من سنخها و حتّى يورد عليه بأنّه لا يعتبر في الأرش

ص: 5

كونه جزءا من الثمن بل هو ملازم لإبقاء العقد على حاله بالنّسبة إلى أصل التزامه بالتّبديل و إنّما يتصرف فيه بأخذ ضميمة مع المعيب مع أنّ المنشأ كان معوضيّة نفس المبيع للثمن لا معوّضيّته مع شي ء آخر

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا أنّ الأصل بمعناه اللّغوي بل بمعنى الاستصحاب و بمعنى القاعدة المستفادة من العمومات لا يختصّ بالبيع بل يطرد في كلّ عقد معاوضي مبناه على اللّزوم

قوله قدّس سره فمنها قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إلى آخره

لا يخفى أنّه لو كان المجعول بالأصالة هو الحكم التّكليفي و كان المجعول المنتزع هو الوضعي كاللّزوم في المقام يجب أن يكون الحكم التّكليفي المستتبع للحكم الوضعي مناسبا له و مجعولا على نحو ينتزع المطلوب منه فعلى هذا يكون مفاد الآية وجوب الوفاء بالعقد و العمل بما اقتضاه مطلقا أي في جميع الأزمنة و بالنّسبة إلى كلّ زماني لأنّ ببركة مقدّمات الحكمة يتمّ إطلاق وجوب الوفاء بالنّسبة إلى كلتا الجهتين لأنّه لو كان وجوب الوفاء به في وقت دون وقت و بالنسبة إلى عدم الفسخ لا مع الفسخ يلزم لغوية تشريعه فمفاد هذا الحكم التكليفي هو وجوب الوفاء به في جميع الأزمنة و مع طروّ كلّ طار كما أنّ المناسب للفظ الوفاء أن يكون متعلّقه المعنى المصدري أي الإيجادي من العاقد و الإصداري منه لا اسم المصدري و هو الحاصل من التزامه الّذي هو العقد

و بعبارة واضحة المناسب لوجوب الوفاء أن يكون متعلّقه نفس تعهّده لا ما تعهّد به فيندفع عن المصنف ما أورد عليه المحقّق الخراساني قدّس سره في حاشيته على المتن من أنّ مع الشكّ في تأثير الفسخ يكون التمسّك بالإطلاق من باب التمسّك فيما لا يعلم انطباق المطلق عليه و ذلك لأنّه لو كان متعلّق الوفاء هو العقد بمعنى اسم المصدر فمع الشّك في تأثير الفسخ يكون تمسّكا بالإطلاق فيما لا يعلم أنّه عقد سيّما إذا قلنا إنّ الفسخ حلّ العقد من حين العقد

و أمّا لو كان متعلّقه فعل المكلّف فإذا كان الوفاء به واجبا و بقاؤه على قوله و إبرامه ما تعهّد به لازما فلازمه بقاء ما تعهّد به و عدم تأثير فسخه و نستكشف منه بقاء عقده كالاستكشاف من عموم أكرم العلماء أنّ زيدا الّذي يحرم إكرامه ليس زيدا العالم

و بعبارة أخرى لو كان الفسخ رافعا لموضوع الوفاء و موجبا لذهاب التعهّد بالمعنى المصدري عن صفحة الوجود و عن ظرفه لكان وجوبه مع تحقّق الفسخ تمسّكا بالإطلاق في مورد الشكّ في المصداق و أمّا لو كان الفسخ رافعا للعقد فمع الشّك في تأثيره يمكن وجوب الالتزام بما التزم به و بهذا البيان يمكن أن يقال بعدم الاحتياج إلى الإطلاق بالنّسبة إلى الزّماني بل يكفي إطلاقه في الزّمان لأنّه إذا كان الوفاء بالتعهّد لازما في جميع الأزمان فلازمه عدم تأثير الفسخ

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ اللّزوم المستفاد من الحكم التكليفي ليس تعبّديّا صرفا بل لمناسبة الحكم و الموضوع يعلم أنّه حقّ مالكي بل يمكن استفادة كونه حقّا من مقابلة الجمع بالجمع في الآية الشّريفة أيضا فإن كلّ مكلّف إذا كان مكلّفا بالوفاء بعقده يستلزم أن لا يكون الوفاء بوصف الاجتماع مطلوبا على المتعاقدين فعلى هذا يجب على كلّ واحد الوفاء بما تعهّد به مع وفاء الآخر به فإذا استقال أحدهما الآخر فله الإقالة و لا نحتاج إلى إطلاق أدلّة الإقالة حتّى يقال إنّ موردها منحصر في استقالة الزّلات و العثرات لا العقود و المعاهدات بل لو كان موردها العقود أيضا لم يعلم جريانها في كلّ عقد و ذلك لأنّ وجوب الوفاء لو كان حقّا مالكيّا فمقتضى

ص: 6

القاعدة جريان الإقالة في كلّ عقد مبناه على اللّزوم لو لا الخيار و يشهد به المعاهدات بين الدّول و البيعة التي كانت بين الأئمّة عليهم السّلام و أصحابهم فإنّ الحسين ع قال لأصحابه مرارا رفعت بيعتي الّتي كانت في رقابكم و أنتم في حلّ منّي و بهذه المضامين قال الحسن ع لقيس بن سعد بن عبادة لما امتنع عن البيعة مع معاوية لبيعته مع الحسن ع و هذه البيعة و إن لم تكن قابلة للحلّ و ليست كبيعة العشائر مع شيوخهم و رؤسائهم إلّا أنّ النّاس حيث كانوا قريب عهد بالجاهلية فعاملوهم عليهم السّلام بما ارتكز في أذهانهم

و كيف كان فالعهد و العقد يجب البقاء عليه ما دام الآخر باقيا على عهده لأنّ كونه حقّا مالكيّا يقتضي جواز الإقالة لكلّ منهما فليس وجوب الوفاء من قبيل حرمة بيع العبد المسلم من الكافر تعبّديّا غير قابلة للرّفع و لو مع رضا العبد المسلم و ليس وجوبه أيضا كوجوب الصّلاة بحيث لا يترتّب على عصيانه غير العقاب بمعنى أنه يحرم عليه الفسخ و لكن لا ينافي تأثيره لأنّ مقتضى كونه حقّا مالكيّا أن يكون بمنزلة وجوب أداء الدّين فمعناه أنّ الفسخ لا يؤثّر و العقد لا ينفسخ به

هذا كلّه لو كان المجعول الأصلي هو الحكم التّكليفي و أمّا لو كان هو الوضعي كما هو الحقّ في أمثال اللّزوم فإن الملكيّة و الرّقيّة و الولاية و اللّزوم و نحو ذلك بنفسها قابلة للجعل و ليست كالشّرطيّة و الجزئيّة و المانعيّة الّتي لا تقبل الجعل بالأصالة فدلالة الآية على المطلوب أظهر لأنّها على هذا إمضاء لما عليه العرف و العادة من بنائهم على لزوم الالتزام بما التزموا به فمقتضى هذه الدّلالة أن يكون العقد بنفسه بحسب الدّلالة اللّفظيّة موجبا للزوم ترتيب آثار ما التزم العاقد على نفسه فإذا أمضى الشّارع هذا البناء إمّا بالأمر الإرشادي نظير الأوامر في باب الأجزاء و الشّرائط أو بأمر مولوي لحقّ مالكي لا للتعبّد الصّرف يصير اللّزوم مجعولا كمجعوليّة الولاية و الملكيّة

و الحق أنّ المجعول الأصلي هو الوضعي الّذي هو منشأ لترتّب آثار الملك من جواز التصرّف و التقلّب لأنّ المجعول الشرعي في المعاملات بأجمعها هو إمضاء ما عليه النّاس فيها و بناؤهم على جعل الوضعي أوّلا لا العكس أي لا يجوّز البائع للمشتري أوّلا جواز التصرّف فينتزع منه الملكيّة بل بناؤهم على أن جواز التصرّف من آثار الملكيّة و كيف كان فسواء كان اللّزوم منتزعا أو مجعولا بالأصالة فهو ليس من مقتضيات العقد في نفسه و عن مفاد لفظ المتعاقدين مدلولا مطابقيّا أو التزاميّا مع قطع النّظر عن حكم الشّارع حتى يقال إنّ العمل بالعقد و وجوب الوفاء به هو العمل بما يقتضيه من لزوم أو جواز لأنّ مقتضاه في نفسه ليس إلّا التبديل مطابقة و الالتزام بترتيب آثار الملكيّة على البيع التزاما الّذي أمضاه الشّارع بقوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إمّا انتزاعا أو أصالة لا لزوم هذا الالتزام أو جوازه

و بالجملة لزوم الالتزام أو كونه باختيار العاقد ليس إلّا مستفادا من أدلّة لزوم العقد أو من أدلّة الخيارات فكلّ منهما من المجعولات الشرعيّة الخارجة عن مقتضيات العقد في نفسه

قوله قدّس سره و من ذلك يظهر الوجه في دلالة قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ إلى آخره

لا يخفى أنّ حرمة الرّبا التي في هذه الآية جعلت قبالا لحلّيّة البيع إمّا بمعنى حرمتها التّكليفيّة و الوضعيّة كليهما و إمّا خصوص أحدهما و الاستدلال بهذه الآية يتمّ لو كان المراد منها الأعمّ أو خصوص التّكليفيّة و إلّا لو كان المراد منها فساد الربا فبقرينة

ص: 7

المقابلة يصير المراد من الحليّة الصّحة لا اللّزوم

ثمّ على فرض أن يكون المراد من الحلّية حلّيّة جميع التصرّفات إلّا أنّ مع الشّك في ثبوت الحلّيّة بعد الفسخ لا يمكن التمسّك بإطلاقها لأنّه من قبيل التمسّك بالإطلاق مع الشكّ في المصداق لأنّ الفسخ لو كان مؤثّرا لكان هنا رافعا و مزاحما مع أصل الحلّيّة و هذا بخلاف نحو أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّ الفسخ ثمّة لا يرفع موضوع وجوب الوفاء الّذي هو الالتزام بالمعنى المصدري و إنّما يرفع العقد الّذي هو اسم المصدر

و توضيح ذلك أنّ القيود الرّاجعة إلى الموضوع يمكن أن يكون الحكم بالنّسبة إليها مطلقا و مقيّدا و أمّا حالات نفس الحكم فلا يمكن أن يكون الحكم بالنّسبة إليها مطلقا أو مقيّدا فضلا عن أن يكون مطلقا أو مقيّدا بالنّسبة إلى رافعه و طارده و نظير ذلك ملاحظة الأحكام الثّابتة للأشياء بعناوينها الأوليّة مع الأحكام الثّابتة لها بعناوينها الثّانويّة فإنّ إباحة الماء لها إطلاق بالنّسبة إلى اشتراط ترك شربه في ضمن عقد لازم من حيث ذات الاشتراط أي من حيث إنّه فعل من أفعال المكلّف كإطلاقها بالنّسبة إلى سائر أفعاله و أمّا من حيث أثره فلا يمكن أن يكون لها إطلاق لأنّ أثر الاشتراط رافعيّة الإباحة و الإباحة لا إطلاق لها بالنّسبة إلى وجودها و عدمها

و السرّ في ذلك أنّ المحكوم ليس ناظرا إلى نفسه فضلا عن أن يكون مطلقا بالنّسبة إلى حاكمه و في مقامنا هذا الفسخ لو كان مؤثّرا لكان رافعا لأصل الحلّيّة و لا إطلاق لها بالنّسبة إلى رافعها بخلاف تأثير الفسخ في حلّ العقد فإنّه لا يزاحم وجوب الوفاء و لا موضوعه الّذي هو التّعقيد و إنّما يرفع العقدة الحاصلة من فعل العاقد فيمكن التمسّك بإطلاق أَوْفُوا في رفع هذا الشكّ

و هذا هو السّر في تخصيص المصنف هذا الإشكال بأحلّ اللّٰه البيع و أمثاله دون أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و بالجملة بعد الفسخ نشكّ في حلّية التصرّف كالشّك في حلّية أكل المال بالتجارة عن تراض فالتمسّك بعقد المستثنى في هذه الآية لا يفيد أيضا لرفع الشّكّ عن تأثير الفسخ

قوله قدّس سره و منها قوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إلى آخره

تقريب الاستدلال بعقد المستثنى منه يتوقّف بعد الفراغ عن كون المراد من الأكل فيه هو التملّك لا الازدراد على أن يكون المراد بالباطل هو ما يسمّى باطلا عرفا و أن يكون العرف مع الشّك في أنّ بالفسخ يمكن التملّك أم لا حاكما بالبطلان

و بعبارة أخرى يتوقّف الاستدلال على أمرين الأوّل أن يكون نظر العرف متّبعا في في تعيين المصداق و الثّاني أن يكون حاكما بأن ما لم يعلم كون الفسخ سببا للتملّك أن يكون التملّك باطلا و كلاهما ممنوعان أمّا الأوّل فلأنّ نظرهم متّبع في تعيين المفاهيم لا المصاديق إلّا أن يكون تعيين المصداق راجعا إلى تعيين المفهوم و أمّا الثاني فلعدم حكمهم في مورد الشّك في كون شي ء سببا مملّكا بعدم كونه مملّكا و باطلا لشكّهم في السّبب فكيف يحكمون بعدم المسبّب

و نظير هذا التقريب للاستدلال استدلال المصنف في أوّل باب البيع بأدلّة المعقود في مورد الشكّ في الأسباب مع إقراره بأن الأسماء و عناوين العقود كالبيع و الصّلح و الهبة إنّما هي موضوعة للمسبّبات دون الأسباب فقال و أمّا وجه تمسّك العلماء بإطلاق أدلّة البيع و نحوه فلأنّ الخطابات لمّا وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع و شبهه في الخطابات الشّرعيّة على ما هو الصّحيح

ص: 8

المؤثّر عند العرف إلى آخره

و نحن قد استوفينا الكلام في هذا المرام و قلنا إنّه لو كان باب العقود و آثارها من قبيل الأسباب و المسبّبات لا باب الإيجاديّات بالأدلة لما كان وجه للتمسّك بإطلاق ما يرجع إلى إمضاء المسبّبات لرفع الشّكّ في تأثير سبب من الأسباب لأنّ كلا منهما يحتاج إلى إمضاء على حده و لا يرجع إمضاء تبديل المال بالمال إلى إمضاء ما كان القبول فيه مقدّما على الإيجاب لعدّه العرف سببا فراجع و اغتنم

و بالجملة لا يفيد التمسّك بعقد المستثنى و لا المستثنى منه بوصف الانفراد نعم مجموع العقدين يفيد المطلوب و ذلك لأنّ المستثنى هنا مستثنى منقطع فإنّ التّجارة عن تراض ليس من الباطل و محكوما بخلافه بل خارج عنه موضوعا و حكما و إخراجه عنه موضوعا ليس كخروج الحمار عن القوم تكوينا بل نفس الدّليل هنا ناظر إلى خروجه فمفاد العقدين أنّ كلّ تملّك ما عدا التّجارة عن تراض هو داخل في أكل المال بالباطل فأخذ المال من المنتقل إليه و التملّك عنه بدون رضاه أي التملّك بالفسخ هو التملّك بالباطل

قوله قدّس سره و ممّا ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله ع لا يحلّ إلى آخره

لا يخفى أنّ تقريب الاستدلال به كتقريبه في الآية المتقدّمة بالنّسبة إلى مجموع العقدين و ذلك لأنّ كون المستثنى مفرغا لا يصحّ إلّا فيما كان المستثنى منه المقدر عاما فعدم حلّية جميع أنحاء التّقلّبات من الأكل الازدرادي و التملّكي إلّا مع طيب نفس المالك لا يصحّ إلّا أن لا يؤثّر الفسخ

نعم هذا الحكم كالحكم المستفاد من الآية المتقدّمة قابل للتّخصيص بأدلّة الخيار و غيرها فما لم يعلم التّخصيص بالفسخ و نحوه يكون العام متّبعا و بالجملة لا يمكن منع الإطلاق أو العموم بالنّسبة إلى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و الخبر الشّريف لا يحلّ لدلالتها على أنّ الفسخ لا يؤثر و ليس التمسك بها من قبيل التمسّك بالعام أو المطلق فيما لا يعلم الانطباق عليه و ذلك لما عرفت أنّ الفسخ لا يرجع إلى ما تعلّق به الوفاء في الآية الأولى و ليس أيضا تجارة عن تراض لأنّ الملك قبل الفسخ داخل في ملك من انتقل إليه فالتملّك عنه به و التكسّب به تكسّب لا عن تراض و ليس أيضا بطيب نفس المالك فلا يحلّ التملّك به فعلى هذا لا وجه للإيراد على جميع الأدلّة بنهج واحد

قوله قدّس سره و منها قوله النّاس مسلّطون إلى آخره

لا إشكال في أنّ السّلطنة التامّة على الأموال تقتضي أمرين الأوّل عدم قصر سلطنة المالك على ماله بأن لا يقدر على البيع و الصّلح و أمثالهما كما إذا كان ماله مرهونا أو كان هو مفلسا أو سفيها الثّاني عدم تسلّط غيره على إخراج ماله عن ملكه كما إذا كان لغيره حقّ الخيار أو دين يحكم الحاكم بجواز المقاصّة منه فإذا اقتضى السّلطنة عدم تسلّط الغير إلّا لحقّ أو حكم فيقتضي عدم تأثير الفسخ من غيره بلا حقّ و لذا لا يجوز للمقرض إرجاع العين من ملك المقترض لمنافاته للسّلطنة التامّة للمقترض على ماله فعلى هذا لو قلنا بأنّ ملك الفسخ و الإقرار متعلّق بالعين فمع الشّكّ فيه يصحّ التمسّك بإطلاق النّاس مسلّطون على عدم تأثير الفسخ لأنّ الفسخ ينافي عدم تسلّط غير المالك على مال المالك

و أمّا لو قلنا بأنّ الفسخ يتعلّق بالعقد بمعنى أنّ الخيار يبطل التبديل الواقع من العاقدين من دون إرجاعه العين و رجوع العين إنّما هو أمر قهري يحصل بحلّ العقد ففي مورد الشّك لا يمكن التمسّك بالإطلاق لأنّ الفسخ لا يرجع إلى تصرّف غير مالك العين فيها

و بالجملة لو قلنا

ص: 9

بأنّ الخيار متعلّق بالعين فلازمه أنّ من عليه الخيار لا يتمكّن من التصرّف فيها لمنافاته لتعلّق حقّ الغير بها و لازمه أيضا عدم نفوذ الفسخ ممّن لم يعلم ثبوت الخيار له و أمّا لو قلنا بأنّه متعلّق بالعقد فلازمه جواز تصرّف من عليه الخيار و عدم صحّة التمسّك بإطلاق النّاس مسلّطون

قوله قدّس سره و منها الأخبار المستفيضة إلى آخره

لا يخفى أنّ المناقشة في هذه الأدلّة بأنّ دلالتها على وجوب البيع و أنّه لا خيار لهما بعد الرّضا إنّما هو بلحاظ ما يقتضيه نفس البيع لا للأمور العارضة أحيانا من غبن و عيب و لأجل هذا لا يكون أدلّة سائر الخيارات مخصّصة لها كما في حاشية المحقّق الخراساني قدّس سره غير صحيحة فإن نفس أدلّة سائر الخيارات تدلّ على التّخصيص و أنّ وجوب البيع الحاصل بالافتراق مثلا إنّما هو في غير الحيوان كصحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّٰه ع قال قلت له ما الشّرط في الحيوان قال ثلاثة أيّام للمشتري و قلت ما الشّرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرّضا و هكذا الصّحيحة المحكيّة عن قرب الأسناد

و بالجملة فالمناقشة في الأدلّة من دأب المصنفين و هم بصدد بيان الاحتمال و لو كان على خلاف الظّاهر لتوسعة أذهان المحصّلين و إلّا فدلالة هذه الأخبار على اللّزوم في خصوص البيع ممّا لا تنكر كما أنّ دلالة غير آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ على أصالة اللزوم في العقود المعاوضيّة كذلك و دلالة أَوْفُوا على أصالة اللّزوم في مطلق العقود و لو كان العهد الّذي بين اللّٰه تعالى و عباده أيضا كذلك

قوله قدّس سره و قد عرفت أنّ ذلك مقتضى الاستصحاب أيضا إلى آخره

لا يخفى أنّ العقود على ثلاثة أقسام الأوّل العقود الإذنيّة كالعارية و الوديعة و الوكالة و المضاربة الّتي قوامها بالإذن من المالك الّتي يكفي فيها كل لفظ أو فعل كاشف عن الرّضا منه و لا إشكال في أنّ مقتضاها أنّ مع فسخ المالك ينتفي رضاه بالتصرّف فيرتفع ما هو قوامها فلا يجري فيها الاستصحاب بل في الحقيقة هذه الأقسام خارجة من باب العقود بالتخصّص و إنّما تسمّى عقدا لاعتبار رضا الطّرفين و إلّا فهي ليست إلّا تسليطا على التصرّف

نعم لو اشترط عدم الفسخ في ضمن عقد آخر فهي تابعة لذلك العقد و أمّا لو اشترط عدمه في نفس هذا العقد كما لو وكله و شرط عدم عزله فلا يفيد هذا الشّرط لأنّ كلّ ما بالغير لا بدّ أن ينتهي إلى ما بالذات و نفس الوكالة لو كانت جائزة فالشّرط في ضمنها مثلها

و الثّاني العقود التّنجيزيّة كالبيع و الصّلح و أمثالهما و لا إشكال أنّ مقتضى الاستصحاب بقاء أثر ما أنشأ بالعقد فينتج نتيجة اللّزوم و المناقشة فيه بمعارضة باستصحاب بقاء علاقة المالك الأوّل المقتضي لتأثير فسخه في استرجاع المال إلى ملكه و حكومته على استصحاب ما ينتج اللّزوم لأنّ الشكّ في اللزوم و الجواز ناش عن الشك في بقاء علاقة المالك الأوّل ممنوعة جدّا لأنّ علاقة المالك إن أريد بها العلاقة الّتي بها يقدر على فسخ العقد و حلّه بناء على أنّ الخيار راجع إلى ذلك ففيه عدم تحقّق المستصحب قبل العقد و عدم تيقّنه بل نقطع بعدمه لأنّه قبل البيع لا عقد حتّى يمكن لبائعه مثلا حلّه و أمّا حين البيع فتحقّق هذا الحقّ له أوّل الكلام

و إن أريد بها علاقة بها يقدر على إرجاع العين في ملكه فهي مستحيلة الاجتماع مع الملك أي قبل البيع ليست هذه العلاقة له لأن كون

ص: 10

الإنسان مالكا لإرجاع العين الّتي في ملكه إلى ملكه ليس له معنى محصل فقبل البيع نقطع بعدم المستصحب أيضا و أمّا بعده فإنّه و إن أمكن ثبوت هذا الحقّ أي إرجاع العين إلى ملكه بجعل شرعي أو مالكي له إلّا أنّ المفروض أنّ الشّكّ فيه و الأصل عدم حدوثه

و إن أريد بها العلاقة الّتي كانت في مجلس البيع ففيه أنّ الشّكّ في بقائها بعد التفرّق حيث إنّه إمّا لاحتمال ثبوت خيار آخر له مع خيار المجلس و إمّا لتبدّل هذا الخيار إلى خيار آخر فهو من الاستصحاب المقارني أو التبدّلي من القسم الثّالث الّذي لا نقول بجريانه إلّا أن يكون نحو وجود المستصحب وجودا تبدّليّا كالحركة و ذلك لأنّ الصحّة الّتي كانت في المجلس مقطوع الارتفاع و الحصّة الأخرى مشكوك الحدوث من أوّل الأمر و نفس مفهوم الكلّي لا وجود له إلّا في ضمن أحد الفردين و ليس من قبيل القسم الثاني

و بالجملة مع عموم الأخبار بأن مع الافتراق ينقطع الخيار لا معنى لاستصحاب بقاء خيار المجلس و الخيار الآخر مشكوك الحدوث ثمّ من هذا البيان ظهر أنّه يمكن أن يكون وجه التأمّل في قوله فتأمل هذا الّذي ذكرنا يعني أنّ التمسّك بالأخبار إنّما هو لبيان ارتفاع خيار المجلس لا لإثبات اللّزوم بالأخبار حتّى يقال إنّ الكلام في استصحاب اللّزوم إنّما هو مع الإغماض عن العموم إذ مع فرض وجوده لا وجه للتمسّك باستصحاب الملكيّة

و بالجملة التمسّك بالأخبار إنّما هو لبيان أنّ علاقة المالك الحاصلة له في المجلس ارتفعت بالتفرّق عنه فيبقى استصحاب ما ينتج اللّزوم سليما عن الحاكم

قوله قدّس سره نعم هو حسن في خصوص المسابقة إلى آخره

هذا هو القسم الثالث من العقود و هي العقود التعليقيّة كالمسابقة و المراماة و المساقاة و الجعالة و أمثالها و لا إشكال في جريان الاستصحاب في هذه العقود أيضا لأنها و إن لم تتضمّن تمليكا أو تسليطا فعلا إلّا أنّها بعد حصول المعلّق عليه فيها يحصل الملكيّة فأنشأ التّمليك على تقدير السّبق مقتضى لاختصاص السّبق بالسابق فإذا شكّ في ارتفاع هذا الأثر عن العقد لفسخ أحد المتعاقدين فالأصل بقاؤه بل المسلم من حجّية الاستصحاب التّعليقي هذا القسم منه و ما يشبهه من استصحاب عدم الفسخ

و بالجملة التّكليف المنشأ على الموضوع المقدر وجوده كالحجّ على المستطيع لو شكّ في ارتفاعه عن موضوعه فالأصل بقاؤه كما أنّ الملكيّة المنشأة على تقدير كالرّمي و السّبق لو شكّ في ارتفاعها بالفسخ فالأصل بقاؤها و العجب من المصنف قدّس سره أنّه مع تحقق أحد جزأي موضوع الحكم كالعصير العنبي كيف أجرى استصحاب حكمه مع عدم تحقّق جزئه الآخر و في المقام مع أنّه إنشاء تكليف أو وضع على موضوع مقدّر وجوده لم يجر فيه الاستصحاب مع أنّ حقيقة الملازمة بين تحقّق الموضوع و الحكم ثابتة في المقام فهي قابلة للاستصحاب لا مثل حكم العصير العنبي و قد استوفينا الكلام فيه في الاستصحاب التّعليقي

قوله قدّس سره بل يرجع في أثر كلّ عقد إلى ما يقتضيه الأصل إلى آخره

لا يخفى أنّ منشأ الشكّ في اللّزوم و الجواز تارة لشبهة حكميّة و أخرى لشبهة خارجيّة فإن كان للأوّل فحيث إنّه لا أصل يثبت السّبب فيجري الأصل في المسبّب و يقال الأصل بقاء أثر العقد ملكا كان كالبيع أو حقّا كالرّهن و لو كان للثّاني فقد يكون هنا أصل موضوعيّ يثبت اللّزوم و الجواز و قد لا يكون فالأوّل كما إذا علم بأنّ العقد الصّادر بيع و شكّ في جعل الخيار فالأصل عدم

ص: 11

جعله فيثبت اللّزوم أو علم بأنّ الصّادر هبة و شكّ في جعل الثّواب أو قصد القربة فالأصل عدمهما فيثبت الجواز و الثاني كما لو اشتبه العقد الصّادر بين البيع و الهبة أو الإجارة و العارية أو القرض و الوديعة

ثمّ الاشتباه تارة مع بقاء العين و أخرى مع فساده و على التّقادير فقد يكون الاشتباه في مورد الترافع كما لو كان النزاع بين المتعاقدين و أخرى في غير مورده كما لو كان بين وارثهما أو بين أحدهما و وارث الآخر بمعنى أن يدّعي أحدهما عدم العلم فلو كان العقد صحيحا و كان الاشتباه في مورد التّرافع أي كان أحد المتعاقدين و هو من انتقل عنه العين يدعي الهبة و الآخر البيع و العين باقية في يد من ادّعى البيع فلو قلنا بالتّحالف فيرجع العين إلى مالكه الأصلي و لو لم نقل و فسخ مدّعي الهبة فحيث إنّه يشكّ في تأثير الفسخ فمقتضى الأصل بقاء أثر العقد إلّا أنّه يعلم إجمالا إمّا بخروج العين عن ملك من انتقلت إليه و إمّا بثبوت العوض عليه

و حيث إنّ مدّعي الهبة يدّعي عدم استحقاقه العوض فيجب الصّلح بينهما و لو كان النزاع بالعكس أي المالك الأصلي يدّعي البيع و الآخر الهبة أي كان نزاعهما في ثبوت اشتغال ذمّة من انتقل إليه العين بالعوض و عدمه مع اعتراف المالك الأصلي بعدم استحقاقه الفسخ فالأصل براءة ذمّة مدّعي الهبة عن العوض

و لو كان الاشتباه في غير مورد التّرافع أي لا يدّعي أحدهما أو كلاهما العلم بالواقع فمقتضى استصحاب أثر العقد هو اللّزوم و مقتضى أصالة البراءة هو عدم اشتغال ذمّة من بيده العين عن العوض إلّا أنّه يعلم إجمالا بأنّه لو فسخ طرفه فإمّا يجب عليه ردّ العين أو العوض فلا يفيده أصل البراءة و يجب الصّلح بينهما لأنّ الطّرف أيضا يعلم بعدم استحقاقه إمّا العين و إمّا العوض و لو لم يكن العين باقية في هاتين الصّورتين ففي الصّورة الأولى لو ادّعى المالك الأصلي البيع حتّى يستحق العوض فالأصل براءة ذمّة من تلف عنده العين و لو ادّعى الهبة و ثبت الفسخ في حال بقاء العين و ادّعى مماطلة الآخر في ردّ العين فالحكم كما في مورد بقاء العين إلّا أنّ هنا يعلّم تفصيلا ببقاء العوض في ذمّة من تلف عنده العين إمّا المسمّى على ما ادّعاه من البيع و إمّا المثل أو القيمة لعدم ردّه عين مال الغير مع تسليمه المماطلة

و في الصّورة الثّانية الأصل براءة ذمّته عن العوض إلّا أن يقال في جميع الأقسام أنّ مقتضى أصالة الاحترام في الأموال أنّ مدّعي براءة الذمّة تجب أن يثبت مدّعاه و إلّا نفس المال بطبعه يقتضي أن لا يخرج عن ملك مالكه بلا عوض و لا يبعد أن يكون منشأ اختيار المشهور الضمان في مورد اشتباه العقد الصّحيح بين القرض و الوديعة و بين الإجارة و العارية بالنّسبة إلى المنافع و بين البيع و الهبة هو أصالة الاحترام فتدبّر

هذا مع أنّه دلّ نصّ خاصّ على الضّمان في مثل هذه الموارد و هو ما عن أبي الحسن ع عن رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعت فقال الرّجل كانت عندي وديعة و قال الآخر إنّما كانت لي عليك قرضا فقال ع المال لازم له إلّا أن يقيم البيّنة أنّها كانت وديعة

و أمّا لو كان العقد فاسدا ففي صورة بقاء العين يجب ردّها إلى مالكها أو إلى ورثته و في صورة التّلف يجب ردّ عوضها إلى مالكها أو ورثته لأنّ موجب الضّمان و هو اليد قد تحقّق و رافعه و هو إقدام المالك على المجانيّة غير معلوم فيستصحب و يحكم بالضّمان لأنّ الموضوع للضّمان و هو المركّب من اليد و عدم تحقّق رافعه محرز بالوجدان و الأصل و ليس إقدام المالك على

ص: 12

المجانيّة من مفاد كان النّاقصة لليد حتّى يقال إنّ عدم إقدامه من مفاد ليس النّاقصة فليس له حالة سابقة لأنّه لم تتحقّق في زمان يد تتّصف بعدم إقدام صاحبها على المجانيّة و ذلك لأنّ رافع الضّمان ليس من نعت اليد بل هو من صفات ذي اليد كما هو الشّأن في كلّ عرض بالنّسبة إلى محلّه و إمّا بالنّسبة إلى عرض آخر أو جوهر فهما متباينان و لذا يكفي في تحقّقه تحقّقه قبل تسليط المالك على ماله أو بعده كما يكفي تحقّقه معه فإذا تحقّق يد في الأمس و إقدام على المجانيّة في اليوم يكفي لرفع الضّمان و على هذا ففي مورد الشّكّ في الإقدام على المجانيّة يحرز عدمه بالعدم المحمولي

ثمّ لا يخفى أنّه بناء على ما ذكرنا في تحقيق قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن من أنّ الإقدام على الضمان ليس دليلا مستقلّا للضّمان ظهر ما في كلام المصنف في قوله قدس سره و إن كان المستند دخوله في ضمان العين إلى آخره كما أنّه لا يخفى ما في قوله أو لو قلنا بأنّ خروج الهبة من ذلك العموم مانع عن الرّجوع إليه لأنّ الهبة خارجة عن عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و مثله لا عن عموم على اليد ما أخذت لأنّ عمومه غير ناظر إلى العقود

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ الرّجوع في أثر كلّ عقد إلى ما يقتضيه الأصل بالنّسبة إنّما يتمّ فيما لو كان العقد المختلف فيه له أثر غير أثر ما يدّعيه الآخر من العوض و نحوه و أمّا لو كان المالك الأصلي يدّعي الهبة و الآخر الصّلح المجاني و قلنا بأنّ الصّلح عقد لازم مستقلّ فمقتضى استصحاب اللّزوم عدم تأثير فسخ مدّعي الهبة

[القول في أقسام الخيار]

[الأول في خيار المجلس]

[مسألة لا إشكال في ثبوته للمتبايعين إذا كانا وكيلين في الجملة]

قوله قدس سره و الأولى أن يقال إنّ الوكيل إن كان وكيلا في مجرّد إجراء العقد فالظّاهر عدم ثبوت الخيار لهما إلى آخره

لا يخفى أنّ الوجوه التي ذكرها المصنف ره تبعا للمحقّقين تامّة لا إشكال فيها أمّا الانصراف فمنشؤه أنّ الوكيل في إجراء الصّيغة بمنزلة الآلة و كأنّه لسان الموكّل فنسبة البيع إليه في الحقيقة نسبة مجازيّة و ذلك لأنّه و إن كان مختارا في إنشاء عنوان البيع إلّا أن مبادي اختيار اسم المصدر غير قائم به و أمّا كون مفاد أدلّة الخيار عدم ثبوته لمجري الصّيغة فوجهه ما يستفاد من مناسبة الحكم و الموضوع من أنّ المحمول الّذي رتّب على البيع هو المحمول في الرتبة الثّانية من الحمل

و توضيح ذلك أنّ محمولات الموضوعات مختلفة بعد اتفاقها في تجرّد عقد وضع موضوعاتها عنها فمثل حمل الموجود على ماهية يكون الموضوع فيه الماهيّة المعراة عن الوجود و العدم و مثل حمل كاتب على زيد الموضوع فيه ما يكون مفروغ الموجوديّة و مثل حمل تحرّك الأصابع عليه الموضوع هو الموجود الكاتب و بهذه المناسبة يختلف الموضوع في باب الاستصحاب لفرق العرف بين موارده فلا بدّ أن يلاحظ أنّ العناوين المأخوذة في الموضوعات بل هي من قبيل العلل كالتغيّر لعروض النّجاسة على الماء أو من قبيل الوسائط في العروض أي الموضوع هذا المعنون بالعنوان كالمجتهد الّذي هو موضوع لجواز التّقليد و تمييز هذين الأمرين بنظر العرف و لذا بعد زوال التغيّر يقولون بأنّ الموضوع باق بخلاف زوال الاجتهاد

ففي المقام الذي أخذ موضوعا للخيار أخذ بعد مفروغيّة مالكيّته لالتزام الطّرف المقابل أي بعد كونه قادرا على الإقالة و ردّ التزام طرف المقابل قادرا على إعمال التزام نفسه بإبقائه أو إعدامه

و بعبارة واضحة مفاد أدلّة الخيار إثبات حقّ و سلطنة لكلّ من المتعاقدين في نقض ما التزم به و إبرامه بعد الفراغ عن سلطنته على الإقالة و ردّ

ص: 13

ما التزم الآخر به و لا شبهة أنّ مجري الصّيغة لا يملك التزام الآخر و ليس له الإقالة حتّى يثبت له بأدلّة الخيار ملك كلا الالتزامين

و يجب أن يحمل مراد المصنف من المنتقل عنه و إليه على الالتزام لا العين حتّى يقال إنّ حقّ الخيار لا تعلّق له بما انتقل عنه أو على ما سيجي ء توضيحه و أمّا الدليل الثّالث أي اتّحاد السّياق فأمره أظهر من أن يخفى على أحد فإنّ قوله ع في صحيحة محمّد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا يدلّ على أنّ من له الخيار في الحيوان و من له خيار المجلس واحد و خيار الحيوان لا يمكن الالتزام بثبوته للوكيل في إجراء الصّيغة فكذلك خيار المجلس و الأخبار المطلقة كقوله البيعان بالخيار حتّى يفترقا متّحد في الموضوع مع الأخبار المقرونة بخيار الحيوان لا من باب حمل المطلق على المقيّد فإنّه لا يجري في الأحكام الانحلاليّة كقوله أكرم العالم و أكرم زيدا بل من باب أنّه لا إطلاق في الأخبار المطلقة فإنّ الموضوع فيها من كان له خيار الحيوان في بيع الحيوان

و أمّا الدّليل الرّابع و هو أنّ حكمة جعل الخيار إرفاق للمالك ليتروّى فيختار ما هو الأصلح له فهو و إن كان دليلا اعتباريّا و لا يقتضي الحكمة الاطّراد في كلّ مورد إلّا أنّه نعلم بأن جعل هذا الخيار شرعا لمن ليس له اختيار البيع بلا موجب و لا ينتقض بجعل المتعاقدين الخيار الثالث فإنّه كمال السّلطنة لهما في ذلك و حقّ جعلي مالكي منهما له

ثمّ إنّ هذه الوجوه الثّلاثة الأخيرة إنّما هو بعد الغضّ عن الوجه الأوّل و أمّا بلحاظه فلا نحتاج إلى تطويل و ذلك لما عرفت من أنّ عقد الوضع و هو البيع لا يصدق على مجري الصّيغة لأنّ مبادي اختيار البيع ليس بيده نعم يفيد هذه الوجوه لإثبات عدم ثبوت الخيار للوكيل الّذي تنتهي وكالته بإجراء عقد البيع و إن لم يكن كمجري الصّيغة بل كان مستقلّا في التصرّف في الشّراء أو البيع

و حاصل الكلام أنّ الوكلاء على أقسام ثلاثة الأوّل الوكيل المفوّض المستقلّ في التصرّف على أيّ نحو شاء كالعامل في القراض و أولياء القاصرين و الثاني الوكيل في إجراء الصّيغة فقط و الثّالث المتوسّط بينهما بأن كان وكيلا مستقلّا في المعاوضة إلّا أنّ نفس دليل وكالته لا يشمل فسخ المعاوضة بعد تحقّقها و لو أذن له الموكّل في الفسخ بعد العقد أيضا فهو وكالة مستقلّة فتنقطع وكالته الأولى بعد المعاوضة و إن كان مستقلّا و مختارا في الشّراء مثلا بأيّ مقدار من الثمن و من أيّ بائع

فالقسم الأوّل له الخيار لعموم النّص لأنّه بيع حقيقة بل جميع الوجوه الدالّة على ثبوت الخيار للمالك لو كان بنفسه عاقدا تجري في حقّه أيضا و القسم الثّاني ظهر حاله و الثالث كالثّاني و إن صدق عليه عقد الوضع إلّا أنّ عقد الحمل و هو قوله ع بالخيار لا يشمله لما عرفت من أنّ الخيار سلطنة ثابتة بأدلّته للعاقد بعد الفراغ عن سلطنته على التزام الطّرف المقابل و الوكيل الّذي منتهى وكالته ليس مالكا لالتزام الطّرف المقابل لأنّه ليس له الإقالة و لا الفسخ بغير خيار المجلس من سائر الخيارات حتّى يثبت له خيار المجلس بأدلّته بل هو بعد المعاوضة أجنبيّ صرف

و بتقرير آخر أدلّة الخيارات مخصّصة لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فكلّ من يجب عليه الوفاء بالعقد مختار في الفسخ بدليل الخيار و هو ليس إلّا من كان مسلّطا على ما انتقل إليه فالتسلّط على ما انتقل إليه ملازم لثبوت الخيار و لو كان الخيار راجعا إلى العقد لا العين فمن ليس مسلّطا على

ص: 14

ما انتقل إليه ليس وجوب الوفاء موجّها عليه و من لا يجب عليه الوفاء لو لا الخيار ليس له الخيار فعلى هذا لقد أجاد المصنف قدس سره في تعبيره بأنّ مفاد أدلّة الخيار إثبات حقّ و سلطنته لكلّ من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر بعد الفراغ عن تسلّطه على ما انتقل إليه

و هكذا الوجهان الأخيران لا يجريان في حقّ هذا الوكيل أيضا فإن خيار الحيوان المقرون في الأدلّة مع خيار المجلس ليس له لأنّه أجنبيّ عن الحيوان حتّى ينظر و يتروّى و هكذا الإرفاق للمالك و إن كان حكمة إلّا أنّ الحكمة لا يجب أن يطرد في مورد الحكم المعلّل بها لا في غير مورده مثلا اختلاط المياه الّذي حكمة لجعل العدّة لا يجب أن يطرد إلّا أنّه في مورد ذات العدة لا في البائن الّذي ليس موردا لجعل العدة فالمقام و إن كان جعل الخيار حكمة و إرفاقا للمالك إلّا أنّه جعل له فهو الذي له الخيار و لو لم يكن في مورد خاص جعله له إرفاقا له و لم يجعل لغير المالك فلا وجه لثبوته له

قوله قدس سره و على المختار فهل يثبت للموكّلين فيه إشكال إلى آخره

بعد ما ظهر أنّ الخيار ثابت للوكيل المطلق المفوّض إليه أمر المعاملة بيعا و شراء فسخا و إمضاء دون غيره فهل يثبت للموكّلين مطلقا أو لا يثبت لهما مطلقا أو تفصيل بين الموكّلين في إجراء الصّيغة فلهما ذلك و غيرهما من القسمين الآخرين فليس لهما وجوه أقواها ثبوته لهما مطلقا

أمّا لو كان وكيلهما وكيلا في إجراء الصّيغة فقط لأنّ البيع في الحقيقة نفس الموكّلين و الوكيلان بمنزلة لسانهما و يصدق في حقّهما حقيقة أنهما باعا و اشتريا و أمّا لو كان وكيلهما وكيلا في المعاوضة الخاصّة أو مطلقا فلصحة انتساب البيع إلى نفس الموكّلين أيضا كما يصحّ انتساب الفعل إلى المباشر و السّبب في كلّ فعل و لذا ورد تارة اللّٰهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا و أخرى قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ و ثالثة وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلٰائِكَةُ فنسب الفعل تارة إلى اللّٰه تعالى و أخرى إلى عزرائيل عليه السّلام و ثالثة إلى أعوانه من الملائكة سلام اللّٰه عليهم

نعم قد يناقش فيما ذكرناه بوجوه الأوّل أنّه و إن صحّ استناد الفعل إلى السّبب و المباشر إلّا أنّه في استعمال واحد لا بدّ أن يراد أحدهما فالمراد من قوله ع البيعان إمّا الموكّلان أو الوكيلان و المفروض ثبوته للوكيل المفوّض فلا يمكن ثبوته للموكّل أيضا الثّاني أنّهم ذكروا أنّه لو حلف المالك على عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله فمنه يظهر أن بيع الوكيل ليس بيعا له الثالث أنّه لا شبهة في تأثير فسخ الوكيل المفوّض و إمضائه فكيف يؤثّر فسخ المالك و إمضائه مع أنّ الملك الواحد و الحق كذلك لا يمكن ثبوته لملّاك متعدّدة و ذوي حقوق مختلفة

و لكنّه بأجمعها فاسدة أمّا الأوّل فلأنّ إرادة معنى واحد في استعمال واحد إنّما يلزم لو كان اللّفظ مختصّا بأحد من الأمرين و المأمور أو السّبب و المباشر كالآيات الشّريفة فكما لا يمكن أن يراد من ملك الموت هو اللّٰه تعالى فكذلك لا بدّ أن يراد من يتوفّاكم في هذه الآية الفعل بالمباشرة و أمّا لو كان اللّفظ من قبيل البيع أو المميت مثلا فلا يجب أن يراد منه أحد من المباشرة و السّبب لإمكان إرادتهما منه و لو على نحو عموم المجاز

و بالجملة يراد من البيع معنى عامّا له مصاديق مختلفة في كيفيّة صدور الفعل منهم على نحو التسبيب و المباشرة و أمّا الثاني فعدم حنث المالك ببيع وكيله مضافا إلى اختصاصه بغير مورد الوكيل

ص: 15

في إجراء الصّيغة لحنثه ببيعه أن عدم الحنث إنّما هو لاعتبار الالتفات و الاختيار في متعلّق النّذر و أمّا البيع فلم يعتبر الاختيار و لا الالتفات فيه فيصدق في حقّ الموكّل أنّه بائع و إن لم يلتفت إلى بيع وكيله و أمّا الثالث ففيه أنّ تعدّد الملّاك في ملك واحد في آن واحد إنّما يمتنع لو كان كلّ مالك في عرض الآخر و أمّا في المقام فملك الوكيل في طول ملك المالك و من شئون ملكه و من باب أنّه هو الوكيل و الوكيل هو الموكّل

هذا مضافا إلى أنّ حكمة جعل الخيار تقتضي ثبوته للموكّل أيضا و بالجملة إذا كان الموكّلان حاضرين في المجلس فالأقوى ثبوته لهما و إن لم يجتمعا للبيع و لم يعلما به أمّا اعتبار حضورهما فلظاهر قوله ع ما لم يفترقا أمّا عدم اعتبار اجتماعهما للبيع و التفاتهما به فلإطلاق الدّليل و عدم اعتبار شي ء سوى الاجتماع

ثمّ بناء على ثبوت الخيار للموكّلين و الوكيلين طوليّا فكلّ من سبق من الوكيل هو الموكّل على إعمال الخيار نفذ و ذهب موضوع حقّ الآخر و ذلك ظاهر كما يظهر توضيحه في خيار الشّرط المجعول للأجنبيّ

قوله قدّس سره ثمّ على المختار من ثبوته للموكّلين فهل العبرة فيه بتفرّقهما عن مجلسهما حال العقد أو عن مجلس العقد أو بتفرّق المتعاقدين أو بتفرّق الكلّ فيكفي بقاء أصيل مع وكيل آخر في مجلس العقد وجوه أقواها الأخير إلى آخره

لا يخفى أن كفاية بقاء أصيل مع وكيل آخر في مجلس العقد مع اعتباره قدس سره حضور الموكّلين في المجلس متنافيان و ذلك لأنّه لو لم يعتبر استدامة الحضور ممّن له الخيار لم يعتبر في الابتداء أيضا لأنّ استفادة الاجتماع في المجلس إنّما هو من قوله ع ما لم يفترقا فلو صدق عدم تفرّق الموكّل ببقاء وكيله في المجلس صدق اجتماعه أيضا ابتداء و إن لم يكن نفس الموكّل حاضرا في المجلس رأسا لأنّ عدم صدق تفرّقه ليس إلّا أنّ الوكيل هو الموكّل تنزيلا فإذا كان كذلك فلا يعتبر حضوره أصلا فالأولى أن يقال لو كان الموكّلان حاضرين في المجلس و لو لم يجتمعا للبيع فيثبت الخيار لهما مطلقا

و أمّا لو لم يحضرا فلو كان الوكيلان وكيلين في إجراء الصّيغة فقط أو في خصوص معاملة خاصّة بحيث تنتهي وكالتها بالعقد فلا خيار أصلا لا للموكّلين و لا للوكيلين أما للوكيلين فلمّا ظهر سابقا

و أمّا للموكّلين فلعدم حضورهما و حضور الوكيلين لا يفيد لاجتماع البيعين اللّذين هما الموكّلان حقيقة فإن بعد انقطاع الوكالة ليس اجتماع لأحد أصلا و لا بدّ في إعمال الخيار من اجتماع من له الخيار فلا يفيد حضور الموكّلين بعد العقد قبل تفرّق الوكيلين أيضا لأنّ حال البيع لا اجتماع و حال الاجتماع لا خيار

و بعبارة أخرى يظهر من قوله ع ما لم يفترقا اعتبار اجتماع من له الخيار من حين البيع إلى حين إعمال الخيار فلو لم يحصل لا خيار فعلى هذا لو وكّلهما الموكّلان بالفسخ بعد العقد مع عدم حضور أنفسهما لا يصحّ لأنّ نفس وكالتهما في إجراء الصّيغة أو في المعاملة لا يثبت لهما حقّا في الفسخ و الإمضاء و إذنهما في الفسخ و الإمضاء بعد عدم ثبوت الخيار لأنفسهما لعدم حضورهما لا يؤثّر في ثبوت حقّ للوكيل لأنّ ثبوت حقّ له إنّما هو فرع ثبوته لموكّله

و أمّا لو كان الوكيلان وكيلين مفوّضين مستقلّين فيكفي عدم تفرّقهما لثبوت الخيار للموكّلين و لو لم يجتمعا أصلا و ذلك لما عرفت من أنّ الحقّ الثّابت للوكيلين إنّما هو لأنّهما بدنا تنزيليين للموكّلين و لأنّ البائع في الحقيقة هو الموكلين لأنّ البيع كسائر المشتقات

ص: 16

كقوله باع فلان داره موضع لمن انتقل عنه المال و المنتقل عنه المال هو المالك لا الوكيل فليس للوكيل حقّ في عرض حقّ الموكّل و إنّما حقّه من شئون حقّ المالك و من حيث إنّه نازل منزلته فإذا كان المالك هو البيع و كان اجتماع الوكيل بمنزلة اجتماع المالك فلا يعتبر حضور المالك أصلا

و بالجملة حيث إنّ الحقّ الثّابت للوكيل إنّما هو لكونه مالكا تنزيلا و لذا نختار في المسألة الآتية عدم انتقال حقّ الخيار الثّابت له إلى وارثه لكونه ذا حقّ من حيث وكالته لا من حيث ذاته فيكفي عدم تفرّقه للثّبوت حقّ للمالك و لو مع عدم حضوره و هذا مراد العلّامة قدس سره من أنّه لو مات الوكيل في المجلس و الموكّل غائب انتقل حقّ الخيار إليه لأنّ ملكه أقوى أي خيار الموكّل باق و بموت الوكيل لا ينتقل إلى وارثه لأنّ ملكه من شئون ملك الموكّل و من تبعات وكالته و لم يكن له حقّ في عرض حقّ الموكّل حتّى ينتقل إلى وارثه

و بالجملة لو كان حقّ الوكيل حقّا مستقلّا و كان الخيار ثابتا له و لموكّله بما هما شخصان كثبوت حقّ الخيار للورثة على أحد الأقوال فيه لكان الانتقال إلى الوارث في محلّه و كان المقام من تقديم الفاسخ على المجيز و لازمه عدم ثبوت الخيار للموكّل مع عدم حضوره و سقوط حقّه مع افتراقه

و أمّا لو كان حقّه طوليّا و من باب أنّه هو الموكّل تنزيلا فلا وجه لانتقاله إلى وارثه و لا لثبوت حقّ الموكّل بعد فسخ الوكيل أو إمضائه و لا لاعتبار حضور الموكّل أو سقوط حقّه بتفرّقه بل لو قلنا باعتبار حضوره أيضا لا يسقط حقّ الخيار بتفرّقه ما دام الوكيل باقيا لأنّ التفرّق كالانفصال و سائر الأفعال الموجبة الّتي هي بمعنى النّافية لا يصدق إلّا مع تفرّق الجميع و ليس كالإيجاب الذي يصدق بأوّل وجوده

قوله قدس سره و ممّا ذكرنا اتّضح عدم ثبوت الخيار للفضوليّين إلى آخره

لا إشكال في هذا أصلا لأنّه و إن صدق البيع على الفضولي إلّا أنّ الوجوه الّتي ذكرناها في عدم ثبوته لمجري الصّيغة جارية هنا بل بطريق أولى إنّما الكلام في ثبوته للمالكين لو كانا حاضرين في مجلس عقد الفضوليّين و أجازا في المجلس و لا يبعد ثبوته لهما لأنّ بالإجازة ينتسب العقد إليهما و المفروض حضورهما في المجلس فيصدق عليهما البيعان الغير المفترقين

و لو لم يكونا حاضرين معا في المجلس فلو لم يجتمعا في مجلس الإجازة أيضا بأن أجازا متفرقين فلا إشكال في عدم ثبوت الخيار لهما و أمّا لو حضرا في مجلس الإجازة فيظهر منه قدس سره أنّه على النّقل لا سيّما على القول بأنّ الإجازة عقد مستأنف أن لثبوته لهما وجها

و لكن الحقّ عدم ثبوته لهما أيضا لأنّ النّقل أو الكشف لا مدخليّة له في صدق البيع المجتمع حال البيع عليهما لأنّ الانتقال و إن حصل حال الإجازة إلّا أنّه لو احتمل خصوصيّة الاجتماع حال العقد فلا دافع لهذا الاحتمال و إطلاق البيعان بالخيار ليس بصدد البيان من هذه الجهة و أمّا القول بأنّ الإجازة عقد مستأنف فمردود جدّا و ممّا ذكرنا أوّلا يظهر ما إذا كان أحد المالكين مباشرا للعقد و الآخر مجيزا و جمع العقد من الأصيل و الفضولي مع الإجازة مجلس واحد عرفا فإنّه لا يبعد ثبوت الخيار هنا فقط لأنّ حين الإجازة يصدق عليهما البيع المجتمع

نعم لو كان مجلس الإجازة غير مجلس العقد فلا خيار لهما و إن اجتمعا معا حين الإجازة لعدم تأثير هذا الاجتماع أصلا لصيرورة العقد في بدو الأمر عقدا للأصيل و الآن للمالك فلا وجه لثبوته

[مسألة لو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره ولاية أو وكالة]

قوله قدس سره مسألة لو كان العاقد واحدا

ص: 17

لنفسه أو غيره إلى آخره

لا يخفى أن ثبوت الخيار للعاقد الواحد المتولّي طرفي العقد يتوقّف على أن يكون قوله ع ما لم يفترقا و حتّى يفترقا بيانا للمسقط بحيث يكون قوله ع البيعان بالخيار كلاما مستقلا لا يرتبط بقوله ع ما لم يفترقا أي كان مفاد الكلام أنّ الخيار للبيعين ما داما في المجلس و أمّا إذا افترقا فيسقط حقّهما و أمّا لو كان ظاهرا في القيديّة للموضوع أي البيعان الغير المفترقين يثبت لهما الخيار فيختص الخيار بمورد يمكن فيه الاجتماع و الافتراق فلو فقد هذا الوصف ابتداء كما في المقام أو طرأ ثانيا كما إذا مات الوكيل المفوّض في المجلس و لم نقل بانتقال حقّ الخيار إلى غيره و لم يكن المالك في المجلس فلا خيار أصلا و الظّاهر أن قوله ع ما لم يفترقا قيد للموضوع فيعتبر ثبوته للبيعين اللّذين من شأنهما الاجتماع و الافتراق و لا أقلّ من الشكّ

نعم لو قيل بإجمال الأدلّة فمقتضى الاستصحاب الفرق بين ما إذا طرأ فقد هذا العنوان و ما إذا فقد ابتداء فيقال بثبوت خيار المجلس في الأوّل و عدم قابليّته للسّقوط إلّا بمسقط آخر لعدم إمكان الافتراق و عدم ثبوته في الثاني للشكّ في ثبوته ابتداء

[مسألة قد يستثنى بعض أشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار]
[منها من ينعتق على أحد المتبايعين]

قوله قدس سره منها من ينعتق على أحد المتبايعين إلى آخره

لا يخفى أنّ صحّة هذا العنوان بناء على المشهور من عدم توقّف الملك على انقضاء الخيار تتوقّف على أن يكون البيع معاوضة حقيقيّة بأن ينتقل من ينعتق إلى ملك من ينعتق عليه و أمّا لو قيل بأنّه استنقاذ محض كاشتراء المسلم الأسير من الكفّار فلا يشمله أدلّة الخيار

ثمّ بناء على كونه بيعا معناه دخول المبيع في ملك المشتري حقيقة و إن لم يستقرّ على ملكه لانعتاقه عليه قهرا و هذا هو المقصود من الملك التّقديري في باب أعتق عبدك عنّي أي الملك الحقيقيّ الغير المستقرّ الثّابت آنا ما لا الملك الفرضي كأنياب الأغوال و على هذا ينزل التّقديري في قول المصنف لا الفرضي و الحاصل أنّا إذا قلنا إنّ الملك فيمن ينعتق عليه تقديريّ لا تحقيقيّ و لكن على نحو البيع الاستنقاذي لا على نحو التقديري في باب أعتق عبدك عنّي فإنّه تحقيقيّ فالأولى الاستدلال لعدم ثبوت الخيار بما ذكرنا من أنّ أدلّة الخيار لا تشمله فإنّه لا يصدق على المتعاقدين البيعان و إن أنشئا الملكيّة فإنّ الإنشاء مقدمة للانعتاق لا بما ذكره المصنف

و حاصله أنّ بيعه ممّن ينعتق عليه إقدام على إتلافه فلا خيار للبائع و شراء المشتري من ينعتق عليه إتلاف له في الحقيقة فلا خيار له فإن مع قصور أدلّة الخيار لا تصل النوبة إلى هذا الاستدلال

نعم ما ذكره قدس سره أيضا متين جدّا و لا يختصّ بمورد العلم و ذلك لأنّ المعاملة الّتي أوجدها المتبايعان إذا كانت سببا لإتلاف المبيع لا يبقى موضوع لتعلّق الخيار به و إن قلنا بتعلّقه بالعقد لا بالعين فإنّ التّفصيل بين تعلّقه بالعقد أو بالعين يؤثر فيما لو استقرّ الملك ثم تلف و أمّا لو كان نفس البيع سببا للتّلف فلا فرق بينهما كما لا فرق بين العلم و الجهل لو كان البيع من باب إيجاد السّبب

نعم لو قلنا بأنّ الانعتاق حكم شرعيّ مترتب على الملك فمجرّد علم المتبايعين به لا يؤثّر في سقوط الخيار لأنّهما لم يقدما إلّا على بيع العبد و الانعتاق و الخيار حكمان مجعولان واردان على هذا الموضوع فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجّح

و على هذا فيمكن

ص: 18

أن يكون قوله فتأمّل راجعا إلى عدم الفرق بين مورد العلم و الجهل في كلا طرفي النّفي و الإثبات أي يمكن أن يقال بثبوت الخيار حتى في مورد العلم لأنّ الإقدام على موضوع ذي حكم ليس إقداما على الحكم و يمكن أن يقال بسقوط الخيار حتى في مورد الجهل لأنّ إنشاء البيع إذا كان سببا للإتلاف فالجهل به لا يقتضي عدم تأثير السّبب كما في كلّ ما كان من قبيل الأسباب و المسبّبات

نعم قد يتوهّم هنا إشكال آخر على أصل ثبوت الخيار أو سقوطه فإنّ النّزاع فيه إنّما هو بعد تحقّق القبض من المشتري ثم دعوى الرّجوع إلى القيمة لثبوت الخيار و امتناع تعلّقه بالعين أو سقوطه لعدم إمكان تلقّي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه و إذا فرض أنّ البيع إتلاف للمبيع فلم يتحقّق القبض من المشتري و لكنّك خبير باندفاع هذا التوهّم لأنّ نفس انعتاقه عليه إقباض و إلّا يلزم أن يكون تلفه على البائع و لا يستحقّ شيئا من الثمن و القيمة

قوله قدس سره و قد يقال إنّ ثبوت الخيار لمن انتقل عنه مبنيّ إلى آخره

هذا القول لصاحب المقابس قدس سره و محصّل مرامه أنّه لو قلنا بأن الانعتاق معلول للملك الّذي هو مترتب على العقد و الخيار في عرض الملك فله الخيار بالنّسبة إلى القيمة كما هو مفروض كلامه لأنّ الملك و الخيار كليهما معلولان للعقد عرضا و الانعتاق معلول لأحد المعلولين فهو متأخّر رتبة عن علّته الّتي هي في عرض المعلول الآخر إلّا أن يقال نسبة الخيار و الملك إلى العقد ليست نسبة المعلولين إلى العلّة حتّى يقال إنّ الانعتاق متأخّر رتبة عن الخيار حيث إنّه مترتّب على الملك الّذي هو في عرض الخيار و ذلك لأنّ الخيار من أحكام العقد لا من معلولاته و الملك أيضا ليس معلولا له بل هو المنشأ به فإذا كان الخيار من أحكامه و كان له جهة الحرفيّة لا الموضوعيّة و الاسميّة بمعنى أنّه حلّ له من حيث المنشإ و إرجاع للإضافة المالكيّة فيمتنع إعماله في المقام الّذي لا يمكن فرض مالكيّة المفسوخ عليه

و أمّا لو قلنا بأنّ الانعتاق و الخيار كليهما معلولان للعقد أو معلولان للملك و الخيار معلول للملك و الانعتاق للعقد ففيه وجهان

أحدهما السّقوط أمّا على الأخير فلسبق الانعتاق على الخيار و أمّا على الأوّلين فلأنصيّة أخبار العتق و لا يقال يمكن الجمع بينهما بتأثير العتق و رجوع ذي الخيار إلى القيمة لأنّ القيمة بدل العين فيمتنع استحقاقها من دون المبدل

و ثانيهما الثّبوت للجمع بين الحقّين و لا يقال لا يمكن الجمع بينهما لتعارض النصّين فإنّ التّعارض إنّما هو بالنّسبة إلى نفس العين و أما بالنّسبة إلى القيمة فلا منافاة أصلا بل هو عمل بالنصّين و مقتضى ثبوت حقّ الخيار الرّجوع إلى القيمة للإجماع على عدم إمكان زوال يد البائع عن الثّمن و عن قيمة المبيع و تنزيلا للفسخ منزلة الأرش من عدم سقوطه لو ظهر عيب في المبيع مع انعتاقه على المشتري أي كما أنّ الانعتاق لا يوجب سقوط حق المشتري من الأرش لو ظهر المبيع معيبا فكذا لا يوجب سقوط حق البائع بالنّسبة إلى القيمة لعدم التنافي بينهما و ممّا ذكرنا ظهر أنّ جميع ما وجّه به الثبوت راجع إلى وجه واحد و هو ثبوت القيمة

نعم يرد على وجه السّقوط أنّ الأنصيّة لا توجب الترجيح في المقام لأنّ تعارض أخبار الانعتاق و الخيار ليس من باب تعارض الدّليلين بل نظير تزاحم الحقّين فأنصيّة أخبار العتق لا تفيد تقديمه على الخيار

قوله قدس سره أقول إن قلنا

ص: 19

إنّه يعتبر في فسخ العقد بالخيار و بالتقابل إلى آخره

محصّله أنّه لو قلنا بأنّ الفسخ يوجب خروج الملك عن ملك من انتقل إليه إلى ملك من انتقل عنه يمتنع الخيار في المقامين الأوّل في مسألتنا هذه لأنّ رجوع العمودين إلى ملك البائع يقتضي كون المشتري مالكا للعمودين و ذلك ممتنع لأنه لا يترتّب على ملكيّة لهما سوى الانعتاق الثّاني في ما لو انتقل بالملك اللّازم إلى الثّالث فإنّه يمتنع أن يرجع المبيع إلى البائع الأوّل مع أنّ المشتري الثّاني اشتراه من المشتري الأوّل و السّر في ذلك ما ذكرناه من أن تقدير الملك ليس مجرّد الفرض بل له واقع غاية الأمر أنّه ملك غير مستقرّ و الملك الحقيقيّ الآني يمتنع في هذين المقامين نعم

في مورد التّلف الحقيقيّ يمكن تقدير الملك قبل التّلف آنا ما للبائع و أمّا لو قلنا بأنّ الفسخ لا يقتضي أزيد من ردّ العين إن كانت موجودة و بدلها إن كانت تالفة أو بحكم التّلف فلا مانع من إعمال الخيار في جميع المقامات

و الحقّ ذلك إذ لا موجب لتقدير الملك بل لا موجب لضمان من عليه الخيار فإنّ مجرّد تلف المبيع في يد المشتري من مال البائع لا يوجب ضمان المشتري لماله لو لم يكن يده يد ضمان و لو كانت فلا موجب للتقدير و المفروض أن نفس المعاملة اقتضت التّضمين بمعنى أنّ درك التّالف على من تلف عنده لأنّ حقيقة البيع تقتضي تضمين كلّ منهما لمال الآخر و معنى ضمانه أنّه لو تلف عنده يصير عوضه المسمّى ملكا مستقرّا للآخر فالعين قبل الفسخ مضمونة بثمنها و أمّا بعد الفسخ فمضمونة بقيمتها لو كانت تالفة لأنّ عدم إقدام المتبايعين مع قبض العوضين يقتضي ضمان كلّ منهما لمال الآخر فما دامت العين موجودة لو فسخ أحدهما ردّت العين و لو كانت تالفة ردّت قيمتها لأنّ بالفسخ ينحل المعاملة فيرد الثّمن و يأخذ القيمة

إلّا أن يقال إنّ التّضمين الّذي يتصوّر في هذا القسم من المعاملة إنّما هو التّضمين من حيث أصل المعاملة و هو جعل العوض للمبيع و جعل المعوّض للثّمن بمعنى تبديل المال بالمال

و أمّا التّضمين المطلق الّذي يقتضي الضّمان بالمسمّى قبل القبض بحيث إذا تلف المبيع أو الثّمن انفسخت المعاملة و ردّ الباقي منهما إلى مالكه الأصلي و يقتضي الضّمان بالمثل أو القيمة بعد القبض بحيث إذا تلف المقبوض و طرأ فسخ أو انفساخ أو إقالة يرد مثله أو قيمته إلى الطّرف فلا يعقل هنا لأنّه لا يمكن للبائع مثلا أن يلتزم بضمان المبيع و كون دركه عليه بالضّمان المطلق حتى في مورد التّلف لأنّ معنى ضمانه كذلك أن يكون تلفه من ماله و لازمه أن يقدّر العبد ملكا له آنا ما قبل التّلف و لازمه عدم انعتاقه على المشتري و هذا ينافي حكم الشّارع به

و على هذا فلا يمكن أن تجري القاعدة الأخرى في المقام و هي أنّ بالقبض ينتقل الضّمان لأنّ معنى هذه القاعدة أنّ القبض يقتضي أن يكون تلف المقبوض على مالكه الفعليّ عكس تلفه قبل القبض لأنّه على مالكه الأصلي و يقتضي أيضا انتقال الضّمان بالمسمّى إلى الضّمان الواقعيّ و هذه القاعدة فرع القاعدة الأولى فإذا لم يكن للبائع مثلا الالتزام بالمسمّى بالضّمان المطلق قبل القبض لم يكن له الالتزام بالضّمان المطلق بعد القبض بالضّمان الواقعي فلا يقدر على حل العقد بالفسخ و لا بالإقالة و ليس هذا العقد بعد صحّته قابلا لأن يطرأ عليه انفساخ فتدبّر

قوله قدس سره إلّا مع إقدام

ص: 20

المتبايعين على المعاملة مع العلم إلى آخره

ذكرنا سابقا أنّ شراء من ينعتق لو كان من باب الاستنقاذ لا البيع الحقيقيّ فسقوط الخيار في كمال الوضوح لإيجاد البائع ما هو سبب للإتلاف و أمّا لو كان من قبيل البيع الحقيقيّ كما هو ظاهر أكثر الأخبار من أنّه يملك فينعتق عليه فسقوطه مشكل حتّى في مورد العلم إلّا على ما ذكرنا من أنّ المعاملة الكذائيّة بنفسها سبب للإتلاف و لا يقاس على ما إذا باع عبدا و شرط عتقه على المشتري لأنّ مجرّد الشّرط ليس سببا للعتق فإنّ للشارط إسقاط شرطه فالبيع بشرط العتق ليس سببا للإتلاف و هذا بخلاف بيع من ينعتق على المشتري قهرا و هكذا لا يقاس على ما إذا شرط البائع على المشتري تصرّفا ناقلا أو أذن له في التصرّف النّاقل أو التّالف فإنّ مجرّد الشّرط و الإذن مع إمكان إسقاط الشّرط أو الرّجوع عن الإذن ليس موجبا لسقوط حق الخيار لأنّه ليس سببا لإتلاف المبيع

و بالجملة التصرّف بلا إذن و الإذن بلا تصرّف من المأذون ليس موجبا لسقوط حقّ الخيار بخلاف المقام فإنّه كالإتلاف الخارجيّ و السّر فيه أنّ الخيار يثبت بالنّسبة إلى القيمة في مورد لا يكون من أحد المتبايعين إقدام على المجانيّة و في المقام مع علم البائع بأنّ المبيع ينعتق على المشتري لا يمكن تضمينه إيّاه و إذا امتنع التّضمين امتنع الفسخ فامتنع الخيار

[و منها شراء العبد نفسه]

قوله قدس سره و منها شراء العبد نفسه إلى آخره

مفروض المسألة هو ما لو اشترى نفسه من مولاه بماله لنفسه و بعد فرض كون العبد مالكا للمالك كما يظهر في باب المكاتبة و فاضل الضّريبة يرد إشكالان في المقام الأوّل أنّه و إن كان العبد مالكا إلّا أنّه و ملكه ملك للمولى و في البيع يشترط أن يكون الثّمن و المثمن مختلفين مالكا لأنّه تبديل طرف إضافة بطرف إضافة لشخص آخر و ليس تبديلا مكانيا فلا يعقل أن يبدّل الإنسان أحد ماليه بالآخر و في المقام نفس العبد ملك للمولى و الثّمن الّذي هو ملك للعبد ملك للمولى أيضا فكيف يبيع عبده بمال عبده الّذي هو ماله الثّاني أنّ العبد كيف يملك نفسه مع أنّه لا يعقل أن يتّحد الملك و المالك

فصحّة هذه المعاملة تتوقّف على دفع الإشكالين فنقول أمّا الأوّل فمدفوع بكفاية التعدّد اعتبارا و ذلك لأنّ الثّمن و إن كان ملكا للمولى إلّا أنّه ملكه طولا لا في عرض ملكه للعبد فإنّ الملك الواحد لا يجتمع عليه مالكا عرضا و أمّا طولا فلم يقم على امتناعه دليل فالثّمن الّذي يملكه العبد و إن كان ملكا للمولى إلّا أنّه ملك له طولا و المثمن و هو العبد ملك للمولى بلا واسطة فيجوز تبديل ملك له بلا واسطة بملك له بواسطة ملكه لصاحب المال فاختلف المالكين اعتبارا و دفع الثاني بأنّه لا مانع من تملّك الإنسان لنفسه بمعنى أنّه كان أوّلا رقا و منافعه ملكا للغير فإذا اشترى نفسه صار حرّا أي لا يملك منافعه أحد و لا ينافي ملكته لنفسه عدم تسلّطه على بيع نفسه فإنّ الملكيّة لا تلازم السّلطنة المطلقة

و كيف كان فموضوع البحث في المقام أنّه بعد الفراغ عن صحّة شراء نفسه لنفسه فهل فيه خيار له أو لمولاه أو كليهما أو لا مطلقا وجوه الظّاهر عدم الخيار أمّا بالنّسبة إلى العين فلأنّ الحر لا يعود رقّا و أمّا بالنسبة إلى القيمة فلما عرفت في المسألة السّابقة من أنّ الخيار يتعلّق بما فيه تضمين و مع علم المولى بأنّه عبده و علم العبد بأنّ اشتراء نفسه موجب لمالكيّته لنفسه المساوق للحريّة لا يعقل تضمين معاملي حتّى ينتقل الضّمان

ص: 21

إلى القيمة

و بالجملة في بيع من ينعتق على المشتري لمّا امتنع تضمين البائع المشتري لعلمه بتلفه عليه قهرا امتنع الخيار بالنّسبة إلى الطرفين و في مسألتنا هذه امتنع التّضمين من كليهما العلم المولى بحريّة العبد بمجرّد شرائه نفسه فيمتنع تضمينه بالنّسبة إلى المبيع و علم العبد بأن الثّمن ملك لمولاه لأنّه و ما في يده لمولاه فيمتنع تضمينه للثمن فسقوط الخيار فيها أولى من مسألة شراء من ينعتق على المشتري

قوله قدس سره و فيها أيضا أنّه لو اشترى جملا في شدّة الحرّ ففي الخيار إشكال إلى آخره

لا يخفى أنّ المحقّق الثّاني وجّه الإشكال بأن كون المبيع تالفا شيئا فشيئا مانع عن إعمال الخيار فيه ثم أورد عليه بأنّ الخيار لا يسقط بالتّلف و وجّهه المصنف قدس سره بأنّه يحقل اعتبار قابليّة العين للبقاء بعد العقد في تعلّق الخيار بها ثم تأمّل فيه و لعلّ منشأ تأمّله أنّ مجرّد احتمال اعتبار البقاء ما لم يقم عليه دليل لا يوجب تقييد إطلاق أدلّة الخيار و لا يخفى أن إيراد جامع المقاصد على ما أفاده في منشإ الإشكال و تأمّل المصنف على ما ذكره في منشئه واردان على البيان الّذي ذكراه فإنّ كون المبيع تالفا صغرى لا تندرج تحت كبرى مسلّمة و احتمال اعتبار قابليّة العين للبقاء دعوى بلا دليل

و أمّا لو قرّر الإشكال بما مرّ نظيره في بيع من ينعتق على المشتري و شراء العبد نفسه فلا يندفع بما أفاداه و بيان ذلك أنّ مورد تعلّق الخيار إنّما هو فيما إذا ضمّن كل من المتبايعين الآخر بماله و مع علمهما بتلف المال خارجا أو شرعا أو عادة فلا تضمين و إذا امتنع التّضمين امتنع الفسخ فامتنع الخيار

و بعبارة أخرى مورد خيار المجلس هو البيع الّذي لم يكن بناء المتعاقدين على الإعراض عن العوضين و مع علمهما بأنّ المال بمجرّد البيع يخرج عن الماليّة إمّا شرعا أو عادة فقد أقدما على ذهاب مالهما و في بيع من ينعتق على المشتري نفس البيع سبب للإتلاف شرعا و هكذا شراء العبد نفسه سبب للإتلاف شرعا للملازمة بين ملكيّة النّفس و الحريّة و أمّا بيع الجمل فليس سببا للإتلاف بل شدّة الحر سبب له و لذا اتّفقوا على سقوط الخيار بالنّسبة إلى الأوّلين و اختلفوا بالنّسبة إلى الأخير

[مسألة لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوى البيع]

قوله قدس سره لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوى البيع إلى آخره

لا إشكال في عدم ثبوت خيار المجلس في شي ء من العقود الجائزة سواء كانت جائزة حقّا كالعقود الإذنيّة أو حكما كالهبة الغير المعوّضة لأنّ جعل الخيار فيها لغو بل ظاهر دليل خيار المجلس أنّ مورده العقد الّذي من شأنه اللّزوم لو لا الخيار و الهبة و إن أمكن طروّ اللّزوم عليها كما لو تلفت العين الموهوبة إلّا أنّ لزومها ليس لسقوط الخيار بل لو طرأ الملزم في المجلس أيضا يلزم الهبة

و على هذا فينبغي توجيه كلام الشيخ في دخول الخيار في مثل الوكالة بأنّ مراده من دخول الخيار في هذه العقود تعلّقه بها إذا وقعت في ضمن عقد البيع بنحو النّتيجة فتنفسخ الوكالة بفسخ البيع تبعا و هذا و إن لم يكن من الخيار في الوكالة بل هو في البيع إلّا أنّه بملاحظة سائر كلمات الشّيخ من عدم تعلّق الخيار بالوكالة و أمثالها لا محيص عن هذا التّوجيه

و بالجملة لا معنى لثبوت خيار المجلس في العقود الجائزة إنّما الكلام في ثبوتها في العقود المعاوضيّة اللّازمة كالصّلح و الإجارة و سائر العقود من الرّهن و القرض ممّا يلحق بالعقود المعاوضيّة و الحقّ عدم ثبوته فيها أصلا لاختصاص أدلّته بالبيع و لا يقال على سائر أحكام المبيع مثل كون تلف المبيع قبل قبضه من مال البائع و خيار العيب و نحو ذلك على ما هو الظاهر

ص: 22

من الفقهاء من إجرائها في سائر العقود المعاوضيّة و ذلك لما يظهر في محلّه من أنّ سائر أحكامه الّتي أجروها في سائر العقود إنّما هو لدلالة أدلّتها على أنّ منشأ ثبوتها في البيع إنّما هو لكونه معاوضة لا من جهة خصوص البيعيّة

و بعبارة أخرى كون تلف المبيع قبل القبض من مال البائع مثلا إنّما هو لاقتضاء الضّمان المعاوضي ذلك لا لتعبّد شرعيّ صرف و هكذا خيار العيب إنّما هو للاشتراط الضّمني الّذي بناء كلّ عاقد عليه لا للتعبّد المحض و إن أعمل فيه التعبّد أيضا من جهة الخيارين الرّد و الأرش إلّا أن أصل جعله ليس تعبّديا صرفا و هذا بخلاف خيار المجلس فإن وجه ثبوته ليس إلّا التعبّد الصرف فلا يتعدى من البيع إلى غيره

[مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد]

قوله قدس سره مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد إلى آخره

لا إشكال في ثبوت خيار المجلس في الصرف و السّلم لو تحقّق القبض في المجلس إنّما الإشكال في ثبوته فيهما قبل القبض و منشأ الإشكال أنّ الخيار ملك فسخ العقد و الفسخ إنّما يتعلّق بالعقد الصحيح و المفروض أنّ الصحّة تتوقف على القبض و تنقيح ذلك يتوقف على بيان أمور الأوّل أنّ المجلس الّذي يعتبر القبض فيه في الصرف و السّلم لا يشترط أن يكون مجلس العقد بل يكفي القبض فيهما ما لم يفترق المتبايعان و إن خرجا عن مجلس العقد

و يدلّ عليه قوله ع و إن نزى حائطا فانز معه فيستفاد منه كفاية القبض قبل التفرّق و إن فارقا مجلس العقد مصطحبين الثّاني إذا صار أمران سببا لانفساخ العقد ينسب الفسخ إلى أسبق السّببين لو كان الثّالث ذكر العلّامة وجهين لوجوب القبض شرعا أحدهما مختصّ بالصرف و ثانيهما مشترك بينه و بين السّلم

أمّا المختصّ فهو لزوم الرّبا و يجب أن يحمل كلامه على لزومه في الجملة و هو لو كان الثّمنان من جنس واحد كالذّهب بالذّهب مثلا فإنّه لو أقبض أحدهما مثقالا من الذّهب و لم يقبضه الآخر إلى مدّة يلزم الرّبا لأنّ للأجل قسطا من الثّمن و المثقال النّقدي أزيد قيمة من النّسيئة فيلزم الرّبا و هذا الكلام و إن لم يخلو عن إشكال إذ لا نقيصة إلّا إذا شرط التأجيل لا إذا كانت المعاملة نقديّة و لم يسلّم أحدهما العوض فإنّه لا رباء فيه إلّا أنّه لا يرد عليه المناقشات الّتي ذكرها بعض المحشين

و أمّا المشترك فهو وجوب الوفاء بالعقود و لا يقال بعد شرطيّة القبض في صحّة العقد لا عقد حتى يجب الوفاء به لأنّا نقول التّخصيص الوارد على العقود اللّازمة قد يرد على جميع آثارها و قد يرد على بعضها فمن الأوّل الخيار فإنّ العقد المشتمل على إنشاء التبديل مطابقة و على التعهّد بما أنشأه التزاما و على الشّروط الضّمنية كنقد البلد و التّسليم و التسلّم و السلامة من العيب و عدم الغبن إذا خصّص مدلوله بدليل الخيار الموجب لملك فسخ العقد و إقراره يكون جميع مراتبه خياريا و لذا لا يجب التّسليم و التسلّم فيه كما أنّ له فسخ العقد أي عدم الوفاء بما تعهّده التزاما و من الثاني القبض في الصرف و السّلم فإنّه معتبر في الملكيّة لا في أصل العقد و لا في وجوب الالتزام بما التزم به و يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه الخبر المذكور و هو إذا نزى حائطا فانز معه فإنّه لو كان أصل العقد و صحّة المنشإ به موقوفا على القبض لم يكن وجه لتعقيب أحد المتبايعين الآخر في تحصيل القبض

و بالجملة دليل الخيار ناظر إلى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و العقد المتضمّن للشّرائط الضّمنيّة الّتي منها التّسليم

ص: 23

و التسلّم إذا خصّص بدليل الخيار لا يجب الوفاء به في زمان الخيار بالنّسبة إلى التّسليم و التسلّم أيضا لحكومة دليل الخيار على مثل النّاس مسلّطون فلا يرد إشكال المحقّق الأردبيلي بأنّ منع أحد المتبايعين عن الإقباض لا يسوّغ ظلم الآخر و ذلك لأنّ وجوب الإقباض لو كان من باب تسليم مال الغير لكان إشكاله في محلّه و أمّا لو كان من جهة الشّرط الضّمني الّذي خصّص بدليل الخيار فلا يرد إشكاله و أمّا دليل اعتبار القبض في الصرف و السّلم فليس ناظرا إلى العقد بل القبض شرط للملك فلا ينافيه وجوب التّسلم و لا مانع من تعلّق خيار المجلس بهما فيكون مبدؤه العقد ثم إنه لا تنافي بين كون القبض شرطا للملكيّة و كون الإقباض واجبا شرعا لحقّ مالكيّ لأنّه لو كان استفادة الشّرطيّة و الوجوب التّكليفي كلاهما من الأخبار الآمرة بالقبض لكان من باب استعمال المشترك في معنييه و أمّا لو كانت الشّرطيّة مستفادة من الأخبار و الوجوب التّكليفي من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فلا إشكال أصلا

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّه لو قلنا بوجوب القبض في الصرف و السّلم لحقّ شرعيّ مالكيّ و لذا يصحّ الإقالة فيهما فمبدأ الخيار من حين العقد و ثمرته ظاهرة و أمّا لو لم نقل بوجوبه فمبدؤه بعد القبض إذا كان المجلس باقيا و ذلك لأنّه لو لم نقل بوجوبه إمّا لما ذكره الأردبيلي من أنّ وجوب القبض من باب وجوب ردّ المال إلى مالكه فلو لم يكن كلّ عوض ملكا للآخر فلا معنى لردّه و إمّا لاعتبار القبض في أصل العقد لا في الملك فالعقد قبله غير تامّ و على أيّ حال لا وجه لتعلّق الخيار بالعقد قبل القبض لأنّ الخيار يتعلّق بالعقد الّذي لولاه لكان العقد لازما فإذا لم يكن كذلك فلا معنى لتعلّق الخيار به و لا يقاس على الخيارين العرضيّين اللّذين يردان على العقد لأنّ كلّا منهما لو لم يكن لكان العقد لازما من هذه الحيثيّة و لو لم يكن لازما مطلقا و هذا بخلاف عقد الصرف مثلا فإنّه و لو لم يكن خياريا أيضا لم يكن لازما

و بعبارة أخرى الخيار هنا في طول القبض و مترتّب عليه و ليس من قبيل الخيارين العرضيّين اللّذين يؤثر كلّ منهما أثرا خاصّا فمجرّد إمكان الأثر للخيار كما يظهر من المصنف قدس سره لا يفيد في ثبوته لو دلّ الدّليل على تعلّقه بما لولاه لكان لازما و لو من هذه الحيثيّة فتأمّل جيّدا

ثم إنّه يمكن أن يكون قول صاحب الدّروس قدس سره ناظرا إلى هذا القول بأن يكون مراده من اللّزوم في قوله فإنّ للقبض مدخلا في اللّزوم اللّزوم المستفاد من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا اللّزوم مقابل الصّحة أي بدون القبض لا يجب الوفاء بالعقد لأنّ للقبض دخلا في وجوب الوفاء به

قوله قدس سره و ممّا ذكرنا يظهر الوجه في كون مبدإ الخيار للمالكين الحاضرين في مجلس عقد الفضوليّين على القول بثبوت الخيار لهما من زمان إجازتهما إلى آخره

أي ممّا ذكرنا من أنّه لو قلنا بعدم وجود التّقابض ففي أثر الخيار خفاء ظهر أنّ الخيار الثابت للمالكين في باب الفضولي مبدؤه حين الإجازة و ذلك لأنّ الخيار الثّابت هنا إنّما ثبت للبيّع و البيّع هو المالك بعد الإجازة لأنه ليس قبلها بيّعا من غير فرق بين الكشف و النّقل لأنّ الإجازة و إن كانت إنفاذ العقد الفضوليّ و العقد سابق عليها إلّا أنّ أثر كونها إنفاذ المنشأة إنّما هو ترتيب آثار الملكيّة من حين العقد لا إثبات البائعيّة

ص: 24

للمجيز لأنّ البائعيّة إنّما يثبت بالوجود التّكويني للإجازة

و بعبارة أخرى بعد العلم بأنّ صحّة عقد الفضوليّ تتوقّف على أن لا يكون فعل الفضولي علّة تامّة لترتّب أثره عليه كترتّب الإيلام على الضرب فإنّه بالإجازة لا يستند إلى المجيز و بعد العلم بأنّ النزاع في الكشف و النّقل إنّما هو فيما يرجع إلى فعل غير المالك بحيث كانت الإجازة و نحوها إنفاذ الأمر سابق عليها كإجازة المرتهن و العمّة و الخالة و كأداء الزكاة ممّن باع المال الزّكوي يظهر أنّ الإجازة من المالك في المقام تؤثر في استناد المسبّب و التّمليك إلى نفسه و لو من حين عقد الفضولي و لا يمكن أن تؤثّر في صدق البائعيّة عليه من ذلك الحين و كما لو عقد فضولي و أجازه فضوليّ آخر ثم أجاز المالك تلك الإجازة لا تؤثر إجازته في الإجازة السّابقة بل بنفسها إجازة من المالك لأنّ حيثيّة الإجازة مترتّبة على وجودها التكويني فكذلك صدق البائعيّة في المقام مترتب على وجودها التكويني و نزاع الكشف و النّقل جار في ما هو القابل لتعلّق الإجازة به و لذلك لم يجر هذا النّزاع في القبض المعتبر في الصرف و السّلم و في قبول المشتري و أمثالهما ممّا هو بنفسه أحد أركان العقد

[القول في مسقطات الخيار]
[مسألة لا خلاف ظاهر في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد]
اشارة

قوله قدس سره لا خلاف ظاهر في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد إلى آخره

لا يخفى أنّ عمدة الإشكال المتصوّر في هذا المسقط أحد الإشكالين على سبيل المنفصلة الحقيقيّة فإنّ اشتراط سقوطه في متن العقد إمّا يرجع إلى إسقاط الخيار فيرد عليه أنّه إسقاط لما لم يجب أو يرجع إلى عدم كون هذا العقد خياريا فيرد عليه أنّ هذا الشّرط مخالف للكتاب و السّنة مضافا إلى لزوم الدّور لأن عدم كون العقد خياريا يتوقّف على لزوم الشرط و لزومه يتوقف على عدم كونه خياريّا لأنّه لو كان جائزا لكان الشّرط في ضمنه كذلك أيضا

و أمّا سائر الإشكالات فلا يرد أصلا أمّا تعارض دليل الشّرط مع دليل الخيار ففيه أنّه لو كان الشّرط راجعا إلى الإسقاط لا ينافيه الخيار حتّى يرجّح دليل الشّرط بعمل الأصحاب أو بالحكومة لأنّه مع ثبوت الخيار فقد أسقطاه و لو رجع إلى عدم كون العقد خياريا فليس المعارض إلّا مخالفة الشّرط للسّنة الدالّة بالإطلاق على ثبوت الخيار في كلّ عقد

و أمّا مخالفة الشّرط لمقتضى العقد ففيه أنّ الخيار ليس مقتضاه بل من الأحكام الشّرعيّة الثّابتة له فليس شرط سقوطه مخالفا لمقتضاه كما لا يخفى فالعمدة أحد الإشكالين و لا يمكن أن يراد في عرض واحد على موضوع واحد لأنّ الشّرط لو رجع إلى الإسقاط فليس مخالفا للكتاب فهو كإسقاطه بعد العقد و لو لم يرجع إليه فليس إسقاطا لما لم يجب

إذا عرفت ذلك فنقول ذكر المصنف قدس سره ضابطا لامتياز الشّرط المخالف عن غيره و هو أنّه لو كان ملاك الحكم بنحو العلية لشرط المخالف له مخالف للكتاب و لو كان بنحو الاقتضاء فلا يكون مخالفا له و هذا و إن تمّ ثبوتا إلّا أنّه لا يتمّ إلّا بالوحي أو الإلهام إثباتا لأنّ معرفة أنّ ملاك الحكم بنحو العليّة أو الاقتضاء لا تحصل إلّا للأولياء فالأولى أن يقال إنّ الحكم إمّا تكليفيّ أو وضعيّ و التكليفيّ إمّا اقتضائيّ أو تخييري فلو كان تكليفيّا اقتضائيا فالشّرط المخالف له مخالف للكتاب لأنّ وجوب الصّلاة أو حرمة الخمر يشمل بإطلاقه مورد شرط التّرك و الشّرب إلّا أن يدلّ دليل على خلافه فيستكشف به أن الوجوب

ص: 25

أو الحرمة مشروط بعدم الشّرط أو النّذر كما دلّ الدّليل على صحّة نذر الإحرام قبل الميقات و لو كان تخييريّا فالشّرط المخالف له ليس مخالفا للكتاب فإنّ شرط عدم شرب الماء لا ينافي إباحته إلّا أن يدلّ دليل على خلافه كما ورد أنّ شرط ترك التسرّي و التّزويج لا ينفذ فإن به يستكشف أنّ الشّارع أراد إباحة التسري مطلقا

و بالجملة مقتضى الأصل في طرف الاقتضاء و التخيير متعاكس و لو كان وضعيا فإمّا من الحقوق أو من الأحكام فلو كان حقّا فشرط سقوطه لا ينافي الكتاب و لو كان حكما كميراث الزّوجة الدّائمة و عدم الإرث للمتمتّع بها فالشّرط المخالف له مخالف للكتاب إلّا إذا ثبت خلافه إذا عرفت ذلك ظهر أنّه لو كان الشّرط راجعا إلى عدم كون هذا العقد خياريا فهو شرط مخالف للكتاب إذا ثبت خلافه إذا عرفت ذلك لو كان الشرط راجعا إلى عدم كون هذا العقد خياريا فهو شرط مخالف إلى هنا

و لا يقال إنّ الأحكام الثّابتة للأشياء بعنوانها الأولي ثابتة لها اقتضاء لو خليت و طبعها فلا ينافي طروّ عنوان ثانوي لها رافع لحكمها لأنّا نقول لو كان دليل الشّرط مثل دليل لا ضرر و لا حرج لكان كذلك و أمّا لو اعتبر في نفس دليل الشّرط عدم كونه مخالفا للكتاب فعمومه حيث خصّص لا يرفع حكم الواجب أو الحرام

نعم لو دلّ دليل خاص على صحّة هذا الشرط نستكشف أنّ ملاك الحكم الوجوبيّ أو التحريميّ تامّة في غير مورد الشّرط و أمّا الأدلّة العامّة فلا يمكن حكومتها على أدلّة الأحكام الوجوبيّة أو التّحريميّة بل إطلاق دليل الحكم أو عمومه يدخل الشّرط في المستثنى

نعم لو أغمضنا عن هذا الإشكال و أجبنا عنه بما أجاب به المصنف قدس سره لا يرد إشكال الدّور لأن الشّرط في العقد الجائز و إن لم يكن لازم الوفاء إلّا أنّ لزوم هذا الشّرط لا يتوقّف على لزوم العقد و لا لزوم العقد على لزوم هذا الشّرط لأنّ اشتراط عدم كون البيع خياريّا يرجع إلى أنّه ليس في هذا العقد ما يوجب الفسخ

و بعبارة أخرى و لو لم يكن في البين مثل المؤمنون عند شروطهم إلّا أنّ وجوب الوفاء بالعقد كاف في لزوم الشّرط لأنّه لو لم يكن هذا البيع خياريا يبقى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ على حاله و يمكن أن يكون هذا مقصود المصنف قدس سره من أنّ عموم وجوب الوفاء بالشّرط عين لزوم العقد لا ما هو ظاهره من أنّه استفاد لزوم الشّرط من قوله المؤمنون عند شروطهم فإنّ الإشكال بحاله لأن لزوم الوفاء بالشّرط يتوقف على كون العقد لازما و المفروض أنّ لزومه متوقّف على عدم كونه خياريا

و بالجملة فالأولى أن يقال إذا لم يكن في البين خيار فالعقد لازم يجب الوفاء به و هذا الشرط راجع إلى كون العقد لازما غير خياري فلا توقّف أصلا ثم إنّ هذا كلّه لو كان الشّرط راجعا إلى عدم كون هذا العقد خياريا و أمّا لو رجع إلى عدم كون المشروط عليه ذا خيار أي إلى إسقاط حقّه فالإشكال بأنّه إسقاط لما لم يجب غير وارد لأنّ إسقاط ما لم يجب الرّاجع إلى هبة ما لا يملكه الواهب هو إسقاط حقّ لم ينشأ سببه أصلا كالإسقاط قبل العقد

و أمّا لو وجد سببه و لو لم يحصل فعلا فلا مانع عن إسقاطه قال في التّذكرة لو وكّله في شراء عبد و عتقه و في تزويج امرأة و طلاقها و استدانة دين و قضائه صحّ انتهى ففي كلامه إشارة إلى أنّ ما اشترط في الوكالة من كون المتعلّق مملوكا للموكل لا يجب أن يكون ملكا فعليا بل إذا حصل المقتضي للملكيّة صحّ الوكالة فيه بخلاف ما إذا لم يحصل سببها أصلا كما لو وكّله

ص: 26

في طلاق زوجة سينكحها أو أسقط الموكل خيار المجلس حين توكيله للبيع أو شرط في ضمن عقد لازم سقوط الخيار في العقد الّذي سيوجده

و بالجملة لا إشكال في صحّة الرّهن الواقع بعد إنشاء البيع كما لو قال البائع بعته و ارتهنته أو قال المشتري اشتريته و رهنته و أمثال ذلك ففي المقام يصحّ إسقاط الخيار بعد إنشاء البيع و اشتراط سقوطه في ضمنه و يدلّ عليه المكاتبة المذكورة في الكتاب فإنّ الزّوجة إذا صارت حرّة بأداء مال الكتابة فهي مختارة في إقامتها مع زوجها العبد و مفارقتها إيّاه مع أنّه ع أجاز شرط عدم الخيار لها قبل الحرّية و ليس إلّا لأنّ التشبث بالحريّة يكفي لإسقاط الخيار

و لكن الأولى أن يقال إن اشتراط سقوطه في متن العقد و إن لم يكن إسقاطا لما لم يجب إلّا أنّه لا لما هو ظاهر كلام المصنف من تحقّق المقتضي فإن وجوده من دون وجود الجزء الآخر من العلّة لا يوجب إمكان الإسقاط الفعلي بل لأنّ معنى الخيار هو ملك الالتزام و محلّه في متن العقد و الإسقاط يرجع إلى تفويض ملك الالتزام الّذي ملكه بالعقد أو يملكه بعد إلى صاحبه فيرجع الإسقاط إلى دفع الحقّ لو كان الخيار متوقّفا على أمر غير حاصل كخيار الغبن بناء على كون ظهوره شرطا شرعيا له

و ببيان آخر إن مرجع سقوط الخيار إلى سقوطه في مرتبة وجوده لا إلى إسقاطه فعلا و حيث إنّ رتبة وجوده متأخّرة عن رتبة الملكيّة ففي عالم الإنشاء أيضا إذا كان متأخرا عن إنشاء الملك يصحّ إنشاؤه و يكون من قبيل إنشاء الحكم على الموضوع المقدر وجوده

قوله قدس سره ثمّ إنّ هذا الشرط يتصوّر على وجوه إلى آخره

الوجه الأوّل راجع إلى شرط النّتيجة و لا شبهة أنّ النتيجة تحصل بالشّرط لو لم يجعل الشّارع حصولها من سبب خاصّ كالطّلاق و العتق و النّكاح و أمثالها فإنّ الشرط كالنّذر يتحقّق به ما يتحقّق بالنذر و في المقام لم يجعل الشّارع لسقوط الخيار سببا خاصّا فيسقط بمجرّد الشّرط و أمّا الوجه الثّاني و الثّالث فيرجعان إلى شرط الفعل فالثّاني كما لو شرط أن لا يبيع من زيد و الثالث كما لو شرط أن يبيع منه فلو باع منه على الثّاني يبطل البيع لفساد المعاملة إذا تعلّق النّهي بها من حيث المسبّب و ذلك لأنّ الشرط يوجب سلب قدرة المالك على البيع من زيد كما أنّه يبطل لو باع من غير زيد على الثّالث لعدم قدرته على البيع من غير زيد بالشرط فتصير المعاملة من جهة تخصيص النّاس مسلّطون بأدلّة الشّرط منهيّا عنها بالنّهي النّفسي لا من جهة أنّ وجوب البيع من زيد يوجب النّهي عن ضدّه حتّى يقال إنّ الأمر بالشّي ء لا يقتضي النّهي عن الضّد و على فرض الاقتضاء النّهي الغيري لا يوجب الفساد و ذلك لأنّ المعاملة مضافا إلى اعتبار لصحّتها من حيث شرائط العقد و العوضين و المتعاقدين يعتبر أن يكون إيجادها مقدورا لمالكها فتفسد إذا لم تكن مقدورة شرعا بالشّرط

قوله قدس سره و كيف كان فالأقوى أنّ الشرط الغير المذكور في متن العقد غير مؤثّر إلى آخره

و السّر فيه ما ذكرناه مرادا من أنّ القصود و الدّواعي غير معتبرة في العقود ما لم ينشأ لفظ على طبقها فمجرّد وقوع العقد مبنيا على شرط مع عدم ذكره في متن العقد لا يؤثر في سقوط الخيار و ذلك لأنّ الشّرط إلزام مستقلّ لا يرتبط بالعقد فارتباطه به يتوقّف على الالتزام به في العقد و مجرّد البناء عليه ليس التزاما به و لا يقاس على أوصاف العوضين كالحنطة الحمراء أو لا على الشّروط

ص: 27

الّتي جرت العادة و العرف على الالتزام بها في العقد

أمّا الأوصاف فلأنّها لو ذكرت قبل العقد فذلك يوجب انصراف العوض إليها في العقد فلا يحتاج إلى إنشاء على حدّه و أمّا الشّروط فسواء كانت من شروط العوضين كالسّلامة من العيوب الّتي هي من قيود العوضين أم كانت من الشّروط الّتي كان بناء العرف و العادة عليها كالتّسليم و التسلّم فإنشاء العقد إنشاء لها لأنّها من لوازم ألفاظ العقود فكما أنّه ينشأ بها معانيها المطابقيّة فكذا مداليلها الالتزاميّة و هذا بخلاف الشّرط الخاصّ للعاقد الخاصّ فإنّه ليس من المداليل الالتزاميّة و ليس كالشّروط النّوعيّة و كالأوصاف فليس هو المنشأ في العقد إلّا مع ارتباط العقد به صريحا أو إشارة كأن يقول بعت على ما ذكر

و بالجملة بعد ما عرفت من أنّ المراد من اشتراط الإسقاط في متن العقد هو عدم فسخ العقد لا عدم كون العقد خياريا فليكن المراد من اشتراط سقوطه قبله هو هذا المعنى و ذلك لو أشير في العقد إليه يرتبط العقد به و لم يكن إسقاطا لما لم يجب و أمّا لو لم يذكر في العقد فهو من الشّروط الابتدائيّة الّتي لا يجب الوفاء بها و إن وقع العقد مبنيا عليها لأنّ مجرّد البناء لا يفيد شيئا

و حاصل الفرق أنّ ذكر الأوصاف قبل العقد يوجب اعتبارها في العوض و عدم مقابلة شي ء من الثمن مع الوصف لا يوجب أن يتعلّق الإنشاء بالموصوف دون الوصف و أمّا الشّرط كالخياطة مثلا فلا يمكن أن ينشأ بالإنشاء المتعلّق بالمشروط فيه لأنه أمر خارج فيحتاج إلى إنشاء مستقلّ إمّا مطابقة أو التزاما كالشّروط النّوعيّة المنشأة بالالتزام

[فرع ذكر العلّامة موردا لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس]

قوله قدس سره فرع ذكر العلّامة إلى آخره

لا يخفى صحّة هذا النّذر لأنّ العبد و إن خرج عن ملكه بالبيع إلّا أنّه حيث يمكن إرجاعه إلى ملكه بالخيار فيصحّ النّذر و لا يجوز له شرط عدم الخيار لأنّ إسقاط الخيار مناف للنّذر و التصرفات المنافية له خارجة عن سلطنة النّاذر بسبب نذره و قول بعض المحشين إنّ إسقاط الخيار إنّما لا يصحّ فيما لا يمكن فيه الإقالة أو الشّراء و أمّا لو أمكن فلا مانع من إسقاطه غير وجيه لأنّ الإقالة أو الشّراء أو الاستيهاب ليس تحت قدرة النّاذر لأنّ تحقّق هذه العناوين يتوقّف على إرادة شخص آخر و قد لا يريدها و ما هو تحت قدرته إعمال الفسخ فيجب على النّاذر إعماله و مقتضاه عدم صحّة شرط سقوط الخيار

[مسألة و من المسقطات إسقاط هذا الخيار بعد العقد]
اشارة

قوله قدس سره و من المسقطات إسقاط هذا الخيار بعد العقد إلى آخره

لا إشكال في سقوطه بالإسقاط إنّما الكلام في مدركه و الاستدلال بفحوى النّاس مسلّطون غير تامّ لأنّه لو فرض دلالته بالصّراحة على تسلّط النّاس على حقوقهم لا يفيد ذلك لأنّ السّلطنة على المال و الحقّ هي أن يتصرف فيهما بالتصرّفات التي تحت سلطنته لا التّصرفات الّتي فوق سلطنته

و بعبارة واضحة ذكرنا في أوّل الخيارات أنّ مثل النّاس مسلّطون لا يدلّ على صحّة الإعراض عن الملك الّذي هو إذهاب موضوع الملك فلا يدلّ على التسلّط على إسقاط الخيار الّذي هو إذهاب موضوع الحقّ لأنّ التسلّط على الحقّ معناه نفوذ تصرّفه فيه بالنّقل و أمثاله كإعمال الخيار بالفسخ أو الإمضاء لا إعدامه لإسقاطه

اللّٰهمّ إلّا أن يقال إنّ الإعراض عن الملكيّة و إن لم يكن من أنحاء السّلطنة على الملك لأنّ السّلطنة عبارة عن الاقتدار و الاقتدار على سلب الاقتدار ليس تحت الاقتدار إلّا أنّه ليس الحقّ

ص: 28

مثل الملكيّة لأنّ المملوك له وجود عيني غير الإضافة الحاصلة بينه و بين المالك و وجوده العيني غير قابل للإعدام إلّا بنحو الشرب و الأكل الّذي هو تحت السلطنة لا إعدامه بنحو الإتلاف الغير المرخّص فيه شرعا

و بعبارة واضحة إعدام المملوك ليس من أنحاء السّلطنة على الملك لأنّه لا يمكن إعدامه تشريعا و في عالم الإنشاء بل ما هو قابل للتصرّف هو الإضافة الحاصلة بينه و بين المالك و هذا بخلاف الحقّ فإنّه ليس إلّا الإضافة الخاصّة و قد لا يكون لمتعلّق الحقّ وجود عينيّ و الإضافة الخاصّة قابلة للتصرّف و لو بنحو الإعدام و لا ينتقض هذا بمثل حقّ التّحجير و حق الرهانة و نحو ذلك من الحقوق المتعلقة بالعين فإن تعلّقها بها ليس كتعلّق الإضافة المالكيّة بالملك فإنّ الملك وجوده العيني ملك للمالك و هذا بخلاف الحقّ المتعلّق بالعين فإنّ العين إمّا تكون ملكا لغير ذي الحقّ أو تكون من المباحات فنفوذ تصرّف ذي الحقّ ليس إلّا بمعنى السّلطنة على الإسقاط بل أظهر آثار السّلطنة على الحق إعدامه إنشاء فبنفس قوله أسقطت حقي ينعدم الحقّ و ليست السّلطنة عليه إلّا عبارة عن إعدامه أو نقله إلى الغير لو كان قابلا للنّقل

و بالجملة الفرق بين الحقّ و الحكم هو أنّ الحق قابل للإسقاط دون الحكم فإنّ الحقوق بأسرها قابلة للإسقاط و إن لم يقبل بعضها للانتقال أصلا أو إلى غير من عليه الحقّ كحق الخيار في المقام فإنّه لا يقبل الانتقال إلى غير من عليه الخيار و لكنّه قابل للانتقال إلى من عليه الخيار كما سيجي ء شرحه

[مسألة لو قال أحدهما لصاحبه اختر]

قوله قدس سره لو قال أحدهما لصاحبه اختر إلى آخره

لا يخفى أنّ هذه الكلمة يحتمل أن يراد بها تمليك الخيار ممّن عليه الخيار فإنّ هذا الحقّ قابل لأنّ ينتقل إليه و إن لم يقبل الانتقال إلى غيره لأنّه شرع لإرجاع العين إلى ملك مالكها الأصلي فهو تابع للمال و ينتقل إلى من كان أحد العوضين ملكا له و لذا ينتقل إلى وارثه و لا ينتقل إلى وارث الأجنبي الّذي جعل الخيار له في العقد فإنّ الأجنبي بمنزلة الوكيل ليس مالكا للمال حتى يكون مالكا لحقّ الخيار و يحتمل أن يراد بها تفويض الأمر إليه بحيث إنّه لو تصرف فيما فوّض إليه ينفذ في حق الأمر و أمّا لو لم يتصرّف فيبقى حقّه على حاله كما لو أذن المرتهن في بيع العين المرهونة فإنّه لا يسقط الرّهانة إلّا بالبيع لا بالإذن و هذا بخلاف الأوّل فإنّ التّمليك يوجب انتقال الحقّ من الآمر إلى المأمور

هذا مضافا إلى أنّه و إن لم يقبل الانتقال أصلا و لو إلى الطّرف الآخر إلّا أنّ التّمليك غير التّفويض فإنّ التّمليك بنفسه إسقاط لأنّ مرجع الخيار إلى مالكيّة الالتزام فإذا نقل هذا الالتزام إلى طرفه فلا يملك التزام نفسه فيصير العقد كالعقد اللّازم ابتداء و هذا عين معنى الإسقاط و يحتمل أن يراد بها استكشاف حال المأمور لا التّمليك و لا التفويض و ليست هذه الكلمة ظاهرة في إحدى المحتملات إلّا بقرائن حاليّة أو مقاليّة

[مسألة من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين]
اشارة

قوله قدّس سره مسألة من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين إلى آخره

لا إشكال في سقوط الخيار بالافتراق و لو لم يكشف عن الرّضا بالعقد لأنّه بنفسه من المسقطات و على هذا فلو حصل في حال الغفلة و النّسيان سقط به الخيار كما في حال الالتفات و الذّكر و هذا لا ينافي اعتبار الاختيار بمعنى آخر في الافتراق و عدم كفاية الافتراق الحاصل عن كره إذا منع من التّخاير أيضا للفرق بين المكره و غيره بالنّص الخاصّ

و بالجملة

ص: 29

لو حصل الافتراق عن النّسيان أو الغفلة أو إطارة الرّيح و الهواء يسقط به الخيار و ذلك لظهور أدلّته بأن أمد الخيار عدم التفرّق و بقاء الهيئة الاجتماعيّة الحاصلة لهما حال العقد فإذا ارتفعت الهيئة فلا خيار بعده و إطلاق المسقط عليه مسامحة لأنّ التفرّق بناء عليه غاية للخيار و هو بنفسه ليس موضوعا للحكم بل الموضوع له هو نقيضه و هو عدم التفرّق فما قيل من أنه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه التبادر الاختيار من الفعل المسند إلى الفاعل مضافا إلى حديث رفع ما استكرهوا عليه ممنوع جدّا

أمّا التّبادر فلما ظهر تحقيقه في محلّه من عدم اعتبار الاختيار في موادّ الأفعال و لا في هيئاتها لاشتراكها بين أفعال السجايا و غيرها من الأعراض التّسعة نعم الفعل في مقابل الانفعال اختياري

و أمّا حديث الرّفع ففيه أوّلا أنّ النّسيان مرفوع فيه أيضا مع أنّ القائل باعتبار الاختيار مقابل الإكراه يلتزم بسقوط الخيار مع النّسيان و الغفلة فيستكشف من السّقوط في مورد النّسيان أنّ ذات الافتراق بما أنّه فعل لا بما هو صادر عن اختيار جعل من المسقطات و حديث الرّفع يجري فيما كان الفعل منوطا بالقصد كالعقود و الإيقاعات و لم يؤخذ فيه عنوان العمد و الالتفات و لا الخطاء و النّسيان و لا الأعم و إلّا لم يرتفع بحديث الرّفع كما بيّن في محلّه و ثانيا بعد تسليم عدم الاعتبار بذات الفعل و بعد تسليم أنّ المرفوع لا ينحصر في الحكم التكليفيّ إلّا أن مورد بعض المرفوعات منحصر في متعلّق التّكليف كالحسد و الوسوسة و الطّيرة فتعميم الرّفع لموضوعات التّكاليف كالسّفر و الحضر و التّفرّق مع عدم الجامع بين المتعلّق و موضوع التّكليف لا وجه له فيجب أن يراد منه أنّه لو شرب المكلّف نسيانا أو كرها أو أفطر كذلك فشربه كالعدم لا أنّه لو تحقّق السّفر و الإقامة أو التفرّق عن كره فوجوده كالعدم و لذا لا يلتزم أحد بأنّه لو أقام مثلا عن كره يجب عليه القصر و ثالثا أنّه لو كان التفرّق بنفسه من المسقطات لكان وجوده كالعدم لو تحقّق كره و أمّا لو كان ضدّه و هو الهيئة الاجتماعيّة موجبا للخيار فرفع التفرّق تشريعا لا يثبت بقاء الهيئة الاجتماعيّة

نعم لو وقع التفرّق عن إكراه أو قهر مع المنع عن التّخاير أيضا بأن أجبر على السّكوت لكان الحقّ عدم السّقوط لكن لا لحديث رفع الإكراه بل لصحيحة الفضيل الدالّة على اعتبار الرّضا و الرّضا فيها و إن لم يكن بمعنى طيب النّفس بل بمعنى الاختيار إلّا أنّه لو أكره على التفرّق و منع من التّخاير أيضا لا يكشف هذا التفرّق عن اختيار العقد و إمضائه

و بالجملة لو لم يمنع من إعمال الخيار و لكنّه بنفسه اختار العقد و إن أكره على التفرّق يسقط خياره كما أنّه لو منع من إعمال الخيار و لكنّه بنفسه اختار التفرّق يسقط خياره أيضا و أمّا لو أكره على كليهما فلا يسقط خياره لإمكان عدم اختياره بقاء العقد فلم يحرز الإمضاء فيستصحب الخيار

ثم لا يخفى أنّ

قول المصنف قدس سره و لا ريب أنّ الرّضا المعتبر ليس إلّا المتّصل بالتفرّق إلى آخره

غير صحيحة لأنّه لو كان المدار على التفرّق المختار عن الرّضا أي التفرّق النّاشي عن الطّيب بالعقد لكان اللّازم القول بعدم السّقوط في المتفرّق النّاشي عن الغفلة أو النّسيان مع أنّه لا يلتزم به و لا يبعد أن يكون وجه العدول عن هذا التّفسير آخر بقوله أو يقال إلى آخره ورود الإشكال عليه مع أنّه يقع في محذور آخر على التّفسير الثّاني فإنّ التفرّق ليس كاشفا نوعيّا حتى يسقط بالخيار مطلقا

[مسألة لو أكره أحدهما على التفرّق]

قوله قدس سره مسألة

ص: 30

لو أكره أحدهما على التفرّق إلى آخره

لو تحقّق الإكراه الموجب لعدم سقوط الخيار بالنّسبة إلى أحد المتعاقدين دون الآخر لكونه مختار إمّا بالبقاء لو كان المكره مكرها على الافتراق أو بالافتراق لو كان مكرها على البقاء ففيه احتمالات سقوط خيارهما مطلقا و ثبوته لهما مطلقا و سقوط خيار خصوص المختار دون المكره إمّا مطلقا أو في خصوص ما إذا كان المختار مختارا في التفرّق دون البقاء و مبنى الاحتمالات أنّه لو كان الافتراق و لو من واحد غاية لكلا الخيارين فيسقط من الطرفين لحصوله من أحدهما بالاختيار بناء على حصوله من سكون أحدهما مختارا و حركة الآخر مكرها

و أمّا إذا قلنا بعدم حصوله إلّا بحركة المختار و عدم العبرة بالسّكون الاختياري فيسقط من الطّرفين في خصوص هذه الصورة و لو كان الافتراق من الطّرفين اختيارا غاية لمجموع الخيارين فلا يسقط من واحد منهما لحصول افتراق أحدهما كرها و لو جعل افتراق كل غاية لخيار نفسه فيسقط في حقّ المختار مطلقا أو فيما إذا كان متحرّكا و أمّا لو كان ساكنا فلا يسقط و منشأ المبنى استظهاره من الأخبار و لكن الظّاهر من مقابلة الجمع بالجمع و التّثنية بالتّثنية أن يكون افتراق كلّ غاية لخيار نفسه دون غيره و هذا الظّهور ارتكازيّ عرفيّ و بناء العرف عليه إلّا أن يقوم قرينة على خلافه و لذا قيل إنّ العام أظهر في الاستغراقيّة من المجموعيّة فاعتبار اختيار كل واحد لمجموع الخيارين لا وجه له و كذا كفاية اختياريّة أحدهما لسقوط خيارهما

نعم قد يستفاد من قوله عليه السّلام فمشيت خطاء ليجب البيع أنّ افتراق أحدهما اختيارا يكفي في سقوط كلا الخيارين لأنّ إطلاق كلامه يشمل ما إذا كان الآخر مكرها أو نائما أو ناسيا أو غافلا و لكن لا يخفى أنّه لا يمكن استفادة الإطلاق من فعله ع لأنّ القضايا الشخصيّة ليس لها إطلاق حتّى يصحّ الاعتماد عليها و لم يصدر الفعل في مقام بيان الحكم و لا في جواب السّؤال حتّى بترك الاستفصال يستفاد العموم منه ثم إنّ ما ذكرناه إنّما هو بحسب النّظر البدوي و أمّا بعد التعمّق فالحق بقاء خيارهما

و تنقيحه يتوقّف على رسم أمور الأوّل أنّ التفرّق و كما يحصل بحركة كلّ منهما إلى جانب غير جانب الآخر كذلك يحصل بحركة أحدهما و سكون الآخر و القول بأنّ الافتراق ثبوتي و السّكون عدميّ على فرض تسليمه لا أثر له لأنّ المدار في الخيار إذا كان على الهيئة الاجتماعيّة فبحركة أحدهما تنفصل الهيئة و لم يعتبر في انفصال الهيئة الطيب و الرّضا حتى يقال إنّ السّاكن لم يفعل شيئا

الثّاني أنّ بقاء الأكوان و عدمه و افتقار الباقي إلى المؤثّر و عدمه لا يرتبط بالمقام فإنّه لو قيل ببقاء الأكوان لا بتجدّدها آنا فآنا و عدم احتياج الباقي في بقائه إلى المؤثر يعني أنّ العلّة المحدثة هي المبقية فغايته أنّ استمرار السّكون ليس مستندا إلى السّاكن بل بقاؤه إنّما يكون بنفس علته المحدثة و هذا لا يفيد بعد ما ظهر أنّ الهيئة الاجتماعيّة ترتفع و لو بإطارة الهواء و أنّ مجرّد انفصالها و لو عن إكراه يوجب سقوط الخيار

الثّالث أنّ اقتضاء مقابلة الجمع بالجمع و التّثنية بالتّثنية التوزيع إنّما هو لظهور جعل عنوان فعل كل مكلّف متعلّقا لتكليف نفسه و لذا يحتاج اعتبار الاجتماع إلى مئونة زائدة على ظهور أدلّة التّكاليف و أمّا لو لم يتوقّف اعتبار الاجتماع إلى مئونة زائدة فلا

ص: 31

يصير الشّموليّ أظهر من المجموعي و في مقامنا حيث جعل الهيئة الاجتماعيّة مدارا للخيار فلا يقتضي ملاحظة وصف الاجتماع إلى مئونة زائدة لأنّ الهيئة من الإضافات القائمة بالطّرفين و قوامها باجتماع كليهما على هذا الوصف بل في مثل المقام اعتبار إضافة كلّ بالنّسبة إلى نفسه يحتاج إلى مئونة زائدة

إذا عرفت ذلك ظهر من الأمرين الأولين أنّ التّفصيل بين بقاء المختار في المجلس فالثبوت لهما و بين مفارقته فالسّقوط عنهما لا وجه له و ظهر من الأمر الثّالث أنّ التّفصيل بين المختار مطلقا و المكره فالسّقوط عن المختار و الثّبوت للمكره لا وجه له لأنّ الإضافة تنقطع باختيار أحدهما فيبقى في المقام قولان آخران الثبوت لهما و السقوط عنهما و لو لا صحيحة الفضيل لكان مقتضى الإطلاقات السّقوط عنهما لأنّ فيها جعل مدار الخيار على عدم التفرّق السّاقط بتفرّق أحدهما و لو عن كره إلّا أن مقتضى تقييدها بصحيحة الفضيل أنّ المدار في السّقوط على اختيار كليهما فإذا أجبر أحدهما على التّخاير و منع منه و أجبر على التفرّق أيضا لم يعلم بقاء المجبور على حاله الّذي كان قبل الجبر فلم يحرز الاختيار إذ لعلّه كان يفسخ فيستصحب الخيار

و بالجملة الظّاهر من الصّحيحة تقييد السّقوط بالرّضا منهما المنتفي بانتفاء رضاء أحدهما أو كليهما فيبقى الخيار حتّى بالنّسبة إلى المختار و لا وجه لمعارضتها بفعل الإمام ع بعد ما ظهر أنّ القضيّة الشخصيّة لا يستفاد منها الحكم الكلّي فتأمّل جيّدا

قوله قدس سره فالنّص ساكت إلى آخره

و ذلك لأنّه بعد أن جعل مدار الخيار بضمّ الصّحيحة إلى الإطلاقات على الهيئة الاجتماعيّة الحاصلة لهما بمقتضى طبعها فإذا فقد هذه الهيئة بلا اقتضاء طبعهما بل بالكره و الجبر مع عدم دلالة الصّحيحة على ثبوت الخيار لهما بفقد الرّضا و الاختيار لعدم ثبوت المفهوم لها فيجب الرّجوع إلى الاستصحاب فيما لو زال الإكراه حتّى في أوّل زمان زواله فضلا عمّا بعده

نعم بعد أوّل الزّمان ما يجري النزاع في أنّه من مورد الرّجوع إلى الاستصحاب أو عموم العام أو التّفصيل بين ما لو كان الخيار متّصلا بالعقد كخيار المجلس و ما لو كان منفصلا و سيجي ء إن شاء اللّٰه تفصيله في محلّه

[مسألة و من مسقطات هذا الخيار التصرف]

قوله قدس سره و من مسقطات هذا الخيار التصرف إلى آخره

سيجي ء في محلّه أنّ سقوط الخيار بالتصرّف ليس لحكم تعبّدي و لا لكشفه عن الرّضا بل التصرّفات المالكيّة هي بنفسها بمقتضى القواعد من المسقطات لأنّها إجازة فعليّة و على هذا لا فرق بين خيار الحيوان و غيره بل لو كان سقوطه لدليل تعبّدي أيضا لم يكن فرق بين جميع الأقسام فإنّ قوله ع فذلك رضا منه بمنزلة عموم العلّة

[الثّاني خيار الحيوان]

اشارة

قوله قدّس سرّه الثّاني خيار الحيوان إلى آخره

لا يخفى أنّ ظاهر النّص و الفتوى و إن شمل كلّ ذي حياة و لكن مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع اختصاص هذا الخيار بالحيوان المقصود منه حياته لا لحمه فالصّيد المشرف على الموت و السّمك و الجراد اللّذان يقصد منهما اللّحم نوعا و إن قصد نادرا حياتهما خارجة عن هذا العموم بل يمكن استفادة التّخصيص من بعض الأخبار المعلل فيه الخيار بنظرة المشتري و بناء عليه يختصّ أيضا بالحيوان الشّخصي لعدم جريان النّظرة في الكلّي فإنه لا يصحّ بيعه إلّا بعد تعيينه بالأوصاف و بما يوجب اختلاف القيمة هذا مضافا إلى أنّ المشتري لا يملك مطالبة الكلّي في باب السلم

ص: 32

قبل موسم قبضه فلا يمكن جعل مبدإ الخيار قبل حلول الأجل و أمّا بعد القبض فلا دليل على أنّ مبدأ الثّلاثة من حين القبض فهذا القسم لو لم يمكن الالتزام بثبوت الخيار فيه لا يمكن الالتزام بثبوته في الكلّي الحالي لعدم الفرق بينهما

نعم الكلّي في المعيّن لو صحّ بيعه كما إذا كان جميع أفراده متساوية في القيمة لا يبعد ثبوت الخيار فيه لجريان التّعليل

[مسألة المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري]

قوله قدس سره مسألة المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري إلى آخره

الأقوال في المسألة ثلاثة اختصاصه بالمشتري مطلقا كان الثّمن كالمبيع حيوانا أم لا و ثبوته لهما مطلقا و اختصاصه بمن انتقل إليه الحيوان مطلقا

و منشأ الأقوال اختلاف الأخبار فبعضها ظاهر في اختصاصه بالمشتري كقوله ع الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري و بعضها ظاهر في ثبوته لهما كقوله ع في صحيحة محمّد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و بعضها ظاهر في ثبوته لمن انتقل إليه الحيوان كقوله عليه السلام و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام بناء على أنّ المراد من الصّاحب هو الصاحب الفعليّ لا الأصليّ لأنّه لا يمكن أن يكون الخيار لمن انتقل عنه لا للمنتقل إليه لكونه خلاف الإجماع مع منافاته لحكمة النّظر و الاختبار

و أظهر الأقوال أدلّة هو الأخير و هو ثبوته لمن انتقل إليه بائعا كان أو مشتريا أو كليهما لو كان العوضان حيوانين دون من انتقل عنه أمّا ثبوته لمن انتقل إليه مطلقا فلقوله ع صاحب الحيوان بالخيار و لا ينافيه ظهور قوله ع للمشتري و لا ظهور موثقة ابن فضّال صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام

أمّا أوّلا فلعدم حمل المطلق على المقيّد في الأحكام الانحلاليّة كما إذا قيل أكرم العلماء و أكرم زيدا فلا ينافي ثبوت الخيار للمشتري ثبوته لغيره إذا صار صاحب الحيوان أو ثبوته لكليهما إذا انتقل إليهما

و أمّا ثانيا فلإمكان ورود القيد مورد الغالب كما في قوله عزّ من قائل وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ فلا ظهور له في الاختصاص و لا يقال يمكن حمل المطلق مثل قوله ع صاحب الحيوان على الغالب فيراد منه المشتري لأنّ الغالب كونه كذلك كما صرّح به الإمام ع في الموثقة لأنّا نقول الغلبة قد توجب حمل القيد على موردها و لا توجب تقييد المطلق أو الانصراف إلى موردها كما إذا لم توجب ضعف صدق المطلق على غير الغالب بأن لم يكن المطلق مشكّكا بل متواطئا من حيث الماهيّة أو الوجود هذا مضافا إلى أنّ في موثّقة ابن فضّال يمكن أن يكون المشترى وصفا للحيوان بأن يقرأ بفتح الرّاء مع أنّه لو قرئ بكسر الراء فيمكن أن يكون التقييد لدفع توهّم ثبوت الخيار لصاحبه الأصلي و هو البائع فلا تعرّض له إلى مورد كان البائع صاحبه الفعلي

و أمّا ثالثا فلإمكان أن يكون النّكتة في التّقييد دفع توهّم أنّ خيار الحيوان كخيار المجلس في ثبوته للبائع و المشتري أي ليس للبائع خيار إذا انتقل عنه الحيوان و ليس كخيار المجلس في ثبوته لهما فليس بصدد إخراج البائع إذا كان الثّمن حيوانا

و بالجملة فلا مانع من الأخذ بعموم الصاحب و ثبوته لكلّ من انتقل إليه الحيوان هذا حال المنتقل إليه و أمّا عدم ثبوته للمنتقل عنه فلأنّه لا دليل على ثبوته له إلّا قوله ع في صحيحة محمّد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا فإنّ المتبايعان بإطلاقه يشمل ما إذا كان الثمن أو المثمن أو كلاهما حيوانا و لكن يمكن تقييده بصحيحته الأخرى المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام فيصير المراد من المتبايعين

ص: 33

بعد التّقييد من انتقل إليه الحيوان أي يحمل على مورد يكون الثّمنان حيوانين

نعم يرد على التّقييد إشكالات ثلاثة الأوّل أن حمل قوله ع المتبايعان بالخيار على ما إذا كان الثّمنان حيوانين حمل على فرد نادر فإنّ الغالب كون المبيع حيوانا الثّاني أنّ اتّحاد السياق يقتضي أن يكون ثبوت الخيار في بيع الحيوان و غيره الّذي ثبت فيه خيار المجلس على نهج واحد و خيار المجلس أمر قائم بالمتبايعين بالنّسبة إلى الثّمن و المثمن فخيار الحيوان لو لم يكن إلّا للمنتقل إليه يلزم أن يرتكب شبه استخدام في لفظ المتبايعان بالخيار أي يراد منه تعلّق الخيار بالنّسبة إلى غير الحيوان بالثّمن و المثمن و بالنّسبة إلى الحيوان بأحدهما الثّالث أنّه لو حمل المتبايعان على مورد كان العوضان حيوانين للزم أن يناقض صدره ذيله لأنّ ذيله صريح في أنّ فيما سوى ذلك ليس إلّا خيار المجلس و ما سوى كون الثّمنين حيوانين يشمل ما كان المبيع حيوانا فيلزم أن لا يكون للمشتري خيار مع أنه لا يقول به أحد و ليس الواقع كذلك أيضا

و لكنّه لا يخفى أنّ جميع هذه الإشكالات لا يصادم ظهور قوله ع صاحب الحيوان بالخيار في اختصاص الخيار بمن انتقل إليه

أمّا أوّلا فلأنّ حمل قوله المتبايعان على ما إذا كان الثّمنان حيوانين و إن كان حملا على الفرد النّادر إلّا أنّ قوله ع صاحب الحيوان أظهر في الاختصاص بمن انتقل إليه من إطلاق المتبايعان خصوصا مع عدول الإمام ع عن قوله المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلى قوله و صاحب الحيوان لأنّه لو كان خيار الحيوان كخيار المجلس ثابتا لكليهما لكان اللّازم أن يقال المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا و هما بالخيار في الحيوان ثلاثة أيّام فعدوله ع في صحيحة محمّد بن مسلم و في صحيحة زرارة ليس إلّا لبيان الاختصاص

و أمّا ثانيا فلمعارضة هذه الصّحيحة الدالّة بإطلاقها على ثبوت الخيار لهما مع رواية قرب الإسناد الصريحة في عدم ثبوت الخيار للبائع إذا كان المبيع حيوانا و لا سيّما التّعليل الوارد فيه بقوله ع الخيار لمن اشترى نظرة ثلاثة أيّام فإنّ العلّة و إن كانت حكمة التّشريع و هي لا تقتضي الاطّراد إلّا أن بمناسبة الحكم و الموضوع يستكشف مناط جعل الخيار و أنّه للمنتقل إليه دون المنتقل عنه

و أمّا الإشكال الثّاني فغير وارد أصلا لأنّه لو كان قوله ع المتبايعان بالخيار منزلا على ما إذا كان الثّمنان حيوانين فيتّحد حكمه مع غير الحيوان في ثبوت الخيار لهما كان حق الرّد متعلّقا بما في يدهما أو حقّ الأخذ متعلّقا بما انتقل عنهما لأنّ حلّ العقد و إبقاءه بيدهما على أي تقدير و الفرق الاعتباري الخارجيّ لا يوجب استعمال قوله ع المتبايعان بالخيار في معنيين

و أمّا الإشكال الثّالث فلا يخفى ما فيه لأن ذيل الرّواية لا ينفي صدره من حيث النّصوصية و الظّهور فإنّه لو حمل صدره على ما إذا كان الثّمنان حيوانين يصير مفاده اللّفظي أنّه لو كان الثّمن و المثمن كلاهما حيوانا فالخيار لكليهما و لو لم يكن كذلك بأن كان أحدهما حيوانا فلا خيار لأحدهما إلّا خيار المجلس و عدم إمكان العمل بذيله لا يوجب مناقضة ذيله لصدره

فغاية الأمر يقيّد ذيله و يقال إن مقتضى الأدلّة الأخرى هو أن لمن انتقل إليه الحيوان خيار ثلاثة أيّام و بالجملة لا إشكال في ترجيح صحيحتي محمّد بن مسلم و زرارة الدالّتين على ثبوت الخيار لخصوص من انتقل إليه من حيث الدلالة على الرّواية الدّالة على ثبوته لمن انتقل عنه أيضا فلا مجال حينئذ لملاحظة السّند مع أنّ إعراض القدماء عنها و عدم العمل بها إلى زمان

ص: 34

السّيد المرتضى قدس سره يكفي وهنا لدلالتها و سندها إذ لعلّها كانت منقولة بالمعنى لأنّ شخص محمّد بن مسلم هو الراوي للصّحيحة الأخرى الدالّة على الاختصاص بمن انتقل إليه فالمسألة واضحة

نعم يمكن أن يقال بعد ظهور موثقة ابن فضّال في اختصاص الخيار بالمشتري لركاكة قراءة المشترى بالفتح و بعدها عن سياق اللّغة العربيّة فيحمل المطلق على المقيّد مع ظهور عدّة من الرّوايات في الاختصاص بالمشتري و احتمال ورود القيد مورد الغالب ضعيف فإنّ الأصل في القيد الاحترازيّة إلّا إذا ثبت كونه واردا مورد الغالب كما في ربائبكم اللّاتي في حجوركم فالأقوى ما عليه المشهور فتدبّر

[مسألة لا فرق بين الأمة و غيرها في مدة الخيار]

قوله قدس سره مسألة لا فرق بين الأمة و غيرها إلى آخره

لا يخفى أنّه لو قام الدّليل على أنّ ضمان الأمة في مدّة الاستبراء على البائع لم يكن ملازما لثبوت الخيار للمشتري في هذه المدّة لأنّه لم يثبت الملازمة بين ضمان شخص و ثبوت الخيار لطرفه بل الملازمة بالعكس فإنّه ثبت أنّ من له الخيار ضمان ماله على من لا خيار له هذا مضافا إلى أنّه لم يثبت ضمان البائع في مدّة الاستبراء فالتّفصيل بين الحيوانات في مدة الخيار لا وجه له أصلا

[مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد]

قوله قدس سره مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد إلى آخره

قد تخيّل أنّ النّزاع لا وجه له لأنّه ليس خيار الحيوان إلّا خيار المجلس الّذي هو في غير الحيوان إلى التفرق و فيه إلى ثلاثة أيّام فيكون مبدؤه من حين العقد

و فيه أنّا لو اخترنا ما عليه السّيد المرتضى من ثبوت خيار الحيوان للبائع و المشتري لكان لهذا الكلام وجه و أمّا لو قلنا بعدم ثبوته للمنتقل عنه فلا شبهة في أن خيار الحيوان مغاير لخيار المجلس موضوعا و محمولا فإنّ خيار المجلس ثابت لكليهما ما دام المجلس باقيا سواء طال أم قصر و خيار الحيوان يختصّ بمن انتقل إليه في ثلاثة أيّام فأين هذا من ذاك ثمّ إنّه استدلّ على أنّ مبدأه بعد التفرّق بأمور الأوّل الاستصحاب و يمكن تقريبه بوجهين الأوّل أصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة أيّام من حين العقد أي بعد مضيّ ثلاثة أيّام من حين العقد يستصحب بقاء خيار الحيوان بمقدار زمان المجلس و الثّاني أصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس و الأوّل لا إشكال فيه لو آل الأمر إلى الأصول و لم يستظهر الحكم من الأدلّة لأنّ أثره تأثير الفسخ فإنّه من الآثار الشّرعيّة المترتّبة على نفس بقاء الخيار من دون واسطة و الثّاني مثبت لأنّ نفس عدم حدوثه لا أثر له و لا يثبت به أنّ مبدأه بعد التفرّق

و لا يقال إنّ من آثار عدم حدوثه عدم تأثير إسقاطه لم يرتب على عدم حدوثه بل من باب أنّ إسقاطه إسقاط لما لم يجب إلّا أن يقال إنّ كونه إسقاطا لما لم يجب مترتّب على أمرين أحدهما محرز بالوجدان و هو نفس الإسقاط و ثانيهما بالتعبّد و هو عدم حدوث الخيار فلا محذور في استصحاب عدم الحدوث

فالصواب في الجواب عن هذا الأصل أنّه بمعناه المحمولي و هو عدم تحقّق الخيار قبل بيع الحيوان لا أثر له و بمعناه النّعتي و هو حين بيع الحيوان ليس له حالة سابقة و استصحاب العدم المحمولي لإثبات العدم النّعتي مثبت الثّاني أنّه لو لم يكن مبدؤه التفرّق لزم اجتماع السّببين على مسبّب واحد و قد يرد بأنّ الأسباب الشرعيّة معرفات لا علل

و لا يخفى أنّ النّزاع في أنّ الأسباب معرفات أو علل بالمعنى المتصوّر الصّحيح لا ربط له بالمقام فإنّه لو كان المراد من المعرّف أنّه حكمة لا علة فكون مناطات الأحكام من قبيل الحكم لا العلل لا ربط له بالمقام لأنّ الخيارين تابعان لمقتضى دليلهما قبل التفرّق كان مناطهما حكمة

ص: 35

للجعل أو علّة و لو كان المراد من المعرّف أن موضوع الحكم الّذي أخذ في القضيّة الحقيقيّة ليس علّة لثبوت الحكم عند تحقّقه فهذا بديهيّ البطلان لأنّه لو جعل حكم على تقدير فبتحقّقه يتحقّق الحكم و بعدمه لا يتحقّق و لا يعقل تحقّق الموضوع و عدم تحقّق الحكم فلا يمكن أن يقال إنّ الأسباب الشّرعيّة معرفات لا علل لأنّها بهذا المعنى علل فإذا كانت كذلك فالأصل عدم التّداخل لأنّ كلّ موضوع سبب لتحقّق الحكم الّذي أنشئ على فرض وجوده فلو أمكن تعدّد الحكم نلتزم به و لو لم يمكن فلو أمكن تعدّد مرتبته كالشدّة و القوّة كما في الاستحباب و الوجوب فهو و لو لم يمكن الخيار في المقام الّذي هو من قبيل سائر الأحكام الوضعيّة الغير القابلة للتأكّد و التعدّد فمقتضى توارد العلّتين على معلول واحد أن يكون المعلول مستندا إلى مجموع العلّتين فإن كلّا منهما مستقلّ في العليّة لو لم يقارنه الآخر فمع المقارنة يستند إلى كليهما هذا مع أنّ الخيار قابل للتعدّد من حيث الإضافة أي و إن لم يمكن تعدّد نفس الخيار و لكن يمكن تقييده من جهة السّبب و أثر ذلك أنّه يمكن إسقاطه من جهة و إبقاؤه من أخرى لأنّه ليس معنى الخيار إلّا ملك الالتزام الّذي التزم العاقد به فلو ملك التزام نفسه من جهتين فله إسقاط إحداهما و إبقاء الأخرى

و بالجملة لا يلزم من إسقاط الخيار سقوطه رأسا فإنّه تابع لنظر المسقط و هذا لا ينافي وحدة الخيار فإنّ الملكيّة الّتي هي من الأمور الاعتباريّة يمكن رفع اليد من أحد أسباب اعتبارها فحال الخيار بالنّسبة إلى السّببين كحال القتل بالنّسبة إلى أسبابه فإنّه مع كونه غير قابل للتعدّد و التأكّد يمكن تقييده بأسبابه فإذا اجتمع سببان فيه أحدهما إلهيا و الآخر خلقيّا كالارتداد و القصاص أو حقان خلقيان يمكن سقوطه من جهة و ثبوته من أخرى

نعم إذا كان كلّ منهما إلهيا فغير قابل لإضافته إلى سبب دون آخر لأنّ مرجع الحدّ الشّرعي إلى الحكم الشّرعي و الحكم غير قابل للإسقاط الثّالث الأخبار الدالّة على أنّ تلف الحيوان في الثلاثة ممّن انتقل عنه أي ممّن ليس له الخيار و بضميمة ما دلّ على أنّ التّلف في الخيار المشترك ممّن انتقل إليه يستكشف أنّ مبدأ خيار الحيوان بعد التفرّق لأنّه لو كان مبدؤه أوّل زمان العقد الّذي يشترك فيه البائع و المشتري في الخيار لما كان التّلف على البائع

و فيه ما لا يخفى لأنّ أدلّة خيار الحيوان لو كانت ظاهرة في أن مبدأه من حين العقد لم يمكن رفع اليد من ظهورها بمجرّد أنّه لا يمكن الجمع بين الأدلّة الدالّة على أنّ تلف الحيوان في زمان الخيار المشترك من المشتري و الأدلّة الدالّة على أنّ تلف الحيوان في الثّلاثة الّتي هي زمان خيار الحيوان للمشتري على البائع إلّا على أن يكون مبدأ الثّلاثة بعد التفرّق لأنّ غايته تعارض القاعدتين فيمكن حمل ما دلّ على أنّ التّلف من البائع على الغالب من كونه بعد المجلس فلا إطلاق له حتى ينافي ما دلّ على أنّ التّلف في المجلس ممّن انتقل إليه و يمكن تقييد ما دلّ على أنّ تلف المال في زمان الخيار المشترك من المنتقل إليه بغير مورد الحيوان فيقال إنّ التّلف في زمان الخيار المشترك ممّن انتقل إليه إلّا أن يكون له خيار مختصّ فيكون التّلف من المنتقل عنه

قوله قدس سره ثم إنّ المراد بزمان العقد هل زمان مجرّد الصّيغة إلى آخره

لا إشكال في أنّ مبدأ الثلاثة في عقد الفضولي بناء على النّقل من حين الإجازة و كذا بناء على الكشف الحكمي لأنّ الدّليل الدالّ

ص: 36

على ترتيب الآثار من حين العقد يدلّ على ترتيب آثار الملكيّة و لا يدلّ على أنّ الاستناد إلى المالك الّذي يتحقّق بحسب الخارج بالإجازة أيضا من حين العقد

و بعبارة أخرى كما أنّ الأصول لا يترتّب عليها إلّا الآثار الشّرعيّة فكذلك الأدلّة الّتي وردت في بيان إثبات حكم تعبّدي لا يترتّب عليها إلّا المقدار الذي ورد التعبّد به دون لوازمه العادية

و أمّا على الكشف الحقيقيّ فبناء على كون الشّرط هو وصف التعقّب أو التزمنا على ما هو المحال و الخلف و هو أنّ الإجازة بوجودها العيني شرط و مع هذا تحقّق الملك قبلها كما يقوله القائل بصحّة الشّرط المتأخّر فمبدأ الثلاثة من حين العقد

و أمّا بناء على الانقلاب فمن حين الإجازة لأنّ القائل به يقول بانقلاب آثار الملك و أمّا نفس الإجازة الواقعة فعلا فلا يدّعي وقوعها حين العقد فمبدأ الخيار لا محالة من حينها و أدلّة الجميع واضحة ثم إنّ مبدأها في السّلم من حين العقد لا حين حصول الملك أي حين القبض كما عرفته في خيار المجلس لأنّ الخيار مخصّص لوجوب الوفاء بالعقد فلا يقال لا أثر له قبل القبض

[مسألة لا إشكال في دخول اللّيلتين]

قوله قدّس سرّه مسألة لا إشكال في دخول اللّيلتين إلى آخره

لا يخفى أنّ اليوم بحسب العرف و اللّغة هو الزمان الممتد بين طلوع الشّمس و غروبها بحيث لو أطلق على مجموع اللّيل و النّهار فهو بقرينة خارجيّة كما أنّ إطلاقه على اليوم الصّومي و هو من أوّل الفجر إلى زوال الحمرة بدليل خارجيّ و إلّا فبحسب معناه العرفي كاللّغوي هو اليوم الإجاري و هو من أوّل الشمس إلى الغروب

نعم في خصوص المقام لما استفيد الاستمرار من الأخبار يدخل اللّيلتان المتوسّطتان في الأيام كما أنّه لو وقع العقد في أوّل الغروب يستمرّ هذا الخيار من حين العقد إلى منتهى اليوم الثّالث فدخول اللّيلتين أو اللّيالي في بعض الموارد ليس لدخولها في مفهوم الأيّام و ذلك واضح إنّما الكلام في أن الحكم المترتّب على الأيّام مترتّب على خصوص اليوم التامّ أو يكفي التّلفيق و هو تارة يحصل من تلفيق نصف من اليوم بنصف من اللّيل و أخرى من تلفيق نصف يوم بنصف يوم آخر فنقول الحكم بحسب الثّبوت لا يخلو عن أحد الوجوه الثلاثة

فتارة لا يكون لليوم خصوصيّة أصلا بل المخصوص هو المقدار الخاصّ من الحركة الفلكيّة و أخرى له خصوصيّة و الخصوصيّة إمّا من حيث هذا المقدار من البياض أو لخصوصيّته بتماميّته أمّا بحسب الإثبات فلا بدّ من قيام قرينة على أحد الأقسام الثّلاثة و لا يبعد دعوى قيام القرينة النّوعيّة على كفاية التّلفيق من يومين لأنّ ظاهر ما يوجب اعتبار اليوم أو الأيّام في موضوعات الأحكام هو اعتبار هذا المقدار من البياض لا من حركة الفلك و لا تمام البياض من يوم واحد و عدم كفاية التّلفيق في الاعتكاف إنّما هو لاعتبار الصوم فيه و الصّوم ثبت أنّ يومه من أوّل الفجر إلى زوال الحمرة

[مسألة يسقط هذا الخيار بأمور]
[الثّالث التّصرف و لا خلاف في إسقاطه في الجملة لهذا الخيار]

قوله قدس سره الثّالث التّصرف و لا خلاف في إسقاطه في الجملة لهذا الخيار إلى آخره

تنقيح البحث فيه يستدعي رسم أمرين تقدم تنقيحهما في تحت المعاطاة الأوّل أنّ مقتضى القواعد الأوّليّة وقوع كلّ عنوان من عناوين العقود و الإيقاعات بالفعل كوقوعه بالقول إذا كان الفعل في طبعه بحسب العرف و العادة مصداقا لذلك العنوان بحيث يحمل عليه بالحمل الشّائع الصناعي أنّه هو أي كان بطبعه آلة لإيجاده فلا يقع العنوان بالفعل الّذي ليس آلة

ص: 37

لإيجاده و لو نوى وقوعه به الثّاني أنّ خروج بعض الإيقاعات ليس لإجماع تعبّدي بل لانتفاء ما يكون آلة لإيجاده من الأفعال فعدم وقوع العتق أو الطّلاق بالفعل إنّما هو لأنّ الفعل ليس آلة لإيجادهما و لهذه الجهة لا تجري المعاطاة أيضا في كثير من العقود كالصّلح و الضّمان و الحوالة و النّكاح

و بالجملة لا يختصّ الإيقاع بخصوصيّة موجبة لعدم جريان المعاطاة فيه من حيث إنّه إيقاع فعلى هذا كلّ إيقاعيّ كان الفعل آلة لإيجاده كالرّجوع في الهبة و العدّة و الفسخ و الإجازة يقع به

إذا عرفت ذلك فحيث إنّ الإجازة من الإيقاعات و لا بدّ في تحقّقها خارجا من إنشاء لفظيّ أو فعليّ فكل فعل كان مصداقا لتحقّقها خارجا و في عالم الاعتبار تقع به و من أوضح مصاديق الأفعال الّتي تقع هذه بها التصرّف فإنّه إجازة فعليّة

نعم يشترط أن يكون التصرّف مالكيا بأن يكون نحو تصرّف الملاك في أملاكهم فالتصرّف الاختياري و الّذي جرت العادة بصدوره من غير المالك كسقي الدابّة و ركوبها حال الذّهاب و الإياب و قوله للجارية ناوليني الماء مثلا و التصرّف الصّادر من حيث الاشتباه الموضوعي كتخيّل أنّ هذه الدّابة غير المشتراة خارج عن التصرّف المالكي

و بالجملة مقتضى القاعدة تحقّق الإجازة و الفسخ بالفعل كتحقّقها بالقول و ليس التصرّف مسقطا تعبّديا و إلّا لوجب الاقتصار على مورده و هو التصرّف فيما انتقل إليه و في خصوص الحيوان فالتعدّي عنه و القول بأنّ تصرّف المالك في كلّ معاملة فيما انتقل عنه فسخ و فيما انتقل إليه إجازة ليس إلّا لأنّ التصرّف بنفسه إجازة و إنشاء فعليّ فيما انتقل إليه

نعم التصرّف قبل العلم بالعيب في خيار الحيوان مسقط تعبّدي و أمّا بعد العلم كالتّصرف في المقام فهو على وفق القاعدة و الأخبار الواردة في هذا الباب أيضا كاشفة عمّا ذكرنا فإنّ قوله ع إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشّراء و قوله ع فذلك رضى منه و لا شرط له يدلّ على أنّ الرّضا بالبيع و اختياره هو بنفسه مسقط للخيار و ليس المراد من الرّضا الطّيب فإنّه بهذا المعنى يتعدّى بالياء مع أنّه في رواية عبد اللّٰه بن الحسن تعدّى بالنّفس فيكشف عن أنّ معناه في سائر الأخبار هو الاختيار

و يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه صحّة حمل الرّضا على التصرّف بلا عناية فإنّ قوله ع فذلك أي الحدث رضى منه لو كان بمعنى الطّيب لاحتاج إلى عناية إمّا بحمل المنكشف على الكاشف أو التّنزيل هذا مع أنّ جهة كشفه عن الرّضا لا أثر له في شي ء من العقود و الإيقاعات فإنّ العقد أو الإيقاع إنشائي لا يوجد إلّا بآلة من قول أو فعل و مجرّد الرّضا الباطني لا أثر له أصلا

و بالجملة لمّا استظهر المصنف من الرّضا أنّه بمعنى طيب النّفس وجّه أو احتمل وجوها في قوله ع فذلك رضى منه و لا شرط له و كلّ ذلك في غير محلّه لأنّه مبنيّ على أخذ الرّضا بمعنى الطّيب

ثم إنّ كون جواب الشّرط فذلك رضى منه أو قوله ع و لا شرط له و يكون فذلك رضى منه توطئة للجزاء كما تكرر هذا الكلام منه قدس سره لا يرجع إلى فرق حقيقيّ بين الوجهين بل لا معنى للتّوطئة فإنّه قد يكون الجواب مجموع الكلام من الصّغرى و الكبرى و قد يكون خصوص الكبرى

ثم إنّ المحتملات في الرّواية لو كان المراد من الرّضا طيب النّفس ثلاثة فإنّ الاحتمالين

ص: 38

الأوّلين يرجعان إلى أمر واحد و هو جعل التصرّف مسقطا تعبّديا و منزلا منزلة الالتزام بالعقد فعلى هذا كلّ حدث و تصرّف بمنزلة الالتزام بالعقد في سقوط الخيار به فيصير مفاد الحديث أنّه لو أحدث المشتري حدثا فهو بمنزلة رضائه فلا خيار له و الاحتمال الثّالث الّذي هو الثّاني في الحقيقية يرجع أيضا إلى التعبّد لأنّه لو لم يكن للتّصرف ظهور فعلي و شخصيّ في الرّضا بل كان كظهور و الألفاظ في إرادة معانيها لما كان متّبعا في كلّ مقام إلّا بتعبّد من الشّرع و بإمضاء ما عليه طريقة العقلاء فإذا كان تعبّديا يدور مدار مقدار التعبّد و لا وجه للتعدّي عنه إلى مورد الفسخ

ثم على الوجه الأوّل يكون حمل الرّضا على التصرّف نظير حمل الصّلاة على الطّواف في قوله ع الطّواف في البيت صلاة و على الثّاني أي الثّالث في كلامه يكون من حمل المنكشف على الكاشف

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّه ليس التصرّف في عرض سائر المسقطات مسقطا مستقلا بل لمكان أنّه إجازة و التزام بالعقد و أخذ بأحد طرفي الخيار و لذا يجب أن يعد التصرّف بحسب العرف و العادة مصداقا للإجازة و إن لم يقصد به الإجازة لأنّ كلّ فعل كان مصداقا لعنوان يكفي في تحقّق العنوان مجرّد القصد إلى الفعل و لا يشترط قصد العنوان به و لذا قالوا إنّ الوطي و إنكار الطّلاق رجوع و إن لم يقصده بهما

نعم غير الوطي من سائر الأفعال يجب أن لا يقصد منه خلاف العنوان لأنّ مع قصد الخلاف يخرج الفعل عن المصداقية كما أنّه يشترط أن لا يقع الفعل اشتباها و أن لا يكون من الأفعال الّتي تصدر من غير المالك أيضا كسقي الدابّة و نحو ذلك

و بالجملة التصرّف المالكيّ هو بنفسه إجازة فعليّة و لو لم يقصد به عنوان الإجازة بل لو فعل فعلا لم يصدق التصرّف عليه كالعرض على البيع فهو أيضا إجازة لأنّ قوله ع فذلك رضى منه كما يوجب تخصيص التصرّف بالتّصرف المالكي كذلك يوجب تعميم كلّ عمل كان مصداقا للاختيار و من هنا ظهر أنّ ما أورده قدس سره على من خصّص التصرّف بالتصرّف المالكي غير وارد أصلا لأنّ عقد الوضع و إن كان عاما إلّا أن عقد الحمل يوجب تقييد الموضوع و جزاء الشّرط في الشرطيّات كالمحمول في الحمليّات

فقوله ع فذلك رضى منه يوجب اختصاص التصرّف بالتصرّف النّاشي عن اختيار و التزام بالعقد و الاختصاص لا يوجب استهجانا سواء قلنا بأنّ التصرّف مسقط تعبّدي أو كاشف نوعي أو إجازة فعليّة أمّا على التعبّديّة فواضح لأنّ كلّ تصرّف محرّم عليه قبل الشّراء فهو مسقط بمنزلة الرّضا

نعم يرد عليه مضافا إلى أنّ ظاهر الخبر بيان الأمر الارتكازيّ لا التعبّد إنّ جعل الخيار لغو لأنّه لا ينفكّ المبيع عن التصرّف فيه في الثّلاثة و أمّا على الكشف النّوعي الّذي قلنا إنّه راجع إلى التعبّد أيضا فلأنّ جعل فذلك رضى بمنزلة العلّة للجزاء إمّا راجع إلى علّة الجعل أو المجعول و الحكم أمّا لو كان علّة للحكم فهي موضوع الحكم و ليس من أوّل الأمر عاما حتى يكون تخصيصه بالفرد النّادر مستهجنا و أمّا لو كان علّة للتشريع كزوال أرياح الآباط في غسل الجمعة و عدم اختلاط المياه في العدّة فتارة تكون العلّة بمثابة من الأهميّة في نظر الشّارع بحيث لا يرضى بوجودها و لو في الفرد النّادر فيصحّ تشريع الحكم على وجه العموم حفظا للحمى

و أخرى لا تكون

ص: 39

بتلك المثابة فلا يصحّ تشريعه على وجه العموم هذا مع أنّ كلّ ذلك لم يكن لأنّه ليس المراد من الحدث مطلق التصرّف حتّى يكون تعليل الحكم المطلق بهذه العلّة الغير الموجودة إلّا في قليل من أفراده مستهجنا بل المراد منه التصرّف المالكي و هو في الغالب لا ينفكّ عن الرّضا و كاشف نوعيّ عنه

نعم مطلق التصرّف ليس كاشفا نوعيّا و لكن أين الإطلاق و بالجملة بعد ما ظهر أنّ الحكم بسقوط الخيار بالتّصرف ليس إلّا لأنّه إجازة فعليّة ظهر أنّ الجمع بين الأخبار في غاية الوضوح لأنّها بأجمعها ناطقة بأنّ التصرّف الّذي يحرم على المتصرّف لو لم يكن مالكا هو اختيار للعقد و إمضاء له سواء صدر بعنوان الإجازة أم بلا التفات إلى العنوان

نعم لا بدّ من الالتفات إلى الفعل و صدوره عنه بما هو مالك لهذا الّذي اشتراه و سواء صدق عليه التصرّف عرفا أم لا كالعرض على البيع و إنكار البيع كلّ ذلك لأنّ هذه الأفعال بنفسها مصاديق للإجازة

نعم يجب أن لا يخرجها عن هذا العنوان بقصد الخلاف فإنّ الأفعال مختلفة في جهة المصداقيّة فبعضها لا اقتضاء صرف و بالقصد يتّصف بعنوان و بعضها يتّصف به ما لم يقصد خلافه و بعضها يتّصف به مطلقا كالوطي في زمان العدّة الرجعيّة فإنّه و إن قصد به الزّنا لا الرّجوع إلّا أنّه يتحقّق الرّجوع به نعم يعزّر لقصده هذا

و يمكن أن يقال بالفرق بين التصرّف فيما انتقل إليه و التصرّف فيما انتقل عنه فإنّ الأوّل إجازة و إن قصد الخلاف و الثّاني مع قصد الخلاف ليس فسخا و منشأ الفرق هو أنّ التصرّف فيما انتقل إليه تصرّف فيما هو ملكه فإذا نوى به الغصبيّة مثلا لا يخرج عن كونه تصرّفا في الملك فإذا صدر الفعل عنه بالاختيار مع العلم بموضوع الخيار كالعلم بالغبن مثلا أو العيب فنفس صدور هذا التصرّف المالكيّ هو التزام بأحد طرفي الخيار لأنّه التزام بعدم شرط التّساوي و مثلا في الماليّة الموجب للخيار و لو لم يعلم بأنّ المغبون ذو خيار شرعا لأنّ عدم العلم بالحكم لا يخرج التصرّف عن عدم الالتزام بتساوي المالين

نعم مع الجهل بالغبن ليس مجرّد التصرّف المالكي مصداقا لإسقاط شرط التّساوي لعدم علمه بعدم التّساوي و أمّا التصرّف فيما انتقل عنه فلو قصد به التصرّف العدواني فهذا ليس أخذا بأحد طرفي الخيار لإمكان طروّ عنوان الغصب عليه فالفعل يصير ذا وجهين و ليس كمن أكل مال نفسه و قصد الغصب و من وطئ زوجته و قصد الزّنا فإنّ هذا القصد لا يغيّر الفعل عمّا هو عليه و لو كان القصد حراما و على هذا فالوطي في زمان الرّجوع رجوع و إن قصد الخلاف لأن المطلّقة الرجعيّة زوجة

ثم إنّ هذا ما هو التّحقيق في المقام و أمّا كلمات العلماء فلا يجمعها جامع واحد بل كلّ منهم سلك مسلكا فبعضهم أخذ بالتعبّدية و بعضهم بالكاشفيّة النّوعيّة و بعضهم اعتبر الكشف الفعلي فراجع

[الثّالث خيار الشّرط]

اشارة

قوله قدس سره الثّالث خيار الشّرط إلى آخره

و قد حكي عن صاحب المستند أنّ الأدلّة العامّة مثل المؤمنون عند شروطهم لا تكفي لإثبات صحّة اشتراط الخيار لاستثناء الشرط المخالف للكتاب و السّنة لأنّ السّنة تدلّ على أنّ بالافتراق يجب البيع فاشتراط عدم وجوبه بعد الافتراق مخالف لها و حيث إنّا قد ذكرنا في اشتراط سقوط خيار المجلس في ضمن العقد ضابطا للشرط المخالف و الموافق

ص: 40

ظهر ما في كلامه

و حاصل الضّابط أن كلّ حكم تكليفي غير اقتضائي و كلّ حكم وضعيّ حقّي قابل للاشتراط فالمهم إثبات الصّغرى و أنّ اللّزوم في المقام حقّي لا حكميّ و إثباتها و إن تقدّم في المعاطاة مفصّلا إلّا أنّه لا بأس بالإشارة إليه إجمالا

فنقول إنّ اللّزوم في باب النّكاح و الضّمان حكميّ لا حقّي و الكاشف عنه عدم جريان الإقالة فيهما كما أنّ الجواز في الهبة كذلك أيضا بل الجواز في المعاطاة من جهة أيضا كذلك لأنّ الأفعال لا تدلّ إلّا على نفس المنشئات بالعقود و ليست لها دلالة التزاميّة

و أمّا اللّزوم في البيع و في كل عقد معاوضيّ فهو حقّي لأنّه حكم شرعيّ متعلّق بما ينشئه المتعاقدان بالدلالة الالتزاميّة فإن بعت كما يدلّ على التبديل مطابقة يدلّ بحسب العرف و العادة على الالتزام بما أنشأه فالبائع يملّك المشتري المبيع و يملّكه التزامه بكون المبيع بدلا للثّمن فيملك المشتري المثمن و التزام البائع كما يملك البائع الثّمن و التزام المشتري فكلّ منهما يملك التزام صاحبه و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ يدلّ على وجوب الوفاء بهذا الالتزام الّذي به سمّي العقد عقدا و عهدا مؤكّدا كما أنّ بالإقالة تنحلّ هذا الالتزام و يرد كلّ منهما الالتزام الّذي ملكه إلى صاحبه و الخيار ملك كلا الالتزامين و لذا يثبت في كلّ ما يجري فيه الإقالة و بالعكس

فإذا كان الالتزام من منشئات المتعاقدين فلو اشترطا أن لا يكون هذا في مدّة معيّنة لأحدهما فلا يملك المشروط عليه التزام المشروط له و إذا ارتفع موضوع الحكم فلا حكم حتّى يكون شرط خلافه مخالفا للكتاب و لو لم يكن الأدلّة العامّة الواردة في الشّروط لكفى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لصحة هذا الشرط لأنّ وجوب الوفاء بما التزم به كلّ عاقد على نفسه إنّما هو عين وجوب الوفاء بأن لا يكون العقد لزوميّا في مدّة كما أنّ شرط سقوط الخيار كذلك فتأمّل

[مسألة لا فرق بين كون زمان الخيار متّصلا بالعقد أو منفصلا]

قوله قدس سره مسألة لا فرق بين كون زمان الخيار متّصلا بالعقد أو منفصلا إلى آخره

تنقيح ما في هذا العنوان يتوقّف على بيان أمور الأوّل أنّه لا مانع من صيرورة العقد جائزا بعد ما كان لازما لعدم قيام الدليل على امتناع هذه الكبرى مضافا إلى ثبوت نظيرها في الشّرع كخيار التّفليس و التأخير الثّاني أنّه لا تحديد لمدّة الخيار في طرف القلّة أو الكثرة

نعم لا بدّ أن تكون المدّة مضبوطة فلو جعلها أبدا أو مدّة العمر في طرف الزيادة أو بمقدار يمكن فيه إعمال الخيار في طرف القلّة فإنّما يبطل من جهة الجهل بالمدّة لا من حيث الزيادة و النّقيصة بل يمكن أن يقال أن جعله أبدا يبطل من جهة أخرى أيضا و هي منافاته لمقتضى العقد فإن مقتضاه بمدلوله الالتزاميّ هو التزام كلّ من المتبايعين بما أنشأه فلو لم يلتزم أحدهما به في مقدار من الزّمان فهو ينافي إطلاقه و لا بأس به و أمّا لو لم يلتزم به أبدا فهو ينافي مقتضاه و يفسد

الثّالث أنّ العقد تارة مبنيّ على المحاباة و التّسالم كالصّلح و المحاباتي و أخرى مبنيّ على الدّقة و الأوّل لا يضرّ فيه جعل الخيار مدّة مجهولة على الأظهر من الأدلّة كما لا يضرّ فيه الجهل بالعوضين و الثّاني يضرّ فيه الجهالة كما تضرّ في نفس العوضين لا لأدلّة الغرر بل لاعتبار العلم بالعوضين بدليل خاصّ و الدّليل و إن كان ناظرا إلى نفس العوضين إلّا أنّ الشّرط بمنزلة الجزء فهو راجع إلى ضميمة إلى أحد العوضين فالجهل به يسري إليهما لكن اعتبار العلم بهما إنّما هو في خصوص البيع

و أمّا في سائر العقود المعاوضيّة فاعتباره لا بدّ أن يكون من جهة الغرر و الخطر و أدلّة الغرر و إن اختصّ بعضها بالبيع إلّا أنّ بعضها الآخر عام ثم إنّ الغرر فيما اشترط في البيع حيث إنّه راجع إلى نفس

ص: 41

البيع فالاستدلال بفساده من جهة نفي الغرر العام و إن صحّ إلّا أنّه لا موجب له لما عرفت من سراية الضّميمة إلى البيع و البيع الغرري بنفسه فاسد للدّليل الدالّ صريحا على أنّه لا غرر في البيع

ثم لا فرق في صورة البطلان بين أن لا يذكر مدّة أصلا أو يذكر مدّة مجهولة أو مطلقة فالأوّل كما لو اشترط أن يكون له الخيار و الثّاني كما لو اشتراط أن يكون عند قدوم الحاج و الثالث كما لو اشترط أن يكون مدّة خلافا لجماعة حيث جعلوا مدّة الخيار في الصّورة الأولى ثلاثة أيّام و في محكي الخلاف وجود أخبار الفرقة به و في الجواهر صحّة هذه الصّورة لأنّ الغرر مندفع بتحديد الشّرع و إن لم يعلم به المتعاقدان كخيار الحيوان

و لكنّه لا يخفى أوّلا أنّ التمسّك بالأخبار الّتي لا نعرفها بعينها لا وجه له بعد احتمال عدم دلالتها فإن مجرّد جبران قصور إرسالها بذكر الشّيخ قدس سره لا يوجب صراحتها في المدّعى بل و لا ظهورها فيه و ثانيا على فرض صحّتها سندا و تماميّة دلالتها فهي موجبة لتخصيص أدلّة الغرر أو الأدلّة الدالّة على اعتبار العلم بالعوضين و لو أحقهما من الشّروط لا التّخصّص فإنّ التّحديد بالثّلاثة في الشّرع لا يخرج الغرر عن الغرريّة مع أنّه لو سلّم ذلك أيضا فلا أثر له لأنّ الشّرط يخرج عن الغرر لو قصد المشترط إجمالا المدّة الّتي هي محدودة بحدّ واقعا و إن لم يعرفها تفضيلا كالوصيّة بالكثير أو القديم فإنّ الموصي يقصد ما هو معنى الكثير واقعا عند الشّارع و إن لم يعلمه تفصيلا

و على هذا الوجه يمكن تطبيق الصّورة الأخيرة و هي ما لو قال بشرط أن يكون لي الخيار مدّة فإنّه لو كانت المدّة محدودة بالثّلاثة و العاقد قصد ما هو معناها واقعا يخرج عن الغرر و الجهالة و أمّا الصورة المبحوث عنها و هي ما إذا قال لي الخيار و لم يذكر مدّة أصلا فليس هنا شي ء مبهم حدّده الشّارع حتى يخرج عن الجهالة بقصد الجاعل لما هو الواقع هذا مع أنّه إنّما يصحّ ذلك لو علم المشترط تجديد الشّارع و أمّا في صورة الجهل بأصل التّحديد فكيف يقصد ما هو المحدود واقعا

و بالجملة خروج هذا الشّرط عن الغرر موضوعا ممّا لا محصّل له مع أنّ الخروج الموضوعي الّذي قصده القائل هو التخصّص و التخصّص عبارة عن الخروج التّكويني و في المقام لو ثبت التّحديد الشّرعي يخرج عن الغرر بالحكومة

ثم لا وجه لقياس المقام على خيار الحيوان فإنّ ثبوته في الحيوان إنّما هو لدليل شرعيّ و لا يختصّ بعلم المشتري أو جهله فإنّه من الآثار الشّرعيّة في بيع الحيوان و أين هذا ممّا هو من مجعولات المتبايعين فإنّ جعلهما مدّة خاصّة كالثّلاثة يتوقف على بيانهما صراحة أو بيان ما ينطبق عليه واقعا و هو منحصر في ما لو علم إجمالا بأنّه مبيّن واقعا و إن لم يعلمه تفصيلا و أين هذا من الجاهل المطلق

[مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد]

قوله قدس سره مبدأ هذا الخيار من حين العقد إلى آخره

قد ذكرنا سابقا في خيار الحيوان أنّه لا مانع من اجتماع سببين للخيار فإنّه و إن لم يقبل التعدّد و لا التأكّد إلّا أنّه يمكن اختلافه باختلاف أسبابه فيؤثّر من جهة أحد أسبابه و يسقط من جهة الآخر فعلى هذا لو جعلا مبدأه منفصلا عن العقد فهو و لو أطلقا فمبدؤه من حين العقد

ثم إنّه لو قلنا بأن مبدأه حين فقد سائر الخيارات فلا يرد إشكال المصنف قدس سره عليه بأن الحكم بثبوته من حين التفرّق حكم على المتعاقدين بخلاف قصدهما فإنّ تبعيّة العقود للقصود و وجوب عدم تخلّفها عنها إنّما هو لو قصد عنوانا خاصا و ترتب عليه عنوان آخر

ص: 42

مضادّ له كما لو قصد البيع و ترتّب عليه الهبة أو قصد المتعة و ترتّب عليه الدّوام بناء على كونهما حقيقتين و أمّا بيع ما يملك و ما لا يملك فحيث إنّ القصد فيه في الحقيقة ينحلّ إلى قصدين فهو ليس من تخلّف القصد عن العقد و في المقام و إن قصدا كون مبدئه حين العقد إلّا أنّهما قصدا من حينه إلى سنة مثلا فلو حكم الشّارع بأنّهما ما داما في المجلس ليس لهما خيار الشّرط فهو ليس من تخلّف العقد عن القصد

و بالجملة كون صحّة بيع ما يملك مع ضمّ ما لا يملك إليه على طبق القواعد ليس إلّا لعدم كونه من موارد تخلف العقد عن القصد و قد ذكرنا في المعاطاة في جواب استبعادات الشّيخ الكبير ما يزيد توضيحا للمقام

[مسألة يصحّ جعل الخيار الأجنبيّ]

قوله قدس سره مسألة يصحّ جعل الخيار الأجنبيّ إلى آخره

تنقيح هذا العنوان يتوقّف على بيان أمور الأوّل في تحقيق ما ذكره المصنف من ضعف منع اعتبار كون الفسخ من أحد المتعاقدين فنقول إنّ ما يتخيّل وجها لفساد جعل الخيار للأجنبيّ أمران الأوّل أنّ الخيار ليس معنى اسميّا و ملحوظا استقلاليا و كان مجرّد السّلطنة على الفسخ و الإمضاء بل هو معنى حرفيّ و هو عبارة عن ردّ كلّ مال إلى مالكه الأصلي أو إبقائه و إقراره في ملك مالكه الفعلي و هذا ينفذ ممّن كان زمان المال بيده و أمّا الأجنبيّ فأجنبيّ عنه

و بعبارة أخرى و إن كان الأصل في كلّ حقّ أن يكون قابلا للإسقاط لأنّ هذا هو الفارق التّام بينه و بين الحكم إلّا أنّه ليس كلّ حق قابلا للنّقل إلى الغير و على فرض كونه قابلا له فليس قابلا للنّقل إلى كلّ أحد فإنّ حق القسم قابل للتّمليك إلى الزّوج و الضرة و لكن لا يقبل التّمليك إلى الأجنبي فالخيار أيضا و إن كان قابلا لتمليك أحدهما إلى طرفه كما ذكرنا في مثل قول أحدهما للآخر اختر إلّا أنّه لا يقبل التّمليك إلى الأجنبي

الثّاني معنى الخيار أنّ الالتزام الذي ملّكه أحدهما من صاحبه زمام أمره بيده المملك و هذا بعد الفراغ عن مالكيّة التزام الآخر فهو ملك كلا الالتزامين و الأجنبي لا يملك التزام الطّرف الآخر حتى يملك التزام من له الخيار و قد أجاب المصنف عن هذا بأنّه لا مانع عنه لأنّه نظير إرث الزّوجة للخيار مع عدم إرثها من العين كالعقار و فيه بعد الغضّ عمّا في مسألة إرث الزّوجة من الإشكال أنّ جعل الخيار للأجنبي لو كان على نحو جعل الملك الحقيقيّ فلازمه إرث وارث الأجنبي عنه لأن ما تركه لوارثه و أمّا لو كان على نحو التفويض الراجع إلى أنّ نظره متّبع و أنّه مالك لتسليم الالتزام الّذي هو تحت يد المالك إلى الطّرف أو إبقائه للمالك فهو كالوكيل في القبض و الإقباض فلا مانع عنه و على هذا لا يرثه وارثه لأنّه لا يملك شيئا حتّى يرثه وارثه و يجب عليه أيضا مراعاة مصلحة المالك لأنّه ليس كسائر الملاك يتصرّف كيف يشاء

و على هذا فثبوت الخيار له متوسّط بين الملكيّة و الوكالة فلا يمكن ترتيب آثار الملك عليه حتّى يرث وارثه و لا ترتيب آثار الوكالة حتى يمكن عزله بل هو نظير التولية على الوقف فلا بدّ أن يراعى غبطة من جعل له الخيار و لا يرد الإشكالان عليه لأنّ الخيار عبارة عن حلّ العقد و لازمه رجوع كلّ مال إلى المحلّ الّذي خرج عنه لا رجوعه إلى ملك من حلّ العقد و لا مانع من كون الأجنبي مالكا لكلا الالتزامين من قبل ذي الحقّ

الأمر الثّاني أنه قد يجعل الخيار الواحد و قد يجعل المتعدّد و على الثّاني قد يجعل خيارا واحدا لهم و قد يجعل لكلّ منهم خيارا مستقلا فلو كان الخيار لواحد فالمتّبع فسخه أو إمضاؤه و لو كان

ص: 43

للمتعدّد فلو كان ثبوت الخيار لهم من باب أنّ كلّ واحد من مصاديق ذي الخيار كخيار المجلس بناء على ثبوته للموكل و الوكيل المفوّض فإنّ الخيار لكلّ منهما من باب أنّ كلّ واحد من مصاديق البيع أي الخيار ثابت لجنس البيع لا للعموم لكلّ من سبق إلى إعمال الخيار نفذ منه

ففي المقام لو كان جعل الخيار للوكيل أو الأجنبي المتعدّد كثبوته للوكلاء طولا فكل من سبق إلى إعماله نفذ منه و ذهب به موضوع حق الآخر و ليس المقام من تقديم الفاسخ على المجيز و لو كان الخيار للمتعدّد بلحاظ وصف اجتماعهم فلا يؤثّر إلّا اجتماعهم في الفسخ أو الإمضاء دون استقلال كل واحد و لو كان لكلّ واحد مستقلا و في عرض الآخر فيقدم الفاسخ و لو كان متأخّرا على المجيز لأن إجازة المجيز إنّما يؤثّر من طرف نفسه فيبقى الحق للآخر فلو فسخه ينحل به العقد

الثّالث لو قلنا بأن جعل الخيار للأجنبي تفويض إليه أو توكيل له فلا شبهة في احتياجه إلى قبوله و أما لو قلنا بأنّه تمليك فتوقّفه على قبوله مبنيّ على انحصار الملك القهري بالإرث و الوقف على البطون و أمّا لو قيل بحصوله من شرط النتيجة و نحو ذلك من دون توقّفه على قبول من جعل الملكيّة له فنفس الجعل كاف في حصوله

الرابع في شرح عبارة الوسيلة و الدّروس أمّا الأوّل فقوله إذا كان الخيار لهما و اجتمعا على فسخ أو إمضاء نفذ و إن لم يجتمعا بطل يحتمل أن يكون مراده لو جعل المتبايعان الخيار لأنفسهما بوصف الاجتماع أي على نحو كان بنظرهما فلو اجتمعا فهو و إن خالف أحدهما الآخر بطل أي لم ينفذ لا الفسخ و لا الإجازة و لكن جعل الخيار كذلك لغو لأنّ لهما الإقالة بلا إشكال فلا فائدة لهذا الجعل

و يحتمل أن يكون لهما على نحو الاستقلال فقوله و إن لم يجتمعا أي لو فسخ أحدهما و أمضى الآخر بطل البيع أي يؤثّر الفسخ تقدّم على الإجازة أو تأخّر و قوله و إن كان لغيرهما و رضي نفذ البيع و إن لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الإمضاء أي إن رضي الأجنبي و قبل جعل الخيار له نفذ البيع أي ليس لمشترط الخيار للأجنبيّ خيار في البيع و البيع نافذ في حقّه من هذه الجهة و إن كان خياريّا بالنّسبة إلى الأجنبيّ و إن لم يرض أي و إن لم يقبل الأجنبي فالمبتاع بالخيار لتعذّر الشّرط و على هذا فقوله كان المبتاع بالخيار في غاية الارتباط مع كلامه السّابق و هذا بخلاف ما إذا حمل قوله و إن رضي نفذ البيع على أنّه لو أمضى العقد فإنه لا معنى لقوله و إن لم يرض أي و إن فسخ كان المبتاع بالخيار

و أمّا الثاني فقوله يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا و لا اعتراض عليه و معهما أو مع أحدهما و لو خولف أمكن اعتبار فعله و إلّا لم يكن لذكره فائدة يحتمل أن يراد منه كون الأجنبي منضما مع أحد المتبايعين أي إعمال الخيار لهما بوصف الاجتماع و يحتمل أن يكون مستقلا فعلى الأوّل يكون قول المصنف مؤيدا له لأن معنى كلام الدّروس أنّه لو خولف أي لو فسخ الأجنبي و أجاز الأصيل أمكن اعتبار فعله أي صار الإجازة كالعدم لأنّ نظر الأجنبي متّبع أيضا فأيّده المصنف بما حاصله أنّه لا شبهة في ذلك لأنّه لو أجاز الأجنبي و فسخ الأصيل لا يؤثّر إجازته فلو لم يعبر بفسخه و كان وجوده كالعدم بأن يؤثر إجازة الأصيل فلا يكون لذكره فائدة و على الثّاني يكون كلام المصنف في مقام الإيراد لأنّ ظاهر كلام الدّروس أنّ فعل الأجنبي معتبر مطلقا أجاز أو فسخ فأورد عليه المصنف بأنّ فائدة جعل الخيار له ليس اعتبار فعله مطلقا

نعم لو لم يمض فسخه مع إجازة الأصيل لكان ذكره بلا فائدة لأنّ المفروض عدم مضيّ إجازته مع فسخ الأصيل و أمّا لو أثر فسخه

ص: 44

فلا يكون ذكره لغوا و بالجملة فحاصل الإيراد أنّه لا يعتبر فعل الأجنبي المخالف مطلقا بل إنّما يؤثر فسخه دون إجازته مع فسخ الأصيل

[مسألة من أفراد خيار الشّرط ما يضاف البيع إليه و يقال له بيع الخيار]
اشارة

قوله قدس سره مسألة من أفراد خيار الشّرط ما يضاف البيع إليه إلى آخره

الوجوه المتصوّرة فيه تنتهي إلى سبعة الأوّل أن يكون الخيار معلّقا على الرّد في مدّة معيّنة كسنة مثلا في أيّ زمان ردّ الثّمن في ظرف السّنة كان له الخيار الثّاني أن يكون الخيار معلّقا على ردّ الثمن في خصوص آخر السّنة الثالث أن يكون الفسخ معلّقا على الرّد لا الخيار الرّابع أن يكون الرّد فسخا فعليا الخامس أن يكون ردّ الثمن شرطا لوجوب الإقالة على المشتري السادس أن يكون شرطا لوجوب بيعه من مالكه الأصلي السّابع أن يكون قيدا لانفساخ العقد و كلّ هذه الوجوه صحيحة إلّا السّابع

أمّا الأوّل و الثّاني فلا محذور فيهما إلّا التّعليق و الجهالة في خصوص الأوّل أمّا التّعليق فلم ينهض لبطلانه دليل إلّا الإجماع و معقده العقود لا الشّروط في ضمنها و أمّا الجهالة فإنّما تضرّ لو لم يعين مدّة أصلا كأن يقول إذا جئت بالثّمن في أيّ وقت كان لي الخيار فيصير كما لو قال بشرط أن يكون لي الخيار إن قدم زيد و هذا بخلاف ما لو قال لي الخيار إذا جئت بالثّمن في أيّ وقت من الأوقات من زمان العقد إلى سنة فإنّ الخيار هنا غير مجهول إلّا من باب الجهل بالمعلّق عليه و هو يرجع إلى إشكال التّعليق لا الجهالة

و أمّا الثّالث و الرابع و الخامس فلا إشكال فيها أصلا كما هو واضح و أمّا السّادس فقد استشكل فيه بالدور و بالأخبار الواردة في خصوص المقام و سيجي ء في باب الشّروط اندفاع الدّور و أنّ الأخبار ناظرة إلى أنّ المقصود لو كان هو البيع الحقيقيّ فلا بأس به و لو كان هو البيع الصّوري و كان المقصود الأصلي الرّباء كأن يشتري نسيئة و يبيعه من البائع نقدا بأقلّ من قيمة النّسيئة على نحو لم يكن للمشتري عدم البيع و لا للبائع عدم الشّراء بل كان كلّ منهما ملزما بالمعاملة ثانيا يبطل و أمّا لو اشترط البائع على المشتري أن يبيعه بعد سنة إذا جاء بمثل الثّمن مع قصدهما البيع الحقيقي فلا يشمله الأخبار

و أمّا الوجه السّابع فيرد عليه أحد المحذورين و هو إمّا انفساخ العقد بلا سبب و إمّا اقتضاء وجود الشّي ء عدم نفسه فإنّ بيع الدّار و اشتراط انفساخه بردّ مثل الثّمن إمّا يرجع إلى شرط انفساخ العقد بلا سبب فهو باطل لأنّ انتقال الدّار من المشتري إلى البائع بلا سبب أي بلا إنشاء قوليّ و فعليّ غير ثابت في الشّريعة فيكون شرطا مخالفا للكتاب و إمّا يرجع إلى أنّ نفس اشتراط الانفساخ إنشاء للفسخ فهو يوجب انفساخ البيع بهذا الشّرط فلا بيع حتى يشترط في ضمنه انفساخه يردّ مثل الثّمن

و بالجملة يجب أن يكون البيع محقّقا ثابتا حتّى يشترط في ضمنه شرطا سائغا كملكيّة الكتاب مثلا بناء على عدم اعتبار حصولها من سبب خاص بأن لم تكن كالنّكاح و الطّلاق المتوقّف حصولهما على أسباب خاصّة و أمّا إذا كان البيع منفسخا بالشّرط الحاصل في ضمنه فلا يعقل تأثير هذا الشّرط في الملكيّة و لا يقاس إنشاء انفساخ العقد بهذا الشّرط الّذي هو ردّ الثمن على اشتراط سقوط الخيار في ضمن العقد فإن اشتراط سقوطه مؤكّد لبقاء العقد فإنّ العقد مقتض للخيار فإسقاطه لا ينافي العقد و هو أيضا ليس إسقاطا لما لم يجب

و هذا بخلاف إنشاء انفساخه فعلا مشروطا بردّ الثّمن فإنّ هذا الإنشاء مناقض للعقد و لا يمكن تصحيحه بكون ظرف الرّد متأخّرا فإنّ الاشتراط في ضمن العقد فعليّ و إن علّق على أمر متأخّر بل لو سلّم أن إنشاء الفسخ على تقدير غير حاصل لا يلزم من وجوده

ص: 45

عدمه لأنّ ظرف حصول الانفساخ متأخّر و المقارن للعقد هو ظرف الإنشاء إلّا أنّه يجب أن يكون الشّارط مالكا لهذا الشّرط كالبائع إذا باع و ارتهن قبل قبول المشتري و كمن وكّل شخصا في نكاح زوجة و طلاقها و رجوعه إليها ثم طلاقها فإنّ في هذه الموارد واقع النّكاح مقدم على واقع الطّلاق و إنشاؤه كذلك أيضا فهو مالك للإنشاء المترتّب على إنشاء آخر فكما أنّ واقع المترتّب في ظرف حصول المترتّب عليه متأخّر فكذلك إنشاؤه و هكذا جعل الخيار في ضمن العقد أو شرط السّقوط في ضمنه فإنّ التزام الموجب حاصل بنفس إيجابه فله إسقاطه و هذا بخلاف انفساخ العقد فإنّه لا يملكه

نعم اشتراط انفساخ عقد آخر خياريّ في ضمن هذا العقد لا مانع عنه بحيث كان نفس هذا الإنشاء فسخا له و هذا بخلاف أن يقول بعتك بشرط أن يكون منفسخا

ثم إنّه بعد ما عرفت من صحّة جعل الخيار بأحد الوجوه الستة بمقتضى القواعد العامّة فتطبيق الأخبار الخاصّة على أحد الوجوه لا موجب له لا سيّما حمله على الوجه السابع الّذي هو الرابع في كلام المصنف قدس سره مع أنّ أكثرها ظاهر في كون الرّد فسخا فعليا أو مقدّمة لإنشاء الفسخ أو الإقالة أو التّمليك ثانيا أو كان الشرط سببا لكون المبيع له عند الرّد كما هو ظاهر الغنية فإنّ ملكيّة البائع للمبيع ثانيا بالاشتراط في ضمن العقد بلا إنشاء على حدة من المشتري لا مانع عنه للفرق بين إنشاء الملكيّة بالاشتراط و إنشاء الفسخ به و الفارق هو أنّ الأوّل لا يستلزم من وجوده عدمه بخلاف الثّاني

[توضيح المسألة يتحقق بالكلام في أمور]
[الأمر الثّاني الثّمن المشروط ردّه إمّا أن يكون في الذمّة و إما أن يكون معينا]

قوله قدس سره الأمر الثّاني الثّمن المشروط ردّه إمّا أن يكون في ذمّة إلى آخره

الثّمن إذا كان نقدا قد يكون كليّا و قد يكون شخصيّا فإذا كان كلّيا و اشترط الخيار بردّه فلو قبضه فردّه يتحقّق بمثله أيضا كما يتحقّق بنفس المقبوض لأنّ كلّ فرد من مصاديق الكلي و شرط ردّ الثمن معناه شرط ردّ ما كان مصداقه

نعم لو شرط ردّ المقبوض فلا يتحقّق ردّه إلّا بردّ عين المقبوض إلّا أن يقال بعد تعيّن الكلّي بالفرد المقبوض فالثمن هو المقبوض بشخصه فردّ الثّمن معناه ردّ ما هو الثّمن فعلا و المصداق الآخر ليس ثمنا و لو لم يقبضه فهل له الخيار أو لا وجهان وجه الثّاني أنّ معنى جعل الخيار بشرط الرّد هو شرط القبض ليتحقّق موضوع الرّد و لكن الأقوى هو الأوّل لأنّ الرد أخذ طريقا لوصول الثّمن إلى المشتري

نعم لو علم من الخارج أن الغرض تعلّق بالرّد بما هو ردّ فليس له الخيار و بالجملة في مورد الإطلاق ينزّل الشّرط على ما هو المتعارف نوعا و العرف و العادة يرون الرّد طريقيّا نعم لو قيّده بما هو خارج عن المتعارف و كان اشتراطه عقلائيا جامعا لشرائط الصّحة فلا مانع عنه و إذا كان الثّمن شخصيّا فتارة يقع الكلام قبل قبضه و أخرى بعده

أمّا قبل قبضه فحكمه حكم الكلّي بل بمقتضى ما قدّمناه من عدم الفرق بين الكلّي و الفرد في مورد القبض لأنّ الكلّي يتعيّن في المقبوض فالحكم في كلتا الصّورتين واحد فعلى هذا لو قبض الثمن سواء كان كليّا أم شخصيّا فتارة يشترط ردّ عينه و أخرى يشترط ردّ الأعمّ من البدل و من العين و ثالثة يطلق

فإذا اشترط رد عينه بشخصه فلا خيار له في مورد التّلف كان التّلف سماويّا أو بمتلف أجنبيا كان أو نفس البائع و إذا جعل الخيار بشرط ردّ الأعمّ فتارة يقيده بمورد التلف أي يجعل الخيار بشرط رد العين مع وجودها و بدلها مع تلفها و قد يطلقه و قد يقيّده بصورة بقاء العين فلو جعل ردّ البدل في صورة التّلف فلا إشكال في أنّه مع بقائها يجب ردّها و مع تلفها يردّ بدلها و لو أطلق فلو قلنا بصحّة التّقييد بصورة البقاء فلا إشكال و أما مع فساده فالإطلاق ينزّل على مورد التّلف

فيجب التكلّم في صورة التّقييد فنقول لو جعل الخيار المشروط بالرّد مقيّدا بردّ مثل العين و لو مع بقائها فقد يكون الرّد فسخا فعليا أي قيّد الفسخ بالرّد لا الخيار

ص: 46

ففي هذه الصورة لا يصحّ شرط ردّ البدل مع بقاء العين لأنّ حقيقة الفسخ ردّ كلّ مال إلى مالكه الأصلي و رد غير المال المفروض وقوع الفسخ به ليس ردّا للمال إلى مالكه ففي هذه الصّورة الشّرط فاسد بلا إشكال إلّا أن يقال مرجع هذا الشّرط إلى إسقاط الخصوصيّة العينيّة و الرضاء بالماليّة و النّوعيّة فإنّ تنزيل إسقاط الخصوصيّة منزلة إسقاط الأوصاف في من له على ذمّة غيره طعام موصوف بوصف خاص بمكان من الإمكان كما سنشير إليه

و على هذا ففي غير مورد خيار الشّرط لو فسخ ذو الخيار فمقتضى الفسخ رجوع كلّ ملك إلى مالكه فإسقاط الخصوصيّة و رضا كلّ منهما ببدليّة غير ماله عن ماله مبنيّ على استفادة ذلك من قاعدة على اليد كما سيظهر الإشارة إليه

و أمّا في مورد خيار الشّرط فيمكن شرط ردّ مثل الثّمن و شرط ردّ المثل في القيميّ و القيمة في المثليّ في نفس هذا العقد المشروط المثبت للخيار لأنّه ينحلّ إلى شرطين شرط تحقّق الخيار و شرط مالكيّة كلّ منهما لما في يده من مال المالك الآخر و ليس هذا الشّرط مخالفا للكتاب بل مخالف لإطلاق الفسخ فإنّ إطلاقه يقتضي ردّ العين ما دامت موجودة و بالشّرط يقيّد الإطلاق فيجعله في حكم صورة التّلف

و أمّا لو كان الرّد مقدّمة للفسخ أو معلّقا عليه الخيار أو مقدّمة للإقالة أو البيع فلا محذور فيه لأنّ الفسخ لا يتحقّق به و إنّما يصير المردود في يد المشتري بمنزلة المقبوض بالسّوم فإذا فسخ البائع بعد هذا الرّد ينتقل الثّمن الموجود إلى المشتري و المردود باقي في ملك البائع فلهما أن يتراضيا على كون كلّ منهما بدلا عن الآخر نظير أداء القرض بمال آخر و يصير الشّرط سببا لوجوب رضا كلّ منهما ببدليّة ما في يده لمال الآخر

و لكنّه لا يخفى أنّ هذا يصحّ بناء على ما ذكرنا من معنى ضمان اليد المستفاد من على اليد ما أخذت بأن يكون أخذ مال الغير بدون التّلف موجبا لصيرورته في ذمّة الأخذ بماليّته و نوعيّته و شخصيّته فلصاحب المال إسقاط كلّ واحد من هذه الخصوصيات بأن يرضى ببدله و على هذا يصحّ اشتراط ردّ القيمة في المثليّ و بالعكس لأنّ له إسقاط الماليّة و الاكتفاء ببدله من غير هذا الجنس و لو لم يكن بهذا المقدار من القيمة أو إلقاء نوعيّته الّتي بها صارت العين مثليّة و الاكتفاء ببدلها من حيث الماليّة

و أمّا لو قلنا بأن مفاد على اليد هو الضمان عند التّلف فما دام العين موجودة لا يمكن أن يكون بدلها منتقلا إلى المشتري إلّا بالمبادلة فلا يصحّ و بالجملة الإشكال مبنيّ على أصل مسألة الضّمان و حيث اختار المصنف أنّ معنى على اليد استقرار الضّمان بالتّلف و لذا اختار قيمة يوم التّلف في القيميّ فلا يصحّ اشتراط كون المدفوع إلى المشتري بدلا عن ماله

نعم نفس شرط ردّ غير ماله إليه لتحقّق الخيار أو الفسخ أو الإقالة لا مانع عنه إلّا أنّه لا تصحّ بدليّة المردود عن الثّمن الموجود عند البائع من دون مبادلة هذا كلّه إذا كان الثّمن نقدا و أمّا إذا كان في الذمّة فإن كان في ذمّة المشتري فحكمه حكم الكلّي النّقدي قبل القبض و بعده و إن كان في ذمّة البائع فحيث إنّ الإنسان لا يملك ما في ذمّة نفسه فهو بمنزلة التّلف فله ردّ مثله أو قيمته بل لا معنى لشرط ردّ الثّمن في هذه الصّورة إلّا ردّ مثله أو قيمته

[الأمر الثّالث قيل أنه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ]

قوله قدس سره الأمر الثّالث قيل ظاهر الأصحاب إلى آخره

لا يخفى أنّه لم يستشكل أحد في صحّة إنشاء الفسخ بالفعل و لم يدّع مدّع اعتبار كونه بالقول فإنّ الأصحاب صرّحوا بكفاية ما دون و مثل ردّ الثمن في إنشاء الفسخ به بل نظرهم في المقام إلى العقود المتعارفة بين النّاس و المتعارف عندهم أنّ الرّد مقدمة للخيار أو للفسخ أو للإقالة فيجب بعده إنشاء الفسخ أو إعمال الخيار أو الإقالة بأمر آخر غير هذا الرّد الّذي به يتحقّق ملك الخيار أو الفسخ و الإقالة

ص: 47

[الأمر الرّابع يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد]

قوله قدس سره الأمر الرّابع إلى آخره

لا يخفى أنّ إسقاط الخيار بعد العقد و إن صحّ على الوجه الثّاني و الثّالث في المتن و لا اختصاص له بالوجه الثّاني لأنّه لا فرق بين كون الرّد فسخا فعليا و كونه مقدّمة للفسخ القولي إلّا أنّ صحّتها إنّما هي لكونه مالكا للخيار و على هذا يصحّ إسقاط الشّرط على الوجه الأوّل و الثّاني اللّذين ذكرناهما من الوجوه و هما أن يكون الخيار معلّقا على الرّد في مجموع المدّة أو في رأس المدّة و بعد انتهائها لأنّ الخيار و إن لم يتحقّق بعد على الوجهين إلّا أن المشترط مالك للشرط فله إسقاطه

و بالجملة في خروج إسقاط الشّرط و الخيار عن إسقاط ما لم يجب لا يكفي تحقّق سببهما الّذي هو العقد بل لا بدّ من تحقّق الملكيّة لمن يسقطهما و صحّة إسقاط خيار المجلس و الحيوان في ضمن العقد لم تكن من جهة تحقّق سببه من الإيجاب بل لأنّ إنشاء الإسقاط مترتّب على الإيجاب فإنّ الموجب مضافا إلى تمليك ماله للمشتري ملّكه التزامه فإذا جعل الشّارع أمر الالتزام بيد المملّك فله التّجاوز عن حقّه و جعل هذا الالتزام لطرفه فعلى هذا لو كان الخيار ثابتا له و كان الرّد فسخا فعليا أو مقدّمة للفسخ فله إسقاط الخيار و لو لم يكن ثابتا بل كان مقيّدا بالرّد أو كان الرّد شرطا للإقالة أو البيع ثانيا فله إسقاط الشّرط لأنّه ملك له

قوله قدّس سره و لو تبيّن المردود من غير الجنس فلا رد و لو ظهر معيبا كفى في الرّد إلى آخره

تنقيح الفرق بين الصّورتين سيجي ء مفصّلا و لا بأس بالإشارة إليه إجمالا و هو أنّه لا شبهة في أنّ قوام ماليّة المال إنّما هو بصورته النّوعيّة العرفيّة الّتي هي أخصّ من الصورة النّوعيّة باصطلاح أهل المعقول فإنّ العبد و الجارية في اصطلاحهم نوع واحد و لكنّهما في مقام البيع متغايران فإذا كان قوامها بالصّورة النوعيّة فلو باع العبد الحبشي فتبيّن أنّه حمار وحشيّ بطل البيع سواء عيّن النّوع بنحو التّوصيف أو الشّرط كما أنّه في مقام القبض أيضا لو أقبض بدل العبد حمارا بطل القبض لأنّ المقبوض غير ما تعلّق به البيع فإنّ البيع يتعلّق بالصّورة النّوعيّة لا بالمادة الهيولائيّة و أمّا لو باع عبدا شخصيّا موصوفا أو مشروطا بغير صفة الصّحة كالكتابة أو باع و لو من دون توصيف أو شرط بالنّسبة إلى وصف الصّحة فلو ردّ العبد في الأوّل و تبيّن فيه فقد الوصف و لو ردّه في الثّاني و تبيّن فيه فقد الصّحة فله الخيار بين الرّضا بالفاقد أو الأرش و أمّا لو كان المبيع كليّا فحيث إنّه يتنوّع بالوصف على نوعين فلو ردّ غير الموصوف فله التّبديل لا لأنّ مرجع الموصوف أو المشروط إلى تعدّد المطلوب بل لأنّ ما يستحقّه في عهدة المشروط عليه هو القسم المتّصف بالوصف فله إسقاط ما يستحقّه و له مطالبة الوصف و لما لم يمكن إعطاء الوصف إلّا في ضمن العين فيستبدل بعين أخرى

و بالجملة الكلّي الموصوف بغير وصف الصّحة يتعيّن مصداقه بالمتّصف فلو رد من غير الجنس فلا إشكال في أنّه خارج عمّا يستحقّه و لو ردّ من الجنس فاقدا للوصف المشترط أو للصّحة يتحقّق به الردّ غاية الأمر له في ذمّة المشروط عليه الخصوصيّة الكذائية فله التبديل لاستيفائها

قوله قدس سره و يسقط أيضا بالتصرّف في الثمن المعيّن إلى آخره

تنقيح ذلك الأمر يتوقّف على تمهيد مقدمات الأولى أنّ بين الثمن الشخصي و الكلّي فرقا في جهة الظّهور فإنّ شرط ردّ الثّمن في الشخصيّ ظاهر في ردّ عين الثّمن و في الكلّي ظاهر في الأعمّ لأنّ الكلّي و إن تشخّص بالمدفوع إلّا أنّه بنفسه قابل للانطباق عليه و على غيره نعم لو شرط في الشخصيّ ردّ غيره أو في الكلّي ردّ شخص المدفوع يتبع شرطه فعلى هذا لو أطلق في الشخصيّ و الكلي فالإطلاق على الأوّل

ص: 48

ينزّل على عين الثمن و في الكلّي على الأعمّ الثّانية أنّ مسقطيّة التصرّف و كونه فسخا فعليا لأحد الوجوه الثلاثة لأنّه إمّا للتنافي بين البناء على المالكيّة و البناء على الفسخ و إمّا لظهوره الفعلي في الأخذ بأحد طرفي التّخاير و إمّا لظهوره النّوعي الثّالثة أن بناء المعاوضة في البيع الخياري غالبا على التصرّفات المتلفة في الثمن بحيث عدّه غيره من الفرد النّادر الشّاذ

إذا عرفت ذلك نقول لو شرط ردّ عين الثّمن فلا إشكال في أنّ التصرّفات النّاقلة أو المتلفة فيه موجبة لسقوط الخيار لو وقعت في زمان الخيار بل موجبة لعدم ثبوته و إطلاق المسقط عليها مسامحة و أمّا لو أطلق كأن قال بشرط أن ترد مالي كما هو مفاد رواية معاوية بن ميسرة فمقتضى ما ذكرناه عدم سقوط خيار مطلقا كان الثمن شخصيا أو كليّا فإنّ الإطلاق و إن انصرف إلى ردّ العين في الشّخصي إلّا أنّه فيما لم يكن بناء البائع نوعا على الانتفاع بالتّصرفات المتلفة و أمّا مع بنائه كذلك فيحمل الإطلاق على شرط ردّ الأعمّ لو كان الاشتراط صحيحا و لو مع بقاء العين أو يحمل على الأعمّ في مورد التّلف

و بالجملة التّصرف من البائع إنّما ينافي فسخه أو أنّه ظاهر نوعيّ في إجازته أو مصداق فعليّ لها في غير المورد الّذي بناؤه على التصرّف بل لو قلنا بأنّ التّصرف مسقط تعبّدي يخرج مورد البيع الخياري عن دليل التعبّد إمّا لانصرافه عنه و إمّا لكون هذا البناء من البائع بمنزلة الاشتراط الضّمني بأن لا يكون هذا التصرّف مسقطا و هذا شرط سائغ لأنّه من حقوق المتبايعين و لو كان ثبوته من جهة النّص و التعبّد فإنّه لا يشترط عدم الحكم الشّرعيّ في هذا المورد بل يشترط على المشتري أن لا يكون تصرّف البائع موجبا لمالكيّة المشتري التزام نفسه

و على هذا فكلام المحقّق الأردبيلي و من وافقه في غاية المتانة و إيراد المصنف عليه في الحقيقة تأييد له لأنّ مرجع كلامه إلى عدم السّقوط في غير مورد شرط ردّ شخص العين و هو و من وافقه مورد كلامهم في المتعارف بين النّاس و المتعارف عدم شرط ردّ خصوص العين لأنّ بناءهم كمفاد الأخبار اشتراط ردّ المال و هو أعمّ من العين و المثل بل لا يمكن شرط ردّ خصوص العين مع أنّ غرضهم الانتفاع بالثمن بالتّصرف النّاقل

كما أن إيراد المصابيح عليهم غير وارد فإنّ حاصل إيراده أنّ التصرف المسقط في المقام من باب السّالبة بانتفاء الموضوع لأنّ التصرّف مسقط في زمان الخيار و الخيار المشروط بردّ الثّمن يحصل للبائع بعد ردّه إلى المشتري لا قبله فلو تصرف بعد الردّ إليه يسقط خياره لتحقّقه دون ما إذا تصرّف فيه قبل الردّ و ذلك لأنّ الخيار و إن علّق على الردّ إلّا أنّه يتصوّر على وجهين لأنّه تارة يتحقّق الخيار بانتهاء المدّة كيوم بعد السّنة و أخرى جميع المدّة ظرف للخيار ففي أيّ ساعة ردّه له الخيار

و في القسم الأوّل يرد إشكال المصابيح و أمّا في القسم الثّاني فلا كما في سائر الوجوه الأربعة الّتي تقدّم أنّ الردّ ليس قيدا للخيار أمّا في سائر الوجوه فواضح و أمّا في القسم الثاني من الوجه الأوّل في كلام المصنف فلأنّ الخيار و إن علّق على الردّ إلّا أنّ التزام البائع حيث إنّه تحت يده و إن علّقه على الردّ فله إسقاطه بالتصرّف الّذي هو مسقط فعلي كما له إسقاطه قولا و مجرّد كونه معلّقا لا يوجب خروج الالتزام عن سلطنة لأنّه علّقه على أمر اختياري كما لو جعل إعمال خياره في مكان خاصّ أو عند الحاكم الشّرعي

و بالجملة كان له الردّ في طول المدة لتحقّق خياره فهو مالك له فله إسقاطه قولا و فعلا و ليس من إسقاط ما لم يجب لا لإيجاد سببه بل لكونه ملكا له فعلا

ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ الوجه الأوّل في كلام المصنف على قسمين و في أحدهما يلتزم بإمكان إسقاط الخيار لا في كليهما كما هو صريح

ص: 49

عبارته في قوله نعم لو جعل الخيار و الردّ في جزء معيّن من المدّة كيوم بعد السّنة إلى آخره فلا تنافي بين كلاميه فلا يرد على ما أورده بعض المحشين

ثم إنّ محصّل كلام الجواهر في الردّ على المصابيح أمور ثلاثة الأوّل أنّه لو قيل بأنّه لا خيار قبل الردّ يلزم جهالة مبدإ الخيار الثاني أنّه خلاف ما يستفاد من فهم العرف فإنّهم يفهمون من هذا الشّرط جعل الخيار في طول المدّة لا بعد الردّ و الثالث أنه خلاف ما هو البناء من الأصحاب من ردّ الشّيخ القائل بتوقّف الملك على انقضاء الخيار ببعض هذه الأخبار المستفاد منه أنّ غلّة المبيع للمشتري لأن حاصل كلامهم أنّ مجموع المدّة ظرف للخيار مع أنّ نماء المبيع للمشتري فلو توقّف الملك على انقضاء الخيار لما كانت الغلّة للمشتري فمن ردّ الأصحاب مقالة الشّيخ بهذا الخبر يستفاد ثبوت الخيار مطلقا و إلّا لما كان وجه لاستدلال الأصحاب به على ردّ الشيخ

و محصّل ردّ المصنف على الجواهر أنّ الجهالة النّاشئة عن الردّ مع تعيين ظرف الخيار لا تضرّ و أمّا فهم العرف فلا يتبع فيما لو كان المدار على كيفيّة جعل الخيار و أمّا استدلال الأصحاب فلعلّهم فهموا من مذهب الشّيخ توقف الملك على انقضاء الخيار المنفصل أيضا و لا يخفى أنّ الأخير لا يستقيم لأنّ الشّيخ يقول بالتوقّف في نحو خيار المجلس و الشّرط لا مطلقا فلو لم يكن الخيار في المقام متّصلا و كان بعد الردّ لما كان وجه لاستدلالهم بهذه الأخبار على ردّ الشّيخ

و ينبغي التّنبيه على أمرين الأوّل أنّ فائدة النزاع في ثبوت الخيار و عدمه قبل الردّ مع قابليّة إسقاط الشّرط مطلقا لظهر في التصرّف فإنّه لو كان الخيار ثابتا في طول المدّة و كان الفسخ معلّقا على الردّ لكان التصرّف التزاما بالملكيّة و أمّا لو لم يكن الخيار ثابتا فليس التصرّف تصرّفا في زمان الخيار و أمّا الشّرط فعلى أيّ تقدير لا يسقط بالتصرّف لأنّ الإسقاط من العناوين الّتي ليست الأفعال مصداقا لها بل لا بدّ من تحقّقها بالقول

و بالجملة و إن كان الشّرط قابلا للإسقاط تحقق الخيار أم لا إلّا أن سقوطه منحصر بالقول بخلاف الخيار فإنّه يسقط مطلقا لأنّ التصرّف مصداق للالتزام الثّاني أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ المشروط بالشّرط لا يتحقّق قبل حصول شرطه كان المشروط وضعا أو تكليفا لامتناع الشّرط المتأخّر فلا يرد على المصابيح بأنّه لو كان الخيار في طول المدّة لكان التصرّف مسقطا لأنّه تصرّف في زمان الخيار مع أنّ الخيار على كلا الوجهين معلّق على الردّ فقبل الردّ لا خيار و ذلك لأن فعليّة الخيار و إن كانت متوقّفة على الردّ مطلقا إلّا أنّ ملك التزام العقد بيد ذي الخيار الذي هو البائع في المقام فيما إذا كان الخيار في طول المدّة لأنه قادر على إقدار نفسه في جميع الأوقات فالتصرّف في الثمن ردّ للالتزام العقدي الّذي كان زمام أمره بيده إلى المشتري بخلاف ما إذا كان الخيار منفصلا كيوم بعد السّنة فإن التزام نفسه فعلا بيد المشتري

و بالجملة لا تنافي بين المشروطيّة و كون المشروط بيد المشروط له و إن كان شرطه متأخّرا و لذا لو رجع المشرّط في باب المسابقة و شكّ في استحقاق السّابق السّبق مع رجوع طرفه يستصحب بقاء الحكم المشروط و هكذا الشكّ في نسخ الحكم المشروط بل جريان الاستصحاب التّعليقي منحصر في أمثال هذه الموارد ففي المقام زمام أمر العقد بيد البائع من زمان العقد إلى سنة مثلا فلو تصرّف ببناء مالكيّ و التزام عقدي فهذا التصرّف مسقط لحقّه و من هذا البيان قلنا إنّه يسقط بالإسقاط القوليّ أيضا لأنّه ليس إسقاطا لما لم يجب

[الأمر الخامس لو تلف المبيع كان من المشتري]

قوله قدس سره الأمر الخامس لو تلف المبيع إلى آخره

لا يخفى أنّ تلف المبيع لا يوجب سقوط خيار البائع إلّا بناء على أن يكون الخيار مطلقا

ص: 50

متعلقا بالعين أو اشتراط الردّ و الاسترداد الظّاهر في ردّ العين بخصوصيّتها أو قلنا بأنّ ظاهر الشّرط في المقام تعلّق الخيار تابعة لخصوصيّة فيها بنظر المشترط

و جميع الوجوه ضعيفة أمّا الأوّل فلما سيجي ء في أحكام الخيار من تعلّق الخيار بالعقد و أمّا الثّاني فلأنّ ظاهر الأخبار الواردة في المقام هو جعل الخيار للمشترط معلّقا على الردّ لا جعل الردّ له و أمّا الثّالث فلأنّ في البيع الخياري يتعلّق النّظر بماليّة المال غالبا و منشأ جعل الخيار فيه بيعه بأقل من ثمن المثل و لو كان منشأ جعل الخيار فيه الرغبة إلى الخصوصيّة العينيّة لباعها بثمن المثل و جعل لنفسه الخيار و البيع بثمن المثل لا يرغب فيه المشتري مع جعل الخيار للبائع إلّا أن يكون المبيع أمرا يرغب فيه المشتري جدا بحيث كان احتمال صيرورته له داعيا إلى الشّراء بثمن المثل مع جعل الخيار للبائع و لكن هذا نادر فلا وجه لتنزيل أخبار الباب على الفرد النّادر

و بالجملة تلف المبيع لا يوجب سقوط خيار البائع كان قبل ردّ الثّمن أو بعده و يظهر من صاحب الجواهر التفصيل بين بعد الردّ و قبله قال قدس سره و كما أنّ النماء له أي للمشتري فالتّلف منه بلا خلاف للصّحيح و الموثّق بل هو كذلك و إن كان بعد الردّ إلّا أنّه مضمون عليه لأنه وقع في زمان خيار البائع فله حينئذ الفسخ ثم الرّجوع إلى المثل أو القيمة بخلاف التّلف قبل الردّ الذي ليس زمان الخيار كي يستحقّ الرّجوع عليه بل المتّجه سقوط الخيار

انتهى و قبل بيان ما يرد على كلامه نقول لا إشكال في أنّ مقتضى المعاوضة قبل القبض ضمان كلّ من المتعاقدين لما انتقل عنهما بضمان المسمّى و لازم ذلك أنّه لو تلف يتعيّن المسمّى للبدليّة أي ينفسخ العقد و يرجع كلّ مال إلى مالكه الأصلي و لا شبهة أنّ بالقبض ينتقل الضّمان أي يصير المالك ضامنا لما انتقل إليه و يتبدّل الضّمان المعاوضي أيضا بضمان اليد بمعنى أنّه لو تلف المبيع مثلا عند المشتري بعد القبض و طرأ عليه الفسخ أو الانفساخ أو الإقالة فالتالف مضمون عليه بالمثل أو القيمة فيسترجع الباقي عند الطّرف و يؤخذ منه المثل أو القيمة و لا شبهة أيضا في أنّ انتقال ضمان التّالف إلى القابض إنّما هو لو لم يكن له الخيار و أمّا مع الخيار فالتّلف ممّن لا خيار له

نعم في خصوص قاعدة ضمان التّالف على من لا خيار له اختلف العلماء في أنّ الحكم مطلق في جميع الخيارات أو مختصّ بخيار الحيوان أو الشّرط أو هما مع المجلس و كذلك اختلفوا في اختصاص الحكم بتلف البيع كتلف الحيوان في يد المشتري مع ثبوت الخيار له أو يشمل تلف الثمن في يد البائع إذا كان له الخيار

و على أيّ حال فمعنى قولهم إنّ بالقبض ينتقل الضّمان إلّا أن يكون خيار أنّ القبض وجوده كعدمه إذا كان للقابض خيار فيكون حال المقبوض كحاله قبل القبض في أن ضمانه على مالكه الأصلي و هو الضّمان المعاوضي فإذا تلف الحيوان في يد المشتري الّذي له الخيار ينفسخ البيع و يردّ الثمن الموجود عند البائع إذا لم يكن له الخيار إلى المشتري إذا

عرفت هذا نقول يرد عليه أوّلا أنّ مقتضى كلامه في ردّ المصابيح هو أنّ مجموع المدّة ظرف الخيار لا بعد الردّ فالتّفصيل بين قبل الردّ و بعده في ثبوت الخيار بعده دون قبله لا وجه له و ثانيا لا وجه لقوله إذا تلف المبيع بعد ردّ الثّمن يكون تلفه من المشتري لأنّه وقع في زمان خيار البائع لأنّ قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له كما عرفت تختصّ بتلف المقبوض عند ذي الخيار

و بعبارة أخرى هذه القاعدة مفادها أنّ القبض كالعدم فلو كان الخيار للمنتقل إليه فتلفه يحسب من المنتقل عنه و في المقام التّلف عند القابض كان في زمان خيار المنتقل عنه و هو البائع و خياره ليس علّة

ص: 51

لكون تلف المبيع على المشتري لأنّ قبضه مع عدم الخيار له صار سببا لأن يكون تلفه عليه

نعم فائدة هذه القاعدة تظهر في تلف الثّمن عند البائع لو قلنا بالتعدّي إليه أيضا كما سنشير إلى وجهه و ثالثا أنّ هذا التّعليل مشترك بين قبل الردّ و بعده على ما اختاره هو قدس سره من عدم الفرق في قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له بين الخيار المتّصل و المنفصل فقبل الردّ و إن لم يكن الخيار ثابتا إلّا أنّه يتحقّق بعده فإذا اقتضت القاعدة كون تلف المبيع على المشتري بعد ردّ الثّمن لوقوعه في زمان خيار البائع فتقتضي كونه عليه أيضا قبل الردّ لتحقّق الخيار و لو بعد ذلك و رابعا أنّ مقتضى كون التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له انفساخ العقد قهرا لأنّ حال المقبوض كحاله قبل القبض فلا معنى لقوله لأنّه وقع في زمن خيار البائع فله حينئذ الفسخ و خامسا أنّه لا وجه لإطلاق كلامه في ثبوت الخيار بعد الردّ لو فرض أنّ للبائع نظرا إلى الخصوصيّة العينيّة

و بالجملة لا إشكال في عدم الفرق بين الردّ و قبله فإنّه لو كان الغرض متعلّقا بردّ العين فالتّلف موجب سقوط الخيار مطلقا و لو كان النّظر إلى ماليّتها فلا وجه لسقوطه أصلا و لا إشكال في أنّ مقتضى القواعد كون ضمان المقبوض على مالكه الّذي قبضه لو لم يكن له خيار على الطرف كان لطرف خيار أم لا فتلف المبيع على المشتري ليس لثبوت الخيار للبائع بل لأنّه ملك له و قد قبضه و ليس له خيار

و ممّا ذكرنا من أن مرجع قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له إلى أنّ قبض ذي الخيار كعدم القبض يظهر ما في عبارة المصنف أيضا من قوله و لو تلف الثّمن فإن كان بعد الردّ و قبل الفسخ فمقتضى ما سيجي ء من أنّ التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له كونه من المشتري و إن كان ملكا للبائع لما عرفت من أن مورد هذه القاعدة ما إذا تلف المقبوض عند مالكه مع كونه ذا خيار فهذه القاعدة على فرض تعميمها للثّمن موردها ما إذا تلف الثّمن في يد البائع أي صغراها تلف الثّمن قبل الردّ لا تلفه عند المشتري فلو قلنا بضمان المشتري بعد قبضه فإنّما نقول به لكونه في حكم المقبوض بالسوم كما سنشير إليه لا لقاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له

قوله قدّس سره إلّا أن يمنع شمول تلك القاعدة للثمن و يدّعى اختصاصها بالمبيع إلى آخره

لا إشكال في أنّ مورد قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له هو تلف المبيع عند المشتري مع كونه ذا خيار كما إذا كان المبيع حيوانا فالتعدي عنه إلى تلف الثمن عند البائع إذا كان ذا خيار كالمقام إنّما هو للتّعليل في ذيل هذه الأخبار و هو قوله ع حتى ينقضي الشّرط و يصير المبيع للمشتري فإنّ هذا الكلام بمنزلة أنّ استقرار الملك يوجب ثبوت التّلف على المالك فما دام الملك متزلزلا و للمالك ردّه لا يستقرّ ضمانه عليه بل ضمانه على صاحبه الأوّل الّذي ليس له خيار

و من هذا البيان يظهر عدم الفرق في تلف الشي ء على من لا خيار له لا على ذي الخيار بين الخيار المتّصل أو المنفصل لأنّ استقرار الملك رافع للضّمان لا أصل الملك فعلى هذا تلف الثمن يجب على المشتري إذا كان قبل الردّ سواء كان مجموع المدّة ظرف الخيار لو كان بعد الردّ

نعم سيجي ء إن شاء اللّٰه في أحكام الخيار أن هذا يختصّ بتلف الثّمن الشّخصي بالتّلف السّماوي أو ما هو بمنزلته كما إذا وجب عليه الإتلاف شرعا و بإتلاف من عليه الخيار أو الأجنبي و أمّا إتلاف ذي الخيار أو تلف المقبوض من الثمن الكلّي فليس ضمانه على من لا خيار له هذا مع أنّه لو قيل باختصاص قاعدة التّلف في زمان الخيار بتلف المبيع عند المشتري لو كان ذا خيار و عدم شمولها لتلف الثّمن إلّا أنّ تلف الثّمن بعد الردّ إلى المشتري على أيّ حال ضمانه على المشتري لأنّ البائع دفعه إليه ليستردّ منه المبيع لا مجانا

ص: 52

و بلا عوض فيصير كالمقبوض بالسوم في أنّ ضمانه على القابض

نعم لو تلف قبل الردّ إليه فتلفه على البائع بناء على الاختصاص و بالجملة مقتضى ذيل الرّواية المتقدّمة هو أنّ ضمان تلف الثّمن عند البائع على المشتري و العجب من صاحب الجواهر من عدّه التّعميم من غرائب الكلام ثم ردّه بخبر معاوية بن ميسرة مع أنّ الرّواية غير متعرّضة لتلف الثّمن أصلا و ليس مفادها إلّا أنّ نماء الثّمن للبائع و تلف المبيع على المشتري إلّا أن ينضمّ إليها قاعدة الخراج بالضّمان فإنّ كون نماء الثّمن للبائع بمقتضى رواية معاوية و كون المنافع بإزاء الضّمان بمقتضى تلك القاعدة ملازم لكون تلف الثّمن على من له نماؤه و هو البائع

و لكنّه لا يخفى أن قاعدة الخراج بالضّمان على فرض دلالتها على مدّعاه قابلة للتخصيص بقاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له و بقاعدة كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه مع أنّ دلالتها غير تامّة و أوضحنا مفادها في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده

و ملخّصه أنّ هذه القاعدة سيقت لبيان ما ارتكز عند العقلاء و هو أن من تعهّد شيئا و بذل بإزائه الثّمن فمنافعه له بسبب بذل العوض في مقابله فالضمان فيها بمعناه المصدري

و بعبارة أخرى بعد عدم إفادة هذه القاعدة ما استظهره أبو حنيفة من أنّ الغنم بإزاء الغرم فلا تشمل ضمان الغاصب يدور الأمر بين المعنى المصدري أي الضّمان الجعلي المالكي و اسم المصدر و هو الحاصل من الجعل الشّرعيّ التّعبّدي كالضّمان في القاعدتين و الأعمّ منهما بناء على صحّته و الأظهر هو الأوّل فإنّ المرتكز عند العقلاء هو أنّ التضمين صار سببا لاستيفاء المنافع و بالعكس أي من ضمن مالا و بذل بإزائه فخراجه أي منافعه له بإزاء ضمانه

إذا عرفت ذلك فمقتضى هذه القاعدة أنّ نماء الثّمن للبائع و نماء المثمن للمشتري بسبب تعويضهما و تضمينهما أي حيث بذل البائع المبيع بإزاء الثّمن و ضمن الثّمن فنماؤه له و حيث بذل المشتري الثّمن و عوّضه بالمثمن و ضمنه فمنافع ما ضمنه و أدخله في ماله له فينحصر مورده في التّضمين الجعلي المالكي الّذي أمضاه الشّارع فعلى هذا لا تشمل القاعدة الضّمان في قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له لأنّه ليس بجعل مالكيّ بل تعبّدي محض و كذلك لا تشمل الضّمان في قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه إذا كان تعبّديا محضا كما ذهب إليه جماعة من العلماء

و أمّا بناء على المختار من عدم كون القاعدة تعبّدية محضة بل منشأ الحكم بالضّمان كونه مقتضى الشّرط الضّمني الّذي يتعهّد به كلّ من المتعاقدين للآخر من التّسليم و التسلّم و إن أعمل فيه التعبّد في الجملة و هو جعل التّالف آنا ما في ملك من انتقل عنه قبل التّلف فقد يتوهّم تنافيها مع قاعدة الخراج بالضّمان لأنّ مقتضاها أنّ الضّمان على من كانت المنافع له فالمبيع إذا تلف قبل القبض مع أنّ منافعه للمشتري يكون ضمانه عليه مع أنّ قاعدة كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه تقتضي أن يكون ضمانه على البائع

و لكن يمكن دفعه بأن قاعدة الخراج ناظرة إلى التّضمين الأولي لا التّضمين الثّانوي المترتّب على الأولي

و توضيح ذلك أنّ في كلّ معاوضة يتحقّق ضمانان بالنّسبة إلى كلّ من البائع و المشتري فالبائع مثلا ضامن للثمن ابتداء و للمبيع ثانيا أي ضمن الثّمن بإزاء المثمن و أدرجه في ملكه و ضمن المثمن أي التزم بأنّه لو تلف يكون المسمّى بدلا له أي تعهّد بالتّسليم إلى المشتري بحيث لو تلف يكون عوضه المسمّى و هو الثمن باقيا على ملك المشتري لانفساخ العقد و لو تعبّدا و قاعدة الخراج بالضّمان ناظرة إلى التّضمين الأصلي لا التّبعي و لا تشمل

ص: 53

الثّانوي فلا تخصيص و لا حكومة

هذا مع أنّه لا مانع عن التّخصيص و الحكومة فلو كانت قاعدة التّلف عامّة و شاملة لتلف الثمن كما يستفاد ذلك من ذيل بعض الأخبار الواردة في خيار الحيوان فتقدم على قاعدة الخراج بالضّمان لأن مفاد قاعدة التّلف انفساخ المعاملة و ردّ التّالف إلى ملك من لا خيار له

فالعمدة استفادة التّعميم من قاعدة التّلف و عدمها لا جعل رواية معاوية بن ميسرة دليلا على أنّ تلف الثمن بعد الردّ من البائع و لو منضمّا إلى قاعدة الخراج بالضّمان و الحقّ عدم شمول قاعدة التّلف لتلف الثمن و اختصاصها بتلف المبيع في زمان خيار المشتري بخيار الشّرط و الحيوان أو المجلس أيضا على خلاف فيه

نعم لو قلنا بالتّعميم فلا فرق بين الخيار المتّصل و المنفصل لما عرفت من أنّ مناطه تزلزل البيع و سيجي ء تفصيل ذلك إن شاء اللّٰه في محلّه و يظهر أنّ الإشكالات الواردة على كلام المصنف في استصحاب الضّمان الثّابت قبل القبض إلى زمان القبض في مدّة الخيار و لو كان الخيار منفصلا غير واردة عليه

و لكن عمدة الإشكال أنّ مقتضى القواعد أنّ تلف كلّ مال على مالكه خرج منها تلف المبيع قبل القبض و تلفه بعد القبض في زمان خيار المشتري فبقي تلف الثّمن بعد قبض البائع له على حكم القواعد و قوله ع حتى ينقضي الشرط غاية لثبوت تلف المبيع في زمان خيار الحيوان أو الشّرط على البائع لا علّة حتى يعمّم إلى تلف الثمن في زمان خيار البائع هذا مضافا إلى أنّ التسالم على ثبوت الخيار لو شرط ردّ مثل الثمن في صورة تلف الثّمن و صحّة هذا الشّرط دليل على أنّ قاعدة التّلف لا تجري في تلف الثمن لأن مقتضى القاعدة بعد تعميمها للخيار المنفصل أن يكون تلفه على المشتري فينفسخ البيع و هذا الشّرط يقتضي أن يكون تلفه على البائع فيبقى العقد على حاله و ينفسخ أو يفسخ بردّ المثل و قاعدة التّلف لو قلنا بتعميمها فهي حكم تعبّدي شرعيّ ليس قابلا للتّغيير بالشّرط المخالف لها حتّى يقال إنّ شرط الخيار بردّ مثل الثّمن متضمّن لشرطين أحدهما الخيار و ثانيهما أنّ تلف الثّمن مع أنّه في زمان خيار البائع على البائع فالحقّ ما اختاره صاحب الجواهر لكن لا لظهور خبر معاوية بن ميسرة بل لعدم الدّليل على أنّ تلف الثّمن كتلف المبيع

[الأمر السادس لا إشكال في القدرة على الفسخ برد الثمن على نفس المشتري]

قوله قدس سره الأمر السادس لا إشكال في القدرة على الفسخ إلى آخره

لا يخفى أنّه لو شرط الردّ إلى خصوص المشتري فلا يكفي الردّ إلى غيره لو امتنع الردّ إليه لغيبة أو جنون أو موت و لو شرط الردّ على الأعمّ منه و من وكيله أو وليّه فيكفي الردّ إلى كلّ واحد منهم و لو أطلق فالمسألة ذات قولين و لا يخفى أنّ نسبة الحدائق إلى المشهور عدم اعتبار حضور المفسوخ عليه في الفسخ لا يلازم عدم اعتبارهم الردّ إلى خصوص المشتري فإنّه لا ملازمة بين الفسخ و الردّ و يمكن أن لا يكون حضور الطّرف معتبرا في الفسخ و يعتبر في الردّ الّذي هو الإقباض قبض خصوص الطّرف

و بالجملة يجب أن يخرج الردّ إلى الوارث عن محلّ الخلاف لأنّ الوارث ينتقل إليه المال على نحو تعلّق حقّ المورث البائع إليه سواء قلنا بأن الخيار و الفسخ يتعلّق بالعقد أم قلنا بأنّه يتعلّق بالعين مطلقا أم بالتّفصيل بين سائر الخيارات و المقام الّذي قلنا بأنّه متعلّق بالعين و لذا لا يجوز في المقام لمن عليه الخيار التصرّفات المنافية لاسترداد العين و ذلك لأنّ المال على أيّ حال ينتقل إلى الوارث على نحو كان لمورثه فالردّ إليه كالردّ إلى مورثه

نعم في مورد التّخصيص بخصوص شخص المشتري لا يكفي الردّ إلى الوارث إلّا أنّ في مورد الإطلاق لا يوجب الموت امتناع الردّ فالعمدة هو البحث عن الردّ إلى الوكيل المطلق لو كان أو إلى الحاكم الشّرعي

فقد يقال إنّ الأدلّة

ص: 54

الدالّة على ولاية الحاكم و وكالة الوكيل لا تشمل ما ليس للمولى عليه و الموكل مصلحة فيه فقبضهما ليس قبضا من المشتري حتى يكون المدفوع ملكا للمشتري فيجب عليهما حفظه و ردّ المبيع إلى البائع

و فيه أنّه لو فرض إطلاق الوكالة لماله و عليه كما هو المفروض في المقام فقبضه قبض الموكل و لذا لو خاطب أحد المتبايعين الآخر بقوله بعتك مع كون المشتري وكيلا لصحّ الخطاب كذلك مع أنّ الكاف لم يوضع للخطاب بالأعمّ و ليس إلّا لأنّ الوكيل هو الموكل تنزيلا ففي المقام إذا كان قبضه قبض الموكل يشمل الإطلاق الردّ إليه فليس إعمال الخيار ممتنعا

و أمّا ولاية الحاكم فلا تختصّ بما للمولى عليه مصلحة و لذا ينفق على زوجة الغائب من ماله بل لو قيل باعتبار المصلحة في التصرّف إلّا أنّ في المقام حيث إنّ الفسخ لا يناط بحضور المفسوخ عليه و قبوله فلذي الخيار إعماله فيبقى مال المشتري بلا وليّ فله ردّه إلى الحاكم لحفظه و اعتبار الحضور للردّ أيضا يكفي فيه حضور من هو قائم مقام المشتري شرعا

ثم إنّه لو باع الأب عن ابنه و اشترى الجدّ لطفل آخر فلا إشكال في أنّ الأب يردّ إلى الجد لو شرط الخيار و هكذا لو تولّى أحدهما طرفي العقد يجوز أن ينوي بالقبض الردّ إلى المفسوخ عليه أو يرد إلى الوليّ الآخر الّذي لم يكن متولّيا لطرفي العقد كما أنّه لو اشترى الأب للطّفل بخيار البائع فللبائع الردّ إلى الأب و إلى جدّ الطّفل لولاية كلّ منهما على الطّفل فقبض كلّ منهما قبض الطّفل

إنّما الإشكال في أنّه لو اشترى الحاكم للطّفل بخيار البائع فهل للبائع الردّ إلى حاكم آخر كما كان له الردّ إلى الأب و الجدّ أو لا بل يجب الردّ إلى خصوص الحاكم المشتري الأقوى أنّه يجب الردّ إليه بخصوصه لأن بتصرف الحاكم في مال اليتيم و وضع اليد عليه يخرج ماله عن المال الّذي لا وليّ له فليس لحاكم آخر التصرف في هذا المال

[الأمر السابع إذا أطلق اشتراط الفسخ برد الثمن]

قوله قدس سره و لو شرط البائع الفسخ في كلّ جزء بردّ ما يخصّه من الثمن جاز إلى آخره

قد يقال إنّ هذا الشرط مخالف للسنّة لأنّ السنّة جرت في اشتراط الخيار بردّ الجميع و لا يخفى ما فيه لأنّ جعل المتعاقدين التبعّض بالنّسبة إلى المبيع أو الثّمن ليس محلّلا للحرام و لا محرّما للحلال و يكفي في صحّته عموم المؤمنون عند شروطهم و توهّم أنّ الالتزام العقدي أمر بسيط فإمّا أن يجعل للمشروط له تمام الالتزام و إمّا يبطل فاسد جدا لأنّه لا ينافي بساطة الالتزام جعل التبعيض في الملتزم فإنّ التّبعيض قد ينشأ من جعل مختلفي الحكم متعلّقا لبيع واحد كما لو باع الخلّ و الخمر أو مال نفسه و مال غيره صفقة و قد ينشأ من جعل البائع أو المشتري بالنّسبة إلى الثمن أو المثمن الّذي لو لا الجعل كان جميع أجزائه متّحد الحكم ففيما لو أطلق اشتراط الفسخ بردّ الثّمن لم يكن له الفسخ إلّا بردّ الجميع و أمّا لو شرط الفسخ في كلّ جزء بردّ ما يخصّه من الثّمن فالبائع بالشّرط جعل المبيع للمشتري متبعّضا و لا مانع عنه

ثم إنّ هذا على أقسام قسم لا يجعل الخيار إلّا في بعض المبيع بردّ ما يقابله من الثمن سواء جعل على وجه كان الردّ فسخا فعليّا أم مقدّمة للفسخ أم الخيار و هذا لا إشكال في صحّته إذ ليس المشتري إلّا كمن اشترى دارا من شريكين جعل أحدهما الخيار لنفسه دون الآخر و قسم يجعل الخيار في المجموع و لكن بحيث إنّه كلّ ما يردّ مقدارا يثبت له الخيار بهذا المقدار أو يكون كلّ مقدار فسخا فعليا بمقدار ما يقابله من المبيع

و هذا أيضا كالسّابق في الصحّة و لا إشكال في القسمين بأقسامهما في أنّه ليس للمشتري خيار تبعّض الصّفقة لأنّ أصل ثبوت خيار التبعّض إنّما هو لتخلّف شرط ضمنيّ في العقد و هو كون مجموع المبيع بوصف

ص: 55

اجتماعه مقابلا لمجموع الثمن فلو صرّحا بانحلال العقد و إمكان تبعّضه فلا شرط ضمنا بل الشّرط على خلافه

نعم لو شرط فسخ المجموع متدرّجا و فسخ في البعض و لم يفسخ في الباقي حتّى خرجت المدّة بطل الفسخ في البعض نظير المكاتب المشروط و قسم يشترط فسخ المجموع بردّ جزء من الثّمن و هذا أيضا لا مانع منه

[الأمر الثّامن كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ كذا يجوز للمشتري]

قوله قدس سره الأمر الثّامن إلى آخره

حكم شرط المشتري بردّ المبيع لثبوت الخيار لاسترداد الثمن في جميع الصّور السّبع و في جعل ردّ المثل في القيميّ و بالعكس و في جعل ردّ المثل مع بقاء العين حكم شرط البائع و قد تقدم حكمه فراجع

[مسألة لا إشكال و لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشّرط بالبيع]

قوله قدس سره مسألة لا إشكال و لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشّرط بالبيع إلى آخره

تنقيح هذا العنوان يتوقّف على بيان أقسام العقود فنقول قد تقدم مرادا أنّ العقود على قسمين إذنيّة و عهديّة و العهديّة على قسمين تعليقيّة و تنجيزيّة فما كان من العقود الإذنيّة كالوكالة و الوديعة و العارية لا يجري فيه شرط الخيار لأن الخيار معناه ملك الالتزام و العقود الإذنيّة لا التزام فيها فهي خارجة عمّا يجب الوفاء به تخصصا بل إطلاق العقد عليها إنّما هو لكونها واقعة بين اثنين و إلّا فنفس حقيقتها متقوّمة بالإذن المحض و الرّضا الصّرف و ما كان من العهديّة فلو كان اللّزوم أو الجواز فيه حكميا لا حقيّا لا يجري فيه أيضا شرط الخيار فالأوّل كالنّكاح و الضّمان و الثّاني كالهبة

أمّا الأوّل فلأنّ شرط الخيار فيه مناف للسّنة فلا يصحّ الجعل من العاقد على خلاف مقتضاه الّذي رتّبه الشارع عليه و لذا لا يصحّ الإقالة فيه و سرّه أنّ الإقالة ردّ الالتزام الّذي ملكه كلّ من المتعاقدين إلى صاحبه و إذا لم يدخل الالتزام تحت الملك لا يقبل الردّ كما أنّ الخيار ملك التزام نفسه و هذا لو لم يدخل تحت الملك لا يصحّ جعله بالشّرط

و أمّا الثّاني فلأنّ العقد لو كان جائزا ذاتا فجعل الخيار فيه لغو رأسا و ليس من قبيل جعله فيما هو جائز عرضا كجعله فيما فيه خيار الحيوان أو المجلس لإمكان تأثير الجعل فيه بلحاظ إسقاطه و تقيد المسبّب بأسبابه

و لو كان اللزوم فيه حقيّا كسائر العقود فسواء كانت تنجيزيّة كالبيع و الصّلح و أمثالها أم تعليقيّة كالجعالة و السّبق و الرّماية يصحّ فيه شرط الخيار و من هذا البيان ظهر عدم جريان خيار الشّرط في مطلق الإيقاعات لأنه ليس فيها التزام و عهد من الموقع و لم يلتزم بمنشئه بالتزام عهدي و عقدي و ليس وجه عدم الجريان اعتبار وقوع الشّرط بين اثنين كما يظهر من بعض الأعلام حتى يرد عليه بأن كون الإيقاع من طرف واحد لا يقتضي عدم وقوع الشّرط في ضمنه لإمكان اشتراط الخيار في ضمنه و قبول الآخر لهذا الشّرط بل لأنّ حقيقة الشرط هو إناطة المنشإ به بحيث يصير الشّرط ضميمة لأحد العوضين و في الإيقاعات لا عوض فيها حتى ينضمّ الشّرط إليه

و بعبارة أخرى ليس الشّرط مجرّد ذكر شي ء منضما إلى آخر كما لو قيل بعتك الدّار و أجرتك البستان بل يجب أن يناط المنشأ به و في الإيقاعات لو أنيط أصل المنشإ به بطلت للتّعليق و لو ذكر غير مرتبط بالمنشإ فهو الشّرط الابتدائي الّذي لا يجب الوفاء به لكونه حينئذ مجانيا و بلا عوض و غير منضم إلى أحد الطّرفين

نعم بعض الإيقاعات يمكن تقييده بخصوصيّة خاصّة كعتق العبد و شرط الخدمة عليه إلّا أنّ هذا النّحو من الشّرط خارج عمّا هو محلّ البحث فإنّ موضوع البحث هو الالتزام بالشي ء في ضمن الالتزام بشي ء آخر لا إنشاء المنشإ بنحو خاصّ فالمولى لما كان مالكا لرقبة العبد و منافعه

ص: 56

و أمواله فله تخصيص عتقه ببعض الجهات و هذا ليس من قبيل الشّرط في ضمن العقود

و حاصل الكلام أنّ الإيقاع حيث إنه إذا أنشأ يوجد المنشأ بنفس الإنشاء و لا يتوقّف على القبول فالشّرط الواقع بعده إمّا يرجع إلى الشّرط الابتدائي و إمّا إلى تعليق المنشإ الّذي هو باطل و إمّا إلى تخصيص المنشإ بخصوصيّة خاصّة

و على أي تقدير هذا خارج عن الالتزام في الالتزام الّذي هو محلّ الكلام ثم إنّه لو رجع الشّرط إلى التّخصيص لا يتوقّف على قبول العبد نعم لو شرط على العبد بعد العتق شيئا يتوقّف نفوذه على قبوله كما لو قال أعتقتك و زوّجتك ابنتي و شرطت عليك إن تزوّجت أو تسرّيت عليها أن تعطيني مائة درهم و احتياجه هنا إلى القبول إنّما هو لعدم تملّك العبد لمائة درهم حال العتق فيرجع هذا الشّرط إمّا إلى مال الكتابة أي يرجع الإيقاع إلى العقد و يتوقّف صحّته على القول بصحّة المجاز أو الكناية و إمّا إلى الشّرط في ضمن التّزويج الّذي وقع بعد العتق

و يؤيّد ما ذكرناه بعض الأخبار الواردة في استثناء الخدمة من أنّه يجب استثناؤها قبل العتق لأنّه لو أعتق أولا يصير العبد حرّا مالكا لنفسه و منافعه فإنّه لو كان العتق قابلا للشّرط لم يكن وجه لهذا التعليل كما لا يخفى

و بالجملة جميع الإيقاعات لا يقبل جعل الشّرط في ضمنه سواء كان شرط الخيار أم غيره و لا يخرج غير شرط الخيار عن الشّرط الابتدائي أو التّقييد أو التّعليق أو عنوان عقديّ فعلى هذا لو أبرأ أو طلّق بشرط فيرجع الأوّل إلى المعاوضة و الصّلح عمّا في الذمّة بشي ء و الثّاني إلى الطّلاق بالعوض الّذي هو محلّ الكلام صحّة و فسادا

و تقدّم أنّ جميع العقود الإذنيّة و العقود الّتي لزومها و جوازها من الأحكام الشّرعيّة لا من حقوق المتعاقدين حكمها حكم الإيقاعات فانحصر صحّة الشّرط مطلقا أو شرط الخيار في العقود العهديّة الّتي يكون الجواز و اللّزوم فيها حكما مترتّبا على التزام المتعاقدين الّذي هو حقّ من حقوقهما القابل للإرث و الانتقال و الإسقاط هذا بحسب الثبوت

و أمّا بحسب الإثبات أمّا النّكاح فلزومه حكمي لا حقّي لتوقّف ارتفاعه على الطّلاق فينكشف منه أنّ اللزوم فيه ناش عن حكم الشّارع بلزوم نفس عنوان العقد لا عن التزام من المتعاقدين

و بعبارة أخرى كلّ لزوم نشأ من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فهو حقّي و كلّ ما نشأ من لزوم نفس العنوان فهو حكميّ فكون دفع النّكاح موقوفا على الطلاق شرعا كاشف عن أنّ رفعه ليس بيد المتعاقدين و يدلّ عليه عدم مشروعيّة الإقالة فيه فإنّها و الخيار توأمان كما عرفته مرارا و الفسخ في مورد العيوب ليس حقا ثابتا للفاسخ و لذا لا يرثه الوارث بل إنّما هو حكم شرعيّ مستثنى من الحكم بلزوم النّكاح فإنّ اللّزوم و إن كان حكميا إلّا أنّه قابل للاستثناء فكأنه حكم الشّارع بأنّ من مقتضيات عنوان النّكاح الّذي هو المنشأ بالصّيغة اللّزوم إلّا في مورد تخلّف الشرط كشرط البكارة و بنت المهيرة و نحو ذلك و في العيوب الخاصّة

و بالجملة عدم مشروعيّة شرط الخيار لعلّه إجماعي في النّكاح كتحقّقه بالنّسبة إلى عدم مشروعيّة التقابل فيه بلا إشكال لظهور أنّ اللّزوم مترتّب على نفس العنوان لا على عقده و ترتّب اللّزوم في البيع في بعض الأخبار على نفس العنوان لا على العقد كقوله ع فإذا افترقا وجب البيع مع كون اللّزوم فيه حقّيا بلا إشكال لا يدلّ على أنّ اللّزوم في النّكاح كذلك أيضا فإنّ قوله ع إذا افترقا وجب البيع بعد قوله المتبايعان بالخيار معناه وجوب عقد البيع لقرينة مقابلته بالخيار الّذي هو ملك الالتزام الّذي نشأ من العهد

و ممّا ذكرنا ظهر صحّة شرط الخيار في عقد البيع بلا إشكال فإنّ لزومه حقّي و يدلّ

ص: 57

عليه النصوص بالخصوص و أمّا الوقف فإن قلنا بأنّه إيقاع مطلقا فلا يصحّ شرط الخيار فيه أصلا و إن قلنا بأنّه عقد مطلقا أو عقد في الوقف الخاص فالأظهر من الأدلّة عدم دخول شرط الخيار فيه إمّا لأنّه فك ملك للّه بغير عوض فيكون كمطلق الصّدقات الّتي دلّ الدّليل على أنّه لا يرجع فيما كان للّه و إمّا لاعتبار التّأبيد فيه الملازم للّزوم شرعا

و الخبر الّذي استدلّ به في المتن لجواز شرط الخيار فيه لا يدلّ على المدّعى فإنّ رجوع الموقوفة إلى الميراث لعلّه لبطلان الوقف بسبب هذا الشّرط و لرجوعه إلى الحبس ما دام العمر مع أنّه فرض في الرّواية رجوع الوقف إلى الملك بمجرّد الاحتياج لا بعد الفسخ فليس رجوعه إليه من باب شرط الخيار و إلّا لتوقّف على إعمال الفسخ فيصير الرّواية دالّة على صحّته حبسا لأنّ اشتراط العود إليه مع الحاجة في قوة جعل الوقف ما قبل الحاجة

و أمّا الهبة فغير المعوّضة منها جوازه حكميّ لترتّب إمكان الرّجوع للواهب ما دام العين موجودة على نفس العنوان لا على عقدها كما يدلّ عليه أخبار الباب و جعل الخيار في الجواز الحكمي لغو

و أمّا المعوّضة أو ما قصد بها الثّواب أو الهبة لذي الرّحم و غير ذلك ممّا طرأ عليه اللّزوم كصورة تلف العين فاللّزوم فيها حكميّ و استثنيت من جواز الرّجوع في الهبة شرعا كما يظهر من أدلّتها فراجع

و أمّا الصّلح فلو كان في مقام المعاوضة يدخل فيه الخيار و أمّا لو كان في مقام الإبراء فلا يدخل فيه لأنّه إيقاع إلّا أن يرجع إلى المعاوضة و هكذا لو كان في مقام قطع الخصومة لا لأن مشروعيته لقطع المنازعة ينافي اشتراط الخيار لأنّ هذا حكمة لتشريعه لا علّة بل لأنّ لزومه رتب شرعا على نفس هذا العنوان لا على العقديّ منه

و أمّا الضّمان فكالنّكاح لزومه حكميّ لأنّ من أثره انتقال الدّين إلى ذمّة الضّامن و براءة المديون فإرجاعه إلى ما كان لا يمكن إلّا بضمان آخر و التّقابل المتصوّر فيه أيضا و بهذا المعنى و يلحقه الحوالة و الكفالة و أمّا الرهن فلا مانع من دخوله فيه غاية الأمر يصير الدّين بعد الفسخ كالديون الّتي لم يجعل وثيقة لها

و أمّا الجعالة و السّبق و الرّماية فالظّاهر أنّها غير لازمة قبل العمل و بعده لا يمكن شرط الخيار لاستحقاق العامل الأجرة و بالجملة كلّ عقد لم يكن لزومه أو جوازه حكميّا بل كان من جهة الالتزام العقديّ فيدخل فيه الخيار و ما ليس كذلك فلا يدخل فيه و ليس المقام مقام تنقيح المصاديق و إنّما أشرنا إلى بعضها تبعا لما أفاده شيخنا الأستاذ أدام اللّٰه تعالى بقاءه

[الرابع خيار الغبن]

اشارة

قوله قدس سره الرابع خيار الغبن إلى آخره

لا يخفى أنّ ثبوت هذا الخيار في الجملة لا إشكال فيه و إنّما الكلام في مدركه و أتمّ المدارك له هو حصوله من جهة تخلف الشّرط الضّمني و ذلك أنّه لما كان تعيّش بني آدم موقوفا على تبديل الأموال و بناء المتعاقدين على تساوي العوضين في الماليّة فيناط التّبديل بالتّساوي و حيث كان هذا البناء نوعيا بحسب العرف و العادة جرى نفس إجراء العقد بين العوضين مجرى اشتراط تساويهما في الماليّة بحيث لو علم المغبون بالحال لم يرض فمدرك ثبوت الخيار تباني المتعاقدين على تساوي العوضين في الماليّة و هذا بمنزلة الصّغرى و الكبرى أنّ تخلّف البناء يوجب عدم التراضي بالمعاملة و لما ثبت في باب الفضولي و المكره أنّ الرّضا اللّاحق كالسّابق فلم يكن تخلّف البناء موجبا لفساد البيع رأسا فله إقرار العقد و اختيار نتيجته و له ردّه

و المصنف قدس سره ناقش في الصّغرى و الكبرى جميعا مع أخذه بهذا المدرك في باب التّسليم و التسلّم و في اعتبار نقد البلد بل في خيار العيب و خيار الرّؤية و لا يخفى أنّ مع تسليمه في بعض

ص: 58

الموارد بأنّ الشّرط الضمنيّ كالشّرط الصّريح يوجب تخلّفه الخيار لا وجه لمناقشته في المقام مع أنّها غير تامّة أمّا في الصّغرى فلأنّ قوله الوصف المذكور أي كون العوضين متساويين في الماليّة ليس إلّا من قبيل الدّاعي

ففيه أنّ الدّاعي هو الموجب لإرادة شي ء أي الباعث لها كمن دعاه إلى بيع داره تزويج امرأة فإنّ تخلّفه لا يضرّ بالمعاملة و أمّا إذا كان اشتراط التّساوي و البناء عليه نوعيّا فيكون من قيود المراد و يدخل تحت الالتزام و أمّا في الكبرى فقوله قدّس سره مع أنّ أخذه على وجه التّقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن العقد

فيه أنّ التّقييد لو لم يذكر في متن العقد أصلا لا إجمالا و لا تفصيلا لا يوجب تخلّفه خيارا و أمّا مع أخذه فيه إجمالا و بالدلالة الالتزاميّة فهو بمنزلة أخذه صريحا

و بعد ما عرفت أنّ البناء على التساوي و ليس بناء شخصيا حتّى يكون من قبيل الداعي بل من المتعارف نوعا فهو بمنزلة إنشائه في متن العقد صريحا

و بالجملة لا اعتبار بالقيود البنائيّة الّتي لم تذكره في متن العقد أصلا لأنّ القصود ما لم ينشأ على طبقها لفظ و لا يوجد بفعل لا اعتبار بها و هذا يختصّ بقيد لا يرجع إلى وصف أحد العوضين كاشتراط الخياطة و أمّا إذا رجع إليه ككتابة العبد فتوجب البناء عليه صرف المعاملة إليه كما أنّه إذا كان التّقييد لازما عرفيا فيكون كالمنشإ في العقد غاية الأمر أنّه أنشأ به التزاما و لا فرق بين الإنشاء الصّريح و الضّمني

نعم الغبن الّذي يتسامح فيه عادة لا يوجب الخيار لعدم البناء على التقييد بعدمه كما أنّ اعتبار معناه اللّغوي و هو الخدعة من طرف الغابن لا وجه له أصلا لأنّ المدار على اشتراط التّساوي نوعا سواء كان الغابن جاهلا أو عالما نعم إذا كان المغبون عالما فليس له الخيار و سيجي ء وجهه و حاصل الكلام أنّه لا فرق في الشّروط ضمنيّة كانت أو صريحة في أنّ تخلّفها يوجب الخيار

إنّما الكلام في تقريب الاستدلال بالأمر و الشّريفة مع أنّ ظاهر المستثنى اعتبار الرّضا في صحّة المعاملة و أمّا ثبوت الخيار على تقدير تخلّفه فغير ناظر إليه هذا مع أنّ أصل الرّضا حين التّجارة و الإنشاء موجود فلو كان هو المعتبر صحّت المعاملة أبدا و لو كان المعتبر الرّضا التقديري لا الفعلي إلى الرّضا على تقدير التّساوي لبطلت المعاملة رأسا

ثم إنّ اختلاف الحالتين و صحّة المعاملة و لزومها قبل الاطّلاع على الغبن و عدم لزومها بعد الاطّلاع يحتاج إلى دليل و لكن يمكن تقريب الاستدلال بالآية الشّريفة بمجموع المستثنى و المستثنى منه بناء على كون المستثنى مفرغا و تقريبه أن قوله عزّ اسمه و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ في قوّة أن يقال لا تتملّكوا أموالكم بينكم بوجه من الوجوه فإنّه باطل إلّا على وجه التكسّب عن رضا فالتملّك بدون رضا المغبون تملّك بالباطل و مع رضاه تملّك صحيح ثمّ إنّ رضاه بالتّجارة بمعناها الاسم المصدري هو المعتبر في العقد و رضاه بها حاصل مع عدم علمه بالغبن و أمّا مع علمه به فإذا كان حاصلا دخل في عقد المستثنى و إلّا أي لو لم يمض و ما رضي بالفاقد دخل في المستثنى منه و لا نعني بالخيار في المقام إلّا ذلك

نعم لو كان المراد من التّجارة معناها المصدري و اعتبر الرّضا فيها بهذا المعنى فمع حصوله حين صدور التّجارة لا وجه لاعتباره بعد فلا يتمّ الخيار و مع عدم حصوله تبطل رأسا فلا معنى لصحّتها مع إمضائها و لكن قد عرفت في باب الفضولي أنّ اسم المصدر في العقود له اعتبار استمرار و بقاء و من هذه الجهة يقبل العقد الفضوليّة و ينسب بالرّضا اللّاحق إلى الراضي فالتّجارة الّتي اعتبر الرّضا فيها هي بمعنى اسم المصدر

ص: 59

و هي قابلة لأن يلحقها الرّضا بعد العقد فالمعاملة في المقام حيث كانت مقيّدة بقيد غير ركني و هو التّساوي بين المالين فتخلّفه لا يوجب بطلانها رأسا بل يوجب إناطتها بالرّضا فإذا لم يرض المغبون بفاقد القيد يدخل ما أخذه الغابن في أكل المال بالباطل و إذا رضي به يدخل في التّجارة عن تراض فهو راض بالتّجارة ما دام جاهلا بالغبن و يصحّ تصرّف الغابن و المغبون فيما انتقل إليهما و إذا علم به فلو رضي بالفاقد فهو و إذا لم يرض يدخل تحت أكل المال بالباطل

نعم يمتاز هذا المعنى من الخيار عن سائر الخيارات الّتي يحتاج الإمضاء و الفسخ فيها إلى الإنشاء فإنّ الدّليل المثبت لهذا الخيار بالتقريب المذكور لا يدل إلّا على أنّ مجرّد الرّضا بعد العلم بالغبن يكفي في الصّحة و عدمه يكفي في البطلان و الخيار الاصطلاحي ليس كذلك

و بالجملة إثبات الخيار الّذي هو عبارة عن ملك الإقرار و الإزالة بمقتضى الأدلّة العامّة مشكل

نعم لو صحّ سند النّبوي و هو قوله ص لا يتلقّى الجلب فمن تلقّاه و اشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار ثبت الخيار المصطلح لأنّ ظاهر قوله ص فهو بالخيار هو الخيار المصطلح و لكن الكلام في أصل ثبوت النّبوي مع عدم كونه مرويّا بطرق أصحابنا إلّا أن يقال إنّ الأصحاب تلقّوه بالقبول و لذا يعدّون غبن الرّكبان من أحد أسباب الخيار

و حاصل الكلام أنّه لو كان مدرك الخيار خصوص الشّرط الضّمني فإثباته بالمعنى المصطلح في غاية الإشكال لأنّ إناطة العوضين بالشّرط أو الوصف صريحا أو ضمنيّا لا يفيد إثبات الخيار لأنّ غاية التّقييد ثبوت حقّ للمشروط له فله إسقاط حقّه و رضاه بالفاقد و له عدم إسقاط حقّه و هذا لا يلازم فسخ العقد فلعلّه يكون من الحقوق الّتي تبقى في ذمّة من عليه الحق و لا يمكن استيفاؤه و يكون كسائر الدّيون

كما أنّ إثبات الخيار بما قد يقال من أنّ التّقييد بالوصف أو الشّرط من قبيل تعدّد المطلوب مشكل أمّا أوّلا فلأنّ وحدة المطلوب و تعدّده إنّما يتصوّر في الأحكام التكليفيّة لا الوضعيّة الّتي هي المنشئات بالعقود لأنّ المنشأ الموصوف أو المشروط أمر واحد لا تعدّد فيه و ثانيا هذا الكلام غير مطّرد و لا منعكس فإنّه قد يكون المطلوب متعدّدا في الصّور النوعيّة الّتي بها قوام ماليّة المال مع أنّ تخلّفها يوجب البطلان قطعا سواء ذكرت وصفا أو شرطا كما لو اشترى عبدا حبشيّا فانكشف كونه حمارا وحشيا أو اشترى عبدا و انكشف كونه جارية و قد يكون المطلوب واحدا في الشّروط و الأوصاف الّتي لها دخل في زيادة الماليّة كالكتابة و أمثالها بحيث لو علم أنّ العبد ليس كاتبا لم يقدم على شرائه مع أنّ تخلّفها لا يوجب البطلان

و ثالثا كون المقام من قبيل تعدّد المطلوب لا يفيد إلّا صحّة العقد لا الخيار بفقد أحد المطلوبين فله المطالبة بمطلوبه المفقود لا ردّ العقد الواقع على المجموع أو إمضائه

قوله قدس سره و أقوى ما استدلّ به على ذلك في التذكرة و غيرها قوله ص لا ضرر و لا ضرار إلى آخره

لا يخفى أنّه لو كان اعتبار التّساوي بين الأموال من الشّروط الضمنيّة فالاستدلال بلا ضرر في محلّه لأن مفاده أنّ الحكم الّذي ينشأ منه الضّرر مرفوع و الحكم بلزوم العقد مع عدم التزام المغبون بالغبن ضرريّ عليه لأنّه و إن جهل بالغبن و أقدم بما فيه الضّرر إلّا أنّه حيث شرط التساوي فهو بالشرط يملك على المشروط عليه حقا فإذا تخلّف الشّرط يكون كسائر الشّروط المتخلّفة الّتي يوجب تخلّفها أو تعذّرها الخيار

فلا يقاس الإقدام في المعاملات جهلا بالضّرر على الإقدام في العبادات جهلا به الّذي اخترنا فيه أنّ الحكم لا يرتفع في مورد الضّرر المجهول لأنّ الحكم

ص: 60

التكليفيّ المجهول لا يوجب الضّرر لأنه كان أو لم يكن فحيث إنّ المكلّف لا يرى الضّرر في الفعل يقدم على الفعل الضّرري فالحكم الشرعيّ يصير من قبيل المعدّ للضّرر و الجزء الأخير من العلّة لوقوعه فيه هو جهله به مع أنّ رفع الحكم منه في هذا الحال ليس امتنانا عليه لاستلزامه بطلان العمل و إعادته و ذلك ينافي الامتنان

و أمّا مع العلم به فالجزء الأخير من العلّة أو تمام العلّة هو الحكم الشّرعي و هذا بخلاف المعاملات فإنّ الأمر فيها بالعكس لأنّ مع العلم بالضّرر فالضّرر يستند إليه لإقدامه عليه و أمّا مع الجهل فالضّرر يستند إلى الحكم الشّرعي و هو لزوم العقد المغبون فيه

و أمّا لو كان اعتبار التساوي من الأمور البنائيّة أو الدّواعي الّتي لا إشارة في العقد إليها بنحو من الأنحاء لا مطابقة و لا التزاما فلا وجه للاستدلال بلا ضرر لإثبات الخيار لما عرفت من أنّ مفاده أنّ الحكم الّذي ينشأ منه الضّرر بحيث يكون الضّرر عنوانا ثانويّا له فهو مرفوع دون ضرر لا يكون عنوانا للحكم بل يكون عنوانا لنفس فعل المكلّف و بإقدام و اختيار صدر الفعل عنه و لو كان جاهلا بالضّرر و منشأ تضرّره في المقام ليس وجوب الوفاء بالعقد بل تخيّله التّساوي بين المالين إلّا أن يقال إنّ العاقد و إن أقدم على المعاملة الغبنيّة إلّا أنّ إقدامه عليها و إيجاده لها موجب لتحقّق موضوع وجوب الوفاء و إذا كان موضوعه ضرريّا وجب أن يرتفع حكمه بلا ضرر

و بعبارة أخرى و إن لم يكن اعتبار التّساوي من الشّروط الضمنيّة إلّا أنّ حكم الشّارع بوجوب الوفاء بالعقد الّذي صدر عن المكلّف حكم في موضوع ضرريّ فيجب أن يكون مرفوعا لأنّ الحكم يصير فعليّا بعد تحقّق موضوعه و موضوعه و إن صدر عن العاقد جهلا بالغبن و بتخيّل التساوي إلّا أنّه بعد تحقّقه ينسب الضّرر الوارد على العاقد باعتبار بقاء المعاملة إلى حكم الشّارع بالبقاء لا إلى إقدام المكلّف

إن قلت فعلى هذا لو علم العاقد بالضّرر و أقدم عليه لكان اللّازم عدم ثبوت وجوب الوفاء و لا يختصّ رفع الحكم بالجهل قلت في مورد العلم ليس الضّرر مستندا إلى الحكم بل إلى الإقدام لأنه علم بالضّرر و أقدم عليه فلا وجه لرفع حكمه فالفرق بيّن بين العلم و الجهل إلّا أنّ الكلام في أصل المدّعى لأنّ الحكم و إن لم يكن فعليّا إلّا بعد تحقّق موضوعه و لكنّ الكلام في أنّ الضّرر مستند إلى الإقدام أو إلى الحكم فنقول لو كان الضّرر ناشئا عن الحكم بحيث لو لم يكن الحكم الشّرعي لما وقع العاقد في الضّرر لكان هذا الحكم مرفوعا و المفروض في المقام أنّ العاقد بتخيّله التّساوي أقدم على المعاملة من دون أن يكون ملزما بها

و بعبارة أخرى كلّ حكم تكليفيّ أو وضعيّ كان هو تمام العلّة للضّرر أو الجزء الأخير منها فهو مرفوع و أمّا لو كان الحكم معدا كالوضوء المجهول أنه ضرريّ أو لا دخل للحكم أصلا في الضّرر كالمقام لأنّه بداعي النّفع أقدم على المعاملة فلا معنى لرفعه و مجرّد صيرورة الفعل ضرريّا باعتبار بقائه على حاله بعد صدوره اختيارا لا يوجب أن يرتفع حكمه و إلّا لزم أن يرتفع حكم الضّمانات و الإتلافات إذا صدر الفعل عن المكلّف جهلا بأنّ المال من غيره فإنّ أكل مال الغير بتوهّم أنّه ماله قد صدر عنه موضوع إذا حكم الشّارع بوجوب الخسارة عليه يكون حكما في موضوع ضرري مع أنّه لا يمكن أن يكون هذا الحكم مرفوعا و لا وجه له إلّا أنّ الإقدام صار منشأ للضّرر لا الحكم

و بالجملة لو لم يكن اعتبار التّساوي من الشّروط الضّمنيّة بل كان من الدّواعي أو الشّروط البنائيّة فلا وجه لأن يكون تعذّرها موجبا للخيار و عليك بالمراجعة إلى ما كتبناه في قاعدة لا ضرر

قوله قدس سره و لكن يمكن

ص: 61

الخدشة في ذلك بأنّ انتفاء اللّزوم و ثبوت التزلزل لا يستلزم ثبوت الخيار

محصّل مرامه قدس سره أنّ قاعدة الضّرر لا تثبت الخيار بين الفسخ و الإمضاء بكلّ الثمن كما عليه بناء الأصحاب لأنّ تدارك الضّرر يحصل بأحد الأمور الثّلاثة الأوّل الخيار و الثّاني ردّ مقدار ما تضرّر فيه من عين الثّمن أو المثمن فيكون حال المغبون حال المريض إذا اشترى بأزيد من ثمن المثل و حاله بعد العلم حال ورثة ذلك المريض في أنّ لهم استرداد الزّيادة من دون ردّ جزء من العوض و الثّالث ردّ ما به يتدارك ضرر المغبون و لو من غير جنس الثّمن أو المثمن نظير ما احتمله في القواعد من أنّه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في أخباره برأس المال و بذل المقدار الزّائد مع ربحه فلا خيار للمشتري فإذا أمكن تدارك الضّرر بأحد الأمور الثّلاثة فترجيح بعض منها بلا مرجّح لا وجه له

و فيه أنه لا يمكن تدارك الضّرر في المقام بالأمر الثّاني و الثّالث أمّا الثّاني فلأنّ المعاوضة وقعت بين مجموع مالي الغابن و المغبون فيجب أن يقال إمّا بالبطلان في الجميع أو بالصحّة كذلك

و بالجملة استرداد جزء من أحد العوضين من دون ردّ ما يقابله خلاف مقتضى المعاوضة من مقابلة المجموع بالمجموع و استرداد ورثة المريض لو قلنا به فهو حكم تعبّدي و لذا لا يتعدّى إلى ما لو باع بأقل من ثمن المثل

و أمّا الثالث فتدارك ما فات من المغبون لا يخرج عن كونه هبة مستقلّة و الهبة من الغابن أو غيره لا يخرج المعاملة عمّا وقعت عليه من الغبن و مجرّد كون داعي الواهب تدارك خسارة المتّهب لا يوجب انقلاب الهبة عن حقيقتها و تسمية هذا الإعطاء غرامة لا تغيّر الواقع عمّا هو عليه لأنّ الغرامة عبارة عن تدارك ما اشتغلت الذمّة به و مجرّد كون الغابن طرفا للمعاملة مع المغبون لا يوجب ضمانه لما تضرّر به المغبون لعدم تحقّق موجبات الضّمان من اليد و الإتلاف سيّما مع جهل الغابن بالغبن

و أمّا ما احتمله في القواعد من أنّه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في أخباره برأس المال و بذلك المقدار الزّائد مع ربحه فلا خيار للمشتري فلا ربط له بالمقام و يمكن تطبيقه على القواعد بأن يقال إنّ المعاملة وقعت حقيقة بين رأس المال واقعا و بين المبيع

غاية الأمر طبق البائع كذبا رأس المال على غير ما هو واقعه فيكون كالخطإ في التّطبيق كما لو اشتبه البائع مثلا و أقبض أربعة بدلا عن ثلاثة أمنان فإنه لا شبهة أنّه يردّ المنّ الزائد بدون خيار بين الفسخ و الإمضاء فإنّ المعاملة لم تقع بإزاء المنّ الزائد و لم يجعل جزء من الثّمن في مقابله فمسألة كذب البائع كذلك أيضا أي في عالم اللبّ و الواقع يجعل الثّمن بإزاء رأس المال الواقعي لا ما أخبر به فإذا انكشف خطاؤه أو كذبه يرد ما هو الزّائد على رأس المال مع ربح الزّائد إلّا أن يمتنع و هذا بخلاف المقام فإنّه قد جعل تمام الثمن بإزاء تمام المثمن فلا موجب لأخذ المغبون زائدا خارجيا هذا مضافا إلى أنّه لا يمكن أن يجعل الخيار بين الفسخ و الإمضاء في عرض الاحتمالين الأخيرين على فرض صحّتها لأنّه لو كانت المعاملة بالنّسبة إلى الزيادة باطلة و بالنّسبة إلى غيرها صحيحة كما هو مقتضى الاحتمال الثّاني أو كان الغابن ضامنا للتّفاوت و كان وجوب دفع الزّائد عليه من باب الغرامة كما هو مقتضى الاحتمال الثّالث فلا وجه لثبوت الخيار للمغبون بين الفسخ و الإمضاء في الكلّ لأنّه لم يتضرّر أصلا حتى يثبت له الخيار فثبوت الخيار له كذلك إنّما هو إذا لم يمكن الاحتمالان المذكوران فالخيار بهذا المعنى في طول هذين الاحتمالين لا في عرضهما كما لا يخفى

و حاصل الكلام أنّه لا يمكن الالتزام باسترداد جزء

ص: 62

من العوضين إلّا إذا لم تقع المعاملة على هذا الجزء بالخصوص أو إذا ثبت الخيار في هذا الجزء كما إذا وقع العقد على مختلفي الحكم كالحيوان و غيره و المفروض في المقام لا هذا و لا ذاك مع أنّه لو كان الفسخ راجعا إلى خصوص الجزء لوجب ردّ مقابله فيمتنع أن يكون الخيار بالمعنى المشهور مقابلا لهذا الاحتمال و في عرضه بل لا يمكن جمعهما كما لا يخفى كما أنّ الوجه الثّالث أيضا ليس في عرض الخيار فإنّه لو كان الغابن ضامنا لما فات فليس العقد ضرريا على المغبون فتأمل جيّدا

ثم إنّ المحقّق الخراساني قدس سره بعد ما اختار في الأصول أن مفاد لا ضرر نفي الحكم بلسان نفي الموضوع قال في حاشيته على المتن في ذيل هذا العنوان هذا إذا كان المرفوع بحديث لا ضرر الحكم النّاشي منه الضّرر

و أمّا إذا كان المرفوع ما كان للضّرر من الحكم مع قطع النّظر عن هذا الحديث كان المرفوع في المعاملة الغبنيّة وجوب الوفاء بها و هو يستلزم جوازها لا الخيار المصطلح الّذي هو من الحقوق لأنّ عدم وجوب الوفاء على المغبون لا يقتضي ثبوت حقّ له القابل للإسقاط و الصّلح و الإرث انتهى ملخّصا

ثم إنّه قدّس سره في باب المعاطاة جعل الفرق بين الجواز الحقّي و الحكميّ باعتبار اختلاف متعلّقه و قال لو كان الجواز و اللّزوم بمعنى جواز فسخ المعاملة و عدمه كما في باب الخيار فهما من أحكام الأسباب و أما لو كانا بمعنى جواز ترادّ العينين بلا توسط فسخ المعاملة كما في الهبة فهما من أحكام الملك فجعل الجواز الحقي بمعنى الخيار و الحكمي بمعنى الردّ الخارجي الّذي لا يمكن إلّا مع بقاء العينين و لا يخفى ما في كلامه في كلا المقامين أمّا جعل الجواز الحكمي كما في الهبة بإرجاع العين من دون فسخ المعاملة فهو لا يستقيم لأنّ ردّ العين من دون الفسخ تصرّف في مال الغير فليس الفرق ما ذكره بل ما ذكرنا في مقامه من أنّه لو كان الجواز أو اللّزوم راجعا إلى نفس المنشإ أي إلى المدلول المطابقي للعقد فهو حكمي كالجواز في الهبة و اللّزوم في النّكاح و لو كان راجعا إلى الالتزام الّذي التزم به كلّ من المتعاقدين الّذي بهذا الاعتبار تسمّى المعاملة عقدا فهو حقّي

و أمّا ما أفاده من عدم استلزام الجواز الخيار المصطلح فقد ظهر ما فيه ممّا ذكر من الفرق بين الجوازين لأنّه لو كان وجوب الوفاء بالعقد راجعا إلى الالتزام الّذي التزم به كلّ من المتعاقدين بما تضمّنه من شرط التّساوي فإذا فقد شرط التّساوي يرتفع ما التزم به لو كان ضرريّا و لازم ذلك أن يكون التزامه تحت سلطنته و هذا ليس إلّا الخيار فإذا كان مفاد لا ضرر عدم لزوم المعاملة الغبنيّة لأنّ من لزومه ينشأ الضّرر على المغبون فمعناه عدم كون الغابن مالكا للالتزام الّذي ملّكه المغبون بل أمر الالتزام بيد المغبون و له أن يفوّضه ثانيا إلى الغابن أو أن يفسخ

[مسألة يشترط في هذا الخيار أمران]
[الأول عدم علم المغبون بالقيمة]

قوله قدّس سره مسألة يشترط في هذا الخيار أمران إلى آخره

لا إشكال في أنّه لو علم المغبون بالقيمة و أقدم على المعاملة فلا خيار له أصلا سواء قلنا بأنّ منشأ ثبوته قاعدة لا ضرر أم تخلّف الشّرط الضّمني لأنّ مع العلم لا شرط و الضّرر لم ينشأ من الحكم باللّزوم بل نشأ من إقدامه و في حكم العلم الاطمئنان كما أنّه لا إشكال في ثبوت الخيار لو كان غافلا عن القيمة بالمرّة أو كان ملتفتا و لكن كان معتقدا للتّساوي أو مطمئنا به إنّما الإشكال في صورة الشكّ و ما يلحق به من الظّنّ الغير المعتبر فهل هو ملحق بالعلم بالغبن مطلقا أو ملحق بالعلم بعدمه مطلقا أو تفصيل بين صور الشكّ ثم الشّاك إمّا عالم بالحكم أو جاهل به فلو كان عالما و شكّ في القيمة و لكنّه أقدم على المعاملة برجاء أن لا يكون ضرر فهذا ليس مقدما على الضّرر عرفا و لا ينسب الضّرر إليه

فبناء على كون منشإ الخيار

ص: 63

قاعدة لا ضرر فالخيار ثابت له و أمّا لو كان منشؤه الشّرط الضّمني ففي ثبوت الخيار له إشكال لأنّه مع الشكّ في القيمة و إقدامه على المعاملة من دون اتّكاله على طريق أو أصل مثبت للتّساوي فكأنّه أقدم مع العلم بعدمه

فلا يقاس المقام على مورد الشكّ في الصحّة و العيب في أنّ الخيار لا يسقط إذا ظهر العيب لأنّه في باب العيب كان متّكلا على أصالة السّلامة في الأشياء و في المقام لا أصل يثبت أنّ القيمة الواقعيّة كذا و كذا و من هنا ظهر حال سائر أقسام الشكّ و هو ما إذا أقدم على المعاملة كيف ما كان فإنّه مع هذه الحالة كيف يشترط التّساوي

و هذا من غير فرق بين أن يكون عالما بالحكم أو جاهلا بل لا يجري قاعدة الضّرر أيضا لأنّه قد أقدم على المعاملة من دون رجاء التّساوي بل يمكن أن يقال إنّ الشّاكّ ليس له الخيار في جميع الصور المتصوّرة لأنّ مجرّد رجاء كون المالين متساويين في القيمة و عدم كونه مغبونا لا يقتضي الإقدام على المعاملة الضرريّة لأن رجاء العدم لا يخرج الفعل عن الاختيار كمن رجا أن لا يكون السّبع في الطّريق و لكنّه احتمله احتمالا عقلائيا فمشى في هذا الطّريق فإذا افترسه السّبع ينسب الفعل إليه

نعم لو كان متّكلا على بيّنة أو أصل فالافتراس لا يكون عن الإقدام

قوله قدس سره و لو أقدم عالما على غبن يتسامح به فبان إلى آخره

لا يخفى أنّ صور الإقدام أربع الأوّل أن يقدم على ما يتسامح به فبان أزيد ممّا لا يتسامح بالمجموع منه و من المعلوم الثّانية هذه الصّورة مع كون الزّائد بنفسه ممّا لا يتسامح به و في هاتين الصّورتين لا إشكال في أنّ الخيار لا يسقط أمّا في الثّانية فواضح و أمّا في الأولى فلأنّ المجموع من حيث المجموع لم يكن مقدما عليه و الإقدام على القدر المتسامح به لا أثر له لكونه مقيّدا بهذا المقدار و إلّا كان راجعا إلى إسقاط خيار الغبن و الثّالثة الإقدام على ما لا يتسامح فبان أزيد بما يتسامح به منفردا

و الأقوى في هذه الصّورة سقوط الخيار و لا يقاس على الصّورة الأولى لأنّ في الصورة الأولى موجب الخيار و هو المجموع لم يقدم عليه و ما أقدم عليه لا يكون موجبا للخيار و في المقام أقدم على ما يوجبه و ما لم يقدم عليه لا يكون موجبا للخيار الرّابعة الإقدام على ما لا يتسامح فبان أزيد بما لا يتسامح و الأقوى فيها ثبوت الخيار أمّا بناء على قاعدة لا ضرر فواضح و أمّا بناء على تخلّف الشّرط فقد يتوهّم أنّ من أقدم على ما لا يتسامح فكأنّه أسقط شرط التّساوي فلا موجب آخر للخيار و لكنّه فاسد لأنّ مقدار التفاوت و له مراتب فقد يسقط المغبون جميعها و قد يسقط بعضها فلو أسقط مقدارا خاصّا فلا وجه لسقوط الخيار رأسا

قوله قدس سره ثم إنّ المعتبر القيمة حال العقد إلى آخره

الكلام في المقام قد يقع بناء على كون مدرك الخيار قاعدة لا ضرر أو بناء على كون المدرك تخلّف الشرط الضّمني

ثم بناء على كونه تخلّف الشّرط فقد يتكلّم بناء على أن يكون مرجع الاشتراط مطلقا صريحا كان أو ضمنيّا إلى اشتراط كون المبيع حال العقد متّصفا بكذا أو بناء على أن يكون الاشتراط راجعا إلى اشتراط تسليم ما هو متّصف بكذا فلو كان الشّرط في قوّة اشتراط كون المبيع حال العقد متّصفا بكذا لو قلنا بصحته و عدم رجوعه إلى اشتراط ما لا يدخل في مقدوره فمقتضى تخلّف الشرط حال العقد ثبوت الخيار و لو وجد بعد العقد قبل القبض فضلا عمّا إذا وجد بعد القبض قبل العلم أو بعد القبض و العلم قبل الردّ لأنّ الزيادة الحاصلة بعد العقد إنّما حصلت في ملك المغبون و المعاملة وقعت على الغبن

و لو كان الشّرط راجعا إلى تسليمه

ص: 64

مع الوصف فالحقّ سقوط الخيار مطلقا كما عليه العلّامة قدس سره في قوله مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الردّ سقط الرّدّ و توضيح ذلك أنّه لو حصل الشّرط بعد العقد فتارة يحصل بعد العقد و قبل القبض و أخرى بعد القبض و قبل العلم و ثالثة بعد العلم و قبل الرّدّ

ثم إن حصوله قد يكون بفعل المشروط له و قد يكون بفعل المشروط عليه أو الأجنبي أو بقدرة اللّٰه سبحانه فلو حصل بفعل المشروط له قبل القبض أو بعده فلا يخرج ذمّة المشروط عليه من عهدة الشّرط لأنّه قد حصل في ملك المشروط له بفعله فلا وجه لبراءة ذمّة المشروط عليه فالتّعليل الّذي ذكره المصنف قدس سره من قوله لأنّ الزّيادة إنّما حصلت في ملكه يتمّ في هذه الصّورة و أمّا لو حصل بفعل المشروط عليه أو بفعل الأجنبيّ المتبرّع أو بقدرة اللّٰه سبحانه قبل القبض فلا إشكال في عدم الخيار للمشروط له

أمّا لو كان الأثر من فعل المشروط عليه فلأنّ فعله محترم شرعا فأثر فعله من أملاكه فليس عليه شي ء بعد الوفاء بالشّرط و أمّا لو كان من قدرة اللّٰه سبحانه أو من أجنبيّ متبرّع للمشروط عليه فسقوط الخيار أو عدم ثبوته يتوقّف على مقدّمتين الأولى أن لا يكون معنى الاشتراط إيجاد المشروط عليه هذا الشرط بنفسه بل يكون مرجعه إلى تسليم المبيع متّصفا به الثّانية أن لا يكون حصوله في ملك المشروط له منافيا لما التزم به المشروط عليه لأنّ سمن الدابّة مثلا و إن كان تابعا لملك الدابّة إلّا أن تبعيّته في الملك إنّما هو بعد تحقّقه لأنّ الملكيّة متأخّرة رتبة عن التحقّق و الشّرط يحصل في رتبة التحقّق

و بعبارة أخرى الوفاء بالشّرط إنّما يكون بحصوله فلا ينافي وقوعه في ملك المشروط له حصوله و أمّا لو حصل الشّرط بعد القبض قبل العلم بتخلّف الشرط فحكمه أيضا سقوط الخيار بضمّ مقدمة ثالثة و هي أنّ الاشتراط ليس معناه تسليم الشّرط مع العين المشروط فيها بل معنى الشّرط أن يكون المبيع موصوفا بالوصف بحيث لو أمكن إيجاد الوصف بدون وجود الموصوف أصلا برأ ذمة المشروط عليه فالمشروط له يملك على المشروط عليه أمرين المبيع و الشّرط فلو سلمهما إليه برأ من عهدة ضمانه و لو كان الموجد للشّرط هو اللّٰه سبحانه لأنّ حصوله بإيجاده سبحانه في معنى حصوله قهرا

و من هنا ظهر حكم الصّورة الثّالثة و هي حصول الشّرط بعد العلم سواء قلنا بأنّ العلم سبب للخيار أو كاشف و ذلك لأنّ الخيار لا يكون حدوثه كافيا في بقائه دائما بل تابع حدوثا و بقاء لانتفاء الشّرط فإذا حصل الشّرط ارتفع

ثم إنّ هذا كلّه لو كان المدرك تخلّف الشرط و أمّا لو كان قاعدة لا ضرر فحكم الصّور الثّلاث أظهر كما أشار إليه المصنف بقوله لأنّ التّدارك حصل قبل الرّدّ فلا يثبت الخيار المشروع لتدارك الضّرر لأنّه دائر مدار الضّرر فإذا ارتفع قبل الفسخ ارتفع الخيار

قوله قدس سره و أشكل منه ما لو توقّف الملك على القبض إلى آخره

يعني احتمال عدم الخيار في الصّرف و السّلم أظهر فيما إذا حصل الشرط بعد العقد و قبل القبض

و لكن قد عرفت أنّ الحقّ في جميع المعاملات ارتفاع الخيار بحصول الشّرط بعد العقد و لو بعد العلم فضلا عمّا قبله و فضلا عمّا قبل القبض و قد عرفت في خيار المجلس أنّه لو لم يكن القبض واجبا في البيع الّذي تتوقّف صحّته أو حصول الملكيّة فيه على القبض لا معنى للخيار أصلا و لو التفت إلى فقدان الشّرط ففي المقام إذا كان حال العقد مغبونا و ارتفع الغبن قبل القبض فبناء على عدم وجوب الإقباض لا موقع للخيار و بناء على وجوبه كما هو الحقّ فللخيار وجه

و لكنّك قد عرفت أنّه إذا ارتفع الغبن قبل القبض ثمّ أقبض بعد اطّلاعه على الغبن يرتفع الخيار و أمّا لو ارتفع

ص: 65

بعد القبض و قبل العلم أو ارتفع بعد العلم و قبل الرّدّ فحكم هذه المعاملة حكم سائر المعاملات لأنّ مدخليّة القبض في الصّحّة أو الملكيّة و عدم مدخليّته لا توجب تفاوتا في الحكم بعد تحقّق القبض و نظر المصنف قدس سره أيضا إلى ارتفاع الغبن قبل القبض مع حصول الاطلاع عليه أيضا قبل القبض

و بالجملة الفرق بين هذه المعاملة و غيرها يظهر في ارتفاع الغبن قبل القبض مع علم المغبون به قبله لأنّه إذا اطلع على الغبن قبل القبض فلو لم يكن القبض واجبا عليه لم يتحقّق له داع إلى الإقباض و لا موضوع للخيار و لو كان واجبا عليه فحيث إنّ وجوب إقباض الزائد في مقابلة النّاقص ضرر عليه فللخيار محلّ فإذا ارتفع الغبن بين العقد و الإقباض فسقوط الخيار في هذه المعاملة أظهر من غيرها لأنّ الملك قد انتقل إليه من دون نقص بخلاف سائر المعاملات لأنّ الملك انتقل فيها إليه مع النّقص و أمّا ارتفاع الغبن بعد القبض أو قبله مع الاطلاع عليه بعد القبض فلا فرق فيه بين هذه المعاملة و غيرها

قوله قدس سره و لو ثبت الزيادة أو النّقيصة بعد العقد فلا عبرة بهما إجماعا إلى آخره

يعني أنّ المدار في الخيار على الغبن الحاصل حال العقد فلو كان المال مساويا للآخر حاله ثم زاد أو نقص بعده فلا اعتبار به فالغبن الحاصل بعد العقد و لو حصل قبل القبض لا يوجب خيارا

إن قلت إذا كان المدار في الخيار على الغبن الحاصل حين العقد فليكن سائر الشرائط كذلك و لازمه أنّه إذا كان المبيع صحيحا حال العقد و صار معيبا بعده قبل القبض لم يكن موجبا للخيار و لازمه أيضا أن حصول الشّرط بعد العقد مع عدمه حينه غير موجب لسقوط الخيار و إلّا يلزم أن يكون الغبن قبل القبض و لو بعد العقد موجبا للخيار قلت المدار في ثبوت الخيار فقدان الشّرط من حين العقد مستمرا إلى زمان إعمال الخيار فيجب أن يكون الشّرط مفقودا من حين العقد و ثبوت الخيار في العيب الحاصل بعد العقد قبل القبض إنّما هو لقاعدة تلف المبيع قبل قبضه فإنّها تشمل أيضا تلف الأوصاف و لا تشمل ارتفاع القيمة السّوقيّة أو نقصانها بعد العقد

و بالجملة العبرة في شرط التساوي الموجب للخيار هو وجوده حال العقد إلى زمان الفسخ فلا عبرة بما يحدث بعد العقد و هذا لا ينافي ما ذكرناه من أنّ موجب الخيار إذا زال بعد العقد قبل الفسخ يرتفع الخيار

قوله قدس سره ثم إنّه لا عبرة بعلم الوكيل في مجرّد العقد إلى آخره

لا إشكال في أنّ الوكيل في مجرّد العقد لا عبرة بإقدامه على الغبن و عدمه فضلا عن علمه و جهله نعم الوكيل المفوض حتّى في المعاملات المحاباتيّة لو علم بالغبن فلا خيار له لأنّه لا تشمله أدلّة الضرر و لا الدّليل الدالّ على أنّ تخلّف الشرط موجب للخيار كما تقدم وجهه و في هذه الصورة لا خيار للموكل أيضا و لو كان جاهلا بالغبن فضلا عمّا إذا كان عالما كما أنّه لا إشكال في أنّ مع جهلهما يثبت الخيار إنّما الكلام فيما لو كان الوكيل جاهلا و الموكل عالما و هذا على قسمين فتارة مع علمه بالغبن جاهل بأنّ الوكيل عالم به و أخرى يعلم بأنّه جاهل

و يظهر من المصنف عدم ثبوت الخيار في كلتا الصّورتين مع أنّ الأقوى في الصّورتين خصوصا في الأولى ثبوت الخيار لأنّ مجرّد علم الموكل بالغبن لا يوجب عدم ثبوت الخيار لأنّ العلم إنّما اعتبر طريقا و أمارة على الإقدام و مجرّد عدم الرّدع مع العلم ليس دليلا على الإقدام بالغبن إذ لعلّه من جهة ثبوت الخيار للوكيل الجاهل بالغبن لا يردعه عن المعاملة لجهة عقلائية داعية له إلى المعاملة فعلا مع إعمال الخيار بعد ذلك

ثم إنّه إذا ثبت الخيار للوكيل فهل هو

ص: 66

للموكل أيضا أو مخصوص بالوكيل وجهان و قد مرّ في خيار المجلس تفصيل ذلك

قوله قدس سره لأصالة عدم العلم الحاكمة على أصالة اللّزوم إلى آخره

لا يخفى أنّه لا وجه لإجراء أصالة عدم العلم لأنّ العلم بالقيمة و عدمه ليس موضوعا بل الموضوع هو الإقدام و عدمه فلا مانع من إجراء أصالة عدم الإقدام مع أنّ الإقدام بنفسه أمر مسبوق بالعدم و ليس نعتا للعقد هذا مع أنّ جعل المغبون مدّعيا مع مطابقة قوله لأصالة عدم العلم ينافي ما جعلوه ضابطا للمدّعي و المنكر و على هذا فلا وجه لإدراجه فيمن يتعسّر إقامة البيّنة عليه فإنّه كان كذلك أو لم يكن مع مطابقة قوله للأصل لا يطالب بالبيّنة

و بالجملة من يقبل قوله بيمينه و لو كان مدّعيا هو من ادّعى شيئا لا يعلم إلّا من قبله مع كون المدّعى به مخالفا للأصل و أمّا لو كان مطابقا للأصل فليس من مصاديقه

و على أيّ حال يختصّ بمن لا يعلم إلّا من قبله لا بمن تعسّر عليه إقامة البيّنة و إلّا يلزم أنّ من تعسّر عليه إقامة البيّنة يقبل قوله بيمينه و لم يلتزم به أحد و محصّل الكلام أنّ ظاهر العنوان أنّ الغابن منكر و المغبون مدّع و لذا قال بأنّ الجهل يثبت باعتراف الغابن و بالبيّنة و واضح أنّ البيّنة هنا بيّنة المدّعي لا بيّنة المنكر لرفع اليمين على القول به و جعل المغبون مدّعيا ينافي مطابقة قوله للأصل المعوّل عليه لو لا الدعوى

ثمّ على فرض جعله مدّعيا لا معنى لسماع دعواه مع اليمين بمجرّد تعسّر إقامة البيّنة عليه لأنّ يمين المدّعي إنّما يعتبر في موارد خاصّة و هو اليمين المردودة و الّتي تكون جزء البيّنة و يمين الاستظهار و أمّا يمينه مع تعسّر إقامة البيّنة عليه فلا دليل على اعتباره

ثمّ إنّه لا وجه لقبول يمين المدعي بمجرّد عدم إمكان حلف المنكر و هو الغابن لإمكان فصل الخصومة بالصّلح و نحوه هذا مع أن بحث القوم و موضوع عنوانهم ما إذا كان الغبن معلوما و الغابن يدّعي علم المغبون و المغبون ينكره

و على هذا فلا معنى لقوله قدس سره و لا يمكن للغابن الحلف على علمه لجهله بالحال لأنّ المدّعي لا بدّ أن يدّعي على خلاف مقتضى الأصل

قوله قدس سره و قد يشكل بأنّ هذا إنّما يوجب عدم إلى آخره

لا يخفى ما فيه أمّا أوّلا فلأنّ مجرّد مخالفة قوله للظّاهر لا يوجب أن يجعل مدّعيا إلّا إذا كان الظّاهر حجّة و أمّا لو لم يكن حجّة فلا اعتبار به أصلا و ثانيا أنّه ليس مقصود جامع المقاصد و المسالك من قولهما إنّ المغبون لو كان من أهل الخبرة لا يسمع دعواه هو جهة مخالفته للظّاهر حتّى يشكل عليهما بما أشكله قدس سره بل مقصودهما أنّه من شرط سماع الدعوى أن يكون الاحتمال الّذي يدّعيه المدعي في مقابل الأصل عقلائيا و عاديا لا مجرّد كونه عقليا مثلا إذا ادّعى المعدم الفقير على غنيّ فصّا بقيمة عشرة آلاف ليرة لا يسمع دعواه و ثالثا لو قلنا إن كلّ ما لا يعلم إلّا من قبل المدعي يقبل مع اليمين فهذه القاعدة تكون حاكمة على جميع الأصول و الظّواهر فمن يدّعي ما لا يعلم إلّا من قبله يكون منكرا لأنّ قوله مطابق لما هو الأصل في المسألة لا أنّه مدع و يقبل قوله

و رابعا على فرض أن يكون هذا مدّعيا لأن قوله يخالف الظّاهر الّذي هو حجّة فلا وجه لقوله إلّا أن يقال إنّ معنى تقديم الظّاهر جعل مدعيه مقبول القول بيمينه لا جعل مخالفه مدّعيا يجري عليه جميع أحكام المدعي إلى آخره لأنّه لو كان مدّعيا يجري عليه جميع أحكام المدّعي كما أن قول من يوافق الظّاهر الّذي هو حجّة يجري عليه جميع آثار المنكر

قوله قدس سره و لو اختلفا في القيمة وقت العقد إلى آخره

لا يخفى أن عبارته و إن لم تكن وافية بالمرام إلّا أنّ المقصود واضح و محلّ النّزاع

ص: 67

ثبوت الغبن و عدمه و لا شبهة أيضا أنّ استصحاب اللّزوم يجري في جميع الصّور إنّما الكلام في جريان الأصل الموضوعي الحاكم على أصالة اللّزوم

فنقول تارة يقع الاختلاف في القيمة حال العقد مع اتفاقهما على قيمة الفعليّة مثلا البائع يدّعي أنّ المبيع حال العقد يسوي عشرة و تنزّلت قيمته فكون قيمته فعلا ثمانية الّتي تطابق الثّمن الّذي وقع العقد عليه لا يخرجه عن الغبن و المشتري يدّعي أنّ قيمته حال العقد ثمانية فلا غبن فأصالة عدم التّغيير مضافا إلى أنّ التّغيير ليس بنفسه أمرا مسبوقا بالعدم و مضافا إلى أنّ الاستصحاب قهقريّ لا تفيد للمغبون لأنّها تنتج عدم الغبن فلو جرت فهي مطابقة لأصالة اللّزوم و لكن الحقّ عدم جريانها لما ظهر في محلّه أنّ الاستصحاب القهقرائي ليس بحجة مع أنّه مثبت لأنّ الأثر لم يرتّب على هذا الأمر الانتزاعي بل رتّب على منشإ انتزاعه و هو عدم التّساوي حال العقد

و أخرى يقع الاختلاف في القيمة حال العقد مع اتّفاقهما على قيمته سابقا كما لو كان قيمة المبيع قبل العقد عشرة و بيع بثمانية فيدعي من يدعي الغبن بأنّ قيمته حين العقد كانت كقيمته قبله و منكر الغبن يدعي التنزّل و أنّ المبيع حين العقد قيمته ثمانية فأصالة عدم التّغيير لو جرت كانت مثبتة للخيار و مخالفة لأصالة اللّزوم و ثالثة يقع الاختلاف في القيمة بعد العقد مع اتّفاقهما على موافقة قيمته حال العقد و قيمته الفعليّة فإذا بيع بثمانية و يدّعي مدع الغبن أنّ قيمته حال العقد عشرة و الآن كذلك أيضا و المنكر يدعي أنّ قيمته فعلا ثمانية فتطابق مع قيمته حال العقد فالشكّ هنا ليس في التّغيير مع الاختلاف في الغبن و عدمه

إذا عرفت ذلك ظهر ما في كلام المصنف قدّس سرّه من جعله أصالة عدم التّغيير رديفا لأصالة اللّزوم لأنّها لو جرت ففي صورة واحدة تطابق أصالة اللّزوم لا مطلقا

[الأمر الثّاني كون التّفاوت فاحشا]

قوله قدّس سرّه الأمر الثّاني كون التّفاوت فاحشا فالواحد إلى آخره

لا يخفى أنّ ما يتسامح فيه في المعاملة قد يكون قليلا جدا بحيث لا يصدق عليه الضّرر و هذا خارج عن موضوع البحث في المقام لأنّ الكلام سيق لما إذا كانت المعاملة ضرريّة فتارة يكون الضّرر ممّا يتسامح فيه و أخرى ما لا يتسامح

ثمّ إنّه من المعلوم أنّ المدار في التّسامح و عدمه على اختلاف المعاملات فيختلف الضّرر أيضا باختلافها فإذا لم يكن الضّرر الخاص ممّا يتسامح فيه في المعاملة الكذائيّة فلا إشكال في ثبوت الخيار و إذا كان ممّا يتسامح فلا خيار سواء كان مدركه تخلّف الشّرط الضّمني بنفسه من دون جعل تخلّفه مقدّمة لقاعدة الضّرر أو لكون تخلّفه موجبا للضّرر أو لنفس قاعدة الضّرر لأنّ مع التّسامح لا يتحقّق الشّرط الضّمني و لا تجري قاعدة نفي الضّرر أيضا لكونها واردة في مقام الامتنان فلا تشمل ما إذا كان بناء المتعاملين على الإقدام على الضّرر و إنّما الإشكال في الشكّ في أنّه ممّا يتسامح أولا

فإذا كان مدرك الخيار نفس قاعدة الضّرر فالشكّ إذا رجع إلى الشكّ في المصداق لا يمكن التمسّك بقاعدة الضّرر لأنّ التّخصيص و إن كان لبيّا لا لفظيّا إلّا أنّ الخارج لو كان عنوانا كليّا كخروج يد المحسن عن قاعدة على اليد يكون اللّبي كاللّفظي في عدم جواز التمسّك بعموم العام في الشبهة المصداقيّة

فلا يقاس على جواز لعن المشكوك إيمانه من بني أميّة تمسّكا بعموم لعن اللّٰه بني أميّة قاطبة لكون التّخصيص فيه أفراديا كما بيّنا وجهه في الأصول و لكن الشكّ في المقام راجع إلى المفهوم لأنّ

ص: 68

الشّبهة المصداقيّة ما كان المقدار المتسامح فيه الخارج عن عموم لا ضرر معلوما كالعشرة و الباقي تحت العموم معلوما كالخمسة و شكّ في أنّ الغبن في هذه المعاملة عشرة أو خمسة و في المقام نفس القدر المتسامح فيه مشكوك مفهوما لدورانه بين الأقلّ و الأكثر فالمرجع هو عموم قاعدة لا ضرر و أمّا إذا كان مدرك الخيار تخلّف الشّرط إمّا بنفسه أو بضميمة لا ضرر فالمرجع هو قاعدة اللزوم المستفادة من العمومات

[بقي هنا شي ء]

قوله قدّس سرّه بقي هنا شي ء إلى آخره

لا يخفى أنّ قاعدة لا ضرر و لا حرج في مقام حكومتها على أدلّة الأحكام يراعى فيهما الضّرر و الحرج الشّخصي لا النّوعي نعم إذا كانا حكمة لتشريع الحكم كطهارة الحديد و ثبوت الشفعة فالمدار على النّوعي بل على الاتّفاقيّ منهما و لو لم يكن نوعيا كجعل العدّة لعدم اختلاط المياه و لا فرق في رعاية الشّخصيّ منهما بين الحكم التّكليفي و الوضعيّ

إذا عرفت ذلك فنقول شراء ماء الوضوء لمن لا يضرّ به و عدم شرائه لمن يضرّ به تارة يفرض فيما إذا كان قيمة الماء في محلّ الشّراء أضعاف قيمته في غير هذا المحلّ كالماء في المفازة في شدّة الهجير و أخرى فيما إذا لم يكن قيمته إلا كقيمته في سائر الأزمنة و الأمكنة ففي الأوّل نفس المعاملة ليست ضرريّة لأنّ ذلك قيمة الماء فيجب شراؤه على من يتمكّن منه لأنّه واجد للماء و متمكن عن إيجاده و إنّما لم يجب على من لا يتمكّن من شرائه لأنّ إيجاب الوضوء على هذا الشخص ضرريّ لا لزوم المعاملة و لذا لو اشترى هذا المفلس هذا الماء بهذا المقدار لا خيار له في المعاملة و في الثّاني لم يعلم من الأصحاب فتوى بوجوب الشّراء و لو للتمكّن لأنّ نفس المعاملة ضرريّة إلّا أن يتمسّك بدليل النصّ

و بالجملة في جميع الأبواب المدار على الضّرر الشّخصي و الغبن في المعاملة بمقدار الثّلاث ضرر على كلّ شخص و لو كان ذا ثروة و مال و بمقدار نصف العشر ليس ضرريا و لو للمعدم المفلس و شراء ماء الوضوء لو كان قيمة الماء كثيرة و لم يقع الغبن في المعاملة لا يكون ضرريّا حتى يقال شخصيّ أو نوعي و إذا وقع الغبن فيها فالمدار على أنه ممّا يتسامح أو لا يتسامح

نعم قد يكون شراء الماء للمعدم حرجيّا و لو لم تكن المعاملة ضرريّة كما إذا كان قيمة الماء في المفازة بمقدار ما اشتراه به فإذا كان حرجيا فإيجاب الوضوء عليه حرجيّ باعتبار مقدّمته

[مسألة ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي]

قوله قدّس سرّه مسألة ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي إلى آخره

لا يخفى أنّ الخيار حق واقعيّ سواء قلنا بأنّ مدركه تخلّف الشّرط الضّمني مطلقا أو من جهة الضّرر أم قلنا بأنّ مدركه قاعدة لا ضرر من دون أن يكون التّساوي شرطا بل كان داعيا أو شرطا بنائيا غير مذكور في العقد فلا يدور مدار العلم بالغبن بل العلم به كاشف عقليّ لأن معنى الخيار أنّ ملك الالتزام بيد نفس الملتزم فإذا كان منشأ الخيار اشتراط التساوي فتخلّفه من حين العقد موجب لعدم التزام المغبون بما التزم به فيرجع اشتراط التّساوي إلى الخيار الجعليّ من حين تخلّف التّساوي و هكذا إذا كان منشأ الخيار قاعدة لا ضرر لأنّه يرجع مفادها إلى جعل الشّارع الخيار للمتضرّر و معلوم أنّه متضرّر حين العقد فلا بدّ أن يكون لزومه مرتفعا من حين وقوعه لا من حين العلم بالضّرر لما ذكرناه في قاعدة لا ضرر أنّ الضّرر الواقعيّ رافع للأحكام الوضعيّة لا المعلوم لأنّ الضّرر هنا لا يستند إلى الجهل بل إلى اللّزوم لأنّ الجهل به لا يوجب إلّا صدور المعاملة من المغبون و نفس صدورها ليس ضرريا بل الضّرر يتحقّق بعد تحقّق المعاملة إذا كانت لازمة

فلا يقاس المقام على الأحكام التّكليفيّة

ص: 69

حيث تقدم أنّ العلم بالضّرر له دخل في رفع الحكم و هذا بخلاف الوضعيات فإنّ الضّرر مستند إلى الجعل الشّرعي و هو لزوم العقد و لا دخل للعلم و الجهل فيه

نعم يكون العلم كاشفا عقليا و قد يتوقف إعمال الخيار على العلم به كما إذا قيل بأنّ التصرّف مسقط للخيار لكشفه عن الرّضا الفعلي لا لكونه مسقطا تعبّديا و لا لكونه مصداقا للمسقط بالحمل الشّائع الصّناعي فإن كاشفيّته عن الرضا الفعلي موقوف على العلم بالخيار

و ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام المصنف من قوله و توضيح ذلك أنّه إن أريد بالخيار السّلطنة إلى آخره فإنّ الخيار كما عرفت هو ملك الالتزام و هو حق واقعيّ شرعيا كان أو جعليا و من آثاره السّلطنة لا أنّه نفس السّلطنة و توقف إعمال الحق في بعض المقامات على العلم به لا يوجب أن يكون الخيار مردّدا بين الأمرين

ثم إنّ الآثار المجعولة للخيار بأجمعها تترتّب على نفس الحقّ الواقعي لا أن بعضها مترتب على العلم و بعضها على واقعه و بعضها مردّد بين الأمرين لما عرفت من أنّ تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة إذا كان كاشفا عن الرّضا و مع عدم العلم بالحقّ لا يكشف عن الرّضا و هذا بخلاف ما لو قلنا بأنه مسقط تعبّدي فإنه يكون مسقطا و لو لم يعلم بالخيار

[يسقط هذا الخيار بأمور]
[أحدها إسقاطه بعد العقد]

قوله قدّس سرّه مسألة يسقط هذا الخيار بأمور إلى آخره

لا يخفى أنّ محلّ البحث تارة يقع في إسقاط الخيار بلا عوض بعد العلم بالغبن و أخرى في المصالحة عنه بالعوض فلو كان بلا عوض فلو أسقط مرتبة خاصّة و ظهر الغبن الواقعي مخالفا لما أسقطه فلا وجه لسقوطه لأنّ ما هو الواقع لم يقصد و ما قصد لم يقع و أمّا لو كان مطابقا لما أسقطه فلا إشكال في سقوطه كما أنّه لو كان جاهلا بمرتبة و لكن احتمل بلوغه إلى مائة دينار مثلا فأسقطه بالغا ما بلغ و ظهر الغبن بأقلّ من مائة أو بمقدار مائة فلا إشكال في سقوطه أيضا

و إنّما الإشكال في موردين آخرين أحدهما ما لو أسقطه بزعم أنّه عشرة فتبيّن كونه مائة و الثّاني ما لو أسقطه بالغا ما بلغ و لكن لم يحتمل بلوغه إلى مائة بل تخيّل أنّ غايته خمسين فظهر كونه مائة ففي السّقوط وجهان قد يقال إنّ مبنى الوجهين أنّ اعتقاد مرتبة من الغبن أو احتماله لو كان من قبيل الدّاعي فتخلّفه لا يضرّ بسقوط خيار الغبن بلغ ما بلغ و أمّا لو كان من قبيل التّقييد فلا

و لا يخفى أنّ المقام ليس من موارد دوران الأمر بين الدّاعي و التّقييد كالوجوب و الأداء مثلا في باب العبادات لأنّ المدار في المعاملات صحّة و فسادا على تخلّف الوصف أو العنوان أي الصّورة النّوعيّة فتخلّف العنوان يوجب البطلان و لو ذكر بنحو الشّرط كقوله بعتك هذا إن كان حمارا و أمّا تخلّف الأوصاف و القيم فلا يوجب الفساد و لو جعلهما عنوانا للمبيع كقوله بعتك هذا الكاتب أو هذا الّذي قيمته كذا نعم لو جعلهما قيدا للموضوع بطل العقد من جهة التّعليق لا من جهة تخلّف القيد

و بالجملة الأوصاف أو القيم لا يتردّد أمرها بين القيديّة و الدّاعويّة بل هي إلى الدّواعي أقرب كما أنّ العناوين ليست مردّدة بينهما بل هي من قبيل القيديّة إذا عرفت ذلك فإسقاط ما احتمله أو اعتقده من مرتبة الغبن لو كان موجبا لتقييد الإسقاط بتلك المرتبة نظير تقييد المبيع بالصّورة النوعيّة لكان لعدم سقوط الخيار عند تبيّن زيادة الغبن عما احتمله أو اعتقده وجه إلّا أنّه لا يمكن التّقييد في المقام لأنّ الخيار أمر واحد بسيط ليس ذا مراتب و لا يقبل التأكّد و في المقام لا يقبل التخصّص بسبب دون سبب كما في اجتماع خيار المجلس و الحيوان مثلا لأنّ التخصّص فرع اختلاف الأسباب و في المقام للخيار بسبب واحد لأنّ مائة دينار مرتبة واحدة من الغبن و ليس إسقاط الخيار كإسقاط الدين باعتقاد أنه عشرة

ص: 70

فتبيّن كونه مائة لأن دوران الدّين بين الأقلّ و الأكثر و اشتغال الذمّة بديون متفاوتة موجب لسقوط ما أسقطه دون الزّائد و هذا بخلاف مرتبة واحدة من الغبن فإنّ في هذه المعاملة الخاصّة ليس سبب الخيار إلّا هذه المرتبة الّتي هي إحدى مراتب الاختلاف و ليست مركّبة من مراتب طوليّة

و بالجملة إذا لم يكن سبب الخيار إلّا أمرا واحدا و لم يكن نفس المسبّب إلّا أمرا بسيطا فليس اعتقاد مرتبة إلّا من قبيل الدّاعي بحيث لو قيّد الإسقاط بهذه المرتبة لبطل من جهة التّعليق في المنشإ فبدون إرجاعه إلى تقييد المنشإ لا وجه لبطلانه و مقتضاه سقوط الخيار هذا كلّه فيما لو أسقطه بلا عوض

و أمّا إسقاطه بالعوض أي المصالحة عنه بالعوض فحكم الصّور الثلاث الأول حكم الإسقاط بلا عوض و أمّا الصّورتين الأخيرتين و هما ما لو صالح عنه بزعم أنّه عشرة فتبيّن كونه مائة و ما لو أسقطا الغبن بالغا ما بلغ مع اعتقاده بأنّه خمسون فتبيّن كونه مائة فالمحتملات ثلاثة صحّة الصّلح مع الخيار للغبن في المصالحة و الفساد و الصّحة بلا خيار و قد ذكر المصنف وجه الجميع في المتن و لكنّه لا يخفى أنّه لو صالح خيار الغبن بالغا ما بلغ يكون الصّلح مبنيا على المحاباة فلا يجري فيه خيار الغبن

قوله قدّس سرّه و أمّا إسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن إلى آخره

لو قلنا بأنّ ظهور الغبن كاشف عقليّ فلا إشكال في سقوطه على جميع المدارك و أمّا لو قلنا بأنّه شرط شرعيّ فبناء على كون المدرك النّص الوارد في تلقّي الركبان أو الإجماع فتارة يسقطه على تقدير ظهور الغبن و معلّقا فيكون من التّعليق في المنشإ إلّا أنّه لا إشكال فيه لما ظهر في محلّه من أنّ الشرط لو كان لفرض وجود الموضوع يخرج عن التّعليق و التّقييد و أخرى يسقطه فعلا و منجزا فيكون من إسقاط ما لم يجب و الجواب عنه بأن مع تحقّق المقتضي يخرج من إسقاط ما لم يجب غير صحيح كما بيّناه في خيار المجلس و محصّله أن بطلان إسقاط ما لم يجب حكم عقليّ غير قابل للتّخصيص لأنّه من مصاديق وهب الأمير ما لا يملك و بمجرّد حصول المقتضي مع عدم تحقّق الجزء الآخر لعلّه لا يمكن ترتّب المقتضى بالفتح عليه و لا يقاس إسقاطه بعد العقد على إسقاطه في متن العقد فإنّه يرجع إلى الدّفع لا الرّفع لأنّ العقد يقتضي الخيار لو خلي و طبعه أي إطلاق العقد يقتضي التّساوي و السّلامة عن العيوب أمّا لو التزم بعدم التّساوي و بالبراءة عن العيوب فلا مقتضى للخيار أصلا

و أمّا مسألة إبراء المالك الودعي المفرط عن الضّمان فلا ربط له بالمقام لأنّ الإبراء قبل التّفريط يرجع إلى إذن المالك الودعي في وضع المال في غير المخزن فيرجع إلى الإذن في التّفريط لا إلى إسقاط الضّمان بعد التفريط و إلّا لا يسقط كما في المقام و أمّا إسقاطه بعد التفريط كما هو ظاهر العبارة فليس إسقاطا لما لم يجب لأنّ المال بمجرد التّفريط يدخل في ضمان المفرط و اعتبار التّلف إنّما هو لاعتبار قيمة المال يوم التّلف لا لتحقّق الضّمان في ذلك الزمان فتأمّل كما أنّ البراءة عن العيوب لو تحقّقت في متن العقد فترجع إلى الدّفع و لو تحققت بعد العقد قبل ظهور العيب مع كون ظهوره شرطا للخيار فالكلام الكلام

و بالجملة مجرّد تحقّق المقتضي للخيار لا يخرج إسقاط الخيار عن إسقاط ما لم يجب لو كان مدركه النصّ و الإجماع

نعم لو كان مدركه تخلّف الشّرط أو قاعدة الضّرر يمكن إسقاطه و لو كان الخيار متوقّفا على العلم بالغبن لما عرفت في خيار الشّرط من أنّه لو شرط الخيار بعد سنة بحيث كان مبدؤه رأس السّنة فهو قبل تمام السّنة و إن لم يكن ذا خيار

ص: 71

إلّا أنّه مالك للشرط فله إسقاط شرطه و يذهب به موضوع الخيار ففي المقام أيضا له الالتزام بغير المساوي أو الإقدام به

نعم في متن العقد حكم إسقاطه حكم إسقاط خيار المجلس من أنّ إسقاط الحق في محلّ ثبوته ليس من إسقاط ما لم يجب فيكون الإسقاط راجعا إلى دفع الحقّ لأنّه قد رضي بعدم التّساوي و الضّرر

و بالجملة العقود اللّفظيّة متضمّنة للالتزام العقدي و لا شبهة أن محلّ الالتزام نفس العقد فلكلّ من المتعاقدين أن يلتزم بمدلول العقد و يذهب موضوع الخيار فلا فرق بناء على هذا بين إسقاط الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن و إسقاطه في متن العقد لأنّ في الأوّل من قبيل إسقاط الشرط و في الثاني من التزام العاقد بما أنشأه و لا شبهة أنّه لصاحب الالتزام أن يتصرّف فعلا فيما هو تحت سلطانه

[الثاني من المسقطات اشتراط سقوط الخيار في متن العقد]

قوله قدّس سرّه نعم هنا وجه آخر للمنع يختصّ بهذا الخيار و خيار الرّؤية إلى آخره

محصّل الإشكال أنّ إسقاط الخيار في متن العقد يوجب الغرر أمّا في خيار الرّؤية فلأنّ بيع العين الغائبة لا يصحّ إلّا بذكر الأوصاف الّتي بها تختلف ماليّة المال و مرجع إسقاط الخيار إلى اشتراء المال بأيّ وصف كان و هذا غرريّ لأنّ الأوصاف لها دخل في الماليّة فمقدار الماليّة من هذا المبيع غير معلوم و أمّا في خيار الغبن فكذلك فإن اعتبار ذكر أوصاف المبيع ليس إلّا لأجل العلم بمقدار ماليّته فإذا كان الجهل بالمبيع أو بالصّفة راجعا إلى الجهل بالماليّة فإسقاط خيار الغبن أيضا يرجع إلى الجهل بمقدار ماليّة المال فيلزم الغرر و فيه أوّلا النّقض بالمعاملة المحاباتية فإنّها تصحّ بلا شبهة و لا فرق فيها بين العلم بمقدار الماليّة و المعاملة بالنقص منها أو أزيد و بين الشكّ فيه

و بالجملة لا إشكال في أنّه يصحّ أن يبيع ما لم يعلم قيمته السوقيّة بمقدار معيّن من المال و ثانيا بالحلّ و هو أنّ المعاملة مع الجهل بالقيمة السّوقيّة ليست غرريّة فإن الغرر يرجع إلى الجهل بالعوضين أو إلى الجهل بصفاتهما الرّاجعة إلى التفاوت في الماليّة للفرق بين عدم العلم بأنّ المبيع حنطة أو شعير أو أنّ الحنطة متّصفة بكذا أو كذا و بين عدم العلم بأنّ الحنطة الكذائيّة بأيّ مقدار تشتري في السّوق ففي الأولين ماليّة المال مشكوكة و في الأخير ماليّته معلومة عند المتبايعين و مشكوكة في أنّ غيرهما يشتريه بهذا المقدار أو أزيد أو أنقص

و بالجملة حكم الغبن حكم العيب و لا شبهة في صحّة البراءة من العيوب و منشأ ذلك أنّ أصالة السّلامة أو اشتراط التّساوي في الماليّة ليس مصحّحا للبيع حتى بإسقاطهما يفسد بل هما من الشّروط الضّمنية الّتي يوجب تخلّفهما الخيار فإذا بنى العاقد على الشراء و لو كان معيبا أو و لو لم يسو بما اشتراه فيسقط شرطه و هذا بخلاف الأوصاف الّتي بها تختلف القيمة في العين الغائبة فإن اعتبارها مصحّح للبيع فلا يمكن إسقاطها فإنّه يناقض اعتبارها فلا يصحّ قياس إسقاط خيار الغبن على خيار الرّؤية بل الصواب فيه أن يقاس على خيار العيب فكما أن وصف الصحّة ليس من الأمور الّتي بسبب اعتبارها يصحّ العقد و يخرج البيع عن الغرر لأنّ البيع ليس غرريّا كان الأصل في الأشياء هو السّلامة أو العيب فكذلك البيع بمقدار معيّن من الثّمن ليس غرريا كان بناء المتعاقدين على اشتراط تساوي العوضين في الماليّة أولا

[الثّالث تصرّف المغبون]

قوله قدّس سرّه الثّالث تصرّف المغبون إلى آخره

قد ذكرنا في خيار الحيوان وجه كون تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة بما لا مزيد عليه فراجع و ظهر ممّا قدّمناه أنّ التّصرّف المالكيّ مسقط للخيار مع العلم بموضوع الخيار فلو اشتبه عليه الحيوان الّذي اشتراه و تصرّف

ص: 72

فيه يتخيّل غيره فهذا التصرّف ليس مسقطا ففي المقام لو لم يعلم بالغبن فالتصرّف الواقع منه ليس التزاما بالنّاقص مقابل الزّائد و هذا واضح

قوله قدّس سرّه فتأمّل

لا يخفى أنّ ما يتخيّل كونه منشأ للأمر بالتّأمل أحد الوجوه الثّلاثة الأول المناقشة في الفرق بين الدّفع و الرّفع فيما كان الدّليل الدّال على حكم المستصحب إجماعا أي لا فرق بين أن يكون الشّك في الدّفع أو الرفع فلا يجري الاستصحاب مطلقا لأنّ الحكم ثبت بالإجماع لا بالدّليل حتى يستصحب في مورد الشكّ و لكن لا يمكن أن يكون ذلك وجه نظر المصنف قدّس سرّه لما أوضحه في الأصول من أنّ الاستصحاب يجري في مورد الشكّ في الرافع و لو كان الدليل المثبت للحكم إجماعا و إنّما يناقش في خصوص دليل العقل

الثّاني كون الشكّ في المقتضي لا الرّافع و تقريبه أن مقدار استعداد بقاء المستصحب مع التصرّف غير معلوم و لكنّه أيضا كالسّابق ليس منشأ للأمر بالتأمّل لأنّ المدار في الشكّ في المقتضي على أن لا يعلم مقدار بقاء المستصحب من حيث الزّمان لا بقاؤه من حيث الزّمانيّ و بالنّسبة إلى كلّ طار و عارض و إلّا يرجع جميع أقسام الشكّ في رافعيّة الموجود إلى الشكّ في المقتضي مثلا لو شكّ في استعداد بقاء الطّهارة مع الوذي و المذي فلو لم يجر استصحاب الطّهارة لكونه شكا في المقتضي فلا مورد لأغلب الاستصحاب كما لا يخفى

و الثّالث و هو المتعيّن أن يكون الشكّ شكا في الموضوع لأنّ موضوع من له الخيار ليس ذات المغبون حتى يستصحب حكمه و هكذا ليس الموضوع الّذي تعلّق به الخيار العقد الغبني بل يحتمل أن يكون لوصف عدم الرّضا و لو نوعا دخل في الموضوع فمن تصرّف تصرّفا يكشف عن رضاه ليس له الخيار كاحتمال دخل عدم التصرّف في الموضوع الّذي تعلّق به الخيار

[الرّابع من المسقطات تصرّف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن]
اشارة

قوله قدّس سرّه الرّابع من المسقطات تصرّف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن إلى آخره

لا يخفى أنّه لا وجه لسقوط خيار المشتري المغبون قبل العلم بالغبن إلّا إذا ثبت إجماعا تعبّديا فيكون كخيار العيب الّذي ثبت بالنّص سقوط الردّ به لو تصرّف في العين و لو قبل العلم بالغيب تصرّفا مغيرا للعين كما سيجي ء في محلّه و ما ذكروه وجها للسقوط ضعيف كما اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدّس سرّه و لا إجماع في المسألة و القاعدة تقتضي عدم سقوط الخيار إذا كان منشؤه الضّرر أو تخلّف الشّرط إلّا في مورد الإقدام على الضّرر أو إسقاط الشّرط و المفروض أنّ مع الجهل بالغبن لا يتحقّق الإقدام أو الإسقاط إلّا معلقا أو إسقاطه في متن العقد فمجرّد التصرّف ليس مسقطا سواء كان تصرّفا ناقلا كالبيع و نحوه أو كان فكا للملك كالوقف و العتق أو رهنا و إجارة و استيلادا أو تلفا حقيقيا أو نقلا جاز للنّاقل الرّد كالهبة و البيع الخياري

نعم لو ثبت كون التصرّف من المغبون مطلقا أو من خصوص المشتري المغبون مسقطا إجماعا يجب أن يفصل بين التصرّفات ففي مورد التّلف الحقيقيّ أو الحكمي كالعتق و الوقف ينبغي القول بسقوط الخيار و أمّا في مورد النّقل فيمتنع الفسخ ما دام العين المغبون فيها خارجة عن ملك المغبون و لو كان النّقل جائزا لأن الفسخ يقتضي ردّ العين من ملك الفاسخ إلى ملك المفسوخ عليه و ردّ بدلها من ملك المفسوخ عليه إلى ملك الفاسخ و العين إذا لم تكن ملكا للفاسخ يمتنع الردّ

نعم له ردّ العين إلى ملكه إلّا أنّه ما لم يردها يمتنع ردّها إلى ملك المفسوخ عليه و أمّا في مورد التّدبير و الوصيّة فلا إشكال في إمكان الفسخ لأنّ نفس الفسخ إبطال لهما و في مورد الإجارة أيضا كذلك لأنّ كون العين تحت يد المستأجر لا يمنع عن ردّ رقبة الملك إلى الغابن و الفسخ

ص: 73

لا يقتضي إلّا ردّ الملك و أمّا في مورد الرّهن و الاستيلاد فيمتنع الرّد أمّا الرّهن فلأنّ حقّ الرهانة يقتضي بقاء العين المرهونة في ملك الرّاهن ليستوفي المرتهن حقّه منها فكون الرقبة ملكا للرّاهن لا يفيد لصحّة الرّد لامتناع إخراج الرّهن ما دام رهنا عن ملك الرّاهن و ليس حقّ الرهانة كحقّ الجناية يتبع رقبة العبد أينما كان و أمّا الاستيلاد فكذلك أيضا لأنّه لو انعقد الولد في ملك المستولد بلا تعلّق حقّ أحد على الأمة يمتنع إخراجها عن الملك ما دام الولد حيّا

قوله قدّس سرّه و ربما يبنيان على أنّ الزائل العائد كالّذي لم يزل أو كالّذي لم يعد إلى آخره

قد يورد على المصنف قدّس سرّه بأنّه لا وجه لذكر هذه العبارة المنقولة من الشّافعيّة إلّا حسنها و لكنّه لا يخفى أنّ وجه إمكان الرّد و عدمه بعد عود الملك إلى ملك المغبون و ارتفاع المانع ليس إلّا هذين المبنيين فلو قيل بأنّ الزائل العائد كالّذي لم يزل فله الرّد و لو قيل بأنّه كالّذي لم يعد فلا و الحقّ هو التّفصيل بين موارد العود

فلو عاد إلى ملك المغبون على الوجه الّذي كان ملكه قبل التصرّف بحيث كان قوام ملكه بعد العود هو قوامه قبل التصرف فالزّائل العائد كأنّه لم يزل فلو باع بالبيع الخياري أو وهبه ثم فسخ البيع أو رجع عن الهبة فالفسخ و إن كان حل العقد من حينه لا من حين العقد إلّا أنّ سبب الملك للمغبون بعد الفسخ أو الرّجوع عن الهبة هو السّبب الّذي كان قبل تصرّفه و هو اشتراؤه من الغابن فإذا رجع العين إلى حالها قبل التصرّف فلا مانع من ردّها إلى الغابن و يلحق بالفسخ الإقالة و فكّ الرهن و موت ولد أمّ الولد و كلّ ما رجع الملك إلى سببه الّذي كان بين الغابن و المغبون

و أمّا لو عاد إلى ملكه على غير ما كان له قبل التّصرف كما لو رجع إليه بالاشتراء أو بالإرث و نحو ذلك بحيث كان سببه بعد العود غير سببه قبل التصرّف فالزّائل العائد كالّذي لم يعد لأنّ هذه الملكيّة الحاصلة له فعلا غير الملكيّة الحاصلة له قبل التصرّف فإن سبب ملكه قبل التصرّف هو اشتراؤه من الغابن و سبب ملكه فعلا هو الإرث و الاشتراء من غير الغابن فيتخلف السّببان فيمتنع الفسخ لأنّه عبارة عن ردّ كلّ مال إلى مالكه الأصلي على نحو خرج عن ملكه و العين بعد رجوعها إلى ملك المغبون بسبب جديد لا يمكن ردّها إلى ملك الغابن على نحو خرج عن ملكه و دخل في ملك المغبون

و بعبارة أخرى الفسخ يتعلّق بردّ الملك أي مبطل لسببه فالسّبب لو كان موجودا أمكن إبطاله و أمّا لو انعدم و تبدّل بسبب آخر فلا معنى لإبطاله

[و أمّا تصرف الغابن]
اشارة

قوله قدّس سرّه هذا كلّه في تصرّف المغبون و أمّا تصرف الغابن فالظّاهر أنّه لا وجه لسقوط خيار المغبون به إلى آخره

هذه المسألة من صغريات تصرّف من عليه الخيار و الظّاهر أنّه لا يسقط بتصرفه خيار من له الخيار سواء تصرّف بالنّقل اللّازم أو ما بحكمه من الإتلاف و الهبة لذي الرّحم أم بالنّقل الجائز أم بالتّغيير أو المزج و الخلط لأنّه لا موجب لسقوط الخيار و لو قلنا بنفوذ تصرّف من عليه الخيار لعدم الملازمة بين نفوذ تصرّفه و سقوط حق ذي الخيار و هذه المسألة و إن كان محل تنقيحها في أحكام الخيار إلّا أنّه لا بأس بالتعرّض لها إجمالا تبعا لما أفاده شيخنا الأستاذ مد ظلّه و توضيحا للفروع الآتية في المتن

فنقول في نفوذ تصرّف من عليه الخيار مطلقا أو عدم نفوذ تصرّفه مطلقا أو التّفصيل بين الموارد أقوال و الظّاهر أن محلّ الخلاف في غير العين الّتي اشترط ردّها بردّ الثمن فإنّ المشتري ليس له التّصرفات الناقلة فيها إلّا أن يكون النّظر بماليّتها و كيف كان فلو فسخ ذو الخيار و وجد العين خارجة عن ملك من عليه الخيار فلو قيل بعدم جواز تصرّف من عليه الخيار وضعا و تكليفا فخروجها كالعدم لأنّ

ص: 74

تصرّفه باطل رأسا

و أمّا لو قيل بجواز تصرّفه تكليفا فهل ينفذ منه مطلقا أو في خصوص العتق فلذي الخيار المثل أو القيمة أو يبطل من أصله أو من حين الفسخ وجوه بل أقوال منشؤها الاختلاف في متعلّق حق الخيار فقيل بأنّه العين و قيل بأنّه العقد بما هو عقد و قيل بأنّه العقد طريقا لاسترجاع العين فعلى الأوّل و الثّالث لا ينفذ تصرّفه لأنّ العين إذا كانت متعلّقة لحق الغير لا ينفذ تصرف مالكها فيها كما في العين المرهونة و استشهد لهذا القول بما اختاره الفقهاء من أنّ التصرّف النّاقل إذا وقع بإذن ذي الخيار سقط خياره فلو لم يكن حقّه متعلّقا بالعين لم يكن إذنه موجبا لسقوط حقّه و كان له فسخ العقد

و أورد عليه المصنف بأنّ سقوط الخيار بالإذن في التصرّف إنّما هو لدلالة الإذن عرفا على السّقوط لا التعلّق الخيار بالعين و فيه أنّه لو كان منشأ السّقوط دلالة الإذن عليه عرفا لكان اللّازم سقوطه مطلقا سواء تصرّف من عليه الخيار أم لم يتصرّف مع أنّ الأقوى أنّ السّقوط إنّما هو بالتصرّف المأذون فيه لا بمجرّد الإذن كما هو الشّأن في بيع الرّاهن بإذن المرتهن فإنّه لا يسقط حقّ المرتهن أيضا بنفس الإذن

هذا مع أنّ دلالة الإذن على الإسقاط ممنوعة لأنه قد أذن لمن عليه الخيار في التصرّف في ماله الّذي يقتضيه طبع المعاملة فلا يدلّ على الإجازة و لذا يفصل في العرض على البيع بين عرض المنتقل عنه و المنتقل إليه فإنّه بالنّسبة إلى المنتقل عنه فسخ و ليس إجازة بالنّسبة إلى المنتقل إليه

و بالجملة لا وجه لسقوط حقّه بمجرّد إذنه لمن عليه الخيار في التصرّف في ماله و لا ينافي ذلك كون إذنه للأجنبي في بيع المنتقل عنه فسخا و ذلك لاختلاف المقامين في دلالة الإذن على الإجازة أو الفسخ عرفا كاختلاف العرض على البيع بالنّسبة إليهما

نعم الملازمة بين الفسخ و الإجازة إنّما تكون في التصرّف الناقل من نفس ذي الخيار فكل مورد كان تصرفه في المنتقل إليه إجازة يكون تصرّفه في المنتقل عنه فسخا فالصّواب في الجواب أن يقال إنّه يمكن القول بسقوط الخيار بالتصرّف المأذون فيه و إن لم يكن الحق متعلّقا بالعين لأنّه بالإذن يرفع موضوع الخيار فإنّ إعماله لا يمكن إلّا إذا أمكن الفسخ و الإمضاء كلاهما و بعد إذنه في التصرّف لو تصرّف المأذون لا يمكن أن يكون ضمان العين في عهدته فإذا امتنع الضّمان امتنع الفسخ فامتنع الخيار

ثم إنّ هذا بناء على سقوط الخيار بالتصرّف المأذون فيه لا بنفس الإذن و أمّا بناء على صحّة ما نسبه شارح الميسية إلى المشهور من سقوط الخيار سواء تصرّف المأذون أم لم يتصرّف فيصحّ الاستشهاد به لتعلّق حق الخيار بالعين لأنّه لو لم يكن حقّه متعلّقا بها لكان إذنه كإذن الأجنبي

هذا بناء على الوجه الأوّل و الثّالث و أمّا لو قيل بتعلّق حقّ الخيار بالعقد بما هو هو فقد يقال بنفوذ تصرّفه مطلقا و قد يفصل بين الإتلاف و الإخراج عن الملك و على أيّ حال لا ينافي ذلك إعمال الخيار فلو فسخ يتعلّق حقّه بالبدل مطلقا أو في مورد الإتلاف و أمّا في التصرّف النّاقل فيرجع المال عن ملك من انتقل إليه إلى ملك المتصرّف و عن ملكه إلى ملك الفاسخ أمّا من حين الفسخ أو من أصله

ثم إنّه استشهد المصنف لنفوذ تصرّفه مطلقا و كون الخيار متعلّقا بالعقد بمقدمتين الأولى أنّه لو كان الخيار متعلّقا بالعين لزم سقوطه بتلفها الثّانية أنّ الفقهاء اتّفقوا بأنّ تلف العين لا يوجب سقوط حق من له الخيار فتنتج هاتان المقدّمتان اللّتان إحداهما بمنزلة الصّغرى و الأخرى بمنزلة الكبرى نفوذ تصرّفات من عليه

ص: 75

الخيار مطلقا و أن الخيار متعلّق بالعقد لا بالعين

و فيه منع المقدّمة الأولى فإنّ سقوط الحقّ بتلف متعلّقه إنّما يصحّ لو لم يكن المتعلّق في عهدة من تلف عنده و العين في المعاملات مضمونة إمّا بالمسمّى أو بالمثل أو القيمة و كيف كان فوجه تعلّق حقّه بالبدل لو نفذ تصرّف من عليه الخيار هو أنّه لو جاز التصرّف فلا موجب لإهمال ما يقتضيه من ترتيب آثار الملك على ملك المشتري الثّاني فلو فسخ ذو الخيار يتعلّق حقّه بالبدل جمعا بين الدّليلين

و أمّا وجه انفساخ المعاملة الثّانية بفسخ المعاملة الأولى فهو لحديث الفرعيّة و حاصله أنّ جواز التصرّف و الانتقال إلى المشتري الثّاني نشئا من كون المال ملكا للمشتري الأوّل فإذا أزال المنشأ بفسخ ذي الخيار ينفسخ العقد الثاني إمّا من حين الفسخ كما هو مقتضى تأثير الفسخ في غير المقام أو من أصله كما هو مقتضى الفرعيّة فإنّ العقد الثاني لو كان متفرّعا على الأوّل فإذا بطل الأوّل يبطل الثّاني من أصله و يصير كأن لم يوجد هذا مع أنّ مقتضى الفسخ تلقي كلّ من المتعاقدين الملك من الآخر فلا بدّ من انفساخ العقد الثّاني من أصله حتّى يتلقى الفاسخ الملك من المفسوخ عليه لا من المشتري الثّاني

إذا عرفت مدرك الأقوال إجمالا فلا بأس للإشارة إلى ما هو المختار فنقول الأقوى هو تعلّق حق الخيار بالعقد طريقيّا فإن المقصود من جعل الخيار لذي الخيار هو تمكّنه من استرجاع العين و ردها إلى حالها قبل العقد

و يؤيد ذلك تفصيل المشهور في إرث الزّوجة الخيار الّذي يستحقّه الزّوج الميّت المتعلّق بالأرض بين ما كانت الأرض منتقلة عن الزّوج فلا ترث و ما كانت منتقلة إليه فترث لأنّ في الانتقال عنه لا يفيد للزّوجة حقّ الخيار لأنّها لا ترث من العقار و في الانتقال إليه ترث الثمن لو فسخت العقد و لو لم يكن العين متعلّقة لحقّ الخيار بل كان الخيار مجرّد السّلطنة على حلّ العقد من دون نظر إلى العين لما كان وجه للتّفصيل كما لا يخفى

و يؤيّده أيضا عدم إرث وارث الأجنبي الخيار المجعول له فإنّه لو كان الخيار مجرّد السّلطنة على العقد و لم يكن ماليّة من باب استرجاع العين بل كان هو شيئا في حيال ذاته لكان اللّازم إرث الوارث له لأنّه ممّا تركه الميّت و هذا بخلاف ما إذا كان ماليّة الخيار باسترجاع العين فحيث إنّ الوارث ليس له حظّ من العين و نفس حلّ العقد ليس له ماليّة فلا يرثه الوارث

و يؤيّده أيضا عدم صحّة نقل الخيار إلى غير من عليه الخيار فإنّه لو لم يكن للخيار مساس بالعين لما كان وجه لعدم الانتقال إلى الأجنبي فعدم الانتقال إليه يكشف عن تعلّق الخيار بالعين اللّٰهمّ إلّا أن يقال إن جميع هذه المؤيّدات لا تقاوم ما تقدم في بيان حقيقة الخيار من كونه راجعا إلى ملك الالتزام و حلّ التّبديل و التعهّد فإنّه تقتضي كونه راجعا إلى العقد من دون مساس له بالعين

هذا مضافا إلى أنّ نفس حقيقته لا تختلف ببقاء العين و تلفها و في كلتا الصّورتين يعمل الخيار و يفسخ التعهّد بعناية واحدة لا أنّ مع بقائها يرجع إلى ردّ شخصها و مع تلفها يرجع إلى ماليّتها فإذا كان إعمال الخيار على وجه واحد في المقامين فلا بدّ من أن يكون متعلّقا بنفس العقد و الاختلاف ناشئا من اختلاف الموارد لأنّ إبطال التبديل بين المالين مع بقاء العين يقتضي قهرا ردّ العين و مع تلفها حيث إنّها في ضمان الطّرف يرجع المثل أو القيمة

و على هذا فالحقّ ما اختاره المصنف قدّس سرّه و صحيحة ابن سنان حتّى يصير للمشتري غير ناظرة إلى تعلّق الخيار بالعين أصلا

ص: 76

فإنّها في مقام بيان أنّ تلف العين في ضمان من ليس له الخيار و في عهدته إلّا إذا انقضى الخيار و يصير الحيوان ملكا مستقرّا للمشتري بحيث لا يقدر أن يخرجه عن ملكه إلّا بمعاملة جديدة

و بعبارة واضحة الفسخ ليس تملّكا جديدا حتّى يتقوّم بالعين و يمنع كونه ملكا لذي الخيار عن تصرّفات من عليه الخيار بل ردّ للتّبديل السّابق و حلّ للتّعقيد و التعهّد و رجوع العين أو بدلها إلى حالها السّابق من لوازم ردّ التّبديل لا من جهة تعلّق الحقّ بها

ثم إنّه لو جاز تصرّف من عليه الخيار فلا وجه لبطلان المعاملات الصّادرة منه لا من أصلها و لا من حين الفسخ و حديث الفرعيّة لا محصّل له كما لا يخفى و أمّا لو لم يجز لتعلّق الخيار بالعين فهل يبطل المعاملات رأسا بمعنى أنّ من شرائط صحّة البيع مثلا كون الملك غير متعلّق للخيار كما أنّ من شرائطه عدم الفرد أو أنّ معنى عدم جواز تصرّفاته أنّ لزوم العقد يتوقّف على عدم تعلّق الحقّ بالعين و الحقّ هو الثّاني إلّا على القول ببطلان الفضولي فيما لو كان العين متعلّقا لحقّ الغير كبيع الرّاهن و حيث إنّ المختار صحّته مع إجازة ذي الحقّ فيصحّ في المقام مع إجازة من له الخيار

ثمّ إنّ تعلّق حقّه بالعين هل هو من قبيل تعلّق حقّ الجناية بالعبد الجاني و تعلّق حق الشّفعة بالدار المشتركة أو من قبيل حقّ الرهانة وجهان و الحقّ هو الثّاني لأنّه لا يمكن أن يتعلّق الحقّ في المقام بملك الثّالث و على هذا فالتصرّفات المتلفة لا تجوز أصلا و أمّا التصرفات النّاقلة فمراعى بإجازة ذي الخيار و انقضاء مدّة الخيار و يجري نزاع الكشف و النّقل في الإجازة كما يجري نزاع الفسخ من الحين أو من الأصل في الفسخ بالنّسبة إلى العقد الأوّل

و أمّا بالنّسبة إلى العقد الثّاني فيفسخ العقد الأوّل يبطل الثاني من رأسه لأنّه كبيع الرّاهن مع فسخ المرتهن نعم ليس لذي الخيار إبطال العقد الثاني من دون فسخ العقد الأوّل لأن حقّه لم يتعلّق إلّا بالعين و ليس له السّلطنة على عقد المالك و قد أشرنا إليه في باب الفضولي و أمّا وطي الأمة فلو كانت الطّلقيّة من شرائط صيرورة الأمة أمّ الولد شرعا فالاستيلاد غير مانع عن تعلّق حقّ الخيار بالعين فلا مانع من الوطي

و أمّا لو لم تكن الطلقيّة شرطا فلا يجوز لأنّه موجب لإتلاف حقّ ذي الخيار و لكنّه لو استولدها و لو معصية تصير الموطوءة أمّ الولد فيمتنع ردّها بالفسخ و إن كان الخيار مقدّما لأنّ تقدّم الحقّ إنّما يؤثر لو كان الحقّان في رتبة واحدة و أمّا لو كان أحدهما معدما لموضوع الآخر فلا يلاحظ التقدّم و إذا كان رجوع العين مشروطا بإمكانه عقلا أو شرعا يؤثّر الاستيلاد لأنّه مانع شرعيّ

ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر مدرك الوجوه الّتي ذكرها المصنف من تسلّط المغبون على إبطال تصرفات الغابن من حين الفسخ أو من الأصل و من عدم تسلّطه و ظهر أيضا أنّ بطلان التصرّف من حين الفسخ أو من الأصل يمكن على كلا القولين من عدم تعلّق حقّ الخيار بالعين و من تعلّقه بها فعلى القول بعدم التعلّق فمنشأ البطلان من حينه أو من أصله هو الفرعيّة و على القول بالتعلّق فمنشأ الاحتمالين كون التصرّف من قبيل تصرّف الراهن فبالفسخ يبطل من أصله أو كونه من قبيل تصرّف من عليه حقّ الشّفعة فيمكن للشّفيع إبطال العقد الثّاني أو الثّالث

ثم لا يخفى أنّ الحقّ بناء على جواز التصرّف هو عدم الفرق بين العقود الجائزة و اللّازمة و لا وجه لما ذكره في المسالك من كون الغابن ملزما بالفسخ فيما لو باع بخيار أو وهب بغير ذي الرّحم لما عرفت من أنّ حقيقة الفسخ تقتضي ردّ التبديل بمجرّد الفسخ و إذا انتقل

ص: 77

بدل العين حين الفسخ إلى ملك الفاسخ فلا موجب لإلزام المفسوخ عليه بالفسخ و ليس البدل في المقام كبدل الحيلولة فإن العين في بدل الحيلولة باقية على ملك مالكها و البدل غرامة فلصاحب العين إلزام الضّامن بتحصيل العين بخلاف المقام فإنّ حق المغبون بمجرّد الفسخ يتعلّق بالبدل

ثمّ بناء على القول بعدم وجوب الفسخ في العقد الجائز فلو اتّفق عود الملك إلى الغابن بالفسخ قبل فسخ المغبون فلا إشكال في أنّ فسخه يتعلّق بالعين و لو اتّفق عوده إليه بسبب جديد فالعائد كأنّه لم يعد

و أمّا لو اتّفق عوده بعد فسخ المغبون فلو عاد بسبب جديد فلا إشكال في أنّه لا يتعلّق حق المغبون به و أمّا لو اتّفق عوده بالفسخ فلا يبعد أن يقال بتعلّق حقّ المغبون به خلافا للمصنف لأنّ البدل في المقام و إن لم يكن من قبيل بدل الحيلولة إلّا أنّ منشأ تعلّق الحق به تعذّر العين فلو ارتفع التعذّر يرجع البدل و لذا لو فرض محالا عود العين التّالفة فلا إشكال في تعلّق حق المغبون بها فيكون المقام كما لو صار الخلّ عند الغاصب خمرا فأخذ المالك بدله ثمّ صار بعده خلا فإنّه يرتفع البدلية

و بعبارة أخرى إذا فسخ الغابن المعاملة الواقعة بينه و بين الثّالث و رجع العين إليه فلا بدّ أن لا تبقى في ملكه مع فسخ المغبون لأنّ المفروض أن منشأ ملكيته للعين كانت المبادلة بينه و بين المغبون فإذا ارتفعت المبادلة و لو قبل رجوعه إلى الثّالث ترجع العين إلى ملك المغبون و بدلها إليه حتى بناء على ما اختاره صاحب المقابس من أنّ التّلف و ما بحكمه يوجب المعاوضة القهريّة الشرعيّة لأنّه لا ينافي وقوع المعاوضة قهرا بالتّلف و بطلانها برجوع التّالف إلّا أن يكون للدّليل الدالّ على وقوع المعاوضة إطلاق بحيث يشمل بعد رجوع التالف إلى حاله السّابق و حيث إنّه لا دليل على ذلك من أصله فضلا عن إطلاقه فلا فرق بين الفسخ الغابن قبل فسخ المغبون أو بعده قبل أخذ البدل أو بعده

[و لو تصرّف الغابن تصرّفا مغيّرا للعين]

قوله قدّس سرّه و لو تصرّف الغابن تصرّفا مغيّرا للعين إلى آخره

لا يخفى عدم صحّة ما فصّله في النقيصة بين أن يكون النّقص موجبا للأرش و بين ما لا يوجبه فإنّه مضافا إلى عدم صحّته في نفسه يكون مخالفا لما اختاره في الأبواب الأخر من عدم الفرق بين الأوصاف

و بالجملة لو كان وصف الصّحة الّذي يوجب فقده الأرش في باب خيار العيب موجبا لكون الغابن ضامنا له لكان وصف الكمال أيضا كذلك و لو لم يكن فقد وصف الكمال موجبا للضّمان فلا يوجب فقد وصف الصّحة أيضا لأنّ التّفرقة بينهما إنّما يكون بأحد الوجهين الأوّل كون وصف الصّحة بمنزلة الجزء بأن يقع مقدار من الثمن بإزائه دون وصف الكمال و ذلك ممّا لا يلتزم به المصنف و لا يمكن الالتزام به لأنّ الأوصاف و إن كانت موجبة لزيادة ماليّة المال إلّا أنّها لا تقع بإزائها في عقد المعاوضة شي ء من العوض و ثبوت الأرش في مقابل وصف الصّحة إنّما هو بالتعبّد لا من جهة وقوع الثمن بإزائه و إلّا كان اللّازم ردّ بعض من خصوص الثّمن و الثّاني أن يكون زوال وصف الصّحة تحت اليد موجبا للضمان دون وصف الكمال فيقال بأنّ الضّمان المعاوضي و إن تبدّل بضمان اليد بعد القبض إلّا أن تبدّله به إنّما هو في خصوص العين و وصف الصّحة دون وصف الكمال و هذا أيضا ممّا لا يمكن التزام به لأنّه لا فرق بين الأوصاف في أنّها بأجمعها مضمونة على المفسوخ عليه كما تكون مضمونة على الغاصب لأنّ وجه الضّمان في البابين هو قاعدة اليد

و لا يمكن أن يقال بأنّه لا وجه لضمان المفسوخ عليه

ص: 78

النّقص الحاصل في ماله فإنّه لو تمّ ذلك اقتضى أن لا يكون ضامنا لوصف الصّحة بل العين أيضا لأنّ كلّا منهما ملكه و تلف تحت يده مع أنّه ضامن بلا إشكال بمعنى أنه يجب عليه ردّ المثل أو القيمة و استرداد ما دفعه إلى طرفه لو لم يكن التّلف في زمان خيار الطّرف و إلّا يجب عليه ردّ المثل أو القيمة من دون استرداد ماله أو بدله

و ممّا ذكرنا ظهر حكم الإجارة فإنّها نقص يجب على المفسوخ عليه تداركه و لا يمكن الفرق بين الفسخ و التّفاسخ و لم يبين المصنف وجه الفرق أصلا

ثمّ إنّ مما ذكرنا ظهر ما في حاشية السيد من قوله و لكنّ الظاهر أنّ الفقهاء لا يلتزمون بما ذكرناه فإن سقوط خيار التّفليس بنقصان وصف الصّحة و عدم سقوطه بنقصان سائر الأوصاف لو قيل بهما فليس ذلك للفرق بين الأوصاف بل لاعتبار قيام العين على ما كانت عليه حال البيع في ذلك الباب و مع تلف وصف الصّحة ليس العين قائمة بعينها دون وصف الكمال ففي تلف وصف الصّحة تكون العين كسائر أمواله ممّا يتعلّق بها حق الغرماء دون تلف وصف الكمال فإنّ البائع يأخذ نفس العين و قولهم في باب الفلس بأنّه لو ردّ البائع العين المعيبة ليس له الأرش للنقصان لا يستقيم و لذا ينتقل هو خلافه عن العلّامة و الشّهيد

و بالجملة معنى الضّمان في المعاوضات كالبيع مثلا هو أنّ البائع ضامن للمبيع قبل القبض أي عهدة المبيع عليه فإذا تلف ينفسخ البيع و يتعيّن المسمّى للعوضيّة أي يرجع نفس الثّمن إلى المشتري و بعد إقباضه ينتقل الضّمان أي عهدة المبيع إلى المشتري فإذا تلف و طرأ على العقد فسخ أو إقالة يجب عليه ردّ المثل أو القيمة و يسترد ثمنه من البائع لو كان موجودا أو مثله أو قيمته لو كان تالفا

فعلى هذا يكون كلّ من المتبايعين ضامنا لما انتقل عنه قبل القبض و ضامنا لما انتقل إليه بعد القبض و ضمانه بعده ضمان اليد فإذا كانت يده يد ضمان يجب عليه ردّ قيمة العين بجميع أوصافها الّتي تتفاوت بها ماليّة المال و لو كانت مثل وصف الكمال

و على هذا فلا فرق في النقص الحاصل في مال الفاسخ بين أن يكون من جهة إجارة الطّرف أو غيرها فإنّ إجارته و إن كانت صحيحة بناء على عدم تعلّق حق الخيار بالعين في غير المشروط بردّ مثل الثّمن إلّا أنّها توجب نقصان في المال فإنّ مناط ماليّة المال منافعه و المفروض أنّ ضمان النقص على المفسوخ عليه فيجب عليه تدارك النّقص بتقويم المال غير مسلوب المنفعة و تقويمه مسلوب المنفعة في مدة الإجارة و أخذ التفاوت

و بالجملة كون المنفعة تابعة للملك لا ينافي ضمان الموجب للنّقص الحاصل بالإجارة نعم لا وجه لأن يكون ضامنا لأجرة المثل لأنه قد تصرّف في ملكه من دون تعلّق حق به و أجرة المثل إنّما تصحّ في التصرّف في مال الغير بدون تعيين العوض كما أنّه لا يكون ضامنا لأجرة المسمّى و ذلك واضح فالفرق بين التّفاسخ و الفسخ لا يعقل و كون التّفاسخ من الأصل و الفسخ من الحين غير فارق بعد ما ظهر أنّ المناط في الضّمان كون يده يد ضمان هذا مضافا إلى أنّه لا وجه للفرق بين التّفاسخ و الفسخ فإن كلّا منهما من الحين و حكمهما حكم الإقالة و الانفساخ

[و إن كان التّغيير بالزيادة]

قوله قدّس سرّه و إن كان التّغيير بالزيادة إلى آخره

الزيادة قد تكون حكميّة محضة أي ليس لها ما بحذاء خارجي كقصارة الثّوب و قد تكون عينية محضة كالغرس و قد تكون من كلتا الجهتين كالصّبغ بالنّيل و خياطة الثّوب إذا كان الخيط من الخيّاط ثمّ إنّ الزّيادة قد تكون موجبة لزيادة قيمة العين و قد لا تكون

أمّا ما لا يوجب زيادة القيمة فالحقّ عدم ثبوت شي ء لمحدثها

ص: 79

لأنّه عمل لنفسه في ماله و لا يمكن أن يكون عمله لنفسه مضمونا على غيره و أمّا ما يوجب الزيادة في القيمة فإذا كانت حكميّة فتارة تكون هذه الزّيادة بفعل الغابن و أخرى بفعل من اللّٰه سبحانه و ما بفعل من اللّٰه سبحانه قد يكون عمل الغابن معدا له كتعليف الدابّة و سقيها الموجبين للسّمن و قد لا يكون فعلا من الغابن أصلا كما لو صار العبد كاملا بصنع اللّٰه تبارك و تعالى و معنى كون الزّيادة بفعل الغابن أن تكون الزيادة أثرا لفعله بحيث كان فعله علّة تامّة لحصول الزيادة كقصارة الثوب

ثم إنّ في المقام مصاديق مشتبهة في أنّ الأثر مترتّب على الفعل بلا واسطة أو مترتّب عليه مع الواسطة كتعلم العبد فإنّه قد يقال بأنّ التّعليم علة تامّة له و قد يقال بأنّه معد له كالعلف للدابّة فإنه معد للسّمن و كيف كان فلو كانت الزيادة بفعل من اللّٰه من دون مدخلية للغابن في حدوثها أصلا أو كان فعل الغابن معدّا لها فإذا فسخ المغبون فليس للغابن شي ء بإزائها لأنّها و إن حدثت في ملكه و كان هو مالكها قبل الفسخ إلّا أن منشأ ملكيّته لها هو التبعيّة للعين فإذا انتقلت العين عنه إلى المغبون تصير تابعة لملك المغبون

و أمّا لو كانت الزيادة بفعل من الغابن فيصير شريكا مع المغبون فإنّ كون الزيادة أثرا لفعله يوجب أن يملكها العامل و لا ينافي تبعيّة العمل للعين في الملكيّة ملكيّة الاستقلاليّة عند خروج العين عن ملكه فإنّ هذا العمل له جهتان جهة منسوبة إلى الفاعل من حيث صدوره عنه و جهة منسوبة إلى المحلّ من حيث وقوعه فيه و جهة الوقوع متأخر رتبة عن جهة الصّدور فيلاحظ في المقام ملكيته من حيث الصّدور فإذا ملكه مستقلا فانتقال العين عنه لا يوجب انتقال هذا الملك منه فلو لم ينتقل يصير شريكا مع المغبون في الماليّة لا في العين فيقوم الثوب مثلا مع القصارة و بدونها و يكون التّفاوت بين القيمتين ملكا للغابن

و من هذا البيان ظهر وجه فرق الأساطين في وجوب تسليم العين الّذي عمل فيها المؤجر عملا و عدم وجوبه بين الموارد فإنّ المورد الّذي له حبس العين هو ما كان العمل ملكا له مستقلا فكأنّ المؤجر يبدّل عمله بالأجرة فله حبس عمله حتّى يأخذ ثمنه و لما لم يمكن حبسه إلّا بحبس العين فلا يجب عليه تسليمها و المورد الّذي ليس له الحبس ما لم يكن عمله علّة تامّة لترتّب الأثر كسقي الدابّة و علفها فليس له الأجرة إلّا بعد تسليم العين لأنّ المؤجر لا يستحقّ الأجرة إلّا بعد العمل

و المفروض أنّ عمله ليس موجبا لأن يملك أثره لعدم كونه علّة لتحقّق الأثر فليس له إلّا أجرة العمل هذا كلّه في الزيادة الحكميّة و أمّا الزّيادة العينيّة المحضة كالغرس فتنقيح البحث فيه يتوقف على بيان أقسام الغرس إجمالا

فنقول إذا اختلف و تعدّد مالك الأرض و مالك الشّجر فتارة يكون تعدّدهما ابتدائيا و أخرى عارضيّا فالأوّل كما إذا غرس من استعار الأرض أو استأجرها إغارة أو إجارة مطلقة أو لخصوص الغرس أو غرس غاصب في أرض الغير أو غرس فيها الجاهل بفساد المغارسة المعمولة في بعض البلدان و هي أن يغرس في أرض الغير بأن يشتركا في الغرس و الأرض و الثّاني كمن باع الشّجر دون الأرض أو بالعكس أو باع الأرض من زيد و الشجر من عمرو أو باع الأرض من زيد فغرس زيد فيها ثم أخذ الأرض منه بالشّفعة و هذا على أقسام ستّة غير التعدّد بالبيع قسمين منها تعدّد المالك نشأ من جهة الحقّ الثّابت قبل الغرس كحقّ الخيار و حقّ الفسخ و أربعة منها نشأ الحقّ بعد الغرس كالتّفاسخ و الانفساخ و الإقالة و خيار التّفليس

أمّا إذا كان المالك متعدّدا ابتداء فالحقّ في جميع الصّور أنّ

ص: 80

لمالك الأرض قلع الشّجر من دون أرش عليه لصاحبه أمّا في مورد الغصب فلأنّه ليس لعرق ظالم حقّ و أمّا في البيع الفاسد فلأنّ الغارس و إن لم يقدم على تلف ماله إلّا أنّه مشترك مع الغاصب في عدم ثبوت حقّ الإبقاء له لأنّ مناط جواز القلع عدم ثبوت حقّ للغارس لا الإثم و الإقدام و منه يظهر جواز القلع في مورد العارية و الإجارة و لو للغرس فإنّ بعد انقضاء مدّة الإجارة أو بعد رجوع المعير لا حقّ للغارس في بقاء شجره في أرض الغير

و أمّا إذا طرأ التعدّد فلا شبهة أنّه لو تعدّد المالك بالبيع فليس لمالك الأرض القلع و لا الأجرة لأنّه ملكها مشغولة بالشجر و الشّجر مناط ماليّته وصف الشّجريّة فيستحق مالكه بقاؤه من دون حقّ عليه لمالك الأرض و من هذا القبيل إرث الزّوجة للمثبتات فإنّها تستحقّ قيمتها بما هي مثبتات و أمّا لو تعدّد بالفسخ أو بالشفعة أو بسائر الأسباب من الانفساخ أو التّفاسخ أو الإقالة أو خيار التّفليس فقد يقال في جميع هذه الأقسام السّتة بعدم جواز قلعه لمالك الأرض مطلقا

و قد يقال بجواز قلعه مع الأرش في جميع الصّور أو بجوازه بلا أرش و قد يفصل بين الفسخ و الشّفعة و بين سائر الأسباب فيجوز القلع فيهما لا في غيرهما و منشأ التّفصيل توهّم أنّ الملك في مورد الشّفعة و الخيار متزلزل و حقّ ذي الخيار و الشّريك متعلّق بالأرض قبل الغرس فيجوز لذي الحقّ قلع الشّجر إذا رجع إليه الأرض و لكن الحقّ أنّ الملكيّة في جميع الموارد غير متزلزل و جواز الرّجوع حكم شرعيّ فالأرض لا يتعلّق بها الحقّ في جميع الموارد

و منشأ جواز القلع مطلقا أنّ الفسخ أو الانفساخ و ما بحكمهما يقتضي رجوع العين على ما هو عليه قبل الغرس و الغرس لو كان موجبا لتلف وصف من الأوصاف حقيقة لكان ضمانه على من تلف الوصف عنده كما لو صارت العين معينة لا يمكن زوال عيبها و أمّا لو لم يوجب تلف الوصف حقيقة لإمكان قلعه فلا وجه لأن يكون باقيا حتّى يكون على الغارس أجرة المثل

و من هذا البيان ظهر وجه جواز القلع مع الأرش على القالع أمّا جوازه فلما تقدم و أمّا الأرش فللضّرر الوارد على مالك الشجر من دون إقدام منه عليه

و بعبارة أخرى غرسه عمل محترم فلا يمكن إزالته من دون أرش و منشأ عدم جواز القلع مطلقا أنّ الغرس وقع من أهله في محلّه فالغارس مالك للغرس بوصف الشّجريّة غاية الأمر أنّ غرسه موجب لتفويت منفعة الأرض على مالكها فله أرش نقص هذه المنفعة الفائتة

و بالجملة الغارس استوفى منفعة الأرض ما دام غرسه باقيا فيجب عليه بعد الفسخ أو الانفساخ تدارك ما استوفاه بأجرة المثل أو قيمة النقص و لا يبعد أن يكون هذا القول هو المشهور بين العلماء و لكنّه يرد عليه أنّ هذا التقريب دور واضح لأنّ استحقاق مالك الغرس للبقاء يتوقف على استيفائه منفعة الأرش حتّى يكون باستيفائه متلفا منفعة الأرض و كونه مستوفيا متوقف على عدم جواز قلع مالك الأرض و أمّا لو جاز فلم يستوف إلّا قبل زمان الفسخ أو الانفساخ و عدم جوازه يتوقف على استحقاق مالك الغرس للإبقاء

و بالجملة كما أنّ مالك الشجر مالك له بوصف الشّجرية فكذلك مالك الأرض مالك لجميع منافعها فتقديم حقّ أحدهما من دون مرجّح ممتنع إلّا أن يقال بالفرق بين الفسخ و ما بحكمه و بين الانفساخ و ما بحكمه و بين الانفساخ و ما بحكمه و هو أنّ الملك في الأوّل و إن كان تاما و الحق لم يتعلّق إلّا بالعقد إلّا أن كونه في معرض الزّوال يوجب الشكّ في بقاء احترامه بعد الفسخ فيجب أن يثبت الاحترام

ص: 81

للغرس بعد الفسخ حتى لا يمكن لمالك الأرض قلعه و إثبات احترامه بعده دوري و هذا بخلافه في الثّاني فلأنه ليس في معرض الزّوال أصلا إلّا إذا وقع التّفاسخ أو الإقالة على خلاف العادة فيبقى في ثبوت حقّ الغارس كون ملكه من حيث السّبب و المسبّب تامّا فغرسه محترم لأنّه وقع من أهله في محلّه فيكون كسائر تصرّفاته مثل إجارته و هبته فإذا كان حين الغرس محترما فيوجب أن يكون القلع ممتنعا شرعا فيصير كالتّلف الخارجي

نعم على الغارس أجرة المثل ما دام شجرة باقيا و عليه ضمان النّقص في الملكيّة أيضا لو كان الغرس موجبا له و لو مع ثبوت الأجرة فإنّها قد لا يتدارك بها النّقص الحاصل في المبيع فإنّ الأرض المستأجرة مدّة مديدة لا يرغب في شرائها و لو أعطى الأجرة للمشتري لأنّ نفس كون الأرض في يد المالك بحيث يتصرّف فيها ما يشاء ماليّة لا تتدارك بأجرة الأرض و عدم تعرّض الأساطين لأرش النقص و ذكر أجرة المثل وحدها إنّما هو لإيكال الأمر إلى محلّه و هو ضمان الصّفات الّتي بها تتفاوت الماليّة

و بالجملة و لو قلنا باستحقاق مالك الغرس للإبقاء إلّا أنّه مع ذلك يجب عليه أجرة المثل في ما بعد الانفساخ لأنّ عدم جواز القلع لمالك الأرض تكليفي لا ينافي ثبوت الأجرة له كما في جواز أكل مال النّاس في المخمصة فإنه لا ينافي الضّمان فالضّمان يجتمع مع حقّ البقاء

ثم إنّه قد ظهر أنّ وجه ثبوت حق البقاء له هو حرمة المال لا الضّرر الوارد عليه لأنّ الضّرر عليه معارض بضرر المالك و لا يقاس بالضّرر الوارد على الجار من جهة تصرف صاحب الدّار في أنّ ضرر صاحب الدّار لا يرتفع بقاعدة لا ضرر لأنّ الضّرر عليه نشأ من قاعدة لا ضرر في حق الجار فقصر السّلطنة النّاشئة عن لا ضرر إذا كان ضرريّا لا يرتفع بلا ضرر لأنّ الموضوع المتولّد من الحكم على موضوع لا يشمله هذا الحكم و هذا بخلاف المقام فإن كلّ واحد من ضرر مالك الأرض و ضرر صاحب الغرس في عرض واحد فلا يمكن أن يكون أحدهما مرفوعا بلا ضرر دون الآخر

ثمّ إنّه بناء على أن يكون جواز القلع دائرا مدار الضّرر فوجه فتوى المشهور بأنّ الزّرع ليس حكمه حكم الشّجر في جواز قلعه لمالك الأرض ظاهر لا لما قيل من أنّ للزّرع أمدا ينتظر فإنّ مجرّد ذلك لا يوجب الفرق بل لأنّ بقاء الزّرع إلى زمان الحصاد ليس ضررا على مالك الأرض فإنّ الأرض معدّة في طبعها للزّراعة و استيفاء منفعتها فإذا أمكن استيفاؤها بأخذ الأجرة من مالك الزّرع لم يتوجّه ضرر على مالك الأرض حتّى يتعارض الضّرران و هذا بخلاف بقاء الأرض مشغولة بالشجر مدّة مديدة فإنّه ضرر على مالكها و لو استوفى أجرة الأرض و لذا لو أعطى غاصب الدّار أجرتها أزيد ممّا يعطيه غيره لكان نفس عدم تسلّط المالك على داره ضررا عليه

و بالجملة فرق بين الزّرع و الغرس في ورود الضّرر على مالك الأرض نعم غرس شجر التوت لدود القز حكمه حكم الزّرع فالأولى التّفصيل بين موارد الغرس ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون وجه التّفصيل بين الغرس و الزّرع من أنّ للزّرع أمدا ينتظر راجعا إلى ما ذكرناه من الفرق بينهما في الضّرر و عدمه

[و لو كان التّغيير بالامتزاج]

قوله قدّس سرّه و لو كان التّغيير بالامتزاج إلى آخره

لا يخفى أنّ المزج قد يكون اتّفاقيا و قد يكون بفعل شخص فإذا كان اتّفاقيا فلا ضمان على من كان المال عنده و إن أوجب النقص لو لم تكن يده يد ضمان و أمّا إذا كانت يده يد الضّمان فحكمه المزج عمدا

و أمّا لو كان بفعل شخص فالنّقص عليه لو كانت يده يد الضّمان

ص: 82

كالغاصب و من بحكمه كما في مورد المعاملة الفاسدة أو المعاملة الصّحيحة بعد القبض لما تقدّم سابقا أنّ كلّ نقص حصل في يد من عليه الخيار و من بحكمه ممّن يكون ضامنا للمقبوض فضمانه على ذي اليد

ثم إنّ المزج إمّا أن يكون بغير الجنس أو بالجنس و الممزوج بغير الجنس قد يعد تالفا عرفا كمزج ماء الورد بالنّفط و حكمه هو الرّجوع إلى المثل أو القيمة و قد لا يكون تالفا و هو على أقسام لأنّه إمّا يوجب المزج انقلاب المالين إلى حقيقة أخرى أي به تتبدّل الصّورة النوعيّة للممتزجين إلى صورة أخرى كما في مزج أجزاء التّرياق الفاروق و مزج الخلّ بالأجنبيين على قول و إمّا لا يوجب الانقلاب و هو على قسمين قسم يرتفع الامتياز بينهما كمزج الخلّ بالدّبس و قسم لا يرتفع الامتياز إلّا أنّه يتعذّر أو يتعسّر الإفراز بينهما كمزج الحنطة بالشّعير

و حكم الصّورة الأولى هو الاشتراك في الماليّة كما هو مقتضى القاعدة في كلّ مال اختلط مع الآخر اختلاطا يرفع التّمييز لأنّ الخصوصية العينيّة الشخصيّة لكلّ من المالين إذا ارتفعت لا يمكن أن يتعلّق بهما حكم تكليفا كان أو وضعا فيتعلّق الوضع بأصل المالية فيشتركان في العين بحسب الماليّة أي يقوم الخلّ منفردا و الأنجبين منفردا و يؤخذ لكلّ من المالكين قيمة الممزوج بالنسبة من نفس العين فإذا كان قيمة منّ من الأنجبين دينارا و قيمة منّين من الخلّ دينارا أو اختلطا و صارت القيمة ثلاثة دنانير فليس الاشتراك هنا أولا في العين بأن يأخذ صاحب الأنجبين منّا من المخلوط و صاحب الخلّ منّين لأنّ بالخلط تصير قيمة الأنجبين ناقصة و قيمة الخلّ زائدة فلا بدّ من أن يشتركا في الماليّة بأن يأخذ صاحب الأنجبين منّا و نصفا و صاحب الخلّ أيضا كذلك لأنّ هذا نسبة قيمة مالهما إلى المجموع و لا يتوقّف التّقسيم و الإفراز هنا على البيع كما في قصارة الثّوب لأنّه لا يمكن فيها تقسيم الثوب

و أمّا حكم الصورة الثّانية و الثّالثة فسيجي ء و على أيّ حال المزج في الصّور الثّلاث لا يوجب سقوط حقّ الخيار و لا الرّجوع إلى المثل أو القيمة نعم لو كان الخيار متوقّفا على بقاء العين بعينها سقط من هذه الجهة كخيار التّفليس و العيب كما أنّه لو كان الجواز الحكمي أيضا متوقّفا على البقاء كما في الهبة لا يجوز الرّجوع عند الخلط

و أمّا لو امتزج بالجنس ففي صورة تساوي الجنسين لا شبهة في الاشتراك في المقدار إنّما الكلام في المزج بغير الجنس في الصّورتين الأخيرتين و المزج بالجنس في صورة الخلط بالأردإ و الأجود و تنقيح البحث في جميع صور الامتزاج يتوقّف على بيان أمرين الأوّل أنّ الامتزاج في المائعات يوجب الاشتراك بمقتضى القاعدة الأوّلية لما عرفت من أنّ التّالف لا يتعلّق به تكليف أو وضع سواء حصل التّلف قهرا أو بالاختيار عدوانا أو بحقّ و المفروض أنّ الامتزاج موجب لتلف الخصوصيّة الشّخصيّة من كلّ مال في جميع الصّور فكما لا يمكن أن يتعلّق تكليف بإفراز المالين فكذلك الوضع فمع تلف الشخصيّة لا يمكن أن يكون مالك المال قبل الامتزاج مالكا لشخص ماله بعد الامتزاج فيوجب التّلف الإشاعة قهرا عكس القسمة

الثّاني أنّ للاشتراك مراتب ثلاثة لا تصل النوبة إلى المرتبة اللّاحقة إلّا بعد تعذّر السّابقة الأولى الاشتراك في الممتزج بنسبة المالين في المقدار لأنّه لو أمكن أخذ كلّ مالك من عين الممزوج بمقدار حقّه قبل المزج فهو المتعيّن و هذا في مزج الجنس بالجنس مع تساويهما في الصّفات واضح فإنّ الفائت ليس إلّا الخصوصيّة الشخصيّة دون

ص: 83

أصل المال و وصفه و ماليّته فيأخذ كلّ منهما بمقدار حقّه من العين

الثّانية الشّركة في العين بمقدار المالية لا بمقدار الوزن و هذا كما في مزج الخلّ بالعسل لأنّ الفائت هنا شيئان خصوصيّة المالين و تلف الصّورة و لو عرفا فإن الخلّ لم يبق بصورته الأولى و لا العسل فهما شريكان في قيمة الممزوج و لكن من نفس الممتزج فإنّه لا وجه لشركتهما في الثّمن مع أنّ مادّة مالهما موجودة

الثّالثة الشركة في الثّمن كما في قصارة الثّوب و صبغه فإنّه لا يمكن الاشتراك في الثّوب فيباع و يقسّم الثمن بمقدار المال و العمل أو بمقدار المالين و العمل إذا عرفت ذلك ظهر أنّ الحقّ في المزج بالجنس مطلقا هو الشّركة في المقدار نعم لو امتزجه الغابن أو الغاصب بالأردإ فعليه أرش النّقص و لا وجه للشّركة في الماليّة لأنّه إذا أمكن الشّركة في المقدار لا تصلّ النّوبة إلى الشّركة في القيمة فإنّ امتزاج الحنطة الجيّدة بالرديئة لا يوجب إلّا فوت الخصوصيّة الشّخصيّة و تلف وصف الجودة أمّا فوت الخصوصيّة فيوجب الشّركة و أمّا تلف الجودة فيوجب استحقاق الأرش فلا وجه لأن يقوم المجموع و يأخذ كلّ منهما منه بمقدار قيمة ماله مع إمكان أخذ مقدار المال مع الأرش و ليس مزج الجيّد بالردي ء كمزج العسل بالخلّ في تلف الصّورة حتّى يقاس عليه فإنّ الصّورة باقية هنا عرفا

و أمّا لو امتزجه بالأجود فلا شي ء له أمّا الغاصب فظاهر و أمّا الغابن فلأنّه لم يعمل عملا حتّى يشترك في الثّمن و ليس على أحد ضمان جودة ماله فلا شي ء له و زيادة صفة في مال المغبون رزق رزقه اللّٰه تعالى ثمّ لا يخفى ما في عبارة المصنف من اختصاص إشكال الرّبا في الخلط بالأجود مع أنّه لو لزم الرّبا للزم في الصّورتين لأنّه لا فرق بين أن يأخذ الغابن أزيد من مقدار ماله أو المغبون و لكنّه لا يلزم في المقام من أصله و إنّه يجري في المعاوضات و توابعها و في الضّمانات و في المقام إذا اقتضى مزج المالين ذهاب المقدار كما في تبدّل الصّورة بصورة أخرى تصير العين مشتركة بينهما بحسب الماليّة و هذا ليس تبديلا حتّى يلزم الرّبا

[بقي الكلام في حكم تلف المعوضين]

قوله قدّس سرّه بقي الكلام في حكم تلف المعوضين إلى آخره

لا يخفى أنّه ينبغي أن يذكر حكم التّلف في أحكام الخيار و إنّما ذكره في المقام لمزيد اختصاص به و هو أنّه قد ادّعى الشّهرة بل الإجماع على أنّ تصرّف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن مسقط لخياره فقد يتوهّم أنّه لو كان التصرّف مسقطا لكان التّلف أولى فذكروا حكم التّلف في المقام لدفع هذا التوهّم و هو أنّه لو قلنا بسقوط الخيار بالتصرّف فلا يلزمنا القول بسقوطه بالتّلف إلّا أن يكون ما علل به في التّذكرة للسّقوط بالتصرّف و هو عدم إمكان استدراكه مع الخروج عن الملك هو بنفسه موردا للإجماع أو يكون مفاد دليل معتبر و المفروض أنّه لا هذا و لا ذلك فلا وجه للسّقوط بالتّلف مع أنّه قد عرفت أنّ أصل سقوطه بالتصرّف ليس إجماعيا

ثم إنّه لا يخفى عدم الفرق بين تلف مال من عليه الخيار و تلف مال من له الخيار فإنّ حكم التّلف في جميع الصّور واحد سواء تلف مال الغابن أو المغبون كان قبل الفسخ أو بعده فلا وجه للبحث فيما وصل إلى كلّ منهما مستقلا نعم في خصوص الفسخ قبل التّلف فرّق العلّامة فيما وصل إلى من عليه الخيار و من له الخيار فقال لو فسخ ذو الخيار و تلف ما وصل إلى من عليه الخيار ليس عليه ضمان فإنّ العين في يده أمانة و أمّا لو تلف ما وصل إلى من له الخيار بعد الفسخ فيده يد ضمان

و لكن أورد عليه شرّاح هذه العبارة و قالوا بعدم الفرق بين الصّورتين و أنّ يد كلّ منهما يد ضمان و مجرّد كون الفسخ ناشئا من قبل

ص: 84

من له الخيار لا يوجب أن يكون يد من عليه الخيار يد أمانة فإذا لم يكن فرق بين الصّور أصلا فنقول في محلّ البحث و هو التّلف قبل الفسخ أنّ التّلف إمّا أن يكون بآفة سماويّة أو بالإتلاف و المتلف إمّا من كان المال بيده أو طرفه أو الأجنبي فإذا كان التّلف بآفة أو بإتلاف من كان المال بيده فبالفسخ ينحلّ العقد و يرجع كلّ من المالين إلى صاحبه فلو كان الثّمن موجودا عند البائع الغابن و تلف المبيع عند المشتري المغبون بآفة أو بإتلافه يرجع المغبون إلى عين ثمنه و يضمن قيمة التّالف للبائع

ثمّ إنّ المدار في القيمة هل على قيمة يوم التّلف أو يوم الفسخ أو يوم الأداء أو أعلى القيم وجوه و الأقوى هو الثّالث لأن منشأ القول بأعلى القيم في غير المورد هو أن تفاوت القيمة السّوقيّة كتلف الأوصاف مضمون على القابض و في المقام نفس الأوصاف الحاصلة بين القبض و الفسخ ليس ضمانها على الفاسخ فضلا عن ارتفاع القيمة فإنّ سمن الدابّة المهزولة حين العقد غير مضمون على الفاسخ فإنّ ما اخترناه من ضمان الأوصاف هو الأوصاف الموجودة حال العقد التالفة حين الفسخ لا كلّ صفة تالفة و لو لم تكن موجودة حال العقد فيدور الأمر بين الأقوال الثّلاثة و القول بيوم القبض في غير هذا المورد ينطبق على القول بيوم الفسخ في المقام لأنّه يوم يصير المال في عهدة من كان مالكا له قبل الفسخ و حيث قلنا في باب الغصب و العقد الفاسد أنّ صحيحة أبي ولاد لا تدلّ على اعتبار يوم الغصب و لا تقتضي القواعد العامّة أيضا الانتقال إلى القيمة يوم الغصب فالقول بيوم الفسخ لا وجه له لأنه و إن كان يوم ردّ كلّ مال إلى صاحبه إلّا أنّ المال لما صار بسبب القبض مضمونا بضمان اليد فمقتضى الضّمان أنّه لو طرأ الفسخ و كان المال تالفا يجب ردّه بماليّته و أمّا ردّ قيمته يوم الفسخ فلا دليل عليه فيدور الأمر بين يوم التّلف أو يوم الأداء و منشأ الوجهين هو ما تقدم في ضمان اليد من أنّ التّلف هل يقتضي أن تتقدر ماليّة المال في ذاك اليوم أو لا يقتضي ذلك بل يبقى ماليّته في ذمة المتلف أو من تلف عنده إلى يوم الأداء و المختار هو الأخير

و كيف كان فلا يحتمل الضّمان في الفسخ بعد التّلف إلّا قيمة يوم التّلف أو يوم الأداء لا سائر الاحتمالات ثم لا يخفى أنه لو قيل بأنّ المدار على قيمة يوم التّلف فلا وجه لصحّة المصالحة على العين التّالفة لأنّه لو لم يكن للعين اعتبار البقاء و لو بحسب الماليّة فلا يصحّ الصّلح إلّا على قيمتها فلو صحّ على نفس العين يجب أن يكون المدار على يوم الأداء فالجمع بين جواز الصّلح و القول بيوم التّلف غير ممكن كما أنّه لو قيل بأن المدار على يوم التّلف فينبغي عدم الفرق بين الانفساخ و الفسخ

فما يظهر من الدّروس و من تبعه من أنّه لو اشترى عينا بعين فقبض إحداهما دون الأخرى فباع المقبوض ثم تلف غير المقبوض أنّ البيع الأوّل ينفسخ بتلف متعلّقه قبل القبض دون الثّاني فيغرم البائع الثّاني قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض لا وجه له لأنّ غرامة البائع الثّاني الّذي هو المشتري قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض ينطبق على القول بأنّ المدار على يوم الفسخ و إلّا لكان على البائع الثّاني قيمة يوم البيع الصّادر منه مع المشتري الثّاني فإنّه يوم تلف المبيع

و بالجملة قد ذكرنا مرارا أن مقتضى الضّمان المعاوضي كون البائع ضامنا للمبيع و المشتري للثّمن قبل القبض فإذا تلف أحدهما حينئذ يرجع الباقي إلى مالكه الأوّل لانفساخ المعاملة بسبب التّلف قبل القبض

ثمّ إذا وقع التّقابض يتبدّل ضمان البائع للمبيع بضمانه للثّمن و ضمان المشتري للثمن بضمانه للمبيع

ص: 85

و ينتقل الضمان المعاوضي بضمان اليد أي إذا تلف المبيع مثلا ثمّ طرأ الفسخ أو الانفساخ أو الإقالة يردّ المشتري إلى البائع قيمة المبيع و يأخذ ثمنه الّذي كان بدلا عن المبيع و إذا تلف كلّ منهما فيأخذ كلّ منهما قيمة ماله الّذي انتقل إلى الآخر ففي هذا المال حيث تلف المبيع أولا لانتقاله إلى الغير ثم طرأ الانفساخ من جهة تلف الثمن الغير المقبوض فالانفساخ يقتضي رجوع كلّ مال إلى صاحبه الأصلي و إذا كان كلّ منهما تالفا أحدهما قبل القبض و الآخر بعده فالقاعدة تقتضي في تلف المقبوض الرّجوع إلى قيمة يوم التّلف بناء على ما اختاروه و يوم تلف المبيع هو قبل الانفساخ أي يوم البيع و في تلف الثّمن حيث إنّه قبل القبض يقتضي رجوع المبيع إلى مالكه الأصلي و لمّا لم يمكن الرّجوع بعينه فيرجع بماليّته إمّا متقدّرة أو غير متقدّرة و لا وجه لرجوع قيمته يوم الانفساخ و الفرق بين الفسخ و الانفساخ لا وجه له

هذا كلّه حكم التّلف أو الإتلاف من المنتقل إليه و ظهر أنه لا فرق بين تلف ما عند الغابن أو المغبون فحكم تلف ما عند الغابن بتلف سماويّ أو بإتلافه حكم التّلف عند المغبون

بقي الكلام في إتلاف كل واحد ما عند الآخر و إتلاف الأجنبي فلو أتلف الغابن ما عند المغبون فلو لم يفسخ يأخذ قيمة ماله يوم الإتلاف و إذا فسخ يأخذ ثمنه ثم يردّ عليه قيمة التّالف يوم التّلف أو يوم الفسخ أو يوم الأداء و يأخذ منه قيمة التّالف يوم الإتلاف بناء على أن الإتلاف يقتضي اشتغال ذمّة المتلف بقيمة ذلك اليوم فقد يختلف القيمة الّتي يردّها و الّتي يأخذها و لو أتلف المغبون ما عند الغابن ثمّ فسخ يأخذ المغبون قيمة ماله على أحد الوجوه المتقدّمة و لكن يأخذ الغابن من المغبون قيمة يوم الإتلاف زادت على القيمة الّتي قيل بها في التّلف أو نقصت

و بالجملة كلّ مورد وقع تلف أو إتلاف في أحد العوضين دون الآخر فالباقي يردّ إلى صاحبه الأصلي بالفسخ أو الانفساخ و إنّما الكلام في التّالف في أنّه يؤخذ قيمته يوم التّلف أو يوم الفسخ أو يوم الأداء فإذا قلنا بأنّ الإتلاف يقتضي قيمة التالف يوم الإتلاف و الفسخ يقتضي قيمة التالف يوم الفسخ أو الأداء فإذا كان قيمة يوم الإتلاف مغايرا لقيمة يوم الفسخ أو الأداء يختلف ما يأخذه الفاسخ مع ما يأخذه المفسوخ عليه و أمّا لو كان موافقا فيصير تهاترا قهريا

و لو أتلف الأجنبيّ فلو أخذ منه صاحب المال قبل الفسخ قيمة التالف يتعيّن رجوع الفاسخ إلى المفسوخ عليه و كذا العكس و أمّا لو لم يأخذها ففسخ ذو الخيار فلا يتعيّن على كلّ منهما الرّجوع إلى طرفه بل يتخيّر بين الرّجوع إلى الطّرف و الرّجوع إلى المتلف كما هو مقتضى ضمان شخصين لمال واحد على التّعاقب

نعم بناء على الاعتبار بيوم الفسخ يتعيّن الرّجوع إلى الطّرف لأنّ المال و إن كان في ذمّة المتلف أيضا إلّا أنّه قد أتلف ما ليس للفاسخ قبل الفسخ فهو ضامن لمالكه الفعلي و المالك الأصلي يطلب مصداق ماليّته يوم الفسخ و من يشتغل ذمّته بمصداق هذا اليوم هو الطّرف لا المتلف فإنّه إنّما يضمن لعين المال أو قيمته يوم التّلف أو يوم الأداء

و على أيّ حال لا وجه لتعيّن الرّجوع إلى المتلف حتى بناء على اشتغال ذمّته بالغبن أو بماليّتها الغير المتقدّرة لأنّ المال و إن كان قبل الفسخ ملكا لمن انتقل إليه و بعد الفسخ ملكا لمن انتقل عنه إلّا أنّ مقتضى ضمان الطّرف جواز رجوع من انتقل عنه التّالف إلى الطّرف أيضا كما في تعاقب الأيدي ثم إنّه لا يخفى أنّ الإبراء بمنزلة القبض كما في إبراء الزّوجة قبل الدّخول مهرها فلو أتلف الغابن مثلا

ص: 86

مال المغبون فأبرأه المغبون ثمّ فسخ بأخذ ثمنه من الغابن و يرد عليه قيمة ما أبرأه من دون أخذ قيمة التّالف و ذلك واضح

[مسألة الظّاهر ثبوت خيار الغبن في كلّ معاوضة ماليّة]

قوله قدّس سرّه الظّاهر ثبوت خيار الغبن في كلّ معاوضة ماليّة إلى آخره

لا يخفى أنّه لو كان مدرك ثبوت خيار الغبن هو الإجماع لكان اللّازم هو الاقتصار على مورده و أمّا لو كان هو الشّرط الضّمني أو نفي الضّرر فيجري في كلّ معاوضة كان بناؤها نوعا على الدقّة و عدم المغابنة و لمّا اخترنا أنّ مدركه الشّرط الضّمني فيتعدّى إلى المعاوضات الّتي مبناها على الدقّة فينبغي بيان بناء المعاوضات طرّا فنقول منها ما يقتضي البناء النّوعي فيه على تساوي المالين و هو البيع و الإجازة و الصّلح القائم مقامهما كصلح ما في ذمّة شخص بعوض معيّن

و منها عكس ذلك كالصّلح الواقع في مقام رفع الخصومة و كالصّلح الواقع في مقام إبراء ما في ذمّة المصالح له فإن بناء هذين العقدين نوعا على التّسالم و التّجاوز عن الحقّ كائنا ما كان

و منها ما لا يقتضي هذا و لا ذاك فيتّبع اشتراط شخص العاقد في شخص المعاملة كالجعالة و نحوها فلو كانت المعاوضة من القسم الأوّل يجري فيها خيار الغبن إلّا إذا بنى أحد المتعاقدين أو كلاهما على المعاوضة بالغا ما بلغ فإنّ مع الإقدام يسقط شرط التّساوي و يقدم البناء الشّخصي على النّوعي و لو كانت من القسم الثّاني لا يجري فيها لأنّه لا اشتراط و لا في رفعه منّة بل يمكن أن يقال ليس الصّلح في مقام رفع الخصومة و لا في مقام الإبراء من المعاوضات و لذا لا يعتبر فيهما ثبوت حقّ أصلا و لو كانت من القسم الثّالث فيدور ثبوت الخيار فيه مدار الاشتراط و يتبع حكم كلّ معاملة شخص تلك المعاملة فظهر ممّا ذكرنا أنّ التّفصيل الّذي ذكره عن بعض هو الحقّ فإنّه لو لم يكن الخصوص معاوضة بناء نوعي يدور ثبوت الخيار فيه مدار الشّرط و مع البناء على التّسامح لا يجري الخيار بل قد عرفت أنّ البناء الشّخصي مقدّم على البناء النّوعي

[مسألة اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي]

قوله قدّس سرّه مسألة اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي إلى آخره

لا يخفى أنّ هذا الاختلاف يجري في كلّ عقد خياريّ لم يكن لمدّة الخيار تحديد من الشّرع كخيار الرّؤية و العيب و نحو ذلك و منشأ القول بالفوريّة هو الرّجوع في زمان الشّكّ إلى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و بالتّراخي إلى الاستصحاب و المصنف قدّس سرّه قد ناقش في كليهما أمّا الاستصحاب فللشكّ في موضوعه و لا يرد عليه أنّ الموضوع في باب الاستصحاب يؤخذ من العرف فلا وجه للشكّ فيه لأنّ ما يرجع فيه إلى العرف هو حيثيّة بقاء المستصحب لا حيثيّة ثبوته بمعنى أنّه لو أحرز للموضوع أوّلا ثمّ شكّ في ارتفاع الحكم عنه لاحتمال مدخليّة القيد الزّائل في عليّة ثبوت الحكم مع حكم العرف باتّحاد الموضوع في زمان الشكّ مع الموضوع في زمان المتيقّن لعده التبدّلات من حالات الموضوع لا من قيوده يجري الاستصحاب و أمّا لو لم يحرز الموضوع أوّلا بل ثبت الحكم في العنب مثلا و شكّ في مدخليّة العنبيّة في موضوع الحكم فلا يمكن إجراء الحكم في الزّبيب

و بالجملة إذا أحرز بمناسبة الحكم و الموضوع أنّ الموضوع هو ذات الشّي ء و شكّ في عليّة الوصف للحكم حدوثا أو حدوثا و بقاء فهنا محلّ الاستصحاب و أمّا لو لم يحرز أنّ الموضوع ذات الشّي ء أو أحرز عدمه و أنّ الوصف هو تمام الموضوع كالفقر لاستحقاق الزّكاة فلا يمكن إجراء الاستصحاب

و ممّا ذكرنا ظهر ما في كلام الرّياض قدّس سرّه من التّفصيل بين ما إذا كان مدرك الخيار هو الإجماع فيجري الاستصحاب و ما كان مدركه قاعدة الضّرر فلا يجري و ذلك لأنّه لو سلّم اتّحاد الموضوع

ص: 87

في القضيّة المتيقّنة و المشكوكة يجري الاستصحاب سواء كان دليل المستصحب الإجماع أو قاعدة الضّرر لأنّ فائدة الاستصحاب إجراء الحكم الثّابت سابقا السّاكت عن زمان الشّكّ في مورد الشّكّ و لو ناقش في الموضوع لا يجري الاستصحاب كان دليل المستصحب هو الإجماع أو قاعدة الضّرر

فالأولى أن يقال إنّ الموضوع في المقام غير محرز لا لما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ الموضوع هو من لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ بل لوجه أمتن و أدقّ و هو أنّه فرق بين أن يدلّ دليل على أنّ الخيار ثابت التضرّر و بين أنّ ينفي اللّزوم لحكومة لا ضرر على الحكم الّذي ينشأ منه الضّرر فلو كان من قبيل الأوّل يمكن أن يقال إنّ الموضوع هو الشّخص المتضرّر لا الوصف العنواني و الشّخص باق كما في الخيار الثّابت للمبيع و لصاحب الحيوان و لذا يستصحب و أمّا لو كان من قبيل الثّاني فلا معنى للاستصحاب لعدم تحقّق أركانه أصلا لأنّه لم يثبت الخيار لشخص المغبون حتّى يستصحب الخيار له بل إنّما دلّ لا ضرر على أنّ الحكم الضّرري منفي ففي مورد لم يكن الحكم ضرريّا فلا حكومة فالقضيّة المتيقّنة غير المشكوكة بأسرها موضوعا و محمولا و نسبة لأنّ من يتمكّن من إعمال الخيار و لو آنا ما فاللّزوم ليس ضرريّا عليه أصلا هذا كلّه في التّمسّك بالاستصحاب

و أمّا الرّجوع إلى العموم في زمان الشّكّ فتنقيح ما فيه يتوقّف على ترتيب أمور الأوّل أنّ الزّمان بحسب طبعه الأصلي ظرف للأمر الواقع فيه و كونه قيدا له يحتاج إلى عناية و مئونة زائدة و منشأ جريان الاستصحاب في الزّمانيات هو كون الزّمان ظرفا و إلّا يكون من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر الثّاني أنّ الزّمان قد يكون ظرفا لمتعلّق الحكم و قد يكون ظرفا لنفس الحكم له قد يقع الزّمان تحت دائرة الحكم و يرد الحكم على الزّمان كما يرد على الأفراد كما إذا كان إكرام كلّ عالم في كلّ زمان واجبا و قد يقع الحكم تحت الزّمان و يرد الزّمان على الحكم فيكون الزّمان ظرفا لوجوب الإكرام الثّالث أنّه لو كان الزّمان ظرفا للمتعلّق يمكن استفاده العموم الزّماني من الدّليل الدّال على وجوب المتعلّق

و أمّا لو كان الزّمان ظرفا للحكم فلا يمكن استفادته من نفس دليل الحكم لأنّ الحكم لا يمكن أن يتعرّض لبقاء نفسه فلا بدّ في ثبوته من التّمسك بدليل الحكمة أو دليل آخر كقوله ع حلال محمّد صلّى اللّٰه عليه و آله حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة الرّابع أنّ ما ذكرناه في الأمر الأوّل من أنّ الزّمان بمقتضى طبعه الأولي يكون ظرفا و كونه قيدا يحتاج إلى مئونة زائدة إنّما هو بالنّسبة إلى الحكم الثّابت في الأزمنة المتعدّدة المتكثّرة فإنّ الحكم الثّابت في زمان إذا كان الزّمان قيدا له لا يمكن استصحابه في زمان آخر

و أمّا متعلّق الحكم فلا يجري فيه هذان اللّحاظان لأنه أمر وحدانيّ في جميع الأزمنة و لا يمكن فيه التكثّر بلحاظ الأزمنة لأنّ المتعلّق في زمان بنظر العرف عين المتعلّق في زمان آخر فإذا وجب الجلوس من الزّوال إلى الغروب في كلّ آن و شكّ في آن أنّه من بعد الغروب أو من قبله لا يمكن استصحاب الحكم و أمّا لو شكّ في بقاء الجلوس و ارتفاعه أو شكّ في أنّه جلوس نهاري أو ليلي فلا مانع من استصحابه

الخامس أنّ العموم على قسمين مجموعيّ و استغراقي و المراد من المجموعيّ ما كان الحكم الوارد على الأفراد المتعدّدة و الأزمنة المتكثّرة ملحوظا على وجه الارتباطيّة بين الأفراد أو الأزمان فيكون كلّ فرد أو كلّ زمان جزءا من الكلّ و المراد من الاستغراقي ما كان كلّ فرد جزئيّا و لا فرق بين الزّمان

ص: 88

و غيره في صحّة انقسامهما إلى المجموعي و الاستغراقي و صحّة تخصيص كلّ منهما و أنّ التّخصيص لا يضرّ بالمجموعيّة كما لا يضرّ بالاستغراقيّة لأنه كما يوجب خروج فرد من الاستغراقي كذلك يوجب خروج جزء من المجموعيّ و كما أنّه إذا خرج فرد عن العموم الاستغراقي يجب امتثال الحكم في سائر الأفراد فكذلك إذا خرج جزء عن المركب يقع الارتباطيّة في باقي الأجزاء

ثم إنّه كما إذا شكّ في التّخصيص في الاستغراقي يتمسّك بالعموم فكذلك إذا شكّ في خروج بعض الأجزاء من المجموعي يتمسّك بالعموم و كيف كان فلا يخفى أنّه ليس الارتباطي غير المجموعي و لا ينقسم العموم إلى زيد من القسمين

إذا عرفت ذلك ظهر أنّه لو كان الزّمان ظرفا للمتعلّق لكان استفادة العموم الزّماني من الدّليل الدالّ على وجوب المتعلّق في مقام اللّفظ بمكان من الإمكان فيصحّ أن يقال أكرم العلماء دائما أو في كلّ زمان أو مستمرّا و غير ذلك من الألفاظ و أمّا إذا لم يكن ظرفا للمتعلّق فلا يمكن استفادة العموم و استمرار الحكم إلّا من دليل خارجيّ من حكمة و غيرها و هذا لا إشكال فيه إنّما الكلام في تمييز الموارد التي يكون الزمان ظرفا للحكم عن غيرها فنقول جميع الأحكام الوضعيّة لا بدّ من أن يكون الزّمان فيها ظرفا للحكم كقوله هذا نجس و هذا طاهر و هذا ملك زيد و العقد لازم و هكذا لعدم ثبوت متعلّق فيها حتى يردّد بين كون الزّمان ظرفا له أو للحكم بل هناك حكم و موضوع فيجب أن يكون الزّمان ظرفا للحكم

فإن قلت هذا لو قيل بتأصليّة الأحكام الوضعيّة و أمّا لو قيل بانتزاعيّتها من الأحكام التكليفيّة فلا محالة كلّ حكم تكليفيّ له متعلّق فيمكن أن يكون الزّمان ظرفا له لا للحكم

قلت أولا أنّه لا يمكن أن يكون مثل النّجاسة و الطّهارة و لزوم العقد و الملكيّة و الزّوجيّة و أمثال هذه الوضعيات منتزعة لعدم صحّة انتزاع النّجاسة المترتّبة عليها آثار مختلفة كحرمة شربها و فساد بيعها و عدم جواز الصّلاة معها من حكم تكليفيّ يكون منشأ لانتزاع هذه الأحكام و الآثار لأنّ قوله اجتنب عنه أو لا تشربه أو غيرهما لا يشمل جميع الآثار الوضعيّة و ثانيا أنّ الحكم التّكليفي المنتزع عنه لزوم العقد ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ليس له متعلّق صادر عن المكلّف خارجا لأنّ الوفاء ليس من أفعال المكلّف حتّى يمكن أن يكون دائميّا بلحاظ كل آن من الآنات و حرمة تصرّف كلّ عاقد فيما انتقل عنه ليس من آثار الوفاء و لكون التصرّف نقضا له بل من جهة أن ما انتقل عنه صار مال الغير فيكون تصرّفا غصبيّا فهذا الحكم التّكليفي لا محالة يرجع إلى أنّ العقد لازم و لا ينتقض و ليس أوف بالعقد كأوف بالنّذر حتى يكون وجوب الوفاء به هو العمل به كالعمل بالنّذر و إلّا وجب العمل بالعقد بأن يتصرّف في ما انتقل إليه و ثالثا أنّ الحكم التّكليفي المجعول لا بدّ من أن يكون مناسبا للحكم الوضعيّ لأنّ المقصود بالأصالة إذا كان تشريع الوضعيّ و لم يمكن جعله إلّا بجعل منشإ انتزاعه فيجب أن يجعل منشأ الانتزاع على نحو ينتزع عنه الحكم الوضعيّ فإذا قيل يجب الوفاء بالعقد فلا بدّ من إثبات الوجوب في جميع الآنات و بالنّسبة إلى كلّ طار من الفسخ و غيره و إثبات الوجوب في جميع الآنات لا محالة إمّا بدليل خارجي و إمّا بدليل الحكمة و هو لغويّة وجوبه في بعض الآنات فبالأخرة يرجع الزمان إلى الحكم لا إلى المتعلّق و أمّا إثبات الوفاء بالنّسبة إلى كلّ طار فلا يفيد إلّا أنّ العقد بالفسخ لا ينفسخ لا أنّ الوفاء ثابت دائما

و بالجملة و إن أمكن أخذ الزمان ظرفا للمتعلّق فيقال إنّ الوفاء في كلّ آن واجب

ص: 89

إلّا أنّه لو لم يؤخذ في اللّفظ كذلك و علم من الخارج لغويّة تشريع هذا الحكم في بعض الأزمان يقع الزّمان فوق دائرة الحكم لا محالة

و أمّا التكليفيات فالكلام فيها تارة يقع في النّواهي و أخرى في الأوامر أمّا النّواهي فيمكن ثبوتا كلا القسمين فيها بأن تكون حرمة الخمر مثلا دائميّة في جميع الأزمنة أو يكون الشّرب محرّما دائما فإذا كان الزّمان ظرفا للحكم لا يمكن تشريع الاستمرار ثبوتا بتشريع الحكم و لا استفادته إثباتا من دليل الحكم لأنّ الحكم بمنزلة الموضوع للدّوام و الاستمرار فلا بدّ من تشريعه أولا ثم جعله دائميّا و هكذا في مقام الإثبات لا بدّ من استفادة الاستمرار من غير دليل الحكم كدليل الحكمة و نحوه و إذا كان ظرفا للمتعلّق فيمكن تشريعه ثبوتا بتشريع الحكم و استفادته إثباتا منه و تقدّم أنّ اعتبار ثبوت المتعلّق في جميع الآنات لا يختصّ بلفظ خاصّ فينشأ بمثل أبدا أو دائما أو في كلّ آن أو يستفاد من دليل التّخصيص كما إذا خرج الشرب في زمان خاصّ من لا تشرب الخمر فإنّه يستكشف منه أن الشرب في جميع الآنات كان متعلّقا للحكم

ثم لا يخفى أنّ لفظ الاستمرار و الدّوام و الأبد مثل لفظ كلّ آن في أنّ الظّاهر من الجميع هو العموم الأصولي أي كلّ آن من الآنات موضوع غير الآن الآخر لا العموم المجموعي فعلى هذا كان الزّمان ظرفا للحكم أو للمتعلّق لو عصى المكلّف في آن و أطاع في الآخر كان كلّ آن تابعا لنفسه و لا يرتبط طاعته إن بان آخر فمحلّ النزاع في المقام هو العموم الزمانيّ الأصوليّ كعموم الأفراديّ العرضيّ كما أنّ النّزاع أيضا يختصّ بالأحكام الشخصيّة المتعلّقة بالموضوعات الخارجيّة بعد تحقّقها

و أمّا الأحكام الكليّة أي المجعولة على سبيل القضيّة الحقيقيّة و المنشأة على الموضوعات المقدر وجوداتها فالزمان المأخوذ فيها ظرف للحكم و عموم الحكم معناه عدم نسخه فما يقال إن النسخ تخصيص في الأزمان قول صدر على خلاف الاصطلاح لأنّ عموم الزمان الّذي يرفعه النّسخ إنّما هو للحكم المجعول على كلّ موضوع على فرض وجوده لا للمتعلّق أو الموضوع حتّى يقبل التّخصيص

ثمّ إنّه إذا كان الزمان ظرفا للمتعلّق فخروج بعض أفراد المتعلّق لا يوجب رفع اليد عن غيره ففي مورد الشّكّ يرجع إلى العام لا إلى استصحاب حكم المخصّص و لا يمكن الرّجوع إليه و لو لم يكن هناك عام لأنّه من إسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر لما عرفت أنّ محلّ البحث إنّما هو فيما إذا كان كلّ آن من الآنات موضوعا مستقلّا غير الآن الآخر

و أمّا إذا كان الزمان ظرفا للحكم فلا يمكن الرّجوع إلى العموم لأنّ العموم الثّابت بدليل الحكمة أو بدليل آخر تابع لوجود موضوعه أي إذا كان شي ء حلالا فحليّته تستمرّ إلى أن يزيلها المزيل و أمّا إذا خرج عن الحليّة كما لو صارت الشّاة جلّالة ثم شكّ بعد خروجها عن الجلل بأنّها حلال أو حرام فبقوله ع حلال محمّد ص حلال إلى يوم القيمة لا يمكن التمسّك لرفع الشّكّ و إثبات الحليّة لأنّ كلّ حلال يستمرّ حليّته و أمّا أن هذا حلال أو حرام فلا يمكن إثباته بهذا العموم لأنّه كما يدلّ على استمرار حليّة الحلال كذلك يدلّ على استمرار حرمة الحرام و مع الشّكّ في الحليّة و الحرمة لا يمكن إثبات الاستمرار الّذي هو تابع لإحراز الموضوع و لا يعقل أن يكون عموم الحكم محرزا لموضوعه ففي المقام مرجع الأمر إلى استصحاب حكم المخصّص لا إلى عموم العام بل لو لم يجر الاستصحاب لم يمكن الرّجوع إلى العام

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّه لو كان الزّمان ظرفا للمتعلّق أي أخذ كلّ آن من آنات الشّرب موضوعا و تعلّق الحكم بجميعها فإذا شكّ في أصل التّخصيص أو في مقدار المخصّص فالمرجع هو عموم العام لأنه لا فرق

ص: 90

في صحّة التمسّك بالعموم بين الأفراد العرضيّة للشرب و أفراده الطّوليّة غاية الفرق بينهما أنّ أفراده العرضيّة بنفس تعلّق النّهي بالطّبيعة يندرج كلّ فرد تحتها و لذا يقال إن ترك الطّبيعة بترك جميع الأفراد و أمّا الأفراد الطّوليّة فلا بدّ من لحاظها على حدة غير تعلّق الحكم بالطّبيعة لأنّ ترك الطبيعة بنفسه لا يدلّ على تركها في جميع الأزمان و لكنّها إذا لوحظت و تعلّق الحكم بالطبيعة بهذا اللّحاظ فلا يتوقّف على عناية زائدة لأنّ طواري المتعلّق يمكن لحاظها إطلاقا أو تقييدا في مرتبة الجعل لأنّ طواريه كطواري الموضوع تكون في المرتبة السّابقة على الحكم

و أمّا لو كان الزّمان ظرفا للحكم فبنفس تشريع الحكم لا يمكن لحاظ بقائه في كلّ آن بل لا بدّ من تشريعه أوّلا ثم لحاظه كذلك لأن بقاء الحكم كالعلم و الجهل به من الطّواري المتأخّرة عن رتبة الجعل فلا بدّ من ثبوت الموضوع أوّلا ثمّ الحكم ببقائه و إذا جعل الزّمان ظرفا له بجعل آخر فلو شكّ في أصل تخصيصه أو في مقدار المخصّص فالمرجع ليس عموم العام بل استصحاب حكم العام إذا شكّ في أصل التّخصيص و استصحاب حكم المخصّص إذا شكّ في مقدار المخصّص

فتبيّن ممّا ذكرنا أنّ مورد الرّجوع إلى العام غير مورد الرّجوع إلى الاستصحاب و لم يفرض المصنف قدّس سرّه ظرفيّة الزّمان في مورد واحد على قسمين حتّى يورد عليه ما أورد و تمام الخلط نشأ من هذا التوهّم و بعد وضوح المقصود فلو كان التّعبير منه قدّس سرّه قاصرا و موهما فالإيراد على التعبير لا وقع له

و عمدة الفرق ما ذكرنا من أنّ الزّمان قد يؤخذ تحت الحكم و قد يؤخذ فوقه و الرّجوع إلى العموم يصحّ في الأوّل دون الثاني و الرجوع إلى الاستصحاب يصحّ في الثّاني دون الأوّل

و إذا تبيّن أنّ النّواهي بأسرها قابلة لكلا القسمين فهل الأصل اللّفظي يقتضي أن يكون الزّمان ظرفا للحكم أو المتعلّق فنقول إنّ مقتضى القواعد اللّفظية هو الأوّل لأنّ كونه ظرفا للمتعلّق لا بدّ من التّصريح به في اللّفظ بأن يقال الشّرب في كلّ آن حرام فإذا لم يؤخذ المتعلّق في كلّ آن متعلّقا للحكم بل ورد النصّ على الطبيعة المرسلة أو على النّكرة فتعلّق النّهي بهما لا يقتضي إلّا عموم الطّبيعة لجميع أفرادها العرضيّة دون الطّوليّة و ذلك لأنّ النهي لم يوضع للدّوام و التّكرار و لذا يجري النّزاع في دلالة الأمر على الفور و عدمها في النّهي و إلحاق النّهي بالأمر في هذا النّزاع يكشف عن أنّ جهة الفرق بينهما تختصّ بدلالة النّهي على ترك الطّبيعة بمطلق وجوداتها العرضيّة دون الأمر فإنه يدلّ على صرف الوجود و أمّا من غير هذه الجهة فهما سيّان فلا بدّ من إثبات الفوريّة و الدّوام من دليل خارج فإذا ورد النّهي مجردا عن الدّوام كأن قيل لا تشرب الخمر فيحتاج في استفادة ترك الطّبيعة زائدا عن المقدار المتيقّن و هو آن ما إلى مقدمات الحكمة و لا شبهة أنّ الحكمة تقتضي تعلّق الطّلب بأزيد من مقدار ما لأنّ ترك الشّرب آنا ما حاصل فتشريعه لغو فإذا استفيد الدّوام من مقدمات الحكمة فلا محالة يرجع نتيجة الدّوام إلى دوام الحكم لا إلى آنات المتعلّق لأنّ المتعلّق معنى أفرادي و قرينة الحكمة تجري في الجمل لأنّه لا معنى لأن يقال إنّ الحكمة تقتضي دوام الخمر أو دوام الشرب بل الحكمة تقتضي دوام النّهي و دوام اللّزوم و هكذا

و ظهر ممّا ذكرناه سر عدم تمسّك العلماء لحرمة الخمر في مورد الشّكّ في حليّته و حرمته كحال المرض بمثل لا تشرب الخمر بل يتمسّكون لإثبات حرمته بالاستصحاب لأنّ التمسّك بالخطاب لا يمكن إلّا إذا أخذا الزّمان ظرفا للشّرب و أخذه كذلك يجب أن يكون بتصريح في اللّفظ و إلّا فلا محالة يقع الزمان ظرفا للحكم

ص: 91

لما ظهر أنّ الحكمة لا تجري في ناحية المتعلّق لأنّه من دون تعلّق حكم به لا معنى لأن يؤخذ دائما أو لا دائما فدليل الحكمة في ناحية المتعلّق يكون من السّالبة بانتفاء الموضوع

هذا كلّه في النّواهي و أمّا الأوامر فما كان من الأمور الاعتقاديّة فأخذ الدّوام في نفس الحكم بمكان من الإمكان و بعده أسّسنا الأصل اللّفظي ففي مورد الشّكّ في أخذ الزّمان في الحكم أو في المتعلّق فالأصل يقتضي أن يقع الزّمان ظرفا للحكم

و ما كان من الأعمال الجوارحية كالصّوم و الصّلاة فما كان للزّمان دخل في مصلحته و ملاكه كالصّوم فأخذ الزّمان ظرفا للحكم أيضا لا محذور فيه بأن يكون وجوب الصّوم من أوّل الطّلوع إلى الغروب مستمرّا كما يمكن أن يكون الإمساك المستمرّ واجبا أي يمكن أن يجعل الاستمرار ظرفا للطّلب كما يمكن أن يجعل ظرفا للمطلوب فلو لم يكن الزّمان في مقام الإثبات ظرفا للمطلوب فلا محالة يرجع إلى الطّلب

و الثّمرة بين الوجهين تظهر في وجوب الإمساك في بعض الآنات مع العلم بعدم تعقّب هذا الجزء بالأجزاء اللّاحقة كما إذا علم بأنّه يسافر قبل الزّوال أو علمت المرأة بأنّها تحيض في أثناء النّهار فلو كان الزّمان ظرفا للحكم يجب الإمساك لأنّ الطّلب باق بمقدار بقاء الشّرط و وجوب الكفّارة يستقيم في هذا الفرض أيضا لأنّ كلّ آن تابع لدليل حكمه و لا يتوقّف أيضا على تصوير الشّرط المتأخّر و جعل الأمر الانتزاعي شرطا لأنّ الشّرط لوجوب الإمساك في كلّ آن حاصل

و أمّا لو كان الزّمان ظرفا للمتعلّق فلازمه أن يكون الطّلب بالنّسبة إلى هذا الأمر الممتد فعليّا من أوّل الطّلوع و لازم فعليته مع كون المطلوب مستمرّا أن يكون تعقّب سائر الأجزاء مع شرائطها معتبرا في فعليّته فيتوقّف الفعليّة على الشّرط المتأخّر بنحو التّعقّب و لازمه أيضا أن يكون وجوب الإمساك و الكفّارة مع العلم بعدم تعقّب هذا الجزء بسائر الأجزاء من جهة دليل خارجيّ و إلّا فلا بدّ من القول بصحّة أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه

و بالجملة قد ذكرنا في باب التّرتب أنّه يمكن تصوير الاستمرار في نفس الطّلب و يتبعه المطلوب في الاستمرار و يرتفع به الإشكالات الواردة في الصّوم مع الالتزام بقبح أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه هذا إذا كان للزّمان دخل في المصلحة

و أمّا إذا لم يكن كذلك و إن كان زمانيّا لا بدّ و أن يقع في الزّمان كالصّلاة و أمثالها فقد يتوهّم أنّه لا يمكن أن يجعل الزّمان ظرفا للحكم لأنّ لازم استمراره أن يكون المكلّف في كلّ آن مشغولا بالصّلاة و لكنّه توهّم فاسد لأنّ استمرار الحكم تابع لكيفيّة جعل المتعلّق فإذا وجب الصّلاة في أوّل الظّهر ثمّ بعد العصر ثمّ بعد الغروب أو جعل الصّلاة واجبة في أوّل الظّهر من اليوم و في أوّل الظّهر من الغد و هكذا و أخذ الزّمان ظرفا للحكم فمعنى استمرار الحكم أنّ الوجوب في أوّل الظّهر في جميع الأيّام باق و انفصال الامتثال لا يضرّ بالاتّصال فيمكن أخذ الزّمان ظرفا لنفس الحكم في مثل الصّلاة و نحوها ممّا لم يكن للزّمان دخل في ملاك الحكم كما يمكن أخذه ظرفا للمتعلّق و تظهر الثّمرة بين الوجهين فيما إذا أخرج المقيم عن بلد الإقامة من دون إنشاء سفر جديد بل كان قاصدا للرّجوع إلى محلّ الإقامة أو كان متردّدا بناء على أن تكون الإقامة قاطعة للسّفر حكما لا موضوعا و أمّا لو قيل قاطعة موضوعا فلا يترتّب على الوجهين ثمرة

و توضيح ذلك أنّه لو قيل بأن المقيم ليس بمسافر موضوعا كما هو المختار فالحكم واضح و معنى كونه غير مسافر موضوعا أن تكون الإقامة عرفا ضدا للسّفر فإنّ المكث في محلّ يخرج المسافر عن كونه مسافرا

نعم خروجه عن هذا العنوان له مراتب متفاوتة في نظر العرف و لكنّ

ص: 92

الشّارع حدّد الموضوع و عيّنه في إقامة عشرة أيّام كسائر التّحديدات الشّرعيّة كتحديده أصل السّفر فإنّه بنظر العرف مختلف و لكن حدّده الشّارع بثمانية فراسخ و هكذا الكثرة في الماء الّذي لا يستقذر حدّدها الشّارع بمقدار خاص فلا يقال إنّ المقيم لو كان حاضرا موضوعا لكان اللّازم عدم الفرق بين عشرة أيّام و عشرة أيّام إلّا ساعة لأنّ العرف و إن لم يفرّق بينهما إلّا أنّ بعد تحديد الشّارع هذا الموضوع العرفي لا يبقى مجال لسؤال الفرق فإذا كان المقيم غير مسافر موضوعا فيجب على المقيم الخارج عن محل الترخّص العازم على العود أو المتردّد في السّفر التمام و ذلك لأنّه يستفاد من الأدلّة على أنّ كلّ مكلّف يجب عليه التمام خرج عنها المسافر فإذا شكّ في أن الخارج عن محلّ الإقامة العازم على العود حكمه حكم حال الإقامة أو حكمه حكم حال السّير فمقتضى العموم هو وجوب التمام عليه سواء كان الزّمان في باب السّفر مأخوذا في المتعلّق أو في الحكم لأنّه على أيّ حال خارج عن كونه مسافرا

و أمّا لو قيل بأن المقيم مسافر و لكنّه خارج عنه حكما كالعاصي بسفره فإنّه لا إشكال في كونه مسافرا يجب عليه التمام فتظهر الثّمرة بين جعل الزّمان ظرفا للحكم أو للمتعلّق لأنه لو كان وجوب القصر على المسافر مستمرّا فلو رجع العاصي بسفره عن عزمه و لم ينشأ بعد الرّجوع سفرا جديدا أي بمقدار المسافة و هكذا لو خرج المقيم من دون عزم على السّفر الجديد فالمرجع هو استصحاب حكم المخصّص و لو كان الزّمان ظرفا للمتعلّق بأن كان مفاد الدّليل على أنّ لكلّ مسافر القصر فخروج بعض أفراد الصّلاة لا يمنع عن الرّجوع إلى العام في البعض الآخر المشكوك فيجب عليه القصر بعد الخروج أو بعد الرّجوع عن المعصية

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ الزمان في الوضعيات بأسرها مأخوذ في الحكم و أمّا التّكليفيّات وجوبيّة كانت أو تحريميّة و الوجوبيّة جوانحيّة كانت أو جوارحيّة فيمكن بحسب الثّبوت أن يكون الزّمان ظرفا للمتعلّق و أن يكون ظرفا للحكم و إذا لم يصرّح في اللّفظ بكونه ظرفا للمتعلّق و علم بأنّ ثبوت التّكليف في الجملة لغو فلا محالة يقع الزّمان ظرفا للحكم و لازمه أن لا يكون المرجع عموم العام بل إمّا استصحاب حكم العام أو استصحاب حكم المخصّص

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّه لو شكّ في كون الخيار على الفور أو التّراخي ليس المرجع عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بل لا بدّ أن يرجع إلى استصحاب حكم المخصّص

إن قلت يمكن أن يكون المرجع عموم العام بتقريب آخر و هو أنّه لا شبهة أنّ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وضعيّة كانت أو تكليفيّة حكم على من أنشأ الالتزام العقدي و المنشئ ينشئ الملكيّة الدّائمة لا الموقّتة فإذا كان وجوب الوفاء بالملكيّة الدائمة لازما فيرجع في غير القدر المتيقن من زمان ثبوت الخيار و هو الفور إلى وجوب الوفاء بالمنشإ

قلت فيه أوّلا أنّ الدّوام و التّوقيت ليسا من منشئات المتعاقدين بل إنّما هما من الأحكام الشّرعيّة و ليس المنشأ بقوله بعت البيع من زمان الإنشاء إلى آخر الدّهر و بعبارة أخرى اللّزوم و الجواز أو التأبيد و التّوقيت في البيع من الأحكام الشرعيّة لا من منوعات البيع و لا يختلف حقيقته باختلاف أحكامه و هكذا في النّكاح على المشهور فإن حقيقة الانقطاع و الدّوام واحدة و لذا لو نسي ذكر الأجل يقع دائما بمقتضى القاعدة لأنّ الدّوام لا يحتاج إلى إشارة إليه في العقد بل عدم ذكر المدّة مع إنشاء علقة الزّوجيّة يقتضي الدوام

نعم لو كان الدّوام و الانقطاع حقيقتين مختلفتين فنسيان الأجل يقتضي بطلان النّكاح رأسا لأنّ ما قصد لم يقع و ثانيا أنّ الدوام و إن كان من منشئات المتعاقدين إلّا أنّه يجب الوفاء به إذا دلّ عليه لفظ أي إذا أنشأ بما

ص: 93

هو آلة لإيجاده و مجرّد قصد العاقد الدّوام مع عدم إيجاده بآلته من قول أو فعل لا اعتبار به في العقود لأنه يكون كالشّروط البنائيّة الّتي لم تذكر في العقود لا صريحا و لا إشارة

قوله قدّس سرّه و أمّا استناد القول بالتّراخي إلى الاستصحاب فهو حسن على ما اشتهر من المسامحة إلى آخره

قد ذكرنا في أوّل العنوان أنّ المصنف قدّس سرّه ناقش في أدلّة الفور و التّراخي كليهما

و ظهر أنّ المدرك للخيار لو كان هو قاعدة لا ضرر لا يجري الاستصحاب لوجهين الأوّل أنّ الموضوع لو كان اشتقاقيا كالمتضرّر يمكن أن يكون بحسب الثّبوت تمام الموضوع للحكم هو الوصف العنواني و يمكن أن يكون الموصوف بالوصف ففي مقام الإثبات إذا أحرز بمناسبة الحكم و الموضوع أنّ الموضوع أيّهما فهو و إلّا فلا يجري الاستصحاب للشّكّ في الموضوع و لو كان جامدا فالموضوع هو ذات الشّي ء بصورته النّوعيّة لا بالمادّة الهيولائيّة و حيث إنّ الموضوع في المقام عنوان اشتقاقيّ و يشكّ في أنّه الموصوف أو الوصف فلا يجري الاستصحاب و الثّاني أن مقتضى حكومة أدلّة لا ضرر و لا حرج على الأحكام الثّابتة أن يكون الحكم المعنون بالضّرر و الحرج مرفوعا فالعقد اللّازم إذا كان لزومه الشّرعي ضرريّا فلزومه منفي و أمّا لو لم يكن كذلك فلا وجه لنفيه و رفعه ففي غير مورد الضّرر لا حكومة أصلا

و أمّا لو كان المدرك للخيار هو الإجماع فهذان الإشكالان غير واردين لأنّ الإجماع يثبت الخيار للمغبون فالموضوع باق حين الشّكّ إلّا أنّه حيث ثبت في محلّه عدم جريان الاستصحاب مع الشّكّ في بقاء المستصحب بحسب طبعه في عمود الزّمان مع قطع النّظر عن طروّ زمانيّ عليه فلا يفيد الإجماع أيضا لاستصحاب الخيار

ثمّ إنّه لا يخفى أنّ منشأ الإشكال بحسب كلّ مدرك غير منشئه بحسب مدرك آخر و عبارة الكتاب لا يخلو من اضطراب و الخطب هيّن هذا تمام الكلام فيما استفدته من شيخنا الأستاد دام ظلّه في الخيارات و لما فاتني ما أفاده في خيار التأخير و أحكام الشّروط فاستنسخته ممّا كتبه العالم الفاضل ثقة الإسلام المرحوم الشّيخ أبي الفضل طاب ثراه نجل المرحوم الآخوند ملّا محمّد علي الواعظ الآبي الأصفهاني النّيم آوردي فخيار التّأخير و أحكام الشّروط من تقريرات هذا الفاضل المرحوم قال رحمه اللّٰه تعالى في حاشيته على الكتاب

القول في خيار التّأخير

اشارة

القول في خيار التّأخير إلى آخره

من باع شيئا و لم يسلّمه إلى المشتري و لا قبض الثمن لزمه البيع ثلاثة أيّام فإن جاء المشتري بالثمن في الثلاثة فهو أحقّ بالعين و إلّا يتخيّر البائع بين الفسخ و الصّبر و المطالبة بالثّمن هكذا عند الإماميّة كما قال العلّامة في التّذكرة و علّله بأنّ الصّبر أبدا مضرّ بالبائع فينفي بحديث الضّرر

و لكنّه لا يخلو عن المناقشة حيث إنّ مجرّد الصّبر على الثّمن لا يعدّ ضررا و باعتبار كونه في ضمانه و دركه عليه لو تلف قبل قبضه فهو أيضا لا يصلح لكونه موجبا للخيار فعلا حيث إنّه في معرض الضّرر هذا مضافا إلى أنّ إناطة الحكم به لا تنطبق على ما بنوا عليه نفيا و إثباتا سعة و ضيقا

و ربّما يعلّل بإطلاق العقد بتقريب أنّ مقتضاه تسليم المبيع و تسلّم الثّمن على غير وجه المماطلة و المسامحة عرفا و حيث إنّه لم يكن منضبطا عند العرف فربّما يوجب التّشاح و التّشاجر فحدّده الشّارع بثلاثة أيّام كما في غيره من التحديدات الشرعيّة فمرجعه إلى الشّرط الضّمني و الخيار عند تخلّف الشّرط

و هذا و إن يساعده الاعتبار و ربما يشعر به بعض الأخبار لكنّه إنّما يصلح لأن يكون علّة لتشريع الحكم لا أن يناط به الحكم نفيا و إثباتا

ص: 94

و إلّا فلا وجه لاختصاصه بالبائع و لا بصورة عدم قبض الثّمن و إقباض المثمن فتأمل جيّدا

و كيف كان فالمدرك الصحيح في المسألة الأخبار الخاصّة إلّا أن مقتضاها طرّا إبطال البيع و أنّه لا بيع بينهما بعد الثلاثة الظّاهر في نفي حقيقته و صحّته لا مجرّد لزومه و لذا توقّف فيه بعض الأجلّة و جزم به صاحب الحدائق طاعنا على العلّامة في المختلف حيث إنّه قدّس سرّه اعترف بظهور الأخبار في البطلان و مع ذلك اختار نفي اللّزوم و ثبوت الخيار مستدلا بأنّ الأصل بقاء صحّة العقد

هذا و لكن لا يخفى على المتأمّل أن بعد القطع بأنّ تشريع هذا الخيار الخصوص البائع دون المشتري إنّما هو لأجل الإرفاق على البائع إمّا لكون المبيع قبل القبض في ضمانه و إمّا لتوقيف ثمنه و عدم انتفاعه به مع خروج المبيع عن ملكه و على أيّ حال الإرفاق عليه لا يقتضي أزيد من خياره بل ربّما يكون الحكم بالبطلان منافيا له كما لا يخفى

هذا مضافا إلى ظهور قوله عليه السّلام في غير واحد من الأخبار لا بيع له إلى آخره في انتفاء البيع من طرف المشتري المنتج لثبوت الخيار في طرف البائع و بعد اعتضاده بما ذكرنا من الإرفاق و بفهم العلماء منها نفي اللّزوم لا الصّحة بالاتّفاق إلّا ما شذّ و بموافقته مع الأصل المقتضي لبقاء الصّحة عند الشّكّ فلا يعارضه ما في رواية عليّ بن يقطين من أنّه لا بيع بينهما الظاهر في بطلان البيع و انفساخه من الطّرفين رأسا كما لا يخفى

و كيف كان فالقدر المسلّم من هذه الأخبار في قبال عمومات صحّة العقود و لزومها ثبوت الخيار بالشّرائط المذكورة في عنوان المسألة منها أن لا يقبض المبيع و الظّاهر عدم الخلاف في اشتراطه كما هو المصرّح به في بعض الأخبار فيقيّد به سائر مطلقاتها كما هو القاعدة في جميع الأبواب فأصل الاشتراط ممّا لا إشكال فيه و إنّما الإشكال في أنّ المراد منه القبض الخارجيّ كما هو مقتضى ظهوره الأوّلي فلو مكّنه من المبيع فلم يقبض كان الخيار باقيا على حاله لصدق أنّه ما قبضه و في قباله لو قبضه بدون إذن البائع و اطلاعه كان رافعا للخيار لصدق أنّه قد قبضه مطلقا أو مع عدم الاسترداد و المراد منه القبض الرّافع لضمان البائع الحاصل بالتّمكين و لو لم يقبض الغير المتحقّق بالعدوان فلو لم يسترد فلا خيار في الفرع الأوّل لتحقّق القبض دون الثّاني لعدم تحقّقه وجهان من التعبّد بظاهر النصوص و ممّا ذكرنا من القرينة المقاميّة المرتكزة من أنّ جعل الخيار هنا للبائع من جهة الإرفاق عليه و كون المبيع قبل قبضه في ضمانه و دركه على عهدته

فيدور الحكم هنا مدار تلك المسألة فكل قبض كان مسقطا لضمان البائع هاهنا مسقط لخياره هناك فلو مكّنه من المبيع و لم يقبض لم يكن له خيار حيث لا يكون له ضمان و كذلك لو قبضه ثمّ أودعه عنده

و دعوى إطلاق الأدلّة حيث إنّ قوله ع ثم يدعه عنده أعمّ من كونه مسبوقا بالتّمكين و عدمه مدفوعة بما استظهرنا من القرينة المقاميّة و القاعدة الارتكازيّة و هي كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و بها رفعنا اليد عن ظهور الأخبار في نفي الصّحة إذ ليس هذا الظهور بأقوى من ذلك الظهور قطعا و كذلك ظهور القبض في القبض الخارجي بل بعد ارتكازيّة ذاك الحكم و احتفاف الكلام بتلك القرينة لا ينعقد ظهور على خلافها و على وجه ينافيها و يعارضها فتأمل جيدا

و من هنا يظهر الوجه في الفرع الرّابع الّذي ذكروه في هذا المقام و هو قبض بعض المبيع دون بعض فعلى البناء على التعبّد لا وجه لتبعّض الخيار بل اللّازم القول به مطلقا نظرا إلى صدق عدم قبض المبيع الظّاهر في الجميع فقبض البعض كلا قبض أو القول بعدم الخيار كذلك بدعوى

ص: 95

انصراف الأخبار إلى صورة عدم قبض شي ء منه و على البناء على أنّه إرفاق للبائع من جهة الضّمان فاللّازم تبعّض الخيار بالنّسبة إلى المقبوض و غيره و إن قلنا بأنّه خارج عن منصرف الأخبار

و بالجملة فهذه الفروع الأربعة المذكورة في المقام كلّها مبنيّة على الوجهين من احتمال التعبّد فيدور الحكم نفيا و إثباتا مدار الاستفادة من الأخبار و احتمال كونه إرفاقا للبائع فيدور مدار هذا المعنى كما لا يخفى

و الإنصاف أنّ الالتزام بالتعبّد المقتضي للجمود على ألفاظ الرّوايات في جميع المقامات بعيد جدا و إلّا فاللّازم هو القول بنفي الصّحة لا اللّزوم و فهم الأصحاب حينئذ لا اعتماد به بعد احتمال استناده إلى تلك القرينة المرتكزة أي كون الحكم من جهة الإرفاق على البائع بمقتضى الضّمان قبل القبض كما أنّ إناطة الحكم بتلك الجهة أيضا موجبة للخروج عن مورد الأخبار طرّا لوضوح أنّ قبض الثّمن و عدمه غير مرتبط بتلك الجهة مع أنّ اشتراط عدمه مجمع عليه ظاهرا نصّا و فتوى و إن كان الإرفاق من جهة تأخير ثمنه لا من جهة كون المبيع في ضمانه كما احتملناه سابقا فحينئذ فاشتراط عدم قبض المبيع غير موجّه لعدم مدخليّته في تلك الجهة و إن كان كلّ واحدة من الجهتين مقتضية للتشريع الخيار للبائع فلازمه الاكتفاء بأحد الأمرين من عدم قبض الثّمن أو إقباض المثمن

و بالجملة فالجهتان كأنّهما متدافعتان و هذا المطلب يعطي التعبديّة و الاقتصار على ما يستظهر من الأخبار من الخصوصيّة اللّٰهمّ إلّا أن يقال إنّ كلتا الجهتين كانتا مرعيّتين في تشريع هذا الخيار و الشّاهد عليه كما يساعده الاعتبار أنّ مع إقباض المثمن و عدم قبض الثمن يمكن استيفاء حقّه بالمقاصّة و نحوها و كذلك مع قبضه الثّمن فقط يمكن إقباض المثمن إلى الحاكم و غيره رفعا لضمانه و تخلّصا عن دركه و هذا بخلاف ما إذا لم يقبض الثّمن و لم يقبض المثمن فإنّ تخلّصه من درك هذه المعاملة إنّما هو بالخيار بعد الثلاثة و جواز الفسخ و استيفاء حقّه من نفس المثمن فتأمل جيّدا

و كيف كان فالمعتبر نصا و فتوى اعتبار كلا الأمرين من عدم إقباض المثمن و عدم قبضه للثّمن كما هو ظاهر النصوص المتقدمة و قد تقدم الكلام فيما يتعلّق بالأوّل و أمّا الثّاني فيقع الكلام فيه أيضا في فرعين الأوّل الظّاهر أن قبض بعض الثّمن هنا أيضا كلا قبض فلا يضرّ بالخيار كما هو ظاهر الأخبار لصدق أنه ما قبض الثّمن و دعوى انصرافها إلى صورة عدم قبض شي ء منه في غاية المنع كما يشهد عليه فهم أبي بكر بن عيّاش في رواية ابن الحجّاج المتقدّمة و إقناع المتنازعين بما حكي عن الإمام مع أنّ الظّاهر المحكي عنه عليه السّلام عدم قبض تمام الثّمن فاستدلال التذكرة بالرّواية في محلّه و إن نظر فيه شيخنا العلّامة و لكن لم يعلم وجه النّظر فتدبّر

الثّاني لو قبض الثّمن بدون إذن المشتري فهل هو كعدمه لظهور الأخبار و انصرافها إلى القبض الصّحيح الأعمّ من أن يكون بإذن المشتري أو قبضه بحقّ كما إذا كان بعد تمكين المبيع للمشتري و عدم قبضه الموجب لسقوط ضمانه للمبيع و جواز التّصرّف في الثمن بأيّ وجه أو أنّه في حكم القبض موجب لسقوط الخيار نظرا إلى إطلاق بعض الأخبار و ظاهر عنوانهم للمسألة من اشتراط عدم إقباض المبيع و عدم قبض الثّمن الظاهر في معناه الأعمّ و به يفرّق بين الثمن و المثمن وجهان أقواهما الأوّل لما عرفت من أنّ الظاهر المتبادر من إطلاق القبض ما هو المتعارف المتداول في المعاملات من وقوعه مع الإذن و التّعبير في العنوان بالإقباض في طرف المبيع و القبض في طرف الثّمن إنّما هو لاختصاص المسألة بالبائع و ثبوت الخيار له لا لأجل

ص: 96

الاكتفاء بقبض الثّمن كيف ما اتّفق و هذا واضح لا يكاد ينكر و إلّا فما ذكر لا اختصاص له بظاهر العناوين بل هو الظاهر من رواية عليّ بن يقطين أيضا

و لكن مع ذلك كلّه لا دلالة لها على الاكتفاء بالقبض مطلقا لما عرفت من انصرافه في النصوص و الفتاوى إلى القبض الصّحيح المتعارف في المعاملة نعم يمكن المناقشة في ثبوت الخيار حينئذ من جهة أخرى و هي أنّ قبض الثّمن عدوانا كأنه ارتضاء للبيع فيكون مسقطا للخيار من تلك الجهة و لعلّه الوجه لما في عناوين المسألة من التّعبير بإقباض المبيع و قبض الثّمن و لعلّ لبعض ما ذكرنا أمر شيخنا العلّامة بالتأمّل فتأمل

و كيف كان فعلى اعتبار الإذن كما هو الأقوى و الأظهر فالإجازة اللّاحقة أيضا في حكم الإذن و هل هي كاشفة أو ناقلة وجهان أقواهما الثّاني و يتفرّع عليه ما لو قبض قبل الثّلاثة فأجاز المشتري عبدها فعلى النّقل لا يمنع من الخيار لعدم قبض الثمن في الثّلاثة و على الكشف لا خيار حيث إنّه قبض الثّمن و ربّما يتخيّل جريان هذا الفرع في قبض المبيع أيضا فيشكل على الشّيخ قدّس سرّه من جهة تخصيصه بقبض المثمن و لكنّه توهّم فاسد لوضوح أنّ إجازة البائع لقبض المبيع ارتضاء منه للبيع و إسقاط لخياره سواء وقعت قبل الثّلاثة أو بعدها فلا يتفاوت بين كونها كاشفة أو ناقلة فلا تغفل

و كيف كان هل الإجازة هنا كما في باب الفضولي فيجري فيه ما ذكر هناك من الأقوال أو اللّازم هنا القول بالنّقل و إن كان في الفضولي محلّا للإشكال وجهان أقواهما الثّاني كما اختاره شيخنا العلّامة مع أنّه قائل بالكشف الحكمي في تلك المسألة فلا يرد عليه أنّ هذا مخالف لمبناه

و توضيح المقام أنّ توقّف العقد على الإجازة تارة لأجل أنّ العقد بنفسه وقع صحيحا جامعا لشرائط الصّحة و لكن حيث إنّه وقع عن غير المالك فلا يستند إليه لا تسبيبا و لا مباشرة حتى صار العقد عقده فيعمّه أدلّة لزوم الوفاء بالعقد فيتوقّف على الإجازة ليستند إليه و لو تسبيبا حيث إنه قابل للنّيابة و أعمّ من التّسبيب و المباشرة على الفرض فإذا أجاز و استند إليه العقد فعلا يقع الكلام في أن استناد العقد إلى المالك بالإجازة يوجب صحّته من أوّل الأمر فيترتب عليه آثار الصّحّة كذلك أو يتّصف بالصّحّة من حين الإجازة حيث إنّ في هذا الحين صار العقد عقدا له

و بالجملة فمحلّ الكلام في أنّ الإجازة كاشفة حقيقة أو حكما أو ناقلة من حينها إنّما يختصّ بما إذا كان عدم تماميّة العقد من جهة عدم الاستناد إلى المالك فقط و إلّا فجميع جهات العقد من الإيجاب و القبول و النقل و الانتقال و كون كل واحد من العوضين مضمونا عليه و غير ذلك محفوظة كما لا يخفى

و هذا بخلاف ما إذا كان من قبيل جعل الأجرة على الأعمال كما في جميع العقود العهديّة مثل القراض و المضاربة و السّبق و الرّماية و الجعالة و نحو ذلك فإنّ قوام وقوع العمل محترما مضمونا على الغير بأن يكون بأمر الغير و التماس منه

و بعبارة أخرى كان إرادة الفاعل منبعثة عن إرادة الغير و إلّا فلا يقع محترما و مضمونا عليه جدا و حينئذ لو أجاز مالك الجعل أحد هذه العقود المذكورة فبالإجازة و إن استند العقد إليه و صار عقدا له و لكن فائدته أنّ العامل لو لم يأت بالعمل فمن حين الإجازة يصير عمله محترما و واقعا بإذن الغير و التماس منه فيقع مضمونا عليه و أمّا الأعمال السّابقة فلا يكاد يفيدها الإجازة لوضوح أنّ بالإجازة لا يخرج العمل عمّا وقع عليه من كونه متبرّعا غير مضمون على أحد

نعم لو كان جاهلا بالحال و أقدم بتغرير الفضولي يرجع إليه بمقتضى الغرور

ص: 97

يرجع إلى من غره و هذا مطلب آخر

و بالجملة ففي هذا النسخ من العقود لا سبيل إلى القول بالكشف و لو قلنا به في العقود المعاوضيّة كما لا سبيل إليه في العقود الإذنيّة الّتي قوام تحقّقها بالإذن و الاستنابة كالوكالة و الوديعة و العارية و اشتباه ذلك فلو وكّل شخص أحدا فضولا من الغير فمرجع إجازة الغير إلى إذنه و استنابته فيما وكّل له فعلا و لا معنى لكشفها عن صحّة ما وقع فضوليا لما عرفت أن حقيقة هذه العقود الإذن و الاستنابة فيما هو وظيفة للمنوب عنه فلا يعقل وقوعها بدون الإذن و إن لحقه و يترتّب عليه ضمان الوكيل الفضولي لو تصرّف في مال الغير على وجه يوجب الضّمان إلّا أن يكون إذنه و إجازته فيما بعد على وجه يستلزم سقوط ضمانه فتأمل جيدا

و أولى بما ذكرنا من عدم قابليّة الإجازة للكشف ما إذا كان توقّف المعاملة عليها لأجل تعلّق حقّ للمجيز على أحد العوضين على وجه يمنع من تصرّف المالك كما في بيع الرّاهن العين المرهونة بلا إذن من المرتهن و كما في بيع ما تعلّق به حق الخيار بناء على أنّه حقّ متعلّق بالعين

و كيف كان ففي هذه المواضع أيضا لا معنى لكاشفية الإجازة بلا شبهة لأنّ البائع إنّما باع مال نفسه فلا معنى لتوقّفه على إجازة غيره

غاية الأمر حيث إنّه مناف لحقّ المرتهن فلا بدّ من التخلّص عنه بوجه إمّا بفكّ الرّهن أو باستيذان منه و إلّا فالبائع ما باع مال غيره حتّى يتوقّف على الإجازة لا من جهة الاستناد و لا من جهة أخرى كما لا يخفى

و بالجملة ففي هذه الموارد الثلاثة لا محيص عن القول بأنّ الإجازة مثبتة بمعنى أنّ ما يترتب على الفضولي يثبت بها لا أن يثبت بالعقد و يكون الإجازة كاشفة عنه كما لا يخفى و ما نحن فيه من قبيل القسم الأخير حيث إنّ البائع إنّما قبض ماله غايته للمشتري حقّ الحبس لعدم أخذه المبيع فقبضه بدون إذن منه مناف لحقّه الثّابت فيه فيكون من قبيل تصرّف المالك في العين المرهونة فتأمّل و لا تغفل

[ثم إنه يشترط في هذا الخيار أمور]
[الشرط الرابع أن يكون المبيع عينا أو شبهه كصاع من صبرة]

قوله قدّس سرّه إلّا أنّ الظاهر من لفظ الشّي ء الموجود الخارجي إلى آخره

و حاصل الاستظهار بنحو أسدّ و أخصر أنّ ظاهر لفظ الشّي ء كلفظ المبيع و المتاع أن يكون المبيع معنونا بهذا العنوان قبل البيع و الكلي الثابت في الذّمّة لا يكون قبل البيع شيئا بل اعتبار يحدث بالعقد فرواية أبي بكر بن عيّاش أيضا منصرفة عنه كسائر الأدلّة

[ثم إن هنا أمورا قيل باعتبارها في هذا الخيار]
[منها عدم الخيار لأحدهما أو لهما]

قوله قدّس سرّه منها عدم الخيار لأحدهما أو لهما

الوجوه المحتملة هاهنا أنّ الخيار تارة في الثّلاثة و أخرى بعدها و ثالثة عندها أي رأس الثلاثة و على التّقادير إمّا لأحدهما أو لكليهما و الّذي يمكن استظهاره من الأدلّة على ما يشير إليه أن يكون خيار في البين عند الثّلاثة الّذي هو موقع جعل خيار الشّرط إمّا بعدها أو قبلها فلا وجه للاشتراط و على هذا فلا ينافي مع خيار الحيوان على ما يتّضح لك إن شاء اللّٰه

قوله قدّس سرّه و كيف كان فلا أعرف وجها معتمدا في اشتراط هذا الشّرط إلى آخره

لا يخفى أنّ ما أفاده أخيرا من أنّ ظاهر الأخبار كون عدم مجي ء المشتري بالثّمن بغير حقّ التأخير و ذو الخيار له حقّ التأخير مبنيّا على ما أفاده في التّذكرة في أحكام الخيار من أنّه لا يجب على البائع تسليم المبيع و لا على المشتري تسليم الثّمن في زمن الخيار وجه وجيه لعدم الخيار مناقشته فيه بقوله و فيه بعد تسليم الحكم في الخيار إلى آخره كما ناقش فيه في أحكام الخيار أيضا ممّا لا وجه له مع اعترافه قدّس سرّه به في باب القبض و عليه يبنى جواز حبس أحد المتبايعين ما انتقل عنه مع امتناع الآخر عن تسليم ما انتقل إليه و به يجيب قدّس سرّه في ذاك الباب من إشكال

ص: 98

الأردبيلي في المسألة من أن ظلم أحد المتبايعين و منع الغير عن حقّه لا يوجب جوازه على الآخر

و بالجملة ما أفاده في التّذكرة في غاية المتانة و توضيحه أن بعد ما كان بناء المعاملة و عقد المعاوضة على التّسليم و التسلّم و التّبديل و التبدّل فيصير القبض و الإقباض من الشّروط الضّمنية الّتي التزم بها المتعاقدان في متن العقد و هذا هو المراد من قولهم إن إطلاق العقد يقتضي كذا و كذا و حينئذ فمرجع كون العقد خياريا إلى أنّه بجميع ما تضمّنه من الشّروط الضّمنية أو الصّريحة غير واجب الوفاء فكما لا يجب الوفاء بنفس العقد كذلك لا يجب الوفاء بما في ضمنه من التعهّدات الضّمنيّة و عليه يتفرّع أنّ الشّروط الصّريحة في ضمن العقد غير واجبة على المشروط عليه إذا كان العقد خياريا أمّا إذا كان له الخيار فواضح و أمّا إذا كان عليه الخيار و لم يسلّم الآخر ما انتقل عنه فلما عرفت من أنّ التّسليم و التسلّم التزام من الطّرفين فإذا لم يف أحدهما به و لو حقا فلا يجب على الآخر أيضا الوفاء به

نعم لو سلّم ذو الخيار فيجب على من عليه الخيار أيضا أن يسلّم ما انتقل عنه بجميع ما اشترط عليه في ضمن العقد صريحا أو ضمنا

و حينئذ ففي المسألة لو فرضنا أن يكون لأحدهما أو كليهما خيار عند الثلاثة الّتي هي زمان جعل الخيار فلا يجب على المشتري بذل الثّمن في هذا الحال أمّا لو كان له خيار زائد عند الثّلاثة الّتي هي زمان جعل الخيار فلا يجب زائد على المشتري بذل الثّمن في هذا الحال أمّا لو كان إلى هنا خيار فلما عرفت أنّ ذلك مقتضى عدم وجوب الوفاء بالعقد بجميع ما يتضمّنه ضمنا أو صريحا و من جملة تسليم ما انتقل عنه و أمّا لو كان للبائع خيار فلأنّ المفروض أنّه لم يسلّم المبيع فلا يجب عليه البذل أيضا لما عرفت من أنّه التزام من كلا الطّرفين فإذا لم يكن أحدهما ملزما به بمقتضى خياره فلا يلزم الآخر أيضا بمقتضى التزامه إلّا أن يشترط عليه تعجيل الثّمن و هو خارج عن موضوع المسألة

و حينئذ فبضميمة الاستظهار من الأخبار من كون عدم مجي ء المشتري بالثّمن بغير حق التأخير يتمّ المطلب كما أن حكمة تشريع هذا الخيار و هو كونه قهرا على المشتري المماطل و جبرا على البائع و ملاحظة مناسبة الحكم مع موضوعه أيضا يقتضي أن يكون كذلك

و لكن لا يخفى أنّ ذلك لا يقتضي أزيد من أن لا يكون التأخير عند الثّلاثة بحقّ و عن مماطلة و أمّا في الثّلاثة فلا موجب للالتزام به كما أفاده قدّس سرّه فأشكل عليه لزوم اختصاصه بغير الحيوان مع اتّفاقهم على ثبوته فيه ظاهرا بل ربما يستأنس من التحديد بالثلاثة أن يكون الغرض منه مراعاة خيار الحيوان فجعل الخيار للبائع بعد الثّلاثة

و بالجملة فلا وجه و لا موجب للالتزام بكون تأخير الثّمن عن مماطلة في مجموع الثّلاثة بل غاية ما يقتضيه ما تقدم عدم كونه كذلك عند الثلاثة فلا ينافي مع خيار الحيوان بوجه نعم ربما ينافي مع ما يدّعى ظهور الأخبار في كونه إمهالا على المشتري في الجملة فتأمل

و كيف كان فلا ينافي هذا الخيار مع خيار المجلس أصلا و العجب أنّه قدّس سرّه مع التزامه بذلك و تقوية كون مبدإ هذا الخيار من حين العقد كما يأتي آنفا المستلزم لعدم كون التأخير في بعض الثلاثة بغير حق فمع ذلك يلتزم بأن لا يكون في مجموع الثلاثة كذلك و على أيّ حال فلا ينافي مع خيار المجلس بلا إشكال إلّا أن يتّفق بقاء المجلس و اصطحابهما إلى الثّلاثة فمقتضى ما ذكرنا أيضا عدم الخيار و لكنّه فرض نادر جدا و من مطاوي ما ذكرنا ظهر أنّ مبدأه أيضا من حين العقد كما هو المستظهر من مضامين الأدلّة

و أمّا احتمال كونه من حين التفرّق فلا وجه له عدا ما تقدم من الإشكال

ص: 99

المعروف في خيار الحيوان أو المجلس من دعوى امتناع اجتماعهما في زمان و لكنّها باطلة جدّا كما هو المحقّق في محلّه و احتمال كون المبدإ في خصوص المقام بعد التفرّق استظهارا من الأخبار فاستظهاره على مدّعيه و إلّا فقد عرفت أن ظاهر الأخبار يعطي خلافه

و أمّا خيار الحيوان الثابت للمشتري فلا يمنع أيضا عن هذا الخيار بناء على ما حقّقناه أنّ غاية ما يمكن أن يلتزم به و يستظهر من الأدلّة من مناسبة الحكم و موضوعه أن يكون التّأخير عند انقضاء الثّلاثة بغير حقّ فالواجب أن لا يكون له خيار في هذا الحال و أمّا قبله أو بعده فلا وجه للالتزام به بلا إشكال فلا ينافي اعتبار ذلك مع ما في المختلف من الاتّفاق على ثبوته في الحيوان بل قد عرفت أنّ الإمهال في الثّلاثة لعلّه لأجل مراعاة خيار الحيوان

نعم بناء على ما أفاده قدّس سرّه و استظهره من الأدلّة من أن لا يكون التأخير بحقّ في مجموع الثّلاثة فينافي مع خيار الحيوان كما أفاده لكن الاتّفاق المذكور يدفعه مضافا إلى منافاته مع جعله قدّس سرّه المبدأ من حين العقد فتأمل

و أمّا سائر الخيارات مثل خيار العيب و الغبن و الرّؤية المشروطة فعليّتها بالعلم بالعيب و ظهور الغبن و فقد الوصف و إن كان مبدؤها من حين العقد فربما يختلف الحال فيها من حيث حدوث العلم في الثّلاثة أو بعدها كما يتفاوت الحكم أيضا من جهة القول بالفوريّة و عدمها فالضّابط في منعها عن هذا الخيار ما ذكرنا من أن لا يكون عند انقضاء الثلاثة الّذي هو محلّ خيار الشّرط و موقع حلوله خيار بأن علم به و لم يفسخ و قلنا بسقوط خياره بسبب الفوريّة

و أمّا إذا لم يعلم به إلى أن حلّ الثلاثة فمنعه عن خيار التأخير و عدمه مبنيّ على أنّ استفادة الحكم يدور مدار واقعه فلم يكن التأخير بغير حقّ فلا يكون خيار أو مدار فعليّة الخيار فلا يمنع عنه حيث لا خيار بالفعل و لعلّ الثّاني أظهر لصدق المماطلة في تأخير الثمن فتأمل جيّدا

و منه يظهر حال خيار الشّرط و أنّ المعتبر في منعه أن يكون ثابتا موجودا عند انقضاء الثّلاثة إمّا بأن يكون مبدؤه عند انقضاء الثّلاثة أو من حين العقد إلى التّالي كما هو الشّائع المتداول في خيار الشّرط و لعلّه الوجه في تخصيص السّرائر الحكم بخيار الشّرط فلا تغفل

[مسألة يسقط هذا الخيار بأمور]
[أحدها إسقاطه بعد الثّلاثة]

قوله قدّس سرّه و في سقوطه بالإسقاط في الثّلاثة وجهان إلى آخره

بل لا ينبغي التأمّل في سقوطه به و كذلك في إسقاطه في متن العقد كما في خيار العيب و الغبن فإن فعليّة الخيار و إن كانت عند الثّلاثة و لكن مبدأه و هو استحقاق مطالبة الثمن في كلّ آن موجود من حين العقد فمرجع إسقاطه إلى اجتيازه عن حقّه الثّابت بالعقد كما اعترف به قدّس سرّه في خيار الغبن و نحوه مع أنّ فعليّته أيضا مشروطة بالعلم به فلا مجال لنظره قدّس سرّه و التأمّل فيه

هذا إذا أسقطه في الثّلاثة و أمّا اشتراط إسقاطه في متن العقد فيرد إشكالا تارة من جهة الشكّ في مشروعيّته و منافاته لما هو مقتضى العقد شرعا فلا يصحّ التمسّك بأدلّة الشّروط بعد تخصيصها بما لا يكون منافيا للمشروع فلا دليل على لزوم الوفاء به شرعا و أخرى من جهة كونه إسقاطا لما يتحقّق بالعقد بعد تماميّته فيكون من قبيل إسقاط ما لم يجب

و قد أجيب عن الأوّل في محلّه بأنّ كلّما كان من قبيل الحقوق فإسقاطه جائز نافذ لوضوح أنّ الحقّ سلطنة و جدة مجعولة لصاحبه فمعناه متقوّم بجواز رفع اليد عنه و كون زمام اختياره بيده إلّا أن يقوم دليل خاص على أنّه نحو سلطنة لا يصحّ الاجتياز عنه و إلّا فمقتضى طبعه جواز سلبه عنه و التّقليب و التقلّب فيه و هذا

ص: 100

هو أحد الوجوه الفارقة بين الحقّ و الحكم

نعم إذا كان الحكم الشّرعي هو الإباحة فهو أيضا كذلك حيث إنّ معناه ترخيص المكلّف بالنّسبة إليه فعلا و تركا فيصحّ التزامه به كذلك بالنّذر أو بالاشتراط في ضمن العقد إلّا أن يدلّ دليل على عدم جوازه كشرط عدم التّسري في عقد المزاوجة كما قيل

و أمّا إذا كان الحكم الشّرعي من قبيل الوضع أو الوجوب و التّحريم فمعلوم أنّ الالتزام بخلافه في ضمن العقد أو بالنّذر و العهد يكون منافيا للمشروع إلّا إذا دلّ دليل خاص على جوازه أيضا كما في نذر الإحرام قبل الميقات أو الصوم في السّفر على ما حقّق في محلّه

و عن الثّاني بمنع كونه من قبيل إسقاط ما لم يجب حيث إنّه يشترط الإسقاط في رتبة حصول الملكيّة فيكون إنشاؤه مترتّبا على إنشائهما كما أن تحقّقه أيضا مترتّب على تحقّقها فلم يرد الإسقاط لا في مرحلة الإنشاء و لا مرحلة التّحقّق إلّا على أمر ثابت و احتياجه إلى أزيد من ذلك ممنوع جدّا و لا موجب له عقلا كما لا يخفى و نظائره كثيرة في الفقه أيضا كما صرّحوا بصحّة أن يقال بعتك هذا و جعلت ثمنه رهنا عندك أو اشتريت هذا و رهينة عندك أو يقال وكّلتك في نكاح فلانة و طلاقها إلى غير ذلك ممّا يشبه المقام

و العجب من شيخنا العلّامة حيث إنّه ملتزم بما ذكرنا كلّه في محلّه و مع ذلك يقول فإن كان إجماع على السّقوط و إلّا فللنّظر فيه مجال مع أنّ من جهة الإشكال الأوّل و هو أنّ الخيار إنّما هو مسبّب عن التأخير بعد الثلاثة لا العقد وحده فهو مشترك مع خيار الغبن و العيب بناء على أنّ فعليّة الخيار مسبّبة عن ظهور العيب و العلم بالغبن و قد تقدّم تفصّيه عنه بما ذكرنا من أنّ الإسقاط راجع إلى ما هو مبدأ الخيار الثّابت في حال العقد و من جهة الإشكالين الأخيرين مشترك مع خيار المجلس و الحيوان أيضا

و قد أجاب عنهما أيضا بما يرجع إلى ما ذكرنا و كيف كان فليس للنّظر فيه مجال بل يسقط الخيار بجميع أنحاء إسقاطه بلا ريب و لا إشكال

[الثالث بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة]

قوله قدّس سرّه و لا يبعد دعوى انصراف الأخبار إلى صورة التضرّر فعلا إلى آخره

لا يخفى أن بعد دعوى هذا الانصراف لا مجال للتمسّك بإطلاق الأدلّة على فرض إطلاقها و لا باستصحاب الخيار الّذي استحسنه قدّس سرّه أولا على فرض إهمالها إذ انصراف الأدلّة يوجب تخصيصها بخصوص هذه الصّورة و كذلك يوجب تبدّل الموضوع المستصحب على ما عرفت في خيار الغبن أيضا فلا مجال للتمسّك بهما إلّا أن دعوى هذا الانصراف لا تخلو عن التّمحل و الاعتساف مع أنّه ليس في الأدلّة من الضّرر لا عين و لا أثر

و لو سلّم دخله فهو من قبيل علل التشريع الغير المقتضية لإناطة الجعل بها نفيا و إثباتا و حينئذ فمختار التّذكرة من القول بالسّقوط لا يخلو عن الإشكال فضلا من أن يكون فيه القوّة اللّٰهمّ إلّا أن يدّعى أنّ من ملاحظة مجموع أدلّة الباب و التّفصيل بين ما يتسارع فيه الفساد و غيره و غير ذلك يشرف الفقيه القطع بإناطة الحكم بالضّرر نفيا و إثباتا

و كيف كان فعهدتها على مدعيها فتأمل و لا تغفل

[الرابع أخذ الثمن من المشتري]

قوله قدّس سرّه فلو احتمل كون الأخذ بعنوان العارية إلى آخره

لا يخفى أنّ المناط إنّما هو بقصد الدّافع فاحتمال الأخذ بعنوان العارية لا ينفح بعد ما كان دفع المشتري ظاهرا في بذل الثّمن فأخذ البائع بلا تصريح بخلافه أيضا يحمل عليه و يكون رضا فعليا و التزاما بالعقد الموجب لسقوط خياره كما أفاده قدّس سرّه

نعم يمكن المناقشة في أصل كون مجرّد الأخذ التزاما كما في سائر أبواب الخيارات و لكن الفرق بينها و بين خصوص هذا الخيار المسبّب عن تأخير

ص: 101

الثّمن واضح فلا تغفل نعم مطالبة الثمن لا تدلّ على الالتزام لإمكان أن يكون لأجل أنّه لو رآه مماطلا سيفسخ فيكون استدفاعا للضّرر المستقبل كما أفاد قدّس اللّٰه روحه

[مسألة في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي قولان]

قوله قدّس سرّه و قد تقدم ما يصلح أن يستند إليه لكلّ من القولين إلى آخره

إشارة إلى ما أفاده في خيار الغبن من ابتناء الفوريّة و عدمها على التمسّك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أو الاستصحاب و قد منع في ذاك الباب التمسّك بكلا الأمرين أمّا العموم فلجعل الدّوام و الاستمرار ظرفا للحكم لا لمتعلّقه بحيث يكون مكثّرا لأفراده بحسب الزّمان كتكثّره بحسب الأفراد و أمّا الاستصحاب فلعدم إحراز بقاء الموضوع بعد تمكّن المغبون من تدارك الضّرر فالمرجع إلى أصالة عدم تأثير الفسخ و عدم ترتّب الأثر عليه هذا ملخّص ما أفاده هناك أمّا المقام فمن جهة التمسّك بالعموم فالكلام فيه هو الكلام

لكن لا يخفى أنّ من جهة الضّرر فرقا بين المسألتين كما اعترف به قدّس سرّه فإنّ في مسألة الغبن نفس العقد وقع ضرريّا فعدم المبادرة إلى الفسخ مع علمه بالخيار حكما و موضوعا يمكن القول بأنّه رضا فعليّ بالعقد و إقدام على الضّرر كما لو علم به من حين العقد فالمسامحة و المماطلة مع أنّها خلاف العادة العقلائيّة كاشف نوعيّ عن ارتضاء العقد و اختياره الموجب لسقوط خياره و هذا بخلاف المقام فإنّ الضّرر مستند إلى تأخير الثمن المتجدّد بدوام التأخير في كلّ آن فعدم المبادرة إلى الفسخ غايته الكشف عن الرّضا بالضّرر الفعلي فلا يوجب سقوط الخيار لسبب الضّرر المستقبل فمقتضى حديث نفي الضّرر ثبوت الخيار له في كلّ آن من غير حاجة إلى الاستصحاب فلا تغفل

قوله قدّس سرّه و كيف كان فالقول بالتراخي لا يخلو عن قوّة إمّا لظهور النصّ و إمّا للاستصحاب إلى آخره

أمّا ظهور النصّ ففي محلّ المنع إذ ليس لنا لفظ نستظهر منه نفي اللّزوم رأسا أو في الجملة و دعوى النسبيّة بنفي الحقيقة غير موجهة إذ ليس في البين عدا الإجماع و بعض القرائن على إرادة نفي اللّزوم في الجملة فالالتزام بإهمال النصّ أمسّ بالقواعد اللّفظيّة

و أمّا استصحاب الخيار فالإشكال فيه من جهة إرجاع الشكّ إلى المقتضي على حسب الضّابط الّذي أفاده في محلّه حيث لم يحرز من الأدلّة بقاء هذا الخيار إلى أن يعرضه العارض فأصل المقتضي له لم يحرز إلّا في الجملة فالمرجع إلى ما ذكرنا من التمسّك بنفس أدلّة الضّرر فتدبّر

[مسألة لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البائع]

قوله قدّس سرّه لكن النّبوي أخصّ من القاعدة الأولى إلى آخره

المراد من القاعدة ما يستفاد من الحديث النّبويّ المعروف المتلقّى بالقبول و هو قوله ص الخراج بالضّمان و المراد بالخراج ما يستخرج من الشّي ء من الزّيادات و المنافع فيوهم أنّ منافع الشّي ء و زياداته في مقابل دركه و خسارته فكلّ من يستوفي المنافع كانت العين مضمونة عليه و لذا حكم الشّيخ قدّس سرّه في المبسوط بأنّ نماء المبيع المردود بخيار العيب قبل القبض للبائع بمقتضى ضمانه و لكنّه مبنيّ على الأصل الّذي هو المختار عنده من عدم حصول النّقل و الانتقال التّام قبل انقضاء الخيار و أمّا على الأصل الّذي هو المشهور بل أرسلوه من المسلّمات من حصول الملكيّة التّامّة بالعقد و جميع المنافع و الزّيادات لمالكه أي المشتري فربّما يوهم التّعارض بين تلك القاعدة و القاعدة الأخرى مسلّمة أيضا و هي أن كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه

و لكن لا يخفى أنّ معنى الحديث الخراج بالضّمان أنّ الشّي ء بعد ما ضمنه الإنسان و تضمّنه و دخل في ملكه فمع قطع النّظر عن عروض العوارض عليه يكون تكفّله عليه من حفظه و إصلاحه و الإنفاق

ص: 102

عليه لو كان حيوانا و لو تلف كان من كيسه بإزاء ما يستوفي منه من منافعه و زياداته و هذا لا ينافي أن يقع في عهدة الغير و ضمانه بتلف أو غصب أو عارية مضمونة و غير ذلك كما لا ينافي أن يكون العين في عهدة مالكه و لكن كان منافعه للغير بسبب آخر فالمراد بالضمان نفس التعهّد الحاصل للمشتري بالعقد و دخول المبيع في ملكه بإزاء ثمنه كما يشهد بذلك ما في الخبر الوضيعة بعد الضّمنية حرام إلى آخره حيث أطلق الضّمنية على نفس العقد بل إطلاق العقد عليه أيضا بتلك الملاحظة حيث إنّه لغة العهد أو العهد المؤكّد

و بالجملة فهذا الضّمان لا ينافي مع ما يحصل من سائر الأسباب الاتّفاقيّة من اليد أو التّلف و نحوهما فلا ينافي مع ضمان البائع قبل القبض تعبّدا بل كلّها وارد عليه فإن شئت عبّر عن هذا الضّمان بضمان التكفّل و عن تلك الضّمانات بضمان الغرامة كما عبّر كذلك بعض السّادة الأجلّة كما لا ينافي مع القاعدة الأخرى و هي أنّ التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له بذاك البيان الّذي قلنا فإنّ كلّ ذلك لأجل جهات خارجة عن المعاملة

و كيف كان فالمسألة منقّحة خالية عن الشّبهة نعم الّذي يوجب التحيّر في المقام التّفصيل الّذي نقل عن بعض الأجلّة من أنّه لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البائع و لو تلف في الثّلاثة فمن المشتري فإنّه لا يوجّه بوجه من الوجوه بل يوهم أن يكون التّفصيل بالعكس بتوهّم المعارضة بين قاعدة التّلف قبل القبض و قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له و تقديم الثّانية مع أنّه أيضا فاسد حيث إنّ الثّانية مخصوصة ببعض الخيارات أوّلا و موردها التّلف بعد القبض فلا يعارض مع هذه أبدا ثانيا و كيف كان فينبغي التأمّل و التتبّع لعلّه وقع اشتباه في النّقل فراجع و تأمّل

[القول في الشروط]

[الكلام في شروط صحّة الشّرط]
[أحدها أن يكون داخلا تحت قدرة المكلّف]

قوله قدّس سرّه الكلام في شروط صحّة الشّرط و هي أمور قد وقع الكلام أو الخلاف فيها أحدها أن يكون داخلا تحت قدرة المكلّف إلى آخره

لا يخفى أنّ اشتراط هذا العنوان يوجب اختصاصه بما إذا كان الشّرط من مقولة الأفعال و أمّا اشتراط الوصف الحالي في المبيع مثلا فلا يتّصف بالقدرة و عدمها إلّا بإرجاعه إلى التّسليم بشرط كذا و كذا و كذلك اشتراط بعض النّتائج الغير المتوقّفة على سبب خاص المتحقّق بنفس الشّرط فإنّه لا إشكال في صحّته كما اعترف به مع أنه لا يتّصف بالمقدوريّة

نعم لو كان مرجع الشّرط إلى إيجاد الأسباب فهو كاشتراط الفعل و حينئذ فالأولى التّعبير بكون ما يشترط تحت سلطانه و استيلائه فيعمّ الأفعال التوليديّة و المباشريّة و غيرها من الشّروط الجائزة ككون العبد كاتبا فإنّه يسلّط على الوصف بسلطنته على العين و كذلك في الغايات المتوقّفة على الأسباب و غيرها غايته مرجعه في الأوّل إلى اشتراط إيجاد السّبب و في الثّاني بنفس الاشتراط

و بالجملة فالمعتبر أن يكون الشّرط مملوكا للمشروط عليه كما اعتبر في باب الإجارة كذلك فيعمّ الأعيان و المنافع و الأوصاف و غيرها و الأفعال بجميع أقسامها و وجه اعتباره أيضا أوضح من اعتبار القدرة فإنّ الشّرط أعدّ لنقل ما يصحّ نقله بسائر العقود و ما لا يصحّ نقله بها فلا بدّ كالبيع و الإجارة و غيرهما أن يكون مملوكا للشارط و إلّا فهو من قبيل وهب الأمير ما لا يملك

و على أيّ حال ما كان فعلا للشّارط فلا بدّ أن يكون تحت قدرته إمّا ابتداء كالأفعال المباشريّة أو بتوسيط سببه على وجه لم يكن بين السّبب و المسبّب أمور غير اختياريّة الموجبة لحصول الغاية تارة و عدم حصولها أخرى

ص: 103

كاشتراط جعل الزّرع سنبلا و البسر رطبا فإنّ هذه الأمور من أفعال اللّٰه تبارك و تعالى بتوسيط أمور خفيّة و غير خفيّة يكون فعل العبد و هو الزّرع و السّقي و نحوهما مجرّد إعداد لها فلا يصحّ استناده إلى العبد و عدّه من أفعاله كما لا يخفى

و أمّا ما كان من قبيل أوصاف المبيع فلا بدّ أن يكون خاليا بحيث يقدر الشّارط على أن يسلمه تبعا للعين فإن لم يكن خاليا مثل الأوصاف الّتي يمكن تحقّقها كما يجوز عدمه ككون الزّرع سنبلا أيضا بناء على اشتراط اعتباره وصفا للمبيع لا فعلا للشّارط إذ يصحّ اعتباره بكلا الوجهين و اشتراط القدرة احتراز عنه بكلا وجهيه فلا يجوز اشتراط لما ذكرنا من عدم كون الوصف الغير الفعليّ مملوكا له و تحت سلطنته

و ما كان من قبيل شرط النّتائج مثل كون المال المخصوص لزيد مثلا فالقدرة عليه حصوله بنفس الاشتراط من غير حاجة لي سبب خاص فاشتراط كون زوجته مطلّقة أو أمته حرّة و أمثال ذلك باطل جدّا نعم يصحّ اشتراط إيجاد السّبب مثل أن يعتق عبده مثلا فلا مانع منه من تلك الجهة لكونه تحت سلطنته لو لم يكن فيه محذور من جهة أخرى فتأمل جيدا

[الثّاني أن يكون الشّرط سائغا في نفسه]

قوله قدّس سرّه الثّاني أن يكون الشّرط سائغا في نفسه إلى آخره

الظّاهر أنّ ذكر هذا الشّرط مستدرك لإرجاعه إلى اشتراط القدرة فإنّ الممتنع شرعا كالممتنع عقلا و كذلك على ما ذكرنا من اعتبار كونه مملوكا له إذ بالنّهي الشّرعي يخرج عن تحت سلطنته و مملوكيّته مضافا إلى أنّ مرجع اشتراط المحرّم إلى الاشتراط المخالف للكتاب فيكون من مصاديق المسألة الآتية فتأمّل و لا تغفل

[الثالث أن يكون ممّا فيه غرض معتدّ به عند العقلاء]

قوله قدّس سرّه الثالث أن يكون ممّا فيه غرض معتدّ به عند العقلاء إلى آخره

و لو لم يوجب زيادة في الماليّة و لم يجعل بإزائه المال أيضا فإنّ الشّرط على أيّ حال لا يقع بإزائه الثّمن و لا يقصد في العقد أصالة فلا يلزم أن يكون له الماليّة و هذا بخلاف باب الإجارة فإن تمام الغرض هناك انتقال المنفعة فلا بدّ أن تكون لها ماليّة و تكون عائدة إلى المستأجر بإزاء ثمنه و لذا لا يصحّ إجارة العبادات الغير القابلة للنّيابة

و كيف كان حيث إنّ المدار على كون الغرض معتدّا به عند العقلاء فربّما يشكّ في بعض مصاديقه مثل اشتراط كون العبد كافرا أو جاهلا بالعبادات أو آكلا لأشياء مخصوصة و الضّابط عدم اللغويّة على وجه يوجب ثبوت حقّ للمشروط له على الشّارط فتأمل جيّدا

[الرّابع أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنة]

قوله قدّس سرّه الرّابع أن لا يكون مخالفا للكتاب إلى آخره

و هذا هو العمدة في باب الشّروط و الدّليل عليه الأخبار المتضافرة بين ما هو مضمونه بطلان الشّرط المخالف للكتاب أو بطلان ما ليس في كتاب اللّٰه أو ما كان سوى كتاب اللّٰه أو ما كان ممّا حرّم حلالا أو أحلّ حراما

و في صحيحة ابن سنان من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّٰه عزّ و جل فلا يجوز على الّذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّٰه إلى غير ذلك من العناوين و في عدّ اشتراط الولاء لغير المعتق مخالفا للكتاب كما في بعض هذه الأخبار دلالة على أنّ المراد أعمّ من الكتاب و السّنة كما صرّح به في رواية محمّد بن قيس فيمن تزوّج امرأة و اشترطت عليه أنّ بيدها الجماع و الطّلاق قال ع خالفت السّنة و ولّيت حقّا لست أهلا له إلى آخره

فالضّابط أن لا يكون مخالفا للمشروع و على هذا فلا فرق بين اعتبار الموافقة أو عدم المخالفة إذ لو لم يكن مخالفا للمشروع فلا محالة يكون موافقا لأحد العمومات و الإطلاقات الواردة في الكتاب و السّنة فمرجع جميع هذه العناوين إلى ما ذكرنا من عدم المخالفة للمشروع كما

ص: 104

لا فرق بين كون نفس الشّرط أي الملتزم به مخالفا للكتاب أو الالتزام به كاشتراط عدم التسرّي و التّزويج كما مثّل به قدّس سرّه بناء على استفادة عدم جوازه من الأخبار و لكنّها لا تخلو عن إشكال فإنّه ورد في روايتين على ما نقل قدّس سرّه

إحداهما رواية منصور بن يونس و هي و إن دلّت على التّوبيخ عليه حيث قال ع بئس ما صنع لكنّها مصرّحة بنفوذ الشّرط و وجوب الوفاء به مستشهدا بقول رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله المسلمون عند شروطهم و ثانيتهما رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام و هي و إن كانت ظاهرة في عدم نفوذ الشّرط لكن مفروض السّائل تعليق الطّلاق و أنّه إن تزوّج عليها أو هجرها أو أتى عليها سريّة فهي طالق فيمكن أن يكون عدم نفوذه لتعليق الطّلاق لا لكون الشّرط بنفسه مخالفا للمشروع اللّٰهمّ إلّا أن يقال استشهاد الإمام و تعليله عليه السّلام بمثل فانكحوا ما طاب لكم من النّساء و أحلّ لكم ما ملكت أيمانكم و قوله تعالى وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ يدلّ على أنّ عدم النّفوذ لأجل مخالفة الاشتراط لتلك العمومات فيتمّ المدّعى و لعلّه الوجه لأمره قدّس سرّه بالتأمّل بعد التفاته إلى ما ذكرنا من الإشكال فراجع و تأمّل

و كيف كان العمدة في المقام تشخيص الضّابط لمخالف الكتاب و تمييزه عن غيره فإنّه في غاية الإشكال

و قد أطنب الكلام قدّس سرّه في بيان الضّابط تارة بما حاصله أنّ الحكم الشّرعي لو كان ثابتا على موضوعه لو خلي و طبعه مع قطع النّظر عن الطّواري فاشتراط خلافه ليس مخالف للكتاب فإنّه من الطّواري المغيّرة له فلا ينافي كونه لو خلّي و طبعه مباحا و لكن صار واجبا بعروض الاشتراط أو النذر و العهد أو بأمر الوالدين و غيرهما ممّن يجب إطاعته و إن كان ثابتا لمتعلّقه بجميع حالاته و طواريه فاشتراط الخلاف مخالف للكتاب و أخرى بما حاصله الفرق بين كون ثبوت الحكم المتعلّقة على وجه العليّة أو وجه الاقتضاء فلا ينافيه اشتراط الخلاف إلى غير ذلك ممّا يكون من قبيل الإحالة إلى المجهول و الّذي ينبغي أن يقال في المقام أنّ الشّرط أي ما يتعلّق به الشّرط تارة من الوضعيّات الشّرعيّة

و أخرى من التّكاليف الخمسة التكليفيّة كاشتراط ترك واجب أو مباح أو فعل محرّم أو مكروه و نحو ذلك

أمّا الوضعيّات فتارة من الأمور الّتي جعلها الشّارع تحت سلطنة الشارط و أعطاه زمام اختياره كما في باب الحقوق و الأموال و أخرى ليست من هذه الأمور مثل كون الولاء لمن أعتق و ولد الحرّ حرّ أو الطّلاق بيد من أخذ بالسّاق و غير ذلك من الأمور الّتي ليست تحت اختيار المكلّف بوجه أمّا هذا القسم من الوضع فلا ينبغي الشّبهة في أن اشتراط خلافها مخالف للمشروع جدّا إلّا أن يقوم دليل خاصّ على جواز تغييره بالشّرط أو النّذر و نحوهما و من هذا القبيل اشتراط إرث المتمتّع بها أو رقّيّة من كان أحد أبويه حرّا فإنّ الإشكال فيها من جهة تعارض النّصوص فمن يدّعي جوازه يدّعيه لسبب نصّ خاصّ و إلّا لا يكاد يصحّ تبدّله بالشّرط و نحوه كما لا يخفى كما لا ينبغي الشّبهة في التبدّل بالشّرط فيما إذا كان من قبيل القسم الأوّل أي الحقوق و الأموال إذا المفروض سلطنة عليها و كون اختيار بيده هنا فيتصرّف فيها كيف ما شاء و قد أشرنا سابقا أنّ الشّرط وضع لتملّك ما لا يصحّ تملّكه بالبيع و الإجارة و غيرها فيعرض عن حقّ خياره في المجلس و غيره أو كون مال كذا لزيد أو غير ذلك و هذا أيضا ليس على وجه العليّة لإمكان قيام دليل خاصّ

ص: 105

على المنع من التصرّف الخاصّ كبيع المصحف من الكافر و ما يكون من نظائره فتأمل جيدا

و أمّا ما كان من قبيل التّكاليف فالظاهر أنّ الالتزام بترك الواجب أو فعل المحرّم نوعا خلاف المشروع بل لا ينبغي الشّبهة فيه لمكان إطلاق دليلهما التّأمل لصورة الالتزام بالخلاف و عدمها فيكون مخالفا للكتاب و محلّلا للحرام إلّا أن يقوم دليل خاصّ على جواز تغييره بالشّرط كسائر العوارض المجوّزة لفعل الحرام و ترك الواجب و دليل وجوب الوفاء بالشّرط لا يصلح لذلك لاشتراطه بعدم كونه مخالفا للكتاب و محلّلا للحرام فلا يقع التّعارض بين دليل التّكليف و أدلّة الشّرط أبدا كما توهّم و قيل بالرّجوع إلى المرجّحات و كيف كان فهذا وظيفة دليل آخر غير دليل الشّرط أو كان دليل الواجب أو المحرّم مهملا من تلك الجهة أي لم يكن له إطلاق حتّى في صورة اشتراط خلافه و هذا و إن كان مجرّد الفرض إلّا أنّ على تقدير تحقّقه فالمرجع إلى الأصل الّذي ينقّح تفصيلا فهذا أحد موارد الشكّ الّتي تحتاج إلى الأصل و كذلك فيما إذا تعارض الأدلّة في جواز تغيير الحكم بالشرط و الشّبهة و إن كانت مفهوميّة بل الشكّ من جهة الموضوع في أمثال المسألة قليل جدا و لكن مع ذلك لا مجال للرّجوع إلى العالم لكون المخصّص متّصلا فيوجب إجماله فراجع و تأمّل

و أما المباحات فالالتزام بتركها أو فعلها ليس مخالف للمشروع لعدم منافاة وجوبها بالعرض مع إباحتها كما لا يخفى نعم قد يقال بأنّ نفس الالتزام محرّم للحلال و إن لم يكن الملتزم به مخالف للكتاب لما قيل من عدم المنافاة بل يلزم ذلك في مثل النّذر و العهد و ما يشبههما أيضا حيث إنّ الالتزام بترك المباح محرّم له لا محالة فيعمّه تلك الأدلّة مع أنّ جميع موارد الالتزامات الصّحيحة إمّا التزام بفعل مباح أو مندوب أو ترك مباح أو مكروه فكيف التّوفيق

و يمكن استفادة ما يذبّ به عن الإشكال ممّا ورد في بعض الأخبار من بطلان الحلف على ترك شرب العصير المباح دائما معلّلا بأنّه ليس لك أن تحرّم ما أحلّ اللّٰه فيمكن أن يقال بأنّ الالتزام على ترك المباح تارة التزام بترك مصداق منه أو بتركه مطلقا في برهة من الزّمان و هذا لا بأس به لعدم مخالفته للكتاب لا من حيث الالتزام و لا من حيث الملتزم و أخرى التزام بترك نوع مباح دائما كالحلف على ترك شرب العصير دائما و حينئذ يكون التزامه محرّما لما أحلّه اللّٰه كما في الرّواية

و بالجملة يمكن الفرق بين الالتزام على ترك مباح نوعا أو بعض مصاديقه و كذلك بين تركه دائما أو في برهة من الزّمان و يكون ذلك توفيقا بين الأدلّة على حسب ما تقتضيه الرّواية الواردة في العصير و الإنصاف أنّه لو لم تكن تلك الرّواية كانت المسألة محلّ الشّبهة فتأمل جيّدا

ثمّ إنّ بناء على هذا التّفصيل فالقدر المسلّم من صحّة الالتزام ما إذا كان على بعض مصاديق المباح أو نوعه في برهة قليلة من الزمان و من عدم صحّة الالتزام ما إذا كان على نوع المباح دائما و أمّا الالتزام على بعض مصاديقه دائما أو على نوعه في مدّة متمادية فيكون من موارد الشكّ فالمرجع إلى الأصل و كيف كان فالمسألة لا يخلو عن التأمّل و الإشكال في بعض الموارد و أنحاء الالتزامات فالأولى تأسيس ما يقتضيه الأصل فيها حتى يكون هو المرجع في هذه المقامات

و الّذي أفاده قدّس سرّه هنا أنّ المرجع عند الشكّ في مشروعيّة الشرط أصالة عدم مخالفته للكتاب خلافا لما اختاره في أصوله و عقد تنبيها خاصا لعدم جريان هذا الأصل

ص: 106

في تنبيهات الاستصحاب لأنّ المخالفة ليست مسبوقة بالعدم مع فرض وجود موضوعه حتى يحكم باستمرار العدم إذ الشّرط إمّا وجد مخالفا أو غير مخالف فلا محالة يكون استصحاب عدم المخالفة بلحاظ العدم السّابق على وجود موضوعها من حيث كونها بنفسها من الحوادث المسبوقة بالعدم الأزلي لا محالة و بهذا اللّحاظ أي بلحاظ عدمها النّفسي المحموليّ لم يؤخذ موضوعا بل أخذ بلحاظ عدمها النّعتي أي عدم كون الشّرط مخالفا و بهذا الاعتبار ليس مسبوقا بالحالة السّابقة

و حاصل الإشكال على هذا الأصل أنّ عنوان المخالفة بوجوده النّفسي المحمولي و إن كان مسبوقا بالعدم لا محالة لكن إثباته لا يكاد يثبت الموضوع الشّرعي و لا يكاد يلتئم به الموضوع المقيّد و يحرز بضمّ الوجدان إلى الأصل حتّى يترتّب عليه حكمه إلّا بنحو من الملازمة العقليّة الّتي لا اعتبار بها في الأصول على ما حقّق في محلّه و بوجوده النّعتي الرّابطي إذا استصحب عدمه يلتئم منه الموضوع و لكنّه غير مسبوق بالعدم الكفائي لوضوح أنّ العدم لا يكاد يصير نعتا لموضوعه إلّا يتحقّق الموضوع غير متّصف بالوصف فيصير عدم الوصف نعتا له إمّا قبل وجود الموضوع فليس إلّا العدم المحمولي

و لقد أجاد قدّس سرّه في تنبيهات الاستصحاب في بيان الضّابط بين العدم النّفسي و النّعتي و عدم جريان الأصل في الثّاني دون الأوّل و كأنّه عدل عنه و بنى على جريان هذا الأصل

و حيث إنّه أصل دائر في كثير من المسائل الفقهيّة فلا بأس بشرط من الكلام فيه و بيان ما هو التّحقيق فيه في الجملة فنقول إذا أخذ قيد في موضوع الحكم الشّرعي وجودا أو عدما فتارة من قبيل العرض و محلّه و أخرى من قبيل الجوهرين مثل كون زيد و عدم كون عمر و معه مثلا أو عرضين لموضوعين أو لموضوع واحد خارج عن موضوع الحكم

أمّا ما لم يكن من قبيل العرض و موضوعه فجريان الاستصحاب في كلّ واحد من الجزءين مبني على مسألة معلومي التّاريخ و مجهولي التّاريخ فإن كان أحدهما معلوما كموت المورّث و الآخر مجهولا كإسلام الوارث مثلا يستصحب عدمه إلى زمان الآخر فيلتئم الموضوع بضمّ الوجدان إلى الأصل و يترتّب عليه الحكم الشّرعي أو نقيضه إذا كان المأخوذ في لسان الدّليل مجرّد كون الحادثين مجتمعين في سلسلة الزّمان أو كان أحدهما قبل الآخر أو بعده كذلك من دون اعتبار عنوان بسيط من العناوين المنتزعة عن ذلك كالتّقارن و التقدّم و التأخّر حتى عنوان الحال و شبهه و إلّا فجريان الأصل لا يكاد يثبت هذا العنوان كما لا يخفى

نعم لو كان كلاهما مجهولي التّاريخ فالأصلان فيهما متعارضان متساقطان كما شرح في محلّه و أمّا ما كان من قبيل العرض و موضوعه فتارة يكون العرض نعتا لموضوعه مسبوقا بالوجود أو العدم مثل أنّ زيدا كان عادلا فيشكّ فيستصحب عدالته أو كان و لم يكن بفاسق فيستصحب عدم فسقه و هذا ممّا لا إشكال فيه و إنّما الإشكال في استصحاب عدمه المحمولي أي بلحاظ عدم السّابق على وجود موضوعه فيما إذا لم يكن بوصفه النّعتي مسبوقا بالوجود أو العدم بل موضوعه إمّا وجد متّصفا به أو غير متّصف به من أوّل الأمر و هذا مبنيّ على إمكان أخذه بهذا اللّحاظ في موضوع الدّليل ثبوتا و إثباتا حتّى يلتئم الموضوع ببركة الاستصحاب و ضمّ الوجدان إلى الأصل

و الأقوى عدم إمكان أخذه كذلك أي بوجوده النّفسي المحمولي أو عدمه كذلك لا ثبوتا و لا إثباتا أمّا من حيث الثّبوت فلأنّ المعروض بالنّسبة إلى انقسامه إلى هذا

ص: 107

العرض و نقيضه إمّا أن يكون مطلقا فتقيّده بعدم كون العرض بوجوده المحمولي مقارنا له يدافع مع هذا الإطلاق لبداهة أنّ الملازمة العقليّة مرعيّة بحسب الواقع و نفس الأمر و إنّما لم يعيّن بها في مقام إجراء الأصول و وجود العرض بنفسه و لنفسه عين وجوده لموضوعه فإذا فرضنا أنّ المعروض من حيث انقساماته الأوّليّة الملحوظة قبل انقساماته من حيث الأمور المقارنة له مطلق غير مقيّد لا بوجود العرض نعتا له و لا بعدمه فتقيّده بعدمه المحمولي يدافع مع هذا الإطلاق لا محالة و إن كان مقيّدا به أو بنقيضه على وجه النّعتيّة فتقيّده به كذلك أي كونه أمرا مقارنا له لغو صرف لأجل الملازمة الواقعيّة بين نحويه من الموجود مثلا في قولنا أكرم العالم إذا كان العالم من حيث انقسامه إلى الفاسق و نقيضه مطلقا غير مقيّد لا به و لا بنقيضه فتقييده أيضا بعدم وجود فسقه مقارنا لوجوده يدافع مع هذا الإطلاق و يناقضه لا محالة و إن كان مقيّدا بعدم كونه فاسقا فتقيّده أيضا بعدم وجود الفسق في زمانه تقييد لغو مستهجن فيتعيّن أن يكون العرض ملحوظا على وجه النّعتية في مقام الإطلاق و التّقييد بالنّسبة إلى مفروضه و لا تصل النّوبة إلى لحاظه عرضا و محمولا لما أشرنا إليه من أنّ لحاظ الموضوع إطلاقا أو تقييدا بالنّسبة إلى عوارضه و انقساماته الطارية عليه أوّلا مقدّم على لحاظه باعتبار مقارناته فإطلاق الموضوع أو تقييده بالنّسبة إلى عوارضه إنّما يلاحظ بوجوداتها النّعتية و لا يعقل الإطلاق و لا التّقييد بلحاظ وجوداتها النّفسية و بما هي أشياء في حدّ نفسها مباينة لوجود موضوعاتها فتأمل جيّدا

و أمّا من حيث الإثبات و ملاحظة الأدلّة فلأن أخذ القيد في موضوع الحكم تارة بنحو المركّب التّوصيفي كقولك أكرم العالم العادل مثلا و اعتباره نعتا لموضوعه بديهيّ في هذا القسم و استصحاب وجود العدالة مقارنا للعالم لا يثبت عنوان العالم العادل كما هو واضح و أخرى بدليل منفصل كقولك لا تكرم الفاسق من العالم بعد الحكم بإكرام العالم مطلقا

و هذا القسم أيضا يكشف الدّليل المنفصل عن اعتبار نقيضه العدمي أي من ليس بفاسق في مصبّ العموم و يخرج العام عن كونه تمام الموضوع فيساوق التّوصيف غايته بعنوان عدمي الّذي هو نقيض الخارج

و ما أفيد في المقام من بعض أساتيدنا الأعلام طاب ثراه من عدم معنونيّة العام بعنوان النّقيض بل هو معنون بكل عنوان فيعمّ صورة لحقوق العرض عليه بوجوده المحمولي فيستصحب عدمه الأزلي و ببركته يدخل في موضوع العام و يعمّه حكمه مرجعه إلى عدم التّخصيص المفروض وجوده فيلزم الخلف لبداهة أنّ بعد خروج عنوان الفاسق مثلا عن تحت العام فلا محالة تضيّق موضوع الحكم و مصب العموم و لا يبقى انقسامه إلى الخارج و نقيضه و لا نعني بالتّقييد إلّا هذا

نعم إطلاقه بالنّسبة إلى وجود العرض و عدمه بما هو أمر مقارن له و إن لم ينثلم بالتّقييد اللّفظي فإنّ الخارج إنما هو بعنوانه النّعتي و نقيضه الّذي يقع في مصبّ العموم كذلك لا محالة و لكن قد عرفت أنّ بعد هذا التّقييد لا يكاد يبقى ذلك الإطلاق و إلّا يتدافعان لأجل الملازمة الواقعيّة

و توضيح المقام بأزيد من هذا البيان موكول إلى محلّه و كيف كان فهذا القسم أيضا بعد وقوع نقيض الخارج في مصبّ العموم مرجعه إلى التّقييد بالمتّصل و ثالثة يكون بنحو الاستثناء كقولك أكرم العالم إلّا الفاسق منهم و هذا أيضا كالمنفصل في تضييق مصبّ العموم و تقييده بنقيض الخارج بل هو أولى كما لا يخفى على المتأمّل فتأمل و رابعة يكون بدليل منفصل لكن على نحو يكون التّقييد واردا على عنوان الوصف كما هو الشّائع المتعارف في ألسنة العلماء و لا يخلو لسان الأدلّة

ص: 108

عنه أيضا كقولهم يشترط في الإمام العدالة و الذكوريّة و الحريّة مثلا و هذا القسم مع قطع النّظر عما ذكرنا في مرحلة الثّبوت يمكن في مقام الإثبات أن يكون اعتبار الوصف في موضوع الحكم بجواز الاقتداء بوجوده النّفسي المحمولي بأن يكون الشّرط في جواز الاقتداء مثلا كون العدالة و الحريّة و نحوهما موجودة في زمان وجود الإمام و مقارنة لوجوده لا نعتا له بأن يكون عادلا أو حرّا مثلا و هذا مع قطع النّظر عن كونه تقييدا مستهجنا ربما يقطع بعدمه و عدم إرادته لو فرض وقوعه في لسان الأدلة غايته أنّه يوجب الشكّ في أحد النّحوين و هما كيفيّتان متباينتان من التّقييد فلا بدّ من إحراز القيد بكلا الوجهين فلا بد أن يكون الوصف بكلا نحويه مسبوقا بالوجود أو العدم بل إثبات عدمه نعتا يلازم عدمه مقارنا و لا عكس فتأمل جيدا

و بالجملة فقد ظهر أن بحسب لسان الأدلّة إنّما أخذ الأوصاف الّتي نسبتها إلى موضوع الحكم نسبة العرض إلى محلّه على وجه النّعتيّة و الصّفتيّة لا بوجوداتها النفسيّة و بما هي ماهيّات في حيال ذاتها فلا بدّ في إحرازها بالاستصحاب أن تكون مسبوقة بالحالة السّابقة بما هي نعوت لموضوعاتها و إحراز عدمها الأزلي بما هي ماهيات في قبال موضوعاتها لا يثبت عنوان نعتيّتها إلّا بالملازمة العقليّة الغير المرعيّة في الأصول العمليّة على ما حقّق في محلّه و حينئذ فاللازم تنقيح أنّها بوجوداتها النعتيّة مسبوقة بالعدم حتّى يستصحب عدمها أو ليست مسبوقة بالعدم كذلك فلم يكن مجال للاستصحاب و صحّة الاستصحاب هنا مساوقة لما هو المعروف عند المنطقيّين من صداق السّالبة بانتفاء الموضوع و عليه بنوا الفرق بين السّالبة المحصّلة و الموجبة المعدولة المحمول و لكن المرضيّ عند المحقّقين أنّه من الأغلاط كما صرّح به الحكيم السّبزواري في حاشيته على الأسفار و إن تبعهم في منظومته في المنطق و كيف كان توضيح المقام مبنيّ على بيان إجماليّ في حقيقة الرّبط و النّسبة في القضيّة و أنّه من ناحية الماهيّة بمعنى أنّ الماهيات العرضيّة مع قطع النّظر عن وجوداتها لها جهة نفسيّة و جهة ربطيّة بموضوعاتها فإذا كانت الماهيّة بكلتا جهتيها مسبوقة بالعدم فنعتيّتها لموضوعها تكون مسبوقة بالعدم الأزلي فيصح استصحاب عدمها بنحو من العناية و أنّ الرّبط و النّسبة بأنفسهما ماهيّة ثالثة خارجة عن ماهيّة الموضوع و المحمول و هي المادّة المشتركة الّتي يرد عليها الإيجاب تارة و السّلب أخرى فيكون عنوان الرّبط بنفسه كسائر الماهيات مسبوقا بالعدم فيستصحب استمرار العدم و عدم طرده بالوجود أو أنّه معنى منتزع من ناحية وجود العرض و الماهيّة بنفسها ليست إلّا هي تارة يلحقها الوجود المحمولي الطارد لعدمه كذلك و أخرى باقية على عدمها فالنعتيّة و الربطيّة و الاتّصاف و غيرها كلّما شئت فعبّر عناوين منتزعة عن خصوصيّة وجود العرض و أنّه إذا وجد في الغير لا محالة

و بعبارة أخرى إذا أفيض الوجود إلى العرض و وجد في موضوعه فلوجوده اعتباران لا أنّ له وجودين فإنّه من الأغلاط اعتبار كونه بنفسه موجودا من الموجودات في عرض موضوعه و اعتبار كونه حالا فيه و قائما به و فانيا فيه فمن اعتباره الثاني ينتزع الوجود الرّبطي و النّعتي كما أنّ من اعتباره الأوّل ينتزع الوجود النّفسي المحمولي

و على هذا ليست النعتيّة مسبوقة بالعدم بل المسبوق به هو الماهية العرضيّة الّتي تنقسم إلى الموجودة تارة و إلى المعدومة أخرى و هي الّتي نسبتها إليهما على حدّ سواء و أمّا الوجود فلا يعقل أن يعرضه العدم كما هو واضح لا يخفى و ما قيل من أنّ الوجود مسبوق بالعدم فيه مغالطة فإن معناه

ص: 109

أن وجود الماهيّة مسبوق بعدمها لا بعدمه بمعنى أنّ وجودها يطرد عدمها و ينقضه لا أنّ الوجود كان معدوما ثم لحقه الوجود أو يشكّ فيه فيستصحب عدمه فإنّ ذلك من الأغلاط الواضحة الّتي لا يكاد يتفوّه به ذو مسكة فإنّهما وصفان متقابلان يعرضان الماهيات فلا يعقل اتّصاف أحدهما بالآخر تارة و بنقيضه أخرى كما لا يخفى

و بالجملة الّذي يكون مسبوقا بالعدم هو الماهيّة و هي القضيّة المتيقّنة في الاستصحاب الّتي يصحّ أن يقال إنّها كانت معدومة و الآن كما كانت و لا يصحّ أن يقال إنّ الوجود الرّبطي كان معدوما و الآن كما كان بالضّرورة من العقل و البداهة من الوجدان

فقد ظهر من ذلك كلّه أنّ الربطيّة و النعتيّة و غيرهما من العناوين منتزعة عن وجود العرض و تحقّقه في الخارج قائما بموضوعه و فانيا فيه فلا يعقل أن يكون مسبوقة بالعدم المحمولي فضلا عن النّعتي و إنّما المسبوق به ذات العرض بما هو عرض لا بما هو عرضيّ فافهم و اغتنم و قد ظهر أنّ هذا مساوق لكذب القضية السالبة بانتفاء الموضوع كما قال به أهل التّحقيق

نعم بناء على الوجهين الأوّلين و هو أن يكون الربطيّة من قبل ذات الماهيّة العرضيّة أو تكون الماهيّة ثالثة رابطة بين الموضوع و المحمول فإذا كانت الماهيّة بخصوصيّاتها مسبوقة بالعدم فيصحّ أن يقال خصوصيّتها النعتيّة كذلك مسبوقة بالعدم و أوضح من ذلك الوجه الثّاني لوضوح أنّ عنوان الربطيّة إذا كانت ماهيّة من الماهيّات فمسبوقة بالعدم لا محالة فيصحّ الاستصحاب و كذلك يصحّ قولهم بصدق السّالبة بانتفاء الموضوع فإنّ نفي الرّبط كما يصدق مع وجود الموضوع كذلك يصدق مع عدمه أيضا و لعلّه يرجع إلى ما ذكرنا من الوجهين الخلاف المحكيّ بين القدماء من المنطقيين و الجماعة المتأخّرة عنهم من أن مفاد السّالبة هو سلب الرّبط الّذي في الموجبة بمعنى أنّ الإيجاب في الموجبة عبارة عن نسبة المحمول إلى الموضوع فيرد على مادّة المحمول و في السّالبة يرد السّلب على هذه النّسبة الإيجابيّة و لازمه عدم وجود السّلب و الإيجاب على شي ء واحد

و هذا خلاف ما يقضي به الوجدان لبداهة أنّ ما يثبت للموضوع في الموجبة بعينه يسلب و ينفى في السّالبة و كذلك لازم هذا القول خلوّ القضيّة السّالبة عن الرّبط و النّسبة و هذا أيضا ممّا لا يساعده الضّرورة من الوجدان و لذا عدل عن ذلك الجماعة المتأخّرة و قالوا بأنّ مفادها ربط السّلب أي السّلب و الإيجاب يردان على النّسبة الخبريّة على حذو واحد و هي المادة المشتركة في كلتا القضيّتين الخارجة عن مادّتي الموضوع و المحمول و لازمه القول بتربيع أجزاء القضيّة كما قالوا و هذا الوجه و إن كان أصلح من الوجه الأوّل إلّا أنّه أيضا خلاف التّحقيق و يصادمه الوجدان الدّقيق إذ من البديهي في استعمالاتنا و محاوراتنا أن النسبة ليست شيئا برأسها و جزءا للقضيّة بنفسها إذ لازمه أن يكون من سنخ الماهيات مع أنّها منحصرة في المعقولات المعروفة مضافا إلى أنّ بناء عليه تحتاج بنفسها إلى ما يربطها بطرفيها فافهم جيّدا

و قد خرجنا عمّا هو المقصود في المقام

و كيف كان فعلى هذين الوجهين يتمّ استصحاب الأعراض بوجوداتها النّعتيّة كما يصحّ صدق السّالبة بانتفاء الموضوع أيضا و لكن على ما هو تحقيق الحقّ في المقام كما قال به المتأخّرون من أهل الصّناعة من أنّ النّسبة في حاق حقيقتها منقسمة إلى ثبوتيّة و سلبيّة و أنّها بكلا قسميها واردة على مادّة المحمول فالإيجاب عبارة عن ثبوت المحمول العرضي لموضوعه كما أنّ السّلب

ص: 110

سلب المحمول عن موضوعه و أنّه غير متّصف به و غير معنون بعنوانه و مرجعه إلى ما ذكرناه و اخترناه على ما يساعد عليه الوجدان في الاستعمالات و المحاورات من أنّ النسبة الثبوتيّة أمر منتزع عن نفس وجود العرض في محلّه و قيامه به و فنائه فيه كما أنّ السلبيّة عبارة عن عدم قيام العرض بمحلّه فيصير ذلك وصفا أو عنوانا عدميّا للموضوع لا محالة و هذا معنى قولهم النسبة في حاقّ حقيقتها تنقسم إلى الثّبوتيّة و السّلبيّة

و يشهد لذلك ما بنوا عليه و حقّقوه من أنّ كلّ واحد من الوجود و العدم ينقسم إلى النفسيّ المحموليّ و الرابطيّ نعم قد استشكل صدر المتألّهين في العدم الرّبطي نظرا إلى أنّ العدم كيف يكون رابطا مع أنّه لا يصلح لأن يكون منشأ لأثر بل الآثار كلّها من قبل الوجود و هو منشؤها و مبدؤها و لذا قد مال في حقيقة النّسبة إلى ما ذهب إليه المتقدّمون من أنّ النّسبة السلبيّة سلب ما في القضيّة الإيجابيّة غفلة عن تواليه الفاسدة و محاذيره الّتي أشير إليها في الجملة مع مصادمته للضّرورة و الوجدان

و قد أجاد شيخنا الأنصاري قدّس سرّه و كيف أجاد بل لعلّه ممّا أجرى اللّٰه تعالى على قلمه من التّعبير عن العدم الرّبطي بالنّعتي و به يحسم مادّة الإشكال لوضوح صلاحيّة العدم المضاف أن يصير نعتا لمنعوته و عنوانا له و لو سلّم عدم صلاحيّته للرّبط كما توهّم

و الحاصل أنّ الذّوات كما تتّصف بالأوصاف الوجوديّة كذلك تتّصف بالأوصاف العدميّة بمعنى أن يكون عدم القيام مثلا عنوانا و وجها لزيد كما أن وجوده ربما يكون كذلك

و قد ظهر أن كلّا منهما بذاك الاعتبار ليس مسبوقا بالعدم فلا مجال لاستصحابه بل المسبوق به باعتبار وجود الوصف و عدمه المحمولي و استصحابه بذاك الاعتبار لا يثبت وجوده و عده نعتا و إن يلازمه واقعا إلّا أنّ بناء الأصول على التّفكيك بين اللّوازم و الملزومات و الملازمات كما لا يخفى

و قد ظهر أيضا أن صدق السّالبة بانتفاء الموضوع من الأغلاط الواضحة و ما يتداول في الألسنة بنحو من العناية لا محالة لو كان من الاستعمالات الصّحيحة فلا يزاحم مع ما ذكرنا من البيان و إقامة البرهان

نعم هناك مغالطة قد استدلّ بها القائلون بالصّدق و هي أنّه لو لم يصدق السّالبة عند انتفاء الموضوع لصدق نقيضه لا محالة و التّالي باطل بالضّرورة فالمقدم مثله مثلا لو لم يصدق زيد ليس بقائم عند انتفاء الموضوع لصدق نقيضه و هو زيد قائم لامتناع ارتفاع النّقيضين و حلّه أنّ العوارض اللّاحقة للموضوعات تارة هي نفس الوجود و العدم و أخرى سائر العوارض كالقيام و القعود و نحوهما

أمّا الوجود و العدم فيلحقان ذات الموضوع بماهيّته و حقيقته العارية عن كلا الوصفين و لذا يكون الحمل في مثل زيد موجود مبنيا على العناية و التّجريد و حينئذ فيهما وصفان متقابلان تقابل الإيجاب و السّلب بمعنى امتناع ارتفاعهما بالقياس إلى الماهيّات كما يمتنع اجتماعهما أيضا و لا يعقل الواسطة بينهما إذ معروضهما ذوات الماهيّات كما قلنا

و أمّا سائر العوارض فتلحق الموضوعات المفروضة وجودها فإنّها هي الّتي تصحّ قيام العرض بها أو نقيضه و انقسامها إلى القسمين و أمّا الماهيّة بذاتها مع قطع النّظر عن كونها موجودة لا تكاد تتصف بالقيام و لا بنقيضه و كذلك سائر العوارض فيكون تقابل كلّ عرض و نقيضه تقابل العدم و الملكة لورودهما على موضوع قابل لأن يتّصف بهما و هو الموضوع المفروض الوجود فيصحّ حينئذ ارتفاعهما بانتفاء موضوعه

نعم بعد فرض وجود الموضوع

ص: 111

لا يعقل ارتفاعهما كما لا يمكن اجتماعهما و لا يجري ذلك بالنّسبة إلى وصفي الوجود و العدم فإنّ فرض انتفاء الموضوع مساوق لاتّصاف الماهيّة بالعدم فلا يعقل تصوّر خلوّها عن الوصفين كما لا يخفى و حينئذ نقول السّالبة عند انتفاء الموضوع بنفسها من الأغلاط لعدم صلاحيّة الموضوع بعد فرض انتفائه للحوق عدم القيام به كما لا يصلح للحوق القيام به فتأمل جيدا فإنّ قلت على هذا فلا فرق بين السّالبة المحصّلة و الموجبة المعدولة المحمول من حيث الصّدق مع أنّهم قد فرّقوا بينهما باعتبار ثبوت الموضوع في الثّانية كما في سائر الموجبات دون الأولى قلت نعم لا فرق بينهما بحسب الصّدق و التفرقة المذكورة عين المدّعى فمصادرة

نعم فرق بينهما من جهة أخرى و هو ما أشرنا إليه من أنّ الموضوع إذا اتّصف بوصف عدميّ يصير ذلك العدم المضاف عنوانا له بلحاظ الثّانوي فالفرق بينهما هو الفرق بين العناوين الأوّليّة و الثّانوية بمعنى أنّ زيدا إذا حكم عليه بعدم القيام فينزع منه عنوان بسيط ثانويّ باللّحاظ الثّانوي فيتّصف بكونه لا قائم و لذا لو كان موضوعا لحكم شرعيّ بهذا العنوان فاستصحاب عدم اتّصافه السّابق بالعرض لا يثبت ذاك العنوان فافهم جيّدا

و كيف كان فنتيجة ما ذكرنا من التّفصيل و التّطويل و إن لم يكن خاليا عن الفائدة و الإفادة لشيوع هذا الاستصحاب في الأبواب كثيرا فلا بدّ من تنقيحه أنّ النّعوت العدميّة الّتي نسبتها إلى منعوتاتها نسبة العرض إلى موضوعه مثل عدم كون الشّرط مخالفا أو عدم كون الدّم حيضا أو عدم كون الماء كرّا أو عدم كون الامرأة قرشيّة إلى غير ذلك من الموارد العديدة الّتي لا تحصى لا مجال لاستصحابها بلحاظ عدمها السّابق على وجود موضوعاتها لعدم كونها بهذا اللّحاظ مسبوقة بالعدم و بلحاظ عدمها المحمولي لم تؤخذ موضوعا لحكم بل قد عرفت امتناعه ثبوتا و عدم وقوعه إثباتا و حينئذ لو شكّ في هذه الموارد مثل أنّ الشّرط مخالف للكتاب أم لا فلا أصل في تلك المرحلة و لكنّه حيث يوجب الشكّ في نفوذ الشّرط فالأصل المسبّبي أي أصالة عدم نفوذ الشّرط و عدم كون المشروط عليه ملزوما به هو المحكم فافهم و اغتنم

[الشّرط الخامس أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد]

قوله قدّس سرّه الشّرط الخامس أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد إلى آخره

اعلم أنّ مقتضيات العقد تارة ما يقتضيه بذاته بمعنى أنّ سلب ذلك المقتضي عنه يكون مساوقا لنفيه و إبطاله و أخرى ما يقتضيه بإطلاقه سواء كان من آثاره المترتّبة عليه عرفا مثل اقتضائه للتّسليم و التسلّم و كون الثمن نقدا و كونه نقد البلد و ما يشبه ذلك أو من الأحكام الثّابتة له شرعا مثل ثبوت خيار الحيوان للمشتري و خيار المجلس للمتعاقدين و نحوهما فإنّ مرجع الجميع إلى الأحكام الثّابتة له شرعا غايته إمّا تأسيسا أو إمضاء و إلّا فالأثر العرفي لو لا الإمضاء الشّرعي لا مانع من اشتراط خلافه لعدم منافاته مع ذات العقد و لا يندرج تحت عموم الشّرط المخالف للكتاب فلا محذور

و كيف كان فمن المعلوم أنّ ما كان منافيا لإطلاقه لا مانع عن اشتراطه لوضوح أنّ معنى الإطلاق صلاحيّته للتّقييد و صحّة الاشتراط على خلافه فالمنع عنه من جهة أخرى لا محالة فيندرج المسألة من تلك الجهة في المسألة السّابقة من ملاحظة كونه مخالفا للمشروع أو غير مخالف فما أفاده قدس سرّه من الوجهين لعدم الصّحة لا يجريان في مورد واحد بل الوجه الأوّل لما كان منافيا لذات العقد و الثّاني لما كان منافيا لما جعله الشّارع من آثاره فلا بدّ من ملاحظة دليل

ص: 112

ذلك الجعل من أنه جعل أثرا لذات العقد أو لإطلاقه

و على أيّ حال لا دخل له بما يقتضيه العقد من الالتزامات المنشأة به صريحا أو ضمنا مطابقة أو التزاما بل من الأحكام الثّابتة له بالتّعبد فالمتّبع ملاحظة دليله و كيف كان فقد اختلط هذه المسألة بالمسألة السّابقة و لعلّه المنشأ للإشكال و صعوبة الفرق بين الموارد الّتي يصحّ الاشتراط عمّا لا يصحّ فكان حقّ المقام تخصيص البحث هنا بالآثار المترتّبة بحسب العرف و العادة على ما ينشأ بالعقد و البحث عمّا هو مقتضى ذات العقد بحيث لو لم يكن كان الإنشاء لغوا و كان اشتراط عدمه مناقضا لما أنشأه بالعقد أوّلا و ما هو مقتضى إطلاقه فاشتراط عدمه كان رافعا للإطلاق المقتضي له لا منافيا لما اقتضاه مع حفظ المقتضي كما لا يخفى على المتدبّر فتدبّر

و أمّا الآثار المجعولة على العقد شرعا التي لا ربط لها بالإنشاء العقدي و ما ينشأ به و يلتزم به المتعاقدان صريحا أو ضمنا فهي خارجة عن هذه المسألة رأسا و مندرجة في المسألة السّابقة

و قد عرفت أنّ المتّبع ملاحظة دليل الجعل و حينئذ فتشخيص القسمين أي ما يقتضيه ذات العقد أو إطلاقه في غاية الوضوح و كمال السهولة فإن المنشئات العقديّة تارة ينشئها العاقد أوّلا و بالذّات و يدلّ العقد عليه مطابقة مثل تمليك الأعيان في البيع و المنافع في الإجارة و أخرى ينشئها تبعا و ضمنا بحيث يعدّ من مداليل العقد التزاما مثل كون العوض نقد البلد أو كون ما انتقل عنه صحيحا أو غير ذلك من الأمور الّتي يتضمّنه العقد و يدلّ عليه بالدّلالة الالتزاميّة

فإن كان مرجع الاشتراط إلى ما ينافي الأوّل مثل أن يكون مرجعه إلى عدم حصول المبادلة و التّمليك و التّملك مثلا فهو مناف لمقتضى العقد لا محالة للزوم المناقضة الواضحة و من هنا يظهر وجه بطلان اشتراط كون البيع بلا عوض و الإجارة بلا أجرة فإنّ العوض و الأجرة في البيع و الإجارة من مقوّماتهما الّتي يدلّ العقد عليه بمدلوله اللّفظي المطابقي لما عرفت من أنّ حقيقة البيع مبادلة الأعيان بالأموال و الإجارة مبادلة المنافع بها فاشتراط عدمهما مناف لما أنشأ به العاقد ابتداء كما لا يخفى

و هذا بخلاف اشتراط عدم بيعه أو وقفه أو هبته مطلقا أو بشخص خاصّ فإنّه لا ينافي مع التّمليك و التّملك المنشأ بالعقد بل هو من آثاره و لوازمه المترتّبة عليه بحسب العرف و العادة لو لا الاشتراط على خلافه

نعم إذا كان مرجع الاشتراط إلى منع جميع الآثار المترتّبة على ما ينشأ بالعقد من الزّوجية و الملكيّة و نحوهما فلا يبعد إلحاقه إلى ما ينافي لمقتضى العقد لأنّ ما ينشأ به إنّما هو طريق للوصلة إلى تلك الآثار فمع اشتراط عدمها كأنّه لم ينشأ بالعقد شيئا فيلزم المناقضة و لو بنحو من العناية و المسامحة و كذلك الأثر الظّاهر على وجه كان تمام الغرض و الغاية للعقد و كان سائر الآثار بالنسبة إليه من قبيل ضمّ الحجر إلى جنب الإنسان غير ملحوظة بنظر المتعاقدين و غير مرغوبة من العقد بحسب العرف و العادة بحيث كان انتفاؤه بنظرهم مساوقا لانتفاء العقد و لعلّ نظر المشهور في عدم صحّة اشتراط المنع عن البيع و الهبة في ضمن عقد البيع إلى ذلك و لكنّه ليس بجيّد لأنّ البيع بالنّسبة إلى الملكيّة ليس بهذه المثابة

نعم ربما يكون كذلك في بعض الأعيان بالنّسبة إلى بعض الأشخاص إلّا أنّ المناط ليس على ملاحظة الأشخاص بل على ما هو كذلك نوعا بحسب ما يقتضيه العرف و العادة و من هذا القبيل اشتراط عدم الوطي في عقد المزاوجة فلا مانع عنه كما ورد عليه الرّواية

نعم لا يبعد أن يكون المنع عن مطلق الاستمتاع فيه منافيا لمقتضى العقد

ص: 113

بذاك المعنى الّذي أشرنا إليه و إن كان مرجعه إلى نفي الالتزامات الضّمنية التّبعية الّتي يتضمّنها العقد بحسب العرف و العادة فقد عرفت أنّها من مقتضيات إطلاقه المنصرف إلى ما هو المعمول في نوع المعاملة عرفا فإذا صرّح على خلافه كالبراءة عن العيوب أو كون الثّمن مؤجّلا و نحو ذلك فلا إطلاق حتّى يكون اشتراط الخلاف منافيا لمقتضاه فلا محذور

و بالجملة فرق بين الالتزام المنشإ في متن العقد صريحا و مطابقة و الالتزامات التّبعية المتفرّعة عليه اللّاحقة له عند إطلاقه فاشتراط الخلاف مناف لمقتضى العقد في القسم الأوّل دون الثّاني و يلحق بالقسم الأوّل اشتراط المنع عن جميع الآثار أو الأثر المطلوب المرغوب من العقد بحيث يكون سائر الآثار في جنبه وجودها كعدمها غير مرعيّة بنظر المتعاقدين كالملكيّة في عقد البيع بناء على كونها من لوازم البيع حيث إنّ حقيقته مبادلة المال بالمال في الملك و إن قلنا بأنّه تمليك بالعوض فالملكيّة نفس المنشإ بالعقد

و على أي حال اشتراط عدمها مناف لمقتضى العقد بخلاف مثل الالتزام بوصف الصّحة أو عدم تغابن العوضين أو كون الثّمن مؤجّلا و نحو ذلك فإنّها التزامات تبعيّة يقتضيها العقد بإطلاقه بحسب العرف و العادة فبالتّصريح على خلافه يرتفع موضوع الإطلاق من دون انثلام في حقيقة العقد كما هو واضح

و أمّا الآثار الشّرعيّة الثّابتة للعقد تعبّدا فتارة مترتّبة على المعقود عليه من دون نظر إلى سببه أصلا مثل النّاس مسلّطون على أموالهم فإنّ السّلطنة جعلت أثرا للملكيّة من أي سبب كانت و لو حصلت من الإيجاب القهريّة كالإرث مثلا و هذا لا مساس له بباب منافيات العقد بوجه فيتمحّض المنع عنها بكونه مخالفا للكتاب و من هذا القبيل حقّ الإسكان الثّابت للزّوج فلا ربط له بالعقد حتى يكون منعه عنه منافيا لمقتضاه بل الكلام فيه ينبغي أن يقع من حيث كونه حقّا قابلا للإسقاط أو حكما تعبديّا غير قابل له لا من حيث منافاته للعقد و كذلك ما يرجع إلى قصر السّلطنة في الأموال مثل المنع عن البيع و أمثاله

و قد عرفت في المسألة السّابقة أنّ كلّما يرجع إلى باب الحقوق يصحّ إسقاطه بالاشتراط في متن العقد أو بعده فإنّه مقتضى كمال السّلطنة و تماميتها كما لا يخفى و أخرى مترتّبة على العقد بما هو عقد خاص كخياري المجلس و الحيوان في عقد البيع و هذا القسم يمكن إدراجه في المسألة بأنّ المنع عن تلك الآثار مخالف لما يقتضيه العقد شرعا و لكن مع ذلك حكمه موكول إلى المسألة السّابقة من الفرق بين كونها حقّا أو حكما وضعا أو تكليفا و الرّجوع إلى دليله من حيث قابليّته للاشتراط على خلافه و عدمها

و حينئذ فاشتراط عدم الخيارين في البيع مثلا لا محذور فيه إن كان مرجعه إلى إسقاط ما جعله الشّارع حقّا لهما لما نقحنا في المباحث السّابقة أنّ حقيقة الحق متقوّمة بكونه تحت سلطانه و زمامه بيده

نعم لو كان مرجعه إلى عدم كون العقد خياريّا فيرجع إلى التّصرف في الحكم الشّرعي فلا ينتقل و لا يجوز قطعا فتأمل جيّدا و ممّا ذكرنا ظهر أنّ بعض المسائل المبحوث عنها في المقام لا مساس له بالشّرط المخالف لمقتضى العقد مثل اشتراط عدم بيعه أو وقفه أو هبته مطلقا أو من شخص خاص فلا مانع من الاشتراط من غير فرق بين العتق و غيره كما قيل و إلّا فبناء العتق على التّغلب لا يكاد ينفع كما لا يخفى و كذلك اشتراط عدم إخراج الزّوجة عن بلدها لما عرفت من أنّه غير مرتبط بالعقد

نعم ينبغي التّكلم في بعض هذه المسائل مثل الفرق بين الإجارة و العارية و جواز اشتراط الضّمان في الثاني

ص: 114

دون الأوّل و اشتراط توارث الزّوجين في عقد المتعة و اشتراط عدم الخسران في عقد الشّركة فإنّها لا يخلو عن التّأمل و الإشكال

فنقول و على اللّٰه الاتّكال أمّا الأولى فالمشهور بينهم عدم جواز اشتراط الضّمان في عقد الإجارة دون العارية معلّلا بأنّه مخالف لمقتضى العقد و ناقش فيه المقدّس الأردبيلي و تبعه شارح الرّوضة في حاشيته عليها بمنع كونه منافيا لذات العقد بل ينافي إطلاقه الغير المنافي مع اشتراط خلافه و عن بعضهم على ما حكى شيخنا المحقّق الأستاذ دام ظلّه التّفصيل بين الإجارة على الأموال فلا يجوز و على الأعمال فيجوز إذ فرق بينهما ففي إجازة العين يقع مال المؤجر في يد المستأجر و معنى ضمانه ضمان المستأجر و في الإجارة على الأعمال كالخياطة و القصارة و نحوهما يقع مال المستأجر في يد الأجير و المراد بضمانه ضمان الأجير لا المستأجر

ثم إنّ المتسالم بينهم ظاهرا في القسم الثّاني عدم استحقاق الأجير للأجرة إلّا بمقدار وفائه للعمل فيستحقّ الأجرة تدريجا بأداء العمل كذلك و هذا ينطبق على ما هو المعروف من أنّ الإجارة عقد على المنافع التدريجيّة الموجودة جزءا فجزءا و لا إشكال فيه من حيث كونها معدومة فلا يصحّ تعلّق العقد بها و تملّكها بعد ما كان لها نحو وجود اعتبارا عند العقلاء و يصحّ بذل المال بإزائها عندهم و جرت سيرتهم عليه

و أمّا القسم الأوّل أي الإجارة على الأعيان فالمتسالم عندهم ظاهرا استحقاق المؤجر للأجرة بمجرّد تسليم العين و عدم حقّ النّكول للمستأجر بعد وضع يده عليها و أنّ استقرار ملكيّته للأجرة يتوقف على انقضاء المدّة فلو تلف العين أو سلب عنها المنفعة تحسب عليه و انطباق هذا الفتوى على تمليك المنافع لا يخلو عن الإشكال إذ المنافع تدريجيّة فلازمها استحقاق الأجرة كذلك

ثم إنّه لو استحقّ الأجرة بتسليم العين فتوقّف استقرار ملكيّته على انقضاء المدّة لا يستقيم بظاهره و من ذلك كلّه يستكشف أنّ ما يقع عليه الإجارة ليس صرف المنافع المتدرّجة و إلّا فقد عرفت أنّه لا وجه لاستحقاق الأجرة بتسليم العين بل للعين نحو دخل في متعلّق الإجارة و لذا نقل عن بعض أهل النّظر من هؤلاء الأواخر أنّ الإجارة تمليك العين موقّتا و لكن فساده واضح لعدم معهوديّة التوقيت في الملكيّة في الشّريعة إلّا أنّ بناء ذاك القائل مخالفة القوم في هذه المراحل فتأمل

و يظهر من المحقّق و العلّامة قدّس سرهما من تعريفهم لها بأنّها عقد ثمرته تمليك المنافع أنّ المعقود عليه ليس صرف المنافع بل المحكي عن التذكرة التصريح بذلك و هو كذلك عند التّحقيق و النّظر الدّقيق فإنّ النّقل و الانتقال تارة يقع على نفس الأعيان فيتبعه آثار الملكيّة و كلّما يكون من لوازمها عرفا و شرعا و منها كون العين تحت يده الانتفاعيّة بمعنى سلطنته عليها على نحو يصحّ له الانتفاع بها بأنحاء منافعها و إن لم ينتفع بها فعلا

و أخرى يقع على نفس المنافع المستوفاة تدريجا فإنّها و إن كانت معدومة و لكن لها نحو وجود باعتبار قابليّة العين لها و نحو اعتبار عقلائي يصحّ بذل المال بإزائها كما قدمناه فلا إشكال في تمليكها من تلك الجهة و لكن لازمه تقسيط الثمن الّذي يقابلها و انتقاله إلى من انتقل إليه جزءا فجزءا حيث إن استحقاقه للأخذ مشروط بقبض ما انتقل عنه إلى المنافع و المفروض كون قبضها تدريجيا فيكون استحقاقه لأخذ الثّمن كذلك فافهم

و ثالثة يقع على ذاك الأمر المتوسّط الّذي أشرنا إليه من أنّه من توابع الملكيّة و لوازمها أي كون

ص: 115

العين تحت يد الانتفاع و هذا المعنى أيضا اعتبار عقلائي يصحّ بذل المال بإزائه بل هو أقوى من المنافع الفعليّة فإنّه أمر يتحقّق بالعقد و ينشأ بإنشاء تملّكه و إن كان بقاؤه منوطا ببقاء العين على قابليّة الانتفاع

أمّا القسم الأوّل فهو مختصّ بالبيع و ما هو موضوع لنقل الأعيان من العقود و أمّا القسمان الأخيران فيقع الكلام في أنّ المعقود عليه في عقد الإجارة أيّهما هل هو نفس المنافع التدريجيّة أو ذلك المعنى المتوسّط الذي تصوّرناه و على الثّاني ينحلّ ذاك الإشكال الّذي أشرنا إليه من تسالمهم على استحقاق الأجرة بتمامها بتسليم العين إلى المستأجر لما عرفت من أنّه أمر متحقّق حال العقد و ينشأ به آنا لا تدريجا و قبضه إلى من انتقل إليه أيضا بنفس قبض العين و وضع يده عليها فيستحقّ المؤجر العوض أي الأجرة بتمامها بنفس تسليم العين لا أن يكون القبض تدريجا حتى يكون استحقاق العوض أيضا كذلك كما يستقيم أيضا تسالمهم على توقف استقرار العوض في ملكه ببقاء العين على قابليّة الانتفاع لما عرفت من أنّ هذا المعنى و إن كان آنيّ الحصول بالعقد لكن بقاؤه متقوّم ببقاء العين أيضا فبخروج العين عن الانتفاع المقصود بالعقد يخرج عن كونه مقبوضا و يترتّب عليه حكم التّلف قبل القبض فتأمل جيّدا

و كيف كان فلو قلنا بأنّ المعقود عليه في إجارة الأعيان ذاك المعنى المتوسّط المستتبع للمنافع التّدريجيّة كما هو التّحقيق و الظّاهر من كلمات بعض الأجلّة كالمحقّق و العلّامة بأنّها عقد ثمرته تمليك المنافع فاستحقاق المستأجر لوضع اليد على العين في كمال الوضوح لما عرفت من أنّ حقيقة العقود عليه متقوّمة بوضع اليد على العين بل هو هو معنى كما لا يخفى و أمّا على القول بأنّه نفس المنافع فلازم استحقاقها و ملكيّتها وضع اليد عليها عقلا

و على أيّ حال فنفس الإنشاء العقدي متضمّن لكون العين تحت انتفاعه إمّا مطابقة على الأوّل أو التزاما على الوجه الثّاني فيكون وضع اليد على العين عن حق مالكيّ منشأ بالعقد مطابقة أو التزاما فاشتراط ضمانها على المستأجر خلاف الكتاب كما هو واضح فكون اليد عن حقّ مالكيّ إنّما يثبت بالعقد و من المدلولات الالتزاميّة لما هو المنشأ به بل نفس المنشإ على تقدير و عدم ضمان اليد الثّابت عن حق و استحقاق أمر ثابت في الشّرع فلا ينفذ اشتراط الضّمان و هذا بخلاف الإجارة على الأعمال فإنّ مال المستأجر هنا يقع عليه يد المؤجر و لا استحقاق له على وضع اليد عليه لجواز استيفاء العمل مع كون العين في يد مالكها أو بذل المالك للأجرة بلا استيفاء العمل فلا يكون يد المؤجر عليها بحق يلزمه العقد بوجه فلا بأس باشتراط كونها مضمونا عليه لعدم منافاته لمقتضى العقد بل هو لا اقتضاء بالنسبة إليه كما في العارية على ما سنشير إليها إجمالا و لا يكون مخالفا للمشروع أيضا كما هو واضح

و حينئذ فالتّحقيق هو التّفصيل بين الإجارة على الأعيان و الأموال لما ذكرنا من أنّ الفرق الواضح بينهما و على هذا فما ورد في بعض الأخبار من جواز شرط الضّمان على مثل الملّاح و المكاري و الجمّال خال عن الإشكال و على مقتضى القاعدة فإنّه في إجارة السّفينة من الملّاح لحمل الطعام و اشتراط أنّه لو نقص كان عليه فقال ع جائز إلى آخره فيكون من باب الإجارة على العمل فراجع و تأمّل و لا تغفل

و كيف كان فقد ظهر أنّ وجه عدم الضّمان في الإجارة إنّما هو استحقاق المستأجر لوضع اليد على العين النّاشي من قبل نفس العقد

ص: 116

مطابقة أو التزاما بأحد الوجهين و إذا كان يده بحقّ مالكيّ أي يملكه بالعقد لا مجرّد كونه برضا المالك و تسليطه عليه فاشتراط كون اليد يد ضمان خلاف للمشروع إذ الّذي هو محلّ الكلام هو هذا لا مجرّد أنّه لو تلف العين يتداركه المستأجر من ماله فإنّه ربما يكون نافذا جائزا فتأمل جيدا

و من هذا القبيل يد المرتهن على العين المرهونة فإنّه أيضا بحقّ مالكيّ ناش من قبل العقد فإن كون العين وثيقة عنده بحيث كان له استيفاء ماله عنها في محلّه لا يكاد ينفك عن وضع اليد على العين و كونها تحت سلطنته فاشتراط الضّمان فيه أيضا مناف لمقتضى العقد بالمعنى الّذي ذكرناه

و أمّا سائر أبواب الأمانات فما عدا العارية و هو الوكالة و الوديعة فكذلك أي لا يصحّ شرط الضّمان لكن لا من جهة استحقاقه كون العين في يده بل من جهة كونهما استنابة عن المالك فجعل يدهما بمنزلة يده ينافي ضمانه فحقيقة الاستنابة منافية للضّمان لإرجاعه إلى ضمان نفسه

و على هذا فلا فرق في الوكالة بين كونها تبرّعا أو بجعل فإنّ الجعل لا ينافي الاستنابة نعم لو قيل كما توهّم أن عدم الضّمان من جهة إرجاعهما إلى مصلحة المالك فيتفاوت صورة التبرّع و غيرها و لكن مجرّد ذلك لا يكاد يكفي في عدم الضّمان إلّا بضميمة مثل ما جعل اللّٰه على المحسنين سبيلا و أمثال ذلك حتّى يتمّ و ينتج و على أيّ حال بعد ما عرفت من منافاة الاستنابة مع الضمان و كونهما من هذا الباب فلا نحتاج إلى كبرى أخرى

بقي الكلام من الأمانات الخمس في العارية و قد ظهر أنّه لا مانع من اشتراط الضّمان فيها لعدم دخولها في إحدى الكبريات المذكورة من كون تصرّف المستعير عن حق مالكي أو استنابة أو كونه مصلحة للمالك و إحسانا عليه بل مجرّد تحليل و إباحة و هذا غير مقتض لعدم الضّمان بوجه

نعم مقتضى إطلاقها و إرسالها ذلك و عليه يحمل ما في بعض الأخبار ليس على المستعير عارية ضمان إلى آخره فإنّ عدم الضّمان كما يمكن أن يكون مستندا إلى علّة موجبة لذلك كذلك يمكن أن يكون لعدم المقتضي للضّمان فلا اقتضاء للعقد بحسب ذاته لا له و لا لعدمه فيصحّ اشتراط الضّمان كما يصحّ اشتراط عدمه و طريق استكشاف ذلك أي كونه من باب عدم العلّة أو العلّة الموجبة لعدمه ما في الأخبار العديدة من الضّمان عند الاشتراط فراجع

و قد ظهر ممّا تقدّم أنّ حال الإجارة على الأعمال بعينه حال العارية في عدم دخولها في الكبريات المذكورة المنافية للاشتراط كما هو واضح الثّانية في اشتراط عدم الخسران في عقد الشّركة فإنّه أيضا محلّ خلاف و إشكال و على جوازه وردت رواية صحيحة عن رفاعة قال سألت أبا الحسن موسى ع عن رجل شارك رجلا في جارية له و قال إن ربحنا فيها فلك نصف الرّبح و إن كانت وضيعة فليس عليك شي ء فقال ع لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية إلى آخره و لكن منعه ابن إدريس مطلقا لمنافاته مع الشّركة و الرّواية خبر واحد ليس حجّة عنده

و عن التّنقيح الاقتصار على مورد النّص تعبّدا و عن المحقّق في الشّرائع جوازه في مطلق الحيوان و لا يعلم له وجه و عن الدّروس كما نقل عنه التعدّي إلى مطلق المبيع معلّلا بأنّ تبعيّة المال من لوازم الشّركة المطلقة لا مطلق الشّركة فلا ينافي في اشتراط خلافها و الرّواية على القاعدة فيتعدى عن موردها إلى سائر الموارد أيضا

هذا ما أفاده قدس سرّه في بيع الحيوان و في الشّركة الابتدائيّة استظهر البطلان و في الصّلح تسلّم الصّحة بلا إشكال و لذا أورد عليه صاحب الجواهر بالتّهافت بين

ص: 117

كلماته و لكن سيتّضح لك عدم التّهافت بينها و أنّ كل واحد وقع في محلّه

و بالجملة كلمات الأكابر على ما نقل مختلفة في الأبواب الثلاثة فالظاهر في باب الصّلح تسالمهم على الصّحة لمكان غير واحد من الأخبار كما أنّ الظّاهر أيضا تسالمهم على البطلان فيما إذا كان الشّرط في ضمن عقد الشركة معلّلا بعدم وقوع الزيادة لأحدهما في مقابل عوض و لا وقع اشتراطها في ضمن عقد معاوضة ليضمّ إلى أحد العوضين و لا اقتضى تملّكها عقد هبة و الأسباب المقرّرة للملك معدودة و ليس هذا منها

هكذا و أفادوا و نعم ما أفادوا فإنّ حقيقة الشّركة إنّما تحصل بامتزاج المالين لا بالعقد و لذا لو عقد أو لم يحصل الامتزاج لا يتحقق الشّركة كما أنّه لو امتزج المالان يتحقّق الشّركة و إن لم يعقدا فالشّركة من لوازم الامتزاج الواقع في الخارج

و من الواضح كون النّماءات الحادثة أيضا مشتركة بينهما بنسبة أصلها كما أنّ النّقص لو ورد يرد على المجموع و ليس لذلك الامتزاج المتحقّق في الخارج قهرا أو اختيارا مساس بباب العقد و اللّفظ و الإنشاء و نحو ذلك حتى يبحث أنّ التّساوي في الرّبح و الخسران هل مقتضى ذات العقد أو مقتضى إطلاقه كما هو واضح بل هو مقتضى الشّركة الخارجيّة الحاصلة بالامتزاج و لكن حيث إنّ مقتضى الشّركة عدم جواز التصرّف لكلّ منهما بدون إذن الآخر ففائدة العقد هي الإذن في التّصرّف في مقام التّجارة و الاسترباح من أحدهما أو كليهما و كيفيّة العمل على وجه تعاطيا عليه في عقد الشّركة و حينئذ فاشتراط التّفاضل و النقص في الرّبح و الخسران في ضمنه لا يكاد يفيد شيئا لأنّه بمثابة الشّروط الابتدائيّة حيث لا يرجع إلى خصوصيّات الإذن و كيفية العمل لوضوح أن مجرّد اقترانه بالعقد لا يوجب صيرورته شرطا في ضمن العقد فافهم

و بالجملة إذا لوحظ هذا الاشتراط إلى الشّركة الحاصلة بالامتزاج و لو لم يكن مسبوقا بالعقد فمخالف للمشروع و ما يقتضيه الشّركة عرفا و شرعا و هو أنّ نماء كل مال لصاحبه لا محالة إلّا بسبب مملّك مفقود في المقام على الفرض و إذا لوحظ إلى عقد الشّركة يكون من قبيل الشّروط الابتدائيّة الغير النّافذة على ما سيأتي توضيحه لعدم ارتباطه بما هو المنشأ بالعقد من إذن كلّ واحد منها في التصرّف في مال الآخر بإعماله في مقام التكسّب و الاسترباح

نعم لو كان الشّرط راجعا إلى خصوصيّات العمل فكونه في ضمن عقد جائز لا يضرّ حيث إنّ مرجعه إلى تقييد الإذن فبدونه يبطل العقد لا الشّرط و بعبارة أخرى المشروط عليه ملزم بالوفاء بالشّرط مع التزامه بالشّركة نظير الوجوب الشّرطي في المستحبّات العباديّة

و كيف كان فقد تحصّل أنّ المتّجه بطلان اشتراط التّفاوت في الرّبح و الخسران في الشّركة الابتدائيّة أي ما يكون بالعقد كما أفاد الدّروس و غيره و لكن لا يخفى أنّ مقتضى تعليلهم من لزوم انتقال الزيادة في ملك المشروط له بلا عوض و بلا سبب مملّك من هبة أو وقوعه في ضمن عقد معاوضة ليضمّ إلى أحد العوضين أنّه لو كان للمشروط له عمل أو كان الاشتراط في ضمن عقد المعاوضة كالبيع مثلا كما هو مورد الرّوايتين الواردتين في الجارية كان صحيحا نافذا إذ على الأوّل يكون الزيادة في مقابل العمل كما في باب القراض و لذا قالوا بأنّ الاسترباح إذا كان منوطا بعمل فهو بالقراض أشبه من الشّركة فيصير الشرط هنا من خصوصيات الإذن و كيفية الجعل المنشإ بالعقد

و قد عرفت أنّ مع فرض بقاء الشّركة و حفظها يجب الوفاء بالشّرط

ص: 118

إذ بدونه لا إذن كما في سائر العقود الإذنيّة كالوكالة و نحوها فيصحّ الاشتراط سواء كان للآخر أيضا عمل أو اختصّ بالمشروط له إذ مرجع الاشتراط إلى تبرّع الشّارط في عمله فلا بأس و أمّا الثّاني أي ما كان في ضمن عقد معاوضة نشأت منه الشّروط فمقتضى القاعدة و التّعليل المذكور أيضا الصّحة لصيرورته ضميمة لأحد العوضين فلا يكون بلا عوض و لوقوعه في ضمن عقد لازم فيلزم

نعم فيه إشكال الغرور الجهالة و كونه متعلّقا على أمر غير حاصل و انحصار الأسباب المملّكة بالعقود الخاصّة فإن قلنا بأنّ الملكيّة لا لتوقّف على سبب خاصّ كما يأتي توضيحه إن شاء اللّٰه و أنّ القدر المسلّم من التّعليق الممنوع إنّما هو في باب العقود و الإيقاعات لأنّ الدّليل الوافي به ليس إلّا الإجماع الممكن تخصيصه بالبابين دون باب الشّروط كما يأتي تنقيح ذلك أيضا إن شاء اللّٰه و أنّ الجهالة حيث يضاف الرّبح و الخسران إلى رأس المال و هو أمر مقدّر لا بأس بها فاشتراط التّفاضل لا بأس به كما هو المنصوص في قضيّة الجارية فيكون الرّوايتان على القاعدة الموجبة لجواز التعدّي إلى سائر الموارد كما أفاد الدّروس قدّس سرّه و بينه و بين الاشتراط في ضمن عقد الشّركة بون بعيد لا يقاس أحدهما بالآخر فتدبّر

هذا إذا كان مرجع الاشتراط إلى جبر خسرانه من ماله الذي ينتقل إليه بالمعاملة فمرجعه إلى تمليك مقدار من حصّته على تقدير الخسران فلا محذور فيه عدا الجهالة و التّعليق و أمّا إذا كان المرجع عدم انتقال مقدار من الثّمن إلى الشّارط رأسا بل ينتقل إلى المشروط له ابتداء فهذا خلاف القاعدة و مخالف للكتاب و السّنة بالبداهة لإرجاعه إلي عدم انتقال العوض إلى من له المعوّض بل إلى غيره و هذا فاسد جدا و الرّوايتان و إن أمكن انطباقهما على الوجهين و لكن لا داعي إلى حملهما على الوجه الثّاني بعد صلاحيّة الحمل على الوجه الأوّل لو لم تكونا ظاهرتين فيه لأنّ ما يتعلّق به الغرض غالبا عدم الخسران و جبر النّقصان بأيّ وجه كان و أمّا كونه بوجه خاصّ فلا يكون ملحوظا للأنظار كما لا يخفى كما أنّ صحّة الاشتراط أيضا مبني على عدم شمول الخسران لصورة تلف المال رأسا كما هو الظّاهر المتبادر منه عرفا و أمّا لو قيل بشموله للتّلف أيضا حيث إنّه أقوى مصاديق الخسران فلا ينبغي الشّبهة في بطلان الشّرط لإرجاعه إلى كون المملوك في عهدة غير مالكه و أن خسارته و دركه على غيره هذا مناف للقاعدة و الملازمة بين الضّمان و الملكيّة و لا يقاس على ضمان ما في الذّمة لبداهة الفرق بين المقامين كما لا يخفى على أهل البصيرة فإنّ مرجع الضّمان انتقال ما في ذمّة المضمون له إلى ذمّة الضّامن لا كون العين الموجودة مملوكة لأحد و كون ضمانها على الآخر فإنّ حقيقة الملكيّة كون الدّرك و الخسارة على المالك فافهم و لكنّ الأوصاف أنّ المتبادر من الخسران وقوع النقص على المال عند المعاوضة لا مطلق الدّرك حتى عند التّلف

نعم ظاهر ما ورد في باب الصّلح من قوله و عليك التوى إلى آخره شموله لصورة التّلف أيضا و لكن هذه الأخبار كلّها محمولة على صورة إرادة فسخ الشّركة و تسالم أحد الشّريكين على أخذ رأس ماله و تجاوزه عن ربحه و خسرانه و هذا لا مانع منه بوجه من الوجوه لا من جهة منافاته مع الشّركة لما عرفت من أنّه عند إرادة فسخها أو انقضائها و لا من جهة الرّبح و الخسران لإرجاعه إلى هبة كل واحد منهما ما عنده من الزيادة إلى الآخر إن كان عينا و إلي إبراء ما في ذمّته إن كان دينا

نعم ربما يلزم في بعض صوره الربا و لكنّه كالغرر و الجهالة مغتفر في باب الصّلح و بالجملة فقد ظهر اختلاف الحكم

ص: 119

في الأبواب الثلاثة كما نقل عن الشّهيد و تبعه غيره أيضا فلا تناقض بين كلماتهم كما أورد صاحب الجواهر على الشّهيد قدّس سرّهما

و قد عرفت كمال الفرق بين الأبواب و العجب منه قدّس سرّه أنّه شدّد النّكير على الشّهيد في صحّة الاشتراط في ضمن عقد البيع و في باب الشّركة ظاهره الميل إلى الصّحة مع ما عرفت أنّ الأمر بالعكس فراجع و تأمّل و أعجب منه حمله مورد الرّوايتين في الجارية على بيع الكلّي في المعيّن في مقام تطبيقهما على القاعدة مع أنّ تصويره في غاية الإشكال و على فرض التّصوير لازمه عدم استحقاق الرّبح أيضا

نعم في الأخبار الواردة في باب الصلح يمكن تطبيقها عليها كما تقدّم و كيف كان فما أفاد الشّهيد في باب الصّلح و في ضمن عقد البيع الموجب للشّركة من صحّة الاشتراط بل و كذلك كل عقد لازم كان موجبا للشّركة و عدم الصّحة في عقد الشّركة كلّها على القاعدة و منطبق على الأصول الكليّة كما أشير إليها في الجملة

بقي الكلام فيما إذا حصل الشّركة بسبب آخر قهري كالإرث و نحوه أو اختياري كالبيع و الحيازة و نحوهما ثم اشتراط التفاوت في الرّبح و الخسران في ضمن عقد لازم آخر و بعبارة أخرى تارة يكون الاشتراط في ضمن عقد هو منشأ الشّركة و أخرى في ضمن عقد بعد فرض تحقّقها بسبب آخر و الفرق أنّ على الأوّل يمكن القول بأنّ الشركة إنّما تحقّقت على هذا الوجه فلا اقتضاء لها حتى ينافيه الاشتراط بخلاف الثّاني فإنّ الشّركة المتحقّقة سابقا مقتضية لتساويهما في الرّبح و الخسران فاشتراط التّفاوت مناف لمقتضاها و إن لم يكن فيه محذور من جهة كون التّفاضل بلا عوض أو من جهة عدم السّبب المملّك لما عرفت من اندفاعهما إذا كان في ضمن عقد لازم

و لكن قد عرفت أنّ اشتراط التّفاضل يتصوّر بأحد الوجهين تارة يكون مرجعه إلى عدم دخول الزيادة في ملك الشّارط و انتقاله إلى المشروط له ابتداء أي عند حصول المعاوضة و ظهور الرّبح و أخرى إلى انتقالها إلى مالكها على القاعدة ثم انتقاله من ملكه إلى المشروط له

و قد عرفت أنّ على الأوّل لا يجوز الاشتراط في ضمن العقد المنشإ للشركة أيضا لمنافاته مع ما يقتضيه الملكيّة و مخالفته للقواعد المستفادة من الكتاب و السّنة و على الثّاني لا محذور فيه في كلا المقامين لعدم منافاته مع ما يقتضيه الشّركة حتّى يفرّق بين كونها متحقّقة سابقا أو حاصلة بنفس هذا العقد

نعم فيه إشكال الغرر و الجهالة و انحصار سبب الملك في العقود المعهودة و تعليق التّمليك على المرابحة و ظهور الرّبح و قد أشرنا سابقا أنّ الوجوه الثّلاثة قابلة للمنع كما يأتي توضيحه إن شاء اللّٰه

و كيف كان فقد تلخّص من مجموع ما ذكرنا أنّ اشتراط التّفاضل لأحد الشّريكين بجميع وجوهه المتصوّرة من كون الرّبح لأحدهما و الخسران بينهما أو الرّبح بينهما و الخسران على أحدهما أو تفاضل أحدهما في الرّبح من دون أن يكون له عمل موجب لاستحقاقه لذلك تارة في ضمن عقد الشّركة ابتداء و أخرى في ضمن عقد لازم يحصل منه الشّركة سواء كان العقد بينهما أو بينهما و بين ثالث يشترط تفاضل أحدهما في الرّبح على الآخر و ثالثة في ضمن عقد لازم مع تحقّق الشّركة سابقا بأسبابها القهريّة أو الاختياريّة ففي القسم الأوّل الوجه بطلان الشّرط لمنافاته مع القواعد الكليّة و ما يقتضيه عقد المشاركة أيضا و أمّا في القسمين الأخيرين فالمتّجه النفوذ و الجواز إن كان مرجعه إلى ما ذكرنا من أحد الوجهين و لم يمنع الغرر و التّعليق و كون الشّرط مملّكا و إلّا ففي صحّته

ص: 120

إشكال بل منع و اللّٰه العالم بحقيقة الحال

[الشّرط السّادس أن لا يكون الشّرط مجهولا]

قوله قدّس سرّه الشّرط السّادس أن لا يكون الشّرط مجهولا إلى آخره

و ليعلم أوّلا أن محل الكلام في الشّرط الواقع في ضمن العقد الّذي لم يكن وضعه على التّغابن و المهاباة كالبيع و الإجارة و نحوهما و أمّا ما بني لذلك و وضع للتّمليك و التملّك للأشياء المجهولة كالصّلح فالشّرط المجهول في ضمنه لا بأس به إذ لا معنى لأن يعتبر فيه ما لم يعتبر في نفس العوضين و أن لا يغتفر فيما هو بمنزلة الضّميمة لأحدهما مما اغتفر فيهما من الغرر و الجهالة كما لا محذور فيه من جهة إطلاق النّبوي النّهي عن الغرر لخروج الصّلح عنه على الفرض فيكون خارجا بجميع ما يتضمّنه من الشّروط و اللّواحق لا محالة

و بالجملة فهذا القسم من الشّرط خارج عن محلّ الكلام و لا يضرّ به الجهالة بلا شبهة كما لا شبهة ظاهرا في بطلان ما يكون راجعا إلى أوصاف العوضين فإنّ الظّاهر اتّفاقهم على بطلانه كما صرّحوا به في مسألة تعيين الأجل للثمن أو المثمن في النّسيئة و بيع السّلم بأن اشتراط الأجل لو لم يكن مضبوطا معيّنا يوجب بطلان المعاملة لمكان الغرر و الجهالة فضلا عن الأوصاف الرّاجعة إلى نفس الثّمن و المثمن كما هو واضح لا يخفى

فمحطّ الكلام في الشّروط الخارجيّة الغير المرتبطة بهما لو لا الشّرط فالكلام في أنّ باشتراطها في ضمن العقد يرتبط بهما بحيث تصير ضميمة لهما و جهالته يوجب جهالتهما أو مجرّد التزام تبعيّ غير مقصود في العقد أصالة فيكون من قبيل توابع الدار مثلا مثل ممرّه و مفتاحه و أمثال ذلك ممّا لا يكون جهالته موجبا لجهالته و هذا هو المراد من الدّروس فيما لو جعل الحمل جزءا للمبيع فقال الأقوى الصحّة لأنّه بمنزلة الاشتراط و لا يضرّ الجهالة لأنّه تابع انتهى

و لكن لا يخفى أنّ مجرّد التبعيّة ليس من الكبريات الّتي لا يضرّ فيها الجهالة لعدم مساعدة دليل عليه لا عقلا و لا نقلا و اغتفارها بعض التوابع لأجل دليل أو إجماع لا يقتضي استفادة قاعدة كليّة في جميع التّوابع فلو سلم كون الشّرط تابعا و عدم وقوعه ضميمة لأحد العوضين فلا دليل على اغتفار الجهالة فيه بمجرّد ذلك

نعم تعليله بذلك في العقود الّتي لا يضرّ الجهالة فيها بنفسها كالصّلح مثلا لا بأس به و يتمّ به المدّعى حيث إنّ تبعيّته تقتضي اغتفار الجهالة فيه أيضا كما لا يخفى و أمّا في غير هذا المقام فإثبات التبعيّة لا يقتضي عدم المنع من الجهالة

هذا مضافا إلى إمكان منع التبعيّة رأسا مع كون الالتزام العقدي منوطا بالشّرط بحيث لو لم يف به كان للمشروط له فكّ التزامه و فسخه و كون عدم الوفاء به موجبا للخيار دون البطلان لا يقتضي تبعيّته كيف و الحكم في الشّروط الرّاجعة إلى أوصاف العوضين أيضا كذلك يوجب الخيار دون الفساد هذا مضافا إلى ما صرّحوا به من أنّ للشّرط قسطا من الثمن بمعنى أنّه يوجب زيادة الماليّة و بذل الثّمن بإزاء ما كان في طرفه بحيث لو لم يكن هذا الشّرط لم يبذل بإزائه هذا المقدار من الثّمن أو هذا المثمن و مع ذلك كيف يصحّ دعوى أنّه غير مقصود في العقد غير ملحوظ في المعاوضة

و بالجملة فقد ظهر أنّ المتّجه هو القول بالبطلان لصيرورته ضميمة لأحد العوضين كالأوصاف فجهالته توجب جهالتهما لا محالة مضافا إلى أنّ إطلاق النبويّ يقتضي بطلانه بنفسه و لا موجب لأن يدّعى انصرافه إلى غير الشّروط نعم ما كان مشتملا على لفظ البيع من الأخبار فيمكن دعوى عدم شموله للشّرط المجهول بناء على كون المراد من البيع هو المسبّب لا عقد البيع فتأمل جيّدا

و كيف كان فما أفاده قدّس سرّه من الوجهين

ص: 121

للبطلان في محلّه و في غاية المتانة إلّا أنّ استدراكه في آخر كلامه فيما إذا عدّ المشروط تابعا غير مقصود بالبيع كبيض الدّجاج لا يخلو عن الإشكال إذ لو لم يكن مقصودا فلا موجب للاشتراط و قد عرفت أنّ التبعيّة ليست كبرى كليّة حتّى في مثل المقام

[الشّرط السّابع أن لا يكون مستلزما للمحال]

قوله قدّس سرّه الشّرط السّابع أن لا يكون مستلزما للمحال إلى آخره

و قد مثّلوا له بقول البائع بعتك بشرط أن تبيعه منّي أو بعتك بشرط أن يكون مبيعا لي و الأوّل شرط الفعل و الثاني شرط النّتيجة فيملك بنفس الشّرط لو كان صحيحا بناء على عدم اختصاصه بسبب خاصّ و حصوله بالشرط أيضا و كيف كان فالثّاني أولى بالبطلان كما سيتّضح عليك إن شاء اللّٰه و لكن محطّ الكلام و النقض و الإبرام هو الأول و الظّاهر اتّفاقهم على بطلان هذا الشّرط و إنّما الكلام في وجه البطلان فقد علّله العلّامة في التّذكرة بأنّه مستلزم للدّور لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيّته له المتوقّفة على بيعه فيدور إمّا لو شرط أن يبيعه على غيره فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السّنة انتهى

و قرّره في جامع المقاصد بأنّ انتقال الملك موقوف على حصول الشرط و حصول الشرط موقوف على الملك و هذا بظاهره واضح الفساد كما أورد عليه جماعة ممّن تأخّر عنه إذ لا يكاد يخفى على فاضل أنّ حصول الملكيّة لا يتوقّف على تحقّق الشّرط في الخارج فكيف يخفى على مثل العلّامة مع أنّ كلماته في التّذكرة و غيره مشحونة من أنّ سبب الملكيّة هو العقد و حصول الشّرط موجب للزومه فلا وقع إنصافا للإيراد عليه بأنّ صحّة العقد لا يتوقف على حصول الشّرط فلا دور و إن صدر ذلك عن بعض الأكابر مثل الشّهيد و غيره كما أنّه قدّس سرّه متفطّن للانتقاضات الواردة عليه من اشتراط بيعه لغيره أو وقفه عليه أو على ولده أو عتقه أو اشتراط كون المبيع رهنا على الثّمن و غير ذلك من الأمور المتوقّفة على الملك فإنّ الملكيّة لو كانت متوقفة على الشّرط أيضا يلزم الدّور بالتّقريب المتقدّم فتخصيصه للمقام بلزوم الدّور يكشف عن أنّ غرضه بيان مطلب آخر

قال في التّذكرة بعد كلامه المتقدّم لا يقال ما التزمتموه من الدّورات هنا أي في اشتراط بيعه على غيره لأنّا نقول الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا على حدّ التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع على البائع انتهى و منه يعلم أيضا أن جهة الإشكال ليست مجرّد توقف صحّة الشّرط على الملك بل المحذور شي ء آخر مختصّ بالاشتراط على البائع دون غيره

و كيف كان فالظّاهر أن ما أورد عليه كلّه من سواء التّعبير الواقع في كلامه في بيان الدّور و الّذي يمكن أن يقال في تقريب الدّور و توجيه الإشكال على وجه يختصّ بالمقام دون سائر الأمور المتوقّف على الملك كما يلوح من كلامه قدّس سرّه في مقام آخر من التذكرة أنّ الشرط لا بدّ و أن يكون مقدورا و مملوكا للشّارط كما بيّناه سابقا بمعنى أن يكون أمرا طرفاه بيده و تحت سلطنته نفيا و إثباتا و هذا المعنى منتف في المقام حيث إنّ ظرف الاشتراط ظرف ملكيّة البائع و عدم انتقال المبيع بعد إلى المشتري فاشتراط بيعه على نفسه مرجعه إلى اشتراط بيع المال على مالكه و هذا أمر غير معقول و تحصيل أمر حاصل و لذا قد صرّح قدّس سرّه أنه لو شرطه بعد فرض خروجه عن ملكه و انتقاله إلى المشتري لا محذور فيه

و قد نقل كلامه شيخنا أستاذ الأساتيد قدّس سرّهما المشعر بذلك بل المصرّح به في باب النّقد و النّسيئة فراجع و تأمّل و بالجملة فحاصل تقريب الدّور أن صحّة الشّرط يتوقّف على صحّة العقد و انتقال المبيع إلى المشتري و خروجه عن ملك الشّارط لئلّا يكون من قبيل شرط بيع المال على مالكه و صحّة العقد

ص: 122

و كونه موجبا لذلك يتوقّف على صحّة الشّرط بناء على بطلان العقد المشروط بالشّرط الفاسد و حينئذ فالفرق بين اشتراطه على نفسه أو على غيره أو اشتراط وقفه أو عتقه و نحو ذلك في غاية الوضوح لعدم إرجاعه إلى اشتراط أمر غير معقول و هو بيع المال على مالكه و هذا هو المراد من قوله لجواز أن يكون بيعه على غيره جاريا على حدّ التّوكيل أو عقد الفضولي و بيانه يوجب تطويل المقال و لا يساعده الحال و اللّٰه الموفّق و المعين في جميع الأحوال

و لكن يرد عليه أنّ في جميع هذه الموارد بل في كلّ شرط يرجع إلى التصرّف في المبيع إن كان بعد فرض خروجه عن ملك البائع و انتقاله إلى المشتري فلا محذور في الاشتراط بوجه و إن كان قبل فروض خروجه عن ملكه يعمّ المحذور في الجميع أيضا فإنّ مرجعه في اشتراط الوقف أو العتق مثلا إلى اشتراط وقف ماله أو عتق عبده على غيره و جعل ماله رهنا عند نفسه في اشتراط الرّهن و قوله من جواز أن يكون جاريا على حدّ التّوكيل أو عقد الفضولي لا يكاد ينفع فإنّ الغرض من اشتراط الوقف أو العتق وقف المشتري أو عتقه من ماله و من قبل نفسه لا من قبل البائع مع أنّه لا يجري في اشتراط الرّهن فتأمل تفهم

و بالجملة فلزوم المحذور في الجميع على نهج واحد و حلّه ما أشرنا إليه من أنّ ظرف وقوع الإنشاء ظرف خروج المبيع عن ملك البائع و انتقاله إلى المشتري فيكون الشّرط واردا على المال المفروض انتقاله إلى المشروط عليه إنشاء

و بعبارة أخرى إنشاء الشّرط مترتّب على إنشاء البيع و فرض تحقّقه إنشاء كما أنّ تحقّق الشّروط خارجا بعد تحقّق البيع و انتقال المبيع إلى المشتري كذلك فيكون قادرا عليه و مملوكا له و نظائره كثيرة في أبواب الفقه كقوله أنت وكيل في نكاحها و طلاقها أو طلّقتك و رجعت إليك أو بعت و ارتهنت بل عليه يحمل ما ورد في الرّواية أعتقتها و زوّجتها و جعلت عتقها مهرها فإنّ إسقاط جميع ذلك يصلح و ينطبق على القاعدة بالبيان الّذي تقدم بل به يمكن حلّ الإشكال الوارد على إسقاط الخيار في متن العقد و أنّه إسقاط لما لم يجب فإنّ ظرف إنشاء البيع ظرف تحقّق الخيار و إيجابه إنشاء فيكون الإسقاط بعد فرض الإيجاب إنشاء كما أن حصول الإسقاط خارجا بعد تحقّق البيع و إيجاب الخيار كذلك فلا إشكال فتأمل جيّدا

و كيف كان فقد ظهر أنّه لا محذور في الشّرط المبحوث عنه من تلك الجهة أي من جهة لزوم الدّور و استلزامه للمحال و لذا علّل الشّهيد البطلان بعدم القصد إلى البيع بعد ما أجاب عن الدّور المذكور بما أشرنا إليه و هذا أيضا مضافا إلى الانتقاضات الواردة عليه من اشتراط البائع وقفه عليه و على عقبه و نحو ذلك ممّا يوهم كون البيع وسيلة إليه كإسناد يدلّ على المنع كلّيا لإمكان تحقّق القصد إليه حقيقة هذا أوّلا و ثانيا كون الدّاعي على البيع رجوع المبيع إليه ثانيا بيعا أو وقفا أو هبة لا ينافي مع القصد الإنشائي لمدلول العقد فتأمل جيّدا

و ربّما يعلّل البطلان و يستدلّ عليه بأخبار العينة و هي أن يشتري الإنسان شيئا نسيئة ثم يبيعه على البائع بأقل من ثمنه نقدا تخلّصا عن الرّبا أو لوجه آخر ففي رواية الحسين بن منذر بعد ما سئل ع عن صحّة هذا البيع أنّه قال ع إن كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار و إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر إلى آخره و نحوها رواية عليّ بن جعفر فإنّهما تدلان على صحّة المعاملة و عدم البأس بها إذا لم يكن كلّ واحد من المتعاقدين ملزما بالبيع الثّاني بل كان لكلّ واحد خيار إن شاء يبيع و إن شاء لا يبيع فيدل بمفهومه على البأس و البطلان إذا كان المشتري ملزما بالبيع ثانيا لأجل الاشتراط

ص: 123

إذ لا موجب لالتزامه به إلّا اشتراطه عليه كما هو محلّ الكلام

و الإنصاف أنّه لا مساس لهذه الأخبار بما نحن فيه أبدا بل هي في مقام بيان مطلب آخر و هو التّفصيل بين كون البيع الثّاني عن طيب أو كره مضافا إلى أنّ ظاهرها السّؤال عن البيع الثاني و البحث في صحّة الاشتراط إنّما هو في البيع الأوّل فلا مساس لها بالمقام

و كيف كان فقد ظهر أنّه لو كان إجماع على بطلان هذا الشّرط كما لا يبعد بأنّ بطلانه كأنّه مفروغ عنه عندهم فهو و إلّا فلا موجب للبطلان لعدم مساعدة ما ذكر من الوجوه عليه كما عرفت نعم فيما إذا كان مرجع الشّرط إلى النّتيجة كأن يقال بشرط أن يكون مبيعا أو مملوكا يمكن القول بالبطلان لإرجاعه إلى خلاف ما يقتضيه العقد فيدخل في تلك المسألة لا لأجل الوجوه المتقدّمة فتأمل جيّدا فإنّ المسألة لا تخلو عن الإشكال

[الشّرط الثّامن أن يلتزم به في متن العقد]

قوله الشّرط الثّامن أن يلتزم به في متن العقد إلى آخره

و المراد به العقود اللّازمة و إن لم يصرّح به لوضوح أنّ العقد الجائز بنفسه لا يجب الالتزام به فضلا عن الشّرط الّذي في ضمنه

نعم قد أشرنا في الأبحاث السّابقة المتعلّقة بالشّركة أنّ العقود الإذنيّة إن كان الشّرط فيها راجعا إلى اعتبار خصوصيّته في الإذن مثل اشتراط الضّمان في العارية أو كون المال في حرز خاص مثلا في الوديعة أو كون تصرّف أحد الشّريكين أو عمله على وجه خاصّ مثلا يلزم الوفاء به لا من باب وجوب الوفاء بالشّرط بل لإناطة الإذن في التّصرف به فبدونه لا إذن

و كيف كان فالمراد ذكره في عقد المعاوضة حتى يصير بمنزلة الضّميمة لأحد العوضين و يخرج عن كونه مجانا إذ المستأنس من حكم الشّارع بجواز العقود المجانيّة مثل الهبة و العارية أنّ مطلق التعهّدات المجّانيّة لا يجب الوفاء بها و لعلّه المستكشف من الإجماع المحقّق ظاهرا على عدم لزوم الشّروط الابتدائيّة و توقّف اللّزوم على صيرورتها بمنزلة الجزء لأحد العوضين فالوجه لعدم لزومها مجّانيّتها لا مجرّد كونها ابتدائيّة و لذا لو التزم بشي ء من الأعيان أو المنافع بعوض و قلنا بعدم توقّف ملكيّتها على لفظ خاصّ لا يبعد القول بلزومه و إرجاع الأوّل إلى البيع و الثّاني إلى الإجارة أو إلى الصّلح في كليهما فتأمل جيّدا

و كيف كان فتحقيق الكلام في الشّروط بحسب أقسامها أنّها تارة مذكورة في متن عقد المعاوضة فلا شبهة في لزوم الوفاء به على المشروط عليه كوفائه بأصل المعاوضة وضعا و تكليفا على التّفصيل الّذي يأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه و أخرى غير مذكورة في العقد بل مجرّد تعهّد و التزام من أحدهما للآخر من غير تعقّبه بعقد و معاوضة أصلا و هذا هو المراد من الشّروط الابتدائيّة و لا شبهة في عدم إفادتها اللّزوم بوجه

و قد عرفت ثبوت الإجماع على عدم لزومها و به يخصّص عموم المؤمنون عند شروطهم بناء على شموله لمثلها و عدم اختصاصه بالالتزام في البيع كما تقدّم نقله عن القاموس أو في مطلق العقد كما ورد الاستشهاد به في كثير من الأبواب في غير واحد من الأخبار و ثالثة تواطيا عليه قبل العقد من دون ذكرها في متن العقد و إيقاعه في حيّز الإنشاء سواء كان راجعا إلى أوصاف العوضين أو غيرها و هذا هو المصطلح عندهم بشروط التّباني و وقع في الجملة محل الإشكال من جهة لزوم الوفاء به و عدمه و إن كان المشهور على عدم اللّزوم أيضا إلّا أنّ ظاهر الخلاف و المختلف يوهم خلافه و غاية ما قيل أو يقال في توجيه اللّزوم من وجوه أحدها أنّه لا شبهة في أنّ بعض الأمور مثل التّسليم و التّسلم و كون الثمن نقد البلد

ص: 124

و نحو ذلك بسبب تعاهده عند العرف و العادة يصير مدلولا للعقد التزاما و لو لم يذكر في متن العقد بل لم يكن العاقد ملتفتا إليه أصلا و ليس ذلك إلّا من جهة أنّ تعاهده عند العرف و تبانيهم عليه و جري عادتهم على الإلزام و الالتزام به يوجب وقوع العقد مبنيّا عليه و كون الالتزام منوطا به على وجه يوجب انتفاؤه الخيار لا البطلان على ما سيأتي توضيحه

و حينئذ يمكن أن يكون تواطؤ المتعاقدين و تبانيهما على أمر قبل العقد موجبا لصيرورته كذلك و وقوع العقد مبنيّا عليه إذ لا فرق بين كون ذلك بالتّعاهد عند العرف أو بسبب تعاهده عندهما و تبانيهما عليه غايته أنّ اللّازم هنا التفاتهما إليه و عدم نسيانهما حتّى يقع العقد مبنيّا عليه بخلاف الشّروط الضّمنيّة فإنها لكونها بحسب العرف و العادة فلا يلزم الالتفات إليها بل العقد يتضمنها و لو كان العاقد جاهلا بها أو ناسيا لها

و بالجملة فحال شروط التّباني كحال الشّروط الضّمنية في كون التّعاهد في خارج العقد موجبا لتضمّنه عليها و وقوعه مبنيّا عليه فتقع تحت الإلزام و الالتزام العقدي و يدلّ عليه العقد بمدلوله الالتزامي فيجب الوفاء به كما يجب الوفاء بها و يوجب تعذّره الخيار كما يوجب ذلك تعذّرها

و فيه ما لا يخفى من الفرق بين المقامين لوضوح أنّ الشّروط الضّمنية بسبب تعاهدها عند العرف يصير من المدلولات العرفيّة للّفظ قصدها المتعاقدان أو لم يقصدا و هذا بخلاف ما تباينا عليه فإنّه لا يكاد يصير مدلولا للّفظ أبدا لبداهة أنّ تباني المتكلّم و المخاطب على معنى لا يكاد يوجب الدّلالة و صيرورة اللّفظ دالا عليه بنحو من الأدلّة بخلاف كون الشّي ء متفاهما من اللّفظ عرفا فافهم و تأمّل جيّدا ثانيها أنّه إذا كان التّباني على أمور راجعة إلى أوصاف العوضين يوجب انصراف لفظ الثّمن أو المثمن إلى ما هو المعهود عندهما كما هو كذلك في غير المقام

و فيه أنّه لو كان مرجع الاشتراط مطلقا سواء كان من أوصاف العوضين أو غيرها إلى تقييد الثّمن أو المثمن ببعض الخصوصيات بحيث يوجب انتفاء الخصوصيّة انتفاءهما كما هو قضيّة التّقييد و الانصراف فله وجه إلّا أنّ مقتضاه بطلان العقد بتخلّفه أو تعذّره و ليس البناء في الشّروط على ذلك بل الالتزام بها على نحو ينتج الخيار عند تعذّرها و ارتباطها بالعقد بهذا المقدار من الارتباط لا التّعليق و التقييد الموجبان لانتفاء المشروط عند انتفائها كما لا يخفى

و هذا المعنى لا يكاد يحصل بالانصراف بل يحتاج إلى التزام على حدة و إنشائه عند العقد و لذا قالوا بأنّ مرجع التّوصيف في باب العقود إلى الاشتراط و سيأتي مزيد توضيح في ذلك إن شاء اللّٰه و ثالثها ما أشار إليه قدّس سرّه أنّ التّباني يوجب إناطة التّراضي المعتبر في المعاملة بوجود الشّرط و لو لم يكن كذلك بحسب اللّفظ و الإنشاء فيكون العقد بدونه تجارة لا عن تراض الدّاخل في عنوان أكل المال بالباطل

و فيه أنّ التّواطي على الشّرط غايته أن يصير داعيا على إيقاع العقد إنشاء فتخلّفه كتخلّف سائر الدواعي لا يكاد يوجب قصورا فيما اعتبر في العقد من قصد إنشائه و تحقق مدلوله كما في سائر المقامات كيف و لو كان القصد منوطا بوجود الشّرط فلازمه البطلان عند فقدانه لا ثبوت لخيار للمشروط له كما هو المدّعى فلا بدّ من الالتزام بتحقّق القصد المعتبر في صحّة المعاملة مع فقد الشّرط أيضا فإن قصد مدلول العقد مطلب و كون الغرض الباعث إليه شيئا ربما يترتّب عليه و ربما لا يترتّب عليه مطلب آخر فتدبّر

و كيف كان فالظّاهر من كلماتهم و عدم

ص: 125

ترتيبهم أثر اللّزوم على الشّرط الغير المذكور في العقد من كون فساده موجبا لفساده و كون التّباني عليه موجبا لبطلان معاوضة أحد المتجانسين بأزيد منه و غير ذلك ممّا يوجب الفساد لو كان مذكورا في العقد التّسالم على عدم لزوم هذا القسم من الشّرط أيضا كما في الشّرط الابتدائي و أنت إذا تأمّلت في الفروع الّتي ذكروها في أبواب العقود و المعاملات ربما تقطع بصحّة هذه الدّعوى فراجع و تأمّل و اللّٰه هو العالم

[و قد يتوهّم هنا شرط تاسع و هو تنجيز الشرط]

قوله و قد يتوهّم هنا شرط تاسع إلى آخره

الظاهر أنّه من المحقّق الثّاني قدّس سرّه على ما أفاد أستاذنا المحقّق دام ظله العالي و حاصله اعتبار التّنجيز في الشّروط كاعتباره في نفس العقود عدا الوصيّة و التّدبير إجماعا على ما هو الظّاهر من كلماتهم

و توضيح المقام أنّ التّعليق بمعنى إناطة العقد على تقدير دون تقدير تارة يرجع إلى الإنشاء أي قصد مدلول اللّفظ و تحقّقه به و هذا أمر غير معقول إذ مرجعه إلى عدم القصد الّذي يتقوّم به الإنشاء و لا يكاد يحصل بدونه و أخرى يرجع إلى المنشإ بمعنى أن يقصد حصول الملكيّة على تقدير مجي ء زيد مثلا و هذا في التّكوينيّات العينيّة مثل الضرب و القتل مثلا أيضا غير ممكن بأن يقصد حصول القتل على تقدير كون ما وقع عليه عدوا مثلا و إناطته به على وجه لو كان صديقا لم يقع عليه و هذا واضح لبداهة وقوع القتل على أي حال غايته أنّ الدّاعي على إيقاعه و هو قتل العدوّ تارة يصادفه و أخرى يتخلّف عنه فإناطة ذات الفعل على تقدير كونه قتل العدوّ أمر مستحيل غير معقول كما هو واضح و لكن في الاعتباريات مثل ما ينشأ بالعقود أو الإيجاب و التّحريم في باب التّكاليف فحيث إن أصل وجودها باعتبار المعتبر و على نحو اعتباره فيمكن أن يكون اعتباره على تقدير خاصّ و إناطة على أمر خارج عن الاختيار من زمان أو زمانيّ و نحو ذلك فيصحّ إيجاب الحجّ على تقدير الاستطاعة أو إنشاء الملكيّة على تقدير الموت كما في الوصيّة و نحو ذلك

و بالجملة فالمنشئات بالعقود كالملكيّة و الزّوجيّة و غيرهما و كذلك الإيقاعات و إن أمكن تعليقها على أمر حالي أو استقبالي إلّا أنّ ظاهرهم الاتفاق و التّسالم على بطلان العقد أو الإيقاع به لا لكونه موجبا للغرر حتّى يختصّ بما إذا كان معلّقا على أمر مشكوك الحصول و يصحّ فيما اغتفر فيه الغرر كما في باب الصّلح بل لاتّفاقهم على ذلك تعبّدا و إطلاق معاقد إجماعاتهم فيعمّ التّعليق على متيقّن الحصول كالزمان و أيضا

نعم فيما إذا كان المعلّق عليه أمرا حاليا حاصلا عند العقد فربّما يظهر من بعض الكلمات جوازه و كذلك فيما إذا كان التّعليق من مقتضيات نفس العقد بمعنى كون العقد متضمّنا له و لو لم يصرّح به كقوله إن كان هذا حمارا فبعته أو إن كان هذا رقّا فأعتقته و أمثال ذلك فيبقى التّعليق على أمر حاليّ مشكوك الحصول و الاستقبالي سواء كان متيقّنا أو مشكوكا حصوله على إشكال في المتيقّن منه و تمام الكلام في محلّه

و من هنا ظهر عدم صحّة مقايسة المقام كقوله بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي إن جاء زيد على قوله أنت وكيلي في أن تبيع إذا جاء رأس الشّهر نظرا إلى أنّ التّعليق و التّقييد راجع إلى متعلّق الشّرط و هو الخياطة على تقدير المجي ء كما أنّ في الثاني راجع إلى متعلّق الوكالة و هو البيع في زمان خاصّ فلا يلزم التّعليق في نفس الشرط أو الوكالة فلا محذور

و فيه إمكان تصحيح ذلك في المقيس عليه حيث لا محذور فيه إلّا التعليق على أمر متيقّن الحصول الممكن إرجاعه إلى ما أفاده قدّس سرّه و هذا بخلاف المقيس لاستلزامه الجهل بالثّمن و الغرر في المعاملة بناء على كون الشّرط بمنزلة جزء من العوضين فيلزم أن

ص: 126

يكون الثّمن هو الدّرهم على تقدير و مع الضّميمة على تقدير آخر و هذا معنى لزوم أدائه إلى البيع بثمنين كما قيل و إرجاع التّعليق إلى متعلّق الشّرط أي الخياطة لا إلى نفس الشرط لا يدفع هذا المحذور و هو اختلاف الثّمن على التقديرين

و حينئذ فالمتّجه في الجواب أن يمنع كون الشّرط جزءا للثّمن حقيقة حتّى يختلف الثّمن كيف و لازمه تبعّض المعاملة بتعذّر الشّرط كما في الأجزاء الحقيقيّة بل المراد من كونه بمنزلة الضّميمة أنّ الإلزام و الالتزام الواقعين بين العوضين منوطان بالوفاء به فمع التعذّر لا إلزام و لا التزام و هذا هو حقيقة الخيار كما قدّمناه مشروحا

و كيف كان فلا إشكال فيه من تلك الجهة و لا من جهة الإجماع على اعتبار التّنجيز في العقود فإنّ القدر المسلّم منه خصوص بابي العقود و الإيقاعات باستثناء موارد فيهما أيضا و على أيّ حال ثبوته في باب الشّروط غير معلوم بل الظّاهر من غير واحد من الأجلّة نفوذ الشّرط مع التّعليق كما صرّحوا به في الخيار المشروط بردّ الثّمن و يدلّ على نفوذه مضافا إلى ذلك كلّه ما ورد في امرأة مكاتبة أعانها ولد زوجها على أداء مال كتابتها مشروطا عليها عدم الخيار على زوجها بعد الانعتاق من نفوذ الشّرط و صحّته مستشهدا بعموم المؤمنون عند شروطهم فإنّه أقوى دليل على المدّعى كما لا يخفى

[مسألة في حكم الشرط الصحيح و تفصيله]
[القسم الأوّل إذا تعلق الشرط بصفة من صفات المبيع]

قوله قدّس سرّه و لا إشكال في أنّه لا حكم للقسم الأوّل إلّا الخيار مع تبيّن فقد الوصف المشترط إذ لا يعقل تحصيله هنا إلى آخره

ينبغي تخصيص ذلك بالأوصاف الّتي لا يمكن تحصيلها و إحداثها للمشروط عليه قبل تسليم الموصوف إلى مالكه و إلّا كوصف الكتابة للعبد مثلا أو إزالة العيب عنه إذا كان معيبا فاللّازم عليه تحصيل الشّرط و تسليمه متّصفا بالوصف و لا خيار للمشروط له أيضا فإنّ المدار في وجود الوصف و عدمه حال التّسليم لا حال وقوع العقد عليه و لذا حال فقد الوصف كتجدّد العيب مثلا بعد العقد و قبل القبض حال فقدانه حال العقد في كونه موجبا للخيار كما تقدم تفصيلا

نعم إذا كان المناط حال العقد و اتّصافه بالوصف حين وقوعه عليه فنتيجة ما أفاده من عدم الفرق لعدم إمكان تحصيل الوصف المعتبر وجوده حال العقد إلّا أنّ ذلك يحتاج إلى قرينة أخرى و مئونة زائدة على ما يقتضيه الاشتراط و إلّا فما هو المعهود المتعارف من الاشتراط في ضمن العقود من أوصاف العوضين اتّصافهما بها حال تسليمهما و عليه يتفرّع ما اختاره في خيار العيب من أنّه لو زال بعد العقد و قبل القبض بل قبل العلم و لو بعد القبض يسقط به الرّد بل نقل عن العلّامة التّصريح في مواضع من التذكرة بأنّه مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرّد سقط حق الرّد و كذلك لو زادت القيمة السّوقيّة في خيار الغبن قبل العلم به أو بعده و قبل الفسخ أو بعده و قبل الرّد يسقط خياره و إن ناقشناه في بعض فروضه

و على أيّ حال لو زادت القيمة أو زال العيب قبل تسليمه إلى من انتقل إليه فلا ينبغي الإشكال في سقوط الرّد فالمدار على حال القبض لا على حال العقد كما لا يخفى ثم إنّ ما أفاده قدّس سرّه من أنّه لا حكم لهذا القسم أي اشتراط الوصف الرّاجع إلى العوضين إلا الخيار لعدم أثر آخر له شرعا حتى يترتّب عليه بأدلّة وجوب الوفاء بالشّرط مبنيّ على ما اختاره في هذا الباب من أنّ مفاد أدلّة الشّرط و وجوب الوفاء به ترتيب ما له من الأثر شرعا فتكون فقط متكفّلة لبيان الحكم التّكليفي و أمّا اللّزوم الوضعيّ فهو منتزع من التّكليف كما هو مختاره في مطلق الوضعيّات على ما يظهر من بعض كلماته و إن كان بعضها موهما لخلافه

و كيف كان فما أفاده هنا من أنّه

ص: 127

لا معنى لوجوب الوفاء فيه و عموم المؤمنون مختص بغير هذا القسم مبنيّ على هذا المسلك أي انتزاع الوضعيات من التّكليف و عدم تأصّلها بالجعل

و يرد عليه مضافا إلى بطلان هذا المبنى من أصله كما حقّقناه في محلّه أن بناء عليه لا موجب للخيار أيضا و لا دليل على جوازه و نفوذه إذ المفروض عدم شمول الأدلّة للمسألة لانتفاء الأثر الشّرعي و لا يصحّ شمولها باعتبار نفس الخيار لأنّه متفرع على نفوذ الشّرط و لزومه على المشروط عليه حتى يوجب تعذّره أو امتناعه جواز الفسخ للمشروط له فيلزم أن يكون ثبوت الخيار في المسألة بلا دليل يوجبه و لا يكاد يصحّ الالتزام به لأنّه من أظهر موارد ثبوت الخيار لتعذّر الشّرط و أوضح أقسامه كما لا يخفى على المتأمّل فتأمل

و حينئذ فلا محيص من القول بأنّ مفاد الأدلّة بيان اللّزوم الوضعي و يترتّب عليه ما له من الأثر الشّرعي لو كان له أثر كما في غير المقام و هذا هو الظّاهر المتبادر من قوله ع المؤمنون عند شروطهم فإنّ الظّاهر من موارد استعمالات هذا الظّرف الوقوف عند الشّي ء و عدم إمكان المضيّ عنه فيكون المعنى و اللّٰه العالم أنّهم واقفون عند شروطهم و ملزمون بها و هذا معنى اللّزوم الوضعيّ كما لا يخفى و كذلك وجوب الوفاء بالشّرط لو كان في أدلّة الشّروط ما هو بهذا المضمون كما في أَوْفُوا بِالْعُقُودِ كناية عن حصول الشّرط و تحقّقه و ثبوته على المشروط عليه و في ذمّته و غير ذلك من التعابير الّتي نتيجتها مطلوبيّته لأدائه لا مجرّد ترتّب الآثار حقّ يختصّ بمورد دون مورد بل معنى يعمّ جميع الموارد و يستتبع وجوب معاملة ملك الغير مع المشترط في ما له من الآثار شرعا فتأمل جيّدا

[القسم الثّالث إذا تعلق الشرط بما هو من قبيل الغاية]

قوله قدّس سرّه و أمّا الثّالث فإن أريد اشتراط الغاية إلى آخره

و المراد من الغايات النّتائج الحاصلة بالعقود و الإيقاعات مثل الملكيّة و الحريّة و نحوهما فالكلام فيها في أنّها كما تحصل بأسبابها المعدّة لها كذلك تحصل بنفس الاشتراط في ضمن عقد آخر أم لا بل لا بدّ في حصولها من إنشائها مستقلّا و لا يصحّ جعلها تبعا لأحد العوضين في عقد آخر و لذا لو كانت بنفسها تبعا لأحد العوضين كالزّوائد المتّصلة في الحيوان مثل صوفه و وبره مثلا فإنّه يملّك بتبع العين سواء اشترط أو لم يشترط بل استثناؤه يحتاج إلى الاشتراط و كذلك ما لم يكن بنفسه تبعا و لكن باشتراطه يصير تابعا حقيقة

و بعبارة أخرى يصير من لواحق المتبوع و زوائده كبيع الدابّة مع الحمل و العبد مع ماله و نحو ذلك فإنّ الظاهر عدم الإشكال في صحّة الاشتراط في أمثال هذه المقامات سواء كانت الغاية متوقّفا حصولها على سبب خاصّ أو لم يكن فلو بيع الدابّة مع حملها أو الشّجرة مع ثمرتها يصحّ و لو قلنا بتوقّف البيع على سبب خاصّ فإنّ المعاوضة هنا بين المتبوع و عوضه حقيقة و إنشاء فلا يرد عليه ما يرد على غير هذا المقام كما يأتي الإشارة إليه إن شاء اللّٰه

و حينئذ فدعوى تسويغ هذه الموارد لكونها توابع للمبيع موجّهة و ما أفيد من عدم صلاحيّة ذلك للفرق غير مفيد لوضوح الفرق بين اشتراط حمل الدابّة أو ثمرة الشجرة و اشتراط كون مال آخر ملكا له بلا عوض

و حينئذ ما يوجّه على المحقّق الثّاني هو جعل الحمل تبعا لدابّة أخرى فإنّ من المعلوم أنّه لا يصير تبعا لها بالجعل كما لا يخفى لا على أصل التبعيّة و عدم صلاحيّتها للفرق

و كيف كان فالّذي هو محلّ الإشكال أن لا يكون المشترط بنفسه تبعا لأحد العوضين و لا بالاشتراط يصير كذلك بل كان تبعا لأحدهما في العقد إنشاء مع كونه بنفسه شيئا مستقلا في عرضهما يبذل بإزائه المال كالبدل بإزائهما

ص: 128

كأن يقال بعتك هذا الكتاب بدرهم على أن يكون هذا القميص لي أو لزيد أيضا

و على أيّ حال فقد بناه قدّس سرّه على أن يكون الغاية ممّا ثبت بالدّليل اعتبار تحقّقها بسبب خاصّ كما لا يبعد دعواه في جميع الإيقاعات كالطّلاق و العتاق فلا تكاد تحصل بالشّرط بل يكون الشّرط فاسدا لكونه مخالفا للكتاب أو كانت ممّا لا يتوقّف تحقّقه على سبب خاصّ كالوكالة و الوصاية فيصحّ الاشتراط و الّذي يشكّ في أنّه من أيّ القسمين و لم يدلّ دليل واضح على أحد الوجهين فيبني على نفوذ الشّرط و صحّة الاشتراط إلّا لأجل التّمسّك بعمومات الشرط فإنّ الشّبهة مصداقيّة بل الأصل الّذي أسّس في مسألة الشك في المخالفة من استصحاب عدم المخالفة للكتاب بالبيان الّذي أسلفناه

هذا ملخّص ما أفاده قدّس سرّه في هذه المرحلة و حيث أثبتنا سابقا و بيّنا مشروحا عدم جريان هذا الأصل و نظائره رأسا فلا بدّ في المقام من الكلام أولا في أنّ المانع من نفوذ الاشتراط ما أفاده قدس سرّه من اختصاص الغاية بسبب خاصّ أو من جهة أخرى غير تلك الجهة و ثانيا فيما هو المعوّل عند الشك في النفوذ و عدمه بعد البناء على عدم جريان هذا الأصل فنقول الظّاهر أنّ الشكّ في حصول الملكيّة لشي ء بالشّرط كما في أمثال المذكور الّذي هو أحد الموارد المشكوكة ليس من ناحية السبب و احتمال اختصاصه بلفظ البيع أو الهبة مثلا فإن لازم ذلك عدم جواز وقوع الصّلح عليه أيضا فإنّ حال الصّلح بعينه حال الشّرط من هذه الجهة بناء على كونه عقدا برأسه كما هو التّحقيق لا أن يكون تبعا لسائر العقود كما قيل و كذلك لازم ذلك التّسليم على عدم إفادة المعاطاة للملكيّة مع أنّها محلّ كلام و إشكال

بل قد حقّق في محلّه أنّ العمدة في جهة البحث عنها ليس من جهة اختصاص الملكيّة بسبب خاصّ أو عدم اختصاصها به بل من جهة أنّ ما وقع في الخارج من الفعل هل هو مصداق للتّمليك بحيث يصحّ حمله عليه بالحمل الشّائع أو مصداق لمطلق الإباحة و التّسليط الأعمّ من التّمليك و غيره

و بالجملة فالظّاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم اختصاص الملكيّة بسبب خاصّ و لذا يجوز حصولها بالصّلح عليها بلا خلاف فيه ظاهرا و إذا جاز حصولها بالتّسالم عليها جاز حصولها بالاشتراط أيضا فإنّهما توأمان يرتضعان من ثدي واحد كما حقّق في محلّه و كذلك لو كان الشرط ملكيّة شي ء بعوض خاص غير ما جعل عوضا في عقد المعاوضة مثل أن يقال بعتك هذا الكتاب بدرهم بشرط أن يكون هذا القميص لك أيضا بدرهم فالظّاهر عدم الإشكال في صحته مع أنّه لو كان مختصا بسبب خاصّ ينبغي الإشكال في تلك الصّورة أيضا

و كيف كان فالظّاهر أنّ الإشكال في اشتراط الملكيّة في ضمن العقد ليس من جهة السّبب و احتمال اختصاصه بسبب خاصّ بل من ناحية المسبّب فإنّ المعهود من الشّريعة في تملك الأعيان كونها إمّا بعوض مسمّى كما هو مدلول عقد البيع و إمّا مجّانا بلا عوض و أعدّ له عقد الهبة و إمّا كونه لا بلا عوض و لا مع العوض على مقتضى ظاهر العقد و أن يقع بإزائه بعض الثمن لا محالة بعد ما فرضنا استقلاله و عدم صيرورته تبعا لأحد العوضين بالاشتراط فكأنه غير معهود من الشريعة فيكون الشّرط مخالفا للكتاب و السّنة لا أنّه غير مقدور للمشروط عليه كما أفاده قدّس سرّه في مسألة اشتراط القدرة فإنّ الغاية و هي تمليك ماله إلى الغير مقدور له و تحت سلطانه و عدم حصوله بنظر الشّارع إلّا بأسباب خاصّة لا يوجب سلب القدرة عنه

و الحاصل أنّ التّصرف الشرعي

ص: 129

تارة في ناحية المسبّب كعدم جواز بيع المصحف أو المسلم من الكافر بحيث يكون دليله مخصّصا لعموم السّلطنة و قاصرا لسلطنته على غير ذلك الوجه فيصير المسبب غير مقدور له و خارجا عن سلطنته و لذا يدلّ النّهي عنه على فساده و أخرى يكون في ناحية السّبب و أنّ الغاية الفلانيّة مثلا لا تحصل إلّا بسبب كذا و كذا و هذا لا يوجب خروجها عن قدرته و قصورا في سلطنته كما لا يخفى و تمام التّحقيق في ذلك موكول إلى محلّه فافهم و اغتنم

و كيف كان فالمانع في المقام سواء كان من جهة السّبب و احتمال اعتبار الخصوصيّة فيه كما أفاده قدّس سرّه أو من جهة المسبّب أي كون المشترط لا مجانيّة صرفة و لا مع العوض هو احتمال كون الشّرط مخالفا للكتاب كما أفاده في المقام لا كونه غير مقدورا كما أفاده في ذاك الباب و حينئذ فلا بدّ من البحث فيه من تلك الجهة و أنّ المعول في صورة الشّك في أحد الوجهين هو عمومات الشّرط أو أصالة عدم تحقّق الغاية إلّا بما علم كونه سببا لها بعد ما عرفت من عدم جريان أصالة عدم المخالفة

نعم على تقدير جريانها تكون حاكمة على الأصل المتقدّم إلّا أنّ صحّة جريان سنخ هذا الأصل كليّة في محلّ منع كما حقّقناه في محلّه مشروحا

و حينئذ فإن أمكن الأخذ بعموم المؤمنون عند شروطهم فهو و إلّا فالمرجع هو الأصل المتقدّم أي أصالة عدم تحقّق الغاية و الإنصاف أنّ التّمسّك بالعموم لا محذور فيه و أنّ كون الشّبهة مصداقية ممنوع جدا بل مرجع الشّك في جميع ما شكّ في المخالفة إلّا ما شذّ إلى الشّك في أنّ الحكم الفلاني مجعول في الشريعة حتّى يكون اشتراط خلافه مخالف للسّنة أم لا كما في المقام فإنّ الشّك في أنّ المستفاد من الأدلّة اختصاص انحصار السّبب المملك للأعيان بالبيع و الهبة أو لا ينحصر بهما كما في تمليك المنافع كالأفعال فإنّها تارة تبرّع محض و أخرى بإزاء العوض كذلك و ثالثة باشتراطها في ضمن عقد آخر نتيجته وجوب الوفاء بها فلا يكون تبرّعا محضا و كون تعذّره موجبا للخيار فلا يكون بإزاء الأجرة كذلك بل واسطة بينهما فهل يكون الأعيان كذلك أو ينحصر تملّكها بأحد الوجهين فيكون الشّبهة حكميّة لا مصداقيّة كما لا يخفى و كذلك إذا كان الشّك من جهة الاختصاص بسبب خاصّ و عدمه فإنّ مرجعه أيضا إلى الاشتباه في الحكم و أنّ غيره سبب لحصول النّقل و الانتقال بنظر الشّارع أم لا فلا مساس له بالاشتباه من جهة المصداق و الشكّ في أنّ الحكم المجعول في الشّريعة كقوله ع من حدود المتعة أن لا ترث و ما يشبه ذلك هل يعمّ صورة الاشتراط أم لا فيكون الشّبهة مفهوميّة مردّدة بين الأقلّ و الأكثر فيؤخذ بالمتيقّن و في المشكوك عموم أدلّة الشّرط هو الحكم و أوضح من ذلك في التّمسك بالعموم ما كان من قبيل القسم الأوّل أي يكون الشّبهة حكميّة إذ التمسّك بالعموم فيها بلا محذور و لا شبهة كما حقّق في محلّه

نعم ربما يشكل في التّمسك بالعمومات من جهة أخرى و هي كونها مخصّصة بالتّخصيص المتّصل الموجب لإجمالها و سقوط دلالتها التّصديقيّة على العموم بالنّسبة إلى الموارد المشكوكة كما هو القاعدة في جميع المخصّصات المتّصلة على ما حقّق في محلّه و لكن ذلك إنّما يختصّ ببعض العمومات و أمّا ما لا يكون مخصّصا بالتّخصيص المتّصل كما في بعض أخبار الباب مثل الرّواية المتقدّمة في الامرأة المكاتبة فدلالته على العموم محفوظة فيخصّص بما علم خروجه عنه بالأدلّة المنفصلة و هو ما علم مخالفته و أمّا بالنّسبة إلى مشكوك المخالفة سواء كان من جهة الشّك في الحكم أو من جهة الشّبهة في المفهوم فعمومه

ص: 130

هو الحكم و إجمال ما هو المجمل لا يكاد يسري إلى الآخر لو لم يكن الآخر مبنيّا و رافعا لإجماله فتدبّر

و بالجملة هذه قاعدة كليّة تجري في جميع أبواب المخصّصات و المقيّدات من أنّه لو كان في المسألة دليلان أحدهما مخصّص بما يوجب إجماله فلا وجه لأن يعامل معاملة المجمل مع الآخر أيضا مع أنّ أصالة العموم بالنّسبة إليه غير ساقطة و انقسامه إلى ما يحتمل خروجه و نقيضه محفوظ مثلا إذا قيل أكرم العلماء إلّا الفسّاق منهم و تردّد الفسق بين خصوص ارتكاب الكبيرة أو الأعمّ منه و من ارتكاب الصّغيرة فشمول هذا العام لمرتكب الصّغيرة و إن كان غير معلوم لتخصيصه بما عدا ما هو الفاسق واقعا و لكن لو كان في البين عام آخر غير مخصّص به كذلك فعمومه بالنّسبة إليه محفوظ و لم يعلم خروجه عنه إلّا على تقدير كون الفاسق لغة و عرفا أعمّ منه و من غيره و هذا التّقدير ليس من لواحق العام و انقساماته حتّى يكون الشّك فيه موجبا للشّك في عمومه فالانقسام الّذي من لواحقه و طواريه و هو انقسامه إلى مرتكب الصّغيرة و غيره محفوظ لم يقع انثلام فيه و ما ليس بمحفوظ شموله له على تقدير شمول الفاسق له بمفهومه و هذا ليس من لواحق العام و طواريه كما هو واضح

و الحاصل أنّ التّمسك بعمومات الشّرط في المقام الّتي لم تكن مخصّصة بتخصيص متّصل لا مانع فيه و لا محذور فيما إذا كان الاشتباه من جهة الشّبهة في المفهوم فضلا عن كونه من جهة الشّبهة في أصل الحكم و أنّ الحكم الفلاني في الشّريعة مجعول أو ليس بمجعول بل يمكن التّمسك بالعمومات المخصّصة بغير عنوان الموافقة و المخالفة أيضا كقوله ع المؤمنون عند شروطهم إلّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما و نحو ذلك فيما إذا شكّ من جهة المخالفة و الموافقة لا من جهة الحليّة و الحرمة كما في أمثال المقام فإنّ إطلاقها من تلك الجهة محفوظ فيعمّ موارد الشّكّ فإنّ الشّك في تحقّق الملكيّة أو الحريّة مثلا بالشّرط لا ربط له بالحليّة و الحرمة بل من جهة كونه مخالفا للكتاب و عدمه فتلك العمومات أيضا لا مانع من التّمسك بها فتأمل جيّدا

و لعلّ هذا هو الوجه فيما هو المرتكز في الذّهن من عدم صحّة البناء على فساد الشّرط بمجرّد احتمال مخالفته للكتاب و يأبى عنه الفهم المستقيم و لذا يرى أنّ الشّيخ قدّس سرّه مع إصراره البليغ و منعه الأكيد لجريان استصحاب العدم النّعتي بلحاظ العدم السّابق على وجود الموضوع و عقد تنبيه لذلك في تنبيهات الاستصحاب يتشبّث بذيل هذا الأصل في هذا الباب و يتمّ المطلب بذاك المشرب

و لكنّ التّحقيق ما ذكرناه من التّمسك بالعمومات و منشأ الخلط تخيّل أنّ الشّك في هذه الموارد من جهة الشّبهة في المصداق لتبيّن مفهوم المخالفة فمرجعه إلى أنّه مخالف أم لا و لكن قد عرفت أنّ مفهوم المخالفة عنوان منتزع عن أنواع الالتزامات المنافية للحكم المجعول في الشّريعة فلو كان الشّك في أصل جعل الحكم أو في إطلاقه لمورد المشكوك فمستند إلى القصور في البيان الشّرعي لا إلى الاشتباه من جهة الأمر الخارجي

نعم لو شرط في ضمن عقد ثمّ شكّ في كيفيّة شرطه بأنّه كان على وجه يخالف الكتاب أو على وجه لا يخالفه فيكون الشّبهة مصداقيّة و لكنّه قليل جدّا بل غالب موارد الشّك في المخالفة من إحدى الجهتين اللّتين أشرنا إليهما فلا مساس له بالشّبهات المصداقيّة فافهم و اغتنم فإنّ المقام صار مزلة لأقدام الأجلّة فضلا عن أمثالنا من الطّلبة و اللّٰه الهادي إلى طريق الرّشد و الهداية

[القسم الثّاني و هو ما تعلّق فيه الاشتراط بفعل]
[الأولى في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي]

قوله و إنّما الخلاف و الإشكال في القسم الثّاني و هو ما تعلّق فيه الاشتراط بفعل إلى آخره

اعلم أن البحث

ص: 131

في المسألة ليس من جهات عديدة كما أفاده قدّس سرّه من جعل الكلام تارة في الحكم التكليفي و جعل المخالف فيه خصوص الشهيد قدّس سرّه و أخرى من حيث جواز الإجبار و عدمه عند امتناع المشروط عليه ثمّ إرجاع ذلك إلى المسألتين تارة فمن حيث الوضع و كون الشّرط سببا لثبوت حقّ لصاحبه على من اشترط عليه كسائر الحقوق من كونه موجبا لاشتغال الذمّة و يسقط بإسقاطه و غير ذلك و أخرى من حيث جواز الإجبار و عدمه على كلا الوجهين بل الظّاهر أنّ مرجع البحث كلّه إلى أمر واحد و هو أنّ مقتضى الاشتراط فقط انقلاب العقد اللّازم جائزا كما أفاده الشّهيد أو يكون متضمّنا لوضع آخر و هو استحقاق الشّرط لمن له الشّرط و اشتغال ذمّة المشروط عليه فلازمه جواز الإجبار عليه عند امتناعه كما لو آجر نفسه لفعل و عمل و كذلك مقتضاه وجوب أداء الحقّ لصاحبه فمرجع الكلام إلى ما أفاده قدّس سرّه في آخر كلامه من أنّ المشروط له قد ملك الشّرط على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشّرط انتهى

و ذلك لوضوح أنّ الحكم التّكليفي السّاذج بحيث لا يسقط بإسقاط المشروط له و يكون وجوب الوفاء به تكليفا كسائر التّكاليف الوجوبيّة في عرض التّكليف بوجوب أداء مال الغير مع مطالبته ممّا لا ينبغي أن يحتمله أحد لبداهة سقوطه بإسقاط الشّرط فلا يكون من قبيل حرمة الغيبة و الشّتم و الضّرب و نحوها أيضا بأن يكون فيه جهتان جهة متعلّقة باللّٰه تعالى من حيث كون هذه الأمور مخالفة و عصيانا له و جهة متعلقة بالمغتاب و المضروب من حيث كونها إيذاء لهما و لذا لا يكاد يسقط عصيانه تبارك و تعالى بإسقاط المغتاب حقّه كما لا يكاد يجوز بإذنه في غيبته أو شتمه و هذا بخلاف المقام فإنّه يسقط الشّرط بإسقاط المشروط و لا يجب الوفاء به مع إذنه و رضاه بتركه أو بتأخيره

و كيف كان بعد الاتّفاق ظاهرا على سقوط الشّرط بإسقاطه من صاحبه فيما عدا شرط العتق فالتّكليف الممحّض في كونه حقّا للّه تبارك و تعالى ممّا لا يكاد يحتمل و كذلك المشوب منه و من حقّ النّاس كما في موارد الغيبة و الشّتم و القذف و نحوها لبداهة عدم تسويغها بإذن المشتوم و المقذوف و قطعا كما لا يخفى فالتّكليف الّذي يتصوّر في المقام ما يتبعه ملكيّة الشّرط للمشروط له و استحقاقه لأن يطالبه فيجب أداؤه شرعا أيضا كما في الدّين و أشباهه

و حينئذ فالبحث عنه في قبال الوضع و جعله أمرا مستقلا بنفسه في غير محلّه فضلا عن البحث في ظواهر الأدلّة من أنّها دالّة على الوجوب و الاستحباب كما احتمل فإنّه مبنيّ على حمل ظواهر الأدلّة على التّكليف السّاذج فيمكن القول بالاستحباب نظرا إلى ترتب الحكم على عنوان المؤمن أو لكون مساقها مساق أدلة استحباب الوفاء بالوعد و مكروهيّة خلفه و نحو ذلك

و أمّا بعد ما عرفت من عدم احتمال التّكليف المحض و دلالة الأدلّة على ثبوت الوضع كما استظهرناه من قوله ع عند شروطهم أي واقفون عندها و ملزومون بها فلا يبقى مجال الاستحباب بلا ارتياب بل احتماله من مثل شيخنا أستاذ الأساتيد بعيد غاية البعد كما أنّ مقايسة الشّرط بالوعد و أخباره الدّالة على حسن الوفاء به في غير محلّها لبداهة أنّ الوعد ليس متضمّنا للإلزام و الالتزام بوجه بل إخبار بأمر ممكن الوقوع و عدمه غايته يستحبّ القيام به مع إمكانه و أنّى هذا من الاشتراط و الالتزام و إيجاب شي ء على نفسه إنشاء لا إخبارا فتأمل جدا

و كيف كان فالّذي ينبغي أن يحرر

ص: 132

في المقام أنّ فائدة الشّرط صرف جعل العقد عرضة للزّوال و إناطة لزومه العقدي أو الشّرعي بحصول الشرط فمع عدم حصوله و لو بالاختيار ينتفي اللّزوم فلا موجب للقهر و الإجبار أو ثبوت حقّ مالكي لصاحب الشّرط على الآخر المستتبع لجواز الفسخ عند تعذّر تسليمه كتعذر تسليم العوضين لا مجرّد تخلّفه فلو امتنع يجبر على التّسليم و أداء الحقّ إلى مالكه كما لو امتنع من تسليم العوض المنتقل عنه فإنّ مجرّد ذلك لا يوجب الخيار مع إمكان الأخذ منه و لو بالإجبار بل يتوقّف الخيار و انفساخ العقد على تعذّر التّسليم كما هو واضح لا يخفى

و من هنا يظهر أنّ المخالف في المسألة لا ينحصر بالشّهيد قدّس سرّه بل كلّ من قال بعدم جواز إجباره كالعلّامة في بعض كتبه و الشّيخ على ما نقل عنه في المبسوط و غيرهما مرجع كلامه إلى الوجه الأوّل لا محالة إذ لا يكاد يستقيم المنع إلّا بذلك أي منع الحقّ المالكي المشروط له على الشّارط رأسا أو ثبوته على وجه ينتج التّخيير بين الوفاء بالشّرط أو فسخ العقد عرضا و تصويره لا يخلو عن غموض فتأمل جيّدا

و حينئذ فالتّفكيك بين المسألتين أي من حيث وجوب الوفاء و عدمه و تخصيص الخلاف فيه إلى الشّهيد قدّس سرّه و من حيث جواز الإجبار و عدمه و نسبة الخلاف فيه إلى جماعة في غير محلّه

نعم ربما يكون الاختلاف بينهم من جهة المبنى حيث لم يوجّه غير الشّهيد المانع إلى تعليق العقد و إناطة الالتزام بالشّرط فينتفي عند انتفائه فلعلّ الوجه عندهم مطلب آخر كما يدلّ عليه تصريح العلامة في مواضع من التّذكرة ببطلان التّعليق في العقد على وجه الإناطة و أمّا الشّهيد قدّس سرّه فصريح كلامه في نكت الإرشاد و غيره أنّ الوجه في ذلك هو التّعليق و إناطة الالتزام العقدي بحصول الشّرط فإذا لم يحصل فيجوز له الرّضا بالفاقد من دون التزام و هذا معنى الخيار و قلب العقد اللّازم جائزا

قال قدّس سرّه في مقام التّفصيل بين اشتراط الغاية أو الفعل المعبّر عنهما تارة بأمر حالي أو استقبالي و أخرى بما كان العقد كافيا في تحقّقه و ما لم يكن كافيا في تحقّقه و مرجعهما إلى اشتراط الغايات أو المبادي فلا يكون تفصيلا فيما هو محلّ الكلام كما توهّم أنّ الشّرط الواقع في العقد اللّازم إن كان العقد كافيا في تحقّقه و لا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الاختلال به كشرط الوكالة و إن احتاج إلى آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم بل ينقلب العقد اللّازم جائزا أو جعل السّر فيه أنّ اشتراط ما يكون العقد كافيا في تحقّقه كجزء من الإيجاب و القبول فهو تابع لهما في اللّزوم و الجواز و اشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد و قد علّق عليه العقد و المعلّق على الممكن ممكن و هو معنى قلب اللّازم جائزا انتهى

و فيه أوّلا أنّ ظاهر الاشتراط ليس تعليق الالتزام عليه بل التزام بنفس الشّرط كما هو محلّ البحث و إن قيل إنّ مرجعه إلى إناطة الالتزام به و تعليقه عليه فهذا لا يوجب الفرق بين المقامين ففي كليهما يئول إليه غايته في اشتراط الغايات إن كانت الغاية ممّا يمكن إيجادها بسبب كالوكالة يجب تحصيلا للشّرط و وفاء بالعقد و إن كانت ممّا لا يمكن إيجادها بسبب كاشتراط الخيار أو عدمه يكون فاسدا لتعليق العقد على أمر غير حاصل لا يمكن تحصيله أيضا بسبب و إن قيل بأنّه لا يئول إلى التّعليق بل التزام به و نفس اشتراطه إنشاؤه كما في اشتراط الخيار فنحن نقول به في شرط الفعل أيضا

و على أيّ حال بعد ما كان كيفيّة العقد و الاشتراط بحسب الإنشاء العقدي على نهج واحد فلا وجه للتّفصيل و التّفرقة بين اشتراط الفعل و الغاية و ثانيا أنّ مرجع التّعليق إن كان إلى إناطة الإنشاء و إيقاعه على تقدير دون تقدير فهذا أمر مستحيل كما حقّقنا في محلّه أنّ المعاني الإيجادية

ص: 133

غير قابلة لإناطتها بأمر غير حاصل فإنّها إمّا توجد بإنشائها أو لا توجد فلا معنى لإيجادها معلّقة على غيرها كما لا يخفى مضافا إلى أنّها معان حرفيّة غير ملحوظة عند الاستعمال غير ملتفت إليها في هذا الحال فلا يمكن لحاظ الإطلاق أو التّقييد فيها و إن كان المرجع إلى تقييد المنشإ أي البيع مثلا بأن ينشأ ملكيّة خاصّة بإرجاع القيد إلى المادة نظير قيد الواجب و هذا و إن كان في الأمور الخارجيّة كالضّرب و القتل مثلا أيضا غير متصوّر لامتناع إناطة الفعل الصّادر على أمر خارج عن الاختيار مثل إناطة الضّرب على وقوعه على المضرب و إن كان عدوّا دون ما إذا كان صديقا بل يكون العنوان من قبيل الدواعي على الفعل تارة يتخلّف عنه و أخرى يصادفه كما هو واضح إلّا أنّه فيما إذا كان المنشأ من الاعتباريات كالملكيّة و الزّوجيّة فحيث إنّ وجودها على نحو اعتبارها فيصحّ اعتبارها على وجه خاصّ و إناطتها على تقدير دون تقدير فيكون التّعليق فيها بمكان من الإمكان كما في قيود الواجب فإنّها أيضا من هذا الباب

و لكن ذلك مضافا إلى كونه مخالفا للإجماع على بطلان التّعليق في العقود و اعتبار التّنجيز فيها بلا إشكال لا يكاد ينتج الجواز بل مقتضاه بطلان العقد رأسا لأنّ المفروض عدم إنشاء البيع على تقدير انتفاء الشّرط و انتفاء المشروط بانتفاء شرطه حكم عقليّ غير قابل للتّخصيص إلّا بإرجاع الاشتراط إلى معنى لا ينافي مع بقاء المشروط كما يأتي تصويره إن شاء اللّٰه

نعم الّذي يفيد الخيار و انعقاد العقد جائزا إناطة الالتزام الّذي يدلّ عليه العقد التزاما و يتضمّنه عرفا على وجود الشّرط فعند انتفائه لا التزام للمشروط له حتى يجب الوفاء به بدليل الإمضاء شرعا فينقلب اللّزوم جوازا كما هو مدّعاه قدّس سرّه و لكنه مبنيّ على كون الالتزام ملحوظا بنفسه في حال العقد و منشأ به باستقلاله مثل أن يصرّح به بأن يقول مثلا بعت هذا بهذا و التزمت به و ليس كذلك بالبداهة بل مدلول العقد إنشاء البيع على وجه الالتزام فيكون كيفيّة لإنشائه و نحوا من أنحائه يتعبه قهرا على حسب ما هو المفهوم منه عرفا و بهذا الاعتبار يسمّى عقدا و لذا نقول بأن المعاطاة بيع لا عقد فتأمل جيدا

و كيف كان فقد ظهر بطلان التّعليق بجميع أنحائه و ما يتصوّر فيه التّعليق منها لا يكاد يفيد الخيار و ينتج الجواز و ما يفيده و ينتجه لا يكاد يصحّ التّعليق فيه كما قلنا هذا إذا كان المراد تعليق الإنشاء و الالتزام العقدي على وجود الشّرط كما هو صريح كلام الشّهيد رفع مقامه و إن قيل توجيها لكلامه و وجها لمن قال بمقالته من الأجلّة كما أشرنا إليه من التردّد أو الميل إليه من بعض عبارات التذكرة

و نقل عن الشّيخ في مبسوطه أيضا و غيرهما أنّ المراد إناطة الحكم الشّرعي و هو وجوب الوفاء بالعقد بوجود الشّرط بعد تسليم أنّه بحسب التزامه بالعقد غير منوط بشي ء و غير معلّق على تقدير دون تقدير و لكن لا شبهة أنه لم يلتزم بالفاقد فلا يعمّه دليل وجوب الوفاء بالعقود فيقع جائزا لعدم الدّليل على اللّزوم

و فيه أن المشروط له و إن لم يلتزم بالفاقد إلّا أنّ المشروط عليه التزام بإعطاء الشّرط وصفا كان أو فعلا فيجب عليه الوفاء على حسب التزامه بأن يؤدّى الشّرط إلى من له الشّرط أداء الحق إلى صاحبه فمع امتناعه يجبر عليه كما في سائر الحقوق و الأموال

و ثانيا أنّ عدم التزام صاحب الشّرط بالفاقد و إن صحّ إلّا أنّ فيه مغالطة إذ ليس معناه عدم وجوب وفائه بالعقد بل معناه الأخذ بالشّرط و الوفاء بالعقد بمعنى أنّه إمّا أن يتجاوز عن حقّه أو يطالبه و مع امتناعه يجبره عليه نظير ما يقال في الشكّ في الأقلّ و الأكثر أنّ الأقل على تقدير وجوب الأكثر ليس بواجب

ص: 134

فإنّ معناه وجوب الإتيان به و بالأكثر لا سقوط التّكليف عنه فتدبّر

و كيف كان فما يظهر من هؤلاء الأجلّة من عدم جواز الإجبار على الشّرط مع تصريحهم بأنّه كالجزء من العوضين بل أنّ له قسطا من الثمن و ثبوت الخيار بمجرّد التخلّف لا وجه له و أضعف من ذلك تفصيلهم في مسألة اشتراط العتق بأنّه إن قلنا إنّه حق للّه تعالى يجبر عليه لو امتنع و إن قلنا إنّه حقّ للبائع لم يجبر إذ لا معنى لكونه حقّا له تبارك و تعالى إلّا اعتبار قصد التقرّب فيه و لازمه التعدّي إلى كلّ ما يكون كذلك كاشتراط الوقف أو الصّدقة أو بناء قنطرة و غيرها من الوجوه البريّة فلا وجه للاختصاص بالعتق و لا يقاس بمنذور الصّدقة و غيره لبداهة الفرق بينهما فإنّ طرف الالتزام هنا هو اللّٰه تعالى دون المشروط له كما لا يخفى

و كيف كان فقد ظهر من مجموع ما ذكرنا أن بالشّرط يثبت حق مالكيّ للمشروط له على الشّارط الموجب لاشتغال ذمته به كما في سائر الحقوق و يسقط بالإسقاط كما اتّفقوا عليه و تسالمهم ظاهرا في غير اشتراط العتق و قد عرفت عدم الفرق بينه و بين غيره من الأمور القربيّة و غيرها الرّاجع انتفاعها إلى من له الحقّ أو الأجنبي فيستحقّ المطالبة و الإجبار مع المماطلة و مع التعذّر يوجب الخيار لعدم التزامه بفاقد الشّرط

نعم توجيه الخيار مع صحّة البيع دون البطلان كما يسبق في بادي النّظر مطلب آخر يأتي الكلام في تنقيحه آنفا فتدبّر

[الثالثة في أنّه هل للمشروط له الفسخ مع التّمكّن من الإجبار]

قوله قدّس سرّه الثالثة في أنّه هل للمشروط له الفسخ مع التّمكّن من الإجبار

لا يخفى أنّ المسألة بعينها هي المسألة السّابقة باختلاف يسير و تفاوت في العبارة و لعلّه سهو من قلمه فراجع و تدبّر

نعم زيادتها على السّابقة أنّه لو كان الشّرط من قبيل الإنشاء القابل للنيابة فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذّر إجباره أو عند امتناعه مطلقا نظرا إلى عدم تحقّق الإنشاء عن طيب و رضاء مع اعتباره فيه فيدور بين سقوط أحد الشّرطين من الطّيب و الرّضا أو المباشرة و قد استدلّ على جواز إيقاعه للحاكم بعموم ولاية السّلطان على الممتنع و لكن لا يخفى أنّ عمومه مع وجود المولى عليه و حضوره و كمال عقله و بلوغه ممنوع فتأمل جيّدا

[لو تعذّر الشّرط فليس للمشتري إلّا الخيار لعدم دليل على الأرش]

الرّابعة لو تعذّر الشّرط فليس للمشتري إلّا الخيار إلى آخره

سواء كان الشّرط متعذّرا حال العقد أو طرأ التعذّر عليه من غير فرق بين ما يرجع إلى العوضين كالأوصاف أو غيره من الأمور الخارجيّة كالأفعال و الأعمال نعم لو كان الفعل متعذّرا ابتداء فيدخل في مسألة العقد المشروط بالشّرط الفاسد و سيأتي أنّ الحكم فيه أيضا هو الخيار لا الفساد كما هو مختار جماعة من الأمجاد

و كيف كان تحقيق البحث في المقام يقع في مطالب ثلاثة الأوّل في صحّة العقد و عدم بطلانه بتعذّر الشّرط الثّاني في جوازه و ثبوت الخيار للمشروط له و كيفيّة الجمع بين الصّحّة و الجواز على ما يقتضيه القاعدة نعم بناء على مسلك شيخنا العلّامة قدّس سرّه من اقتضاء القاعدة البطلان و إثبات الخيار بالتعبّد من الإجماع و قاعدة الضّرر فالأمر سهل و لكن قد أبطلنا هذا المسلك في خيار الغبن و غيره مشروحا فإنّ الإجماع في أمثال تلك المسائل العرفيّة الإمضائيّة شرعا تحصيله لا يخلو عن تأمّل

و أمّا القاعدة فقد حقّقنا في محلّه أنّه لو ثبت الخيار بوجه آخر من استناده إلى تعذّر الشّروط الضمنيّة أو الصّريحة فالتمسّك بها في محلّه حيث إنّ الوفاء و الرّضا بفاقد الشّرط ضرر على المشروط له إلّا أنّه مستغنى عنه في تلك الصّورة و إن لم يثبت الخيار بوجه آخر فلا موقع للتمسّك بأدلّة الضّرر و لإقدام المشروط له على المعاملة بعلم منه و اختياره و مجرّد تخلّف الشّرط لا يكاد يوجب الخيار

ص: 135

كتخلّف سائر الأمور الباعثة على الإقدام على المعاملة فتأمل جيّدا

و بالجملة تتميم المسألة على ما تقتضيه القواعد لا يخلو عن الغموض و تدقيق النّظر كما سيتّضح عليك إن شاء اللّٰه الثّالث في جواز أخذ الأرش من التّفاوت بين واجد الشّرط و فاقده بالنّسبة إلى الثّمن و المثمن كما في خيار العيب و مبنى المسألة أنّ ثبوت الأرش فيه على القاعدة أو على خلافها ثبت بالنّصوص تعبّدا فهاهنا مقامات من الكلام الأوّل في إثبات الصّحة و عدم بطلان العقد بتعذّر الشّرط فنقول إنّ الخصوصيّة الفاقدة تارة تكون ركنا في المعاملة و عنوانا للعوضين كالصّور النّوعيّة الّتي للأشياء الّتي يبذل بإزائها الأموال و تقع في العقد بإزائها الثّمن مثل كون المبيع حمارا و غلاما و نحو ذلك ممّا يوجب تخلّفه اختلالا في أركان العقد على حسب ما قصده المتعاقدان مثل ما إذا باع غلاما حبشيّا و ظهر حمارا وحشيّا و هذا يوجب بطلان المعاملة بلا شبهة و لو في البيع الشّخصي فإنّ المبادلة فيه و إن وقعت بين الثّمن و هذا الموجود الخارجي كيف ما كان لكن لا بمادّته الهيولائيّة حتّى تكون محفوظة في المثال المفروض بل بصورته النّوعيّة المفروض انتفاؤها لأنّها الّتي يبذل بإزائها المال و يقع في مقابلها الثّمن فما يقال إنّ العقود تابعة للقصود محلّ استعماله في تلك الصّورة حيث إنّ ما قصده البائع مثلا و بذل بإزائه الثّمن منتف و ما هو موجود لم يقصده و لم يبذل بإزائه شي ء و لا يصحّ أن يقال إنّه من قبيل تخلّف الدّواعي بمعنى أنّ اعتقاد كونه غلاما صار داعيا لبذل المال بإزاء الموجود الخارجي لما عرفت من أنّ المعنى المحفوظ فيه و لو بانسلاخ ذلك العنوان عنه هو المادّة الهيولائيّة الغير القابلة للمعاوضة لعدم الماليّة لها فإنّ ماليّة الأشياء بصورها النّوعيّة بل بالصّور العرفيّة الّتي ربما تكون أخصّ من الصّور النّوعيّة العقليّة فتأمل جيّدا

و ببيان أوضح الخصوصيّة الفاقدة تارة توجب أن يعدّ الموجود الخارجي مباينا لما وقع عليه العقد عرفا فانتفاؤها يوجب بطلان العقد لا محالة سواء جعلت عنوانا للمبيع كقوله بعتك العبد الّذي هو هذا أو وصفا له كقوله بعتك هذا العبد أو عبّر عنه بلسان الاشتراط كقوله بعتك هذا بشرط أن يكون عبدا فإنّ انتفاء العبديّة في جميع هذه الصّور يوجب البطلان إذ التّوصيف أو الاشتراط هنا لا يفيد أزيد ممّا يعتبر في أصل المعاملة بعد ما عرفت عدم صلاحيّة بذل المال بإزاء المادّة المبهمة الجنسيّة

و أخرى تكون الخصوصيّة فضلة بمعنى أنّ انتفاءها لا يوجب اختلالا في مبادلة المالين بحيث يعدّ الموجود فعلا مباينا للمعقود عليه عقلا و عرفا و إن كان الالتزام بكون أحدهما عوضا عن الآخر منوطا بوجود الخصوصيّة فانتفاؤها في تلك الصّورة يوجب انتفاء الالتزام لا انتفاء أصل المبادلة و ذلك كما في اشتراط الأمور الرّاجعة إلى أوصاف العوضين أو الأمور الخارجيّة الّتي بمئونة الشّرط تصير بمنزلة الوصف و الضّميمة لهما و هذا القسم محلّ الكلام و أنّ تعذّره يوجب الخيار أو لا يوجبه

و أمّا ما كان من قبيل القسم الأوّل فهو خارج عن محلّ البحث رأسا و لا ينبغي عدّه في عداد الشّروط و الأوصاف لما عرفت من أنّ التّعبير عنه وصفا أو شرطا لا يفيد أزيد ممّا يعبّر في أصل المعاوضة من اعتبار كون العوضين معلوما و عنوانهما محفوظا نظير اشتراط بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب و ما اعتبروه في جريان قاعدة الميسور في كون الفاقد يعدّ ميسورا للواجد لا مباينا له فإنّ الخصوصيّة المنتفية تارة تكون عنوانا للموضوع و متقوّمة بها حقيقة الواجب بحيث يكون انتفاؤها موجبا لانتفاء

ص: 136

الموضوع و تعذّر الواجب رأسا فلا مجال لجريانهما

و أخرى ليست كذلك بل عنوان الموضوع أي ما هو معروض الحكم بحسب المناسبة الّتي بين الأحكام و موضوعاتها محفوظ بنظر العرف و كذلك الواجب لم تتعذّر بحقيقته بل ببعض أبعاضه فيصح جريان القاعدتين و إن لم يشملهما إطلاق دليلهما لأجل انتفاء الخصوصيّة كما حقّق في محلّه

و بالجملة صحّة المعاملة و نوع المبادلة مبتنية على حفظ عنوان المتعاوضين أي ما يبذل بإزاء الأموال في العرف و العادة كالصّور النّوعية الّتي للأعيان فإنّ ماليّتها تدور مدارها غالبا لا على المادّة الهيولائيّة و لا على الأوصاف الخارجيّة و إن كانت موجبة لتفاوت القيمة بسببها فإن كانت تلك الصّورة الّتي وقعت عليها العقد محفوظة إلى حين القبض بل موجودة في هذا الحال و لو فرض انتفاؤها حال العقد فيصحّ المعاملة و تقع المبادلة لا محالة و لا يعقل إناطتها بوجود الوصف أو الشّرط فإنّهما من قبيل الدّواعي لا يعقل أن يكون وقوع الفعل الخارجي و عدم وقوعه منوطا بهما كما لا يخفى

و إن لم يكن تلك الصّور محفوظة إلى حين التّسليم و إن كانت موجودة حال العقد كما إذا صار الخلّ خمرا مثلا فلا مجال للصحّة لذهاب الماليّة و عدم وقوع المعارضة بين الثّمن و المادّة الهيولائيّة الموجودة في حال خمريّته نظير ما ذكر في القاعدتين أي قاعدة الميسور و الاستصحاب كما أشرنا إليه

نعم ما ذكر كلّه إنّما يتمّ في البيع الشّخصي و مبادلة الأعيان الخارجيّة بالثّمن كذلك و كذلك في الأوصاف الّتي لا يكون ماليّة الموصوف متقوّمة بها كوصف الصّحة في الجوز و أبيض و نحوهما و إلّا فانتفاء الوصف يوجب فساد المعاملة بذاك المناط الّذي نقّحناه فإنّ الثّمن في مثل هذه الأشياء يقع بإزاء وصف صحّتها حقيقة فيكون الوصف فيها بمنزلة الصّور النوعيّة في غيرها و الموصوف بمنزلة المادّة الغير القابلة لوقوع المعاوضة عليها كما قلنا

و كذلك الكلام في البيع الكلّي فإنّ اشتراط الوصف فيه يوجب تقييد المبيع الثّابت في الذمّة ففاقد الوصف ليس فردا لما وقع عليه العقد و لازمه الفساد إلّا أنّ المشهور فيه أيضا الصحّة و الخيار لكن بتقريب آخر ليس هنا محلّ ذكره فتدبّر و ربما يظهر من بعضهم الحكم بجواز الإبدال أيضا و الفرق بينه و بين الخيار لا يخلو عن التأمّل فتأمل

و كيف كان فقد ظهر أن تعذّر الشرط فيما هو محلّ البحث أي الشّروط الزّائدة عن عنواني العوضين الخارجة عمّا يقع بينهما المبادلة لا يكاد ينثلم به صحّة العقد و وقوعه على نحو أوقعناه فلا موجب للفساد مع تماميّة جهات الصحّة و أمّا اللّزوم فليس كذلك فإنّه ناش عمّا يتضمّنه العقد و يدلّ عليه بمدلوله الالتزامي العرفي و هو التزام كلّ من المتعاقدين بما عقد عليه و إعطاء القول من كلّ واحد لصاحبه و بهذا الاعتبار يسمّى عقدا و يعمّه عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لذا قيل إنّ المعاطاة بيع لا عقد و من المعلوم أنّ الالتزام بما وقع عليه العقد منوط بوجوده لا الإناطة على وجه التّعليق بمعنى الانتفاء عند الانتفاء بل يكون الشّرط من قبيل شرط الواجب بمعنى أنّه يجب على المشروط عليه الوفاء بالعقد و تسليم ما انتقل عنه مع الشّرط فيجب على المشروط له الوفاء به كذلك فإذا تعذّر الشّرط فلا ملزم للعقد لعدم الالتزام بالفاقد فعلى صاحبه الالتزام به فعلا و الرّضا به أو فسخ العقد و حلّه و هذا معنى الخيار

فقد ظهر أن العقد الّذي شرطه كالمعاطاة على قول فيه بيع لا عقد أمّا الأوّل فلوقوع المبادلة بين العوضين بل قد عرفت عدم صحّة إناطتها بوجود الشّرط على وجه لا يرجع إلى تعليق الإنشاء الممتنع وقوعه أو تعليق المنشإ المجمع على بطلانه و أمّا أنّه ليس عقدا

ص: 137

فلما عرفت من انتفاء الالتزام بالمبادلة مع فقد الشّرط وصفا كان أو غيره فلا يعمّه عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّه إمضاء لما التزما به و هو في المقام على الفرض متعذّر مفقود

و بالجملة فقد تلخّص ممّا ذكرنا أن ما أفاده الأصحاب من صحّة العقد و ثبوت الخيار للمشروط له عند التخلّف كما هو مقتضى مختار الشّهيد و من وافقه أو عند التعذّر كما هو مختار المشهور صحيح منطبق على القاعدة و ما يقتضيه العقد و الاشتراط فلا وجه للقول بفساد العقد لو لا الشّرط و إثبات الخيار بالإجماع و قاعدة الضّرر كما يظهر من شيخنا العلّامة قدّس سرّه في بعض كلماته نظرا إلى إرجاع الشّرط إلى تقييد المنشإ فينتفي بانتفائه لما عرفت من أنّه ليس تقييدا للإنشاء و لا للمنشإ بل التزام في التزام

و لنعم ما عبّروا عنه بالشّرط في ضمن العقد فهو غير مرتبط بالعقد على وجه يوجب انتفاؤه فساده و مرتبط به بوجه يوجب انتفاؤه الخيار بالتّقريب الّذي ذكرنا من دخله في الالتزام العقدي لا فيما هو مدلوله المطابقي أي المبادلة بين العوضين فتأمل جيّدا

أقول و الإنصاف أن تصوير ذلك على وجه لا يرجع إلى التّعليق في الإنشاء و لا إلى تقييد المنشإ الموجب لانتفائه عند انتفائه و لا إلى نظير تعدّد المطلوب في الواجبات و لا إلى نظير الواجب في الواجب كما قيل و مع ذلك كان النّتيجة عند انتفائه صحّة العقد و ثبوت الخيار للمشروط له في غاية الإشكال و كذلك تصوير ما ذكر من إناطة الالتزام به مع ما عرفت أنّ الالتزام ليس بنفسه ملحوظا في العقد بل إنّما لوحظ حالة و كيفية للإنشاء أي كون الإنشاء على وجه الالتزام

و كيف كان فتصوير المطلب أي الجمع بين الصحّة و الجواز في غاية الدقّة و يحتاج إلى إمعان الفكر و تدقيق النّظر و قد أتعب نفسه شيخنا المحقّق و أستاذنا الماجد في تصوير ذلك و قد أجاد فيما أفاد و لكن ما قرّرناه غير واف بمراده و قاصر عن بيانه و لعلّك إذا تأمّلت فيما ذكرنا في الواجب المشروط من إرجاع الشّرط إلى المادة حال الإسناد لا إليها قبل الإسناد و النّسبة كما في سائر قيود الواجب المطلق و لا إلى الهيئة بل عقد جملة بجملة كما هو مفاد أداة الشّرط يتّضح لك حال المقام و تصوير ما بنى عليه علماؤنا الأعلام فتأمّل جدّا فإنّ المسألة من مزلّة الأقدام

قوله قدّس سرّه الرابعة لو تعذّر الشّرط فليس للمشتري إلّا الخيار لعدم دليل على الأرش إلخ

هذا هو المطلب الثّالث من المطالب الّتي أردنا تنقيحها و حاصل الكلام فيه بعد إثبات أن تعذّر الشرط لا يوجب فساد العقد بل ينقلب العقد جائزا فللمشروط له الفسخ و الرّجوع إلى ما انتقل عنه فهل يجوز له أخذ الأرش كما في العيب أو لا يجوز له سوى الفسخ و الردّ و مبناه ما ذكرنا في مسألة خيار العيب من أنّ الأرش فيه هل ثبت على القاعدة و حسب ما يقتضيه المعاوضة أو ثبت بالتعبّد فيقتصر على مورده و قد أثبتنا هناك عدم إمكان تطبيقه على القواعد لأنه إن كان تتميما للناقص و غرامة للعيب فلازمه أخذ قيمته الواقعيّة دون ما يخصّه بالنّسبة إلى الثّمن و إن كان تنقيصا للثمن فلازمه رجوع ما يخصّه من عين الثّمن دون غيره

و كيف كان فالمتعدّي عن مورد العيب يحتاج إلى الدّليل المفقود في المقام بل في سائر الخيارات أيضا خلافا لما هو ظاهر التّذكرة من التعدّي إلى المقام بل إلى غيره مثل خيار الغبن أيضا على ما يخطر بالبال بل الظّاهر منه في المسألة التّفصيل بين أقسام الشّروط على وجه لا يكاد أن يستقيم و يوجّه

و حاصله أنّ الشّرط تارة من الأوصاف الّتي لا توجب إلّا زيادة الرّغبة في موصوفها من غير

ص: 138

أن يوجب وجوده أو عدمه زيادة في قيمة الموصوف بوجه فقد قال قدّس سرّه بتعيّن الخيار عند تعذّره

و أخرى من الأوصاف الّتي توجب زيادة المالية في الموصوف فقال إذا تعذّر يتخيّر المشروط له بين الفسخ و الرّجوع بالتّفاوت و بين قيمته مطلقا و قيمته مع الشّرط و تبعه الصيمري فيما لو شرط تدبير العبد ثم امتنع فيرجع إلى جزء من الثّمن نسبته إليه كنسبة التفاوت إلى القيمة لا قيمته الواقعيّة كما صرّح به في التّذكرة و هو المصطلح في الأرش عند إطلاقه و ثالثة من الأفعال الّتي يقابل بإزائها المال كخياطة الثوب و صباغته فيتخيّر المشروط له بين الفسخ و المطالبة به أو بعوضه إن فات وقته و ظاهر العوض قيمته الواقعيّة كما هو واضح هكذا يستفاد من كلماته على ما نقلها شيخنا العلّامة قدّس سرّهما

و فيه أوّلا أنّ التّفصيل بين الأوصاف ممنوع لعدم وقوع شي ء منها في مقابل الثّمن بل المقابلة عرفا و شرعا بين العوضين و إن كانت ماليّة المال ربما تزيد و تنقص بوجود الوصف و عدمه و إلّا فاللّازم بطلان العقد بالنسبة إلى ما يقابله كما في الجزء و ثانيا الفرق بين شرط الوصف و غيره أشكل من الأوّل لأنّه إن كان مضمونا في عقد المعاوضة و يصير ضميمة لأحد العوضين و يقابله شي ء من الثّمن فلا وجه للرّجوع إلى القيمة مع وجود العوض المسمّى فإنّ الضّمان إنّما يكون بماليّة الشّي ء واقعا إذا لم يلتزم المتعاقدان على الأزيد أو الأنقص منه أو التزما و لم يمضه الشّارع كما في المقبوض بالعقد الفاسد و إن كان مضمونا بضمان اليد فمع وضوح بطلانه لازمه الرّجوع إلى القيمة في شرط الوصف أيضا لبداهة أنّ دخل الشّرط في العقد على نهج واحد لا يكاد يختلف باختلاف المشترط وصفا أو عملا خارجيا

و بالجملة ما أفاده قدّس سرّه غير قابل للتوجيه بوجه هذا مضافا إلى أنّ الجمع بين الخيار و الأرش مطلقا غير متصوّر لأنّ مالية الشّي ء دائما محفوظة في العهدة و لا تكاد تتعذّر حتّى يوجب الخيار فإن كان المال مطلقا مضمونا بخصوصيّته و بشخصه فتعذّره يوجب الخيار و لا موجب للرّجوع إلى عوضه لا بما سمّي في العقد و لا بقيمته الواقعيّة و إن كان مضمونا بماليّته المحفوظة في حال التّلف و عدمه و حال تعذّر أدائه بشخصه و عدم تعذّره فلا موجب للخيار فلو سلّم أنّ الشّرط أيضا يبذل بإزائه المال و يقابله شي ء من الثّمن فحاله كذلك لا محالة فافهم

و كيف كان فالتّحقيق في المقام كما أفاده شيخنا أستاذ الأساتيد قدّس سرّه عدم جواز الرّجوع إلى الأرش مطلقا لعدم وقوع شي ء من الثّمن بإزاء الشّرط كان له مالية لنفسه أو لم يكن من غير فرق بين الأوصاف و لا بينها و بين غيرها من الشّروط الخارجيّة مثل شرط الخياطة و الصباغة لما عرفت من أنّ دخلها بالعقد على نهج واحد و لا ينافي ذلك مع وقوعها تحت الضّمان و لكن بمعنى أنّ تعذّر أدائها يوجب الخيار في المبادلة الواقعة بين العوضين فيكون ضمانها بهذا المعنى لا بمعنى ثبوتها في ذمّة المشروط عليه على نهج سائر الأموال فإنّه فرع قابليّة المضمون لذلك و وجود الماليّة له بنفسه مع لحاظ تلك الماليّة أيضا في عقد المعاوضة و هذه كلّها في الشّروط مفقودة كما بيّن بما لا مزيد عليه فتأمل

أقول هكذا أفاد أستاذنا الماجد أدام اللّٰه أيّام إفاضاته تبعا لشيخنا العلّامة قدّس سرّه و لكن فيما إذا كان الشّرط بنفسه له ماليّة يبذل بإزائه المال كشرط الخياطة و لم يكن تبعا لأحد العوضين لا بنفسه كالنّماءات المتّصلة و لا بالشّرط كمال العبد و حمل الدابّة و نحوها فما أفاده لا يخلو عن التأمّل و للإشكال فيه مجال

ص: 139

لوقوع شي ء من الثمن بإزائه واقعا و صيرورته ضميمة لأحد العوضين لا محالة و إن لم يقع بإزائه شي ء في متن العقد و كان الالتزام به شرطا لا جزءا اللّٰهمّ إلّا أن يقال بأنّ الضّمان و اشتغال الذمّة يدور مدار كيفية العقد و اعتبار المضمون و تعهّده في العهدة على حسب ما يقتضيه المعاوضة و لا يدور مدار واقعه فتأمل جيّدا

[الخامسة لو تعذّر الشّرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه]

قوله قدّس سرّه الخامسة لو تعذّر الشّرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه إلخ

لا يخفى أنّ ظاهره فرض التعذّر بعد خروج العين بالتّلف أو بالتصرّف فيكون من قبيل الخيارات المنفصلة كالتأخير و التّفليس و نحوهما و حينئذ يشكل عليه بأن بعض الوجوه المذكورة مثل فسخ العقد المترتّب من حينه أو من أصله إنّما يجري في الخيار المتّصل بحيث يقع التصرّف النّاقل في زمان الخيار فعلى القول بتعلّق حقّ الخيار بالعين أو بوجه آخر يوجّه القول بفسخ العقد المترتّب

و أمّا في الخيار المنفصل و كون العين طلقا في حال التصرّف النّاقل فلا موجب لبطلانه مطلقا أو جواز فسخه كذلك لعدم المانع من التصرّف النّاقل كغيره من التصرّفات بل يتعيّن الرّجوع إلى المثل أو القيمة كما هو المحقّق في محلّه و لكنّه مندفع بما حقّقناه في بحث الخيار أنّ الخيار المنفصل تارة يحدث بعد العقد بمبدئه و فعليّته كما في خيار التّفليس و التّأخير على وجه و خيار الرّؤية و العيب على القول بكونهما صرف التعبّد

و أخرى يكون مبدؤه موجودا حال العقد و إن كان فعليّته منوطا بزمان متأخّر كما في الخيار المشروط بالزّمان أو بزماني كذلك كما في خيار الغبن بل العيب و الرّؤية على ما هو التّحقيق فيها من كون الخيار مستندا إلى ما يتضمّنه العقد ضمنا من عدم التّغابن و كون المبيع صحيحا أو على وفق ما شاهده فتخلّف هذه الأمور يوجب الخيار و حينئذ تكون الخيارات الثّلاثة من صغريات مسألتنا هذه أي خيار تخلّف الشّرط غاية الأمر محلّ البحث هنا في الشرط الصريح و فيها يكون الشّرط ضمنيا و لا فرق بينهما من تلك الجهة فتأمل جيدا

و كيف كان فالتّحقيق في هذا القسم من الخيار المنفصل ترتّب آثار الخيار على العقد من حينه لتحقّق مبدئه حال العقد الموجب لتزلزله كنفس الخيار فلو منعنا عن التصرّفات النّاقلة في زمان الخيار أو قلنا بتوقّفها على الإجازة لقلنا بهما في هذا القسم من المنفصل أيضا لما عرفت من تزلزل العقد من أوّل الأمر و كون العين متعلّقا لحقّ الغير على القول به و غير ذلك من الأحكام المترتّبة على الخيار فما أفاده قدّس سرّه في غاية المتانة إلّا أنّه لم يؤدّ ما هو حقّ المسألة من التّوضيح و التّفصيل بل اكتفى بمجرّد عنوان البحث و نقل الأقوال و وجوه الاحتمال من غير تعرّض لمداركها فينبغي تداركه تتميما لمرامه و توضيحا لكلامه رفع مقامه فنقول إنّ التصرفات النّاقلة تارة تنافي مع نفس الاشتراط مثل أن يشترط عليه أن لا يبيعه من زيد فباعه منه أو أن يبيعه من عمرو فباعه من غيره و نحو ذلك

و أخرى لا منافاة لها مع ما اشترط عليه مثل أن يشترط عليه عملا فتعذّر على المشروط عليه بعد ما خرج العين عن ملكه بأحد أسبابه الموجبة لذلك أمّا الثّاني فالحكم فيه كما أفاده قدّس سرّه من عدم منع التصرّف عن الفسخ و الرّجوع إلى المثل أو القيمة أو فسخ العقود المترتّبة من حينه أو من أصله و استرجاع العين بنفسها على الخلاف المتقدم في أحكام الخيار

و قد عرفت أنّ الشّرط بنفسه موجب لثبوت حقّ للمشروط له على ذمّة الشّارط فلا يقال إنّ الخيار إنّما يحدث بعد التعذّر فالتصرّف إنّما وقع في حال ملكيّة العين طلقا للمشروط عليه

ص: 140

فلا موجب للانفساخ لما عرفت أن مبدأ الخيار و هو الشّرط موجود في حال العقد فيكون حاله كالخيار المتّصل في تزلزل العقد و عدم استقراره إمّا لتعلّق حق للمشروط له في العين أو في العقد على الخلاف المتقدّم

و كيف كان فلا إشكال في هذا القسم و إنّما الكلام في القسم الأوّل و هو أن يكون التصرّف بنفسه منافيا للشّرط كما مثّلناه و قد ذكر فيه وجوه ثلاثة من القول بالصحّة مطلقا أو الفساد كذلك أو التوقّف على إجازة من له الشّرط فلو أجاز ينفذ التصرّف و يسقط خياره لأن إجازته مساوقة لإسقاطه كما قلنا في محلّه و لو لم يجز فينفسخ العقود المترتّبة و لا خيار له أيضا لعدم تعذّر الشّرط بل يجبره على الوفاء به حسب ماله من الحقّ الثّابت بالاشتراط فانحصر الخيار بالتعذّر في الوجه الأوّل و هو نفوذ التصرفات مطلقا من غير توقف على إجازته بناء على ما تقدّم من الشّهيد ره و من تبعه من أنّ الشّرط لا يوجب حقّا للمشروط له بل فائدته انعقاد العقد جائزا فله الفسخ عند تخلّف المشروط عليه ابتداء من غير توقّف على التعذّر أو أحد الأمرين من ثبوت حقّ للمشروط له و سلطنته على الفسخ عرضا كما وجّهنا به القول بعدم جواز الإجبار ممّن تبع الشّهيد قدّس سرّه في ذلك

و كيف كان فالتعذّر الموجب للخيار مبنيّ على صحّة العقد المترتّب بوجه و إلّا فلا تعذّر لفساد العقد بنفسه أو بفسخ المشروط له فيجب على المشروط عليه الوفاء بشرطه و إيقاع العقد ثانيا في محلّه على وفق ما اشترطا عليه كما يجوز إجباره عليه عند امتناعه حسب ما تقدم تفصيله و الغرض من الإشارة إليه هنا أيضا التّنبيه على انحصار وجه القول بالصحّة بعدم إفادة الشّرط حقّا للمشروط له مطلقا كما هو مقالة الشّهيد أو إفادة أحد الأمرين من حقّ الشّرط أو الفسخ المتّحد مع سابقه في عدم جواز الإجبار و ثبوت الخيار بمجرّد التخلّف و لو مع الاختيار

نعم يمكن توجيه الصحّة على وجه لا ينافي مع القول بالإجبار و هو إرجاع شرط التصرّف على وجه خاصّ إلى ناحية السّبب لا المسبّب أي إلى شرط الفعل لا النّتيجة كما أفاده أستاذنا المرحوم طاب ثراه في تعليقته المختصرة فراجعها هذا كلّه في وجه القول بالصحّة و أمّا الفساد فربّما يوجّه بأنّ مقتضى اشتراط البيع على وجه خاص مثلا و وجوب الوفاء به النّهي عن ضدّه الموجب لقصر سلطنة المالك أي المشروط عليه عن سائر أنحاء التصرفات بناء على رجوع النهي إلى المسبّب فإنّه الّذي يتعلّق به الغرض العقلائي أحيانا و يصحّ جعله ضميمة لأحد العوضين كما هو واضح

و حينئذ فحال المسألة مثل التصرّف في منذور الصّدقة و المعاملات المنهيّة كبيع المسلم أو المصحف من الكافر و نحو ذلك فيقع المعاملة باطلة و لو مع إجازة من له الشّرط لتوقف نفوذ التصرّف على سلطنة المالك عليه و عدم أخذ الشّارع إيّاها بسبب النّهي عنه كما في الأمثلة المذكورة و أشباهها و يكون العين بنفسها متعلّقة لحقّ الغير و محجورا عليها عن سائر أنحاء التصرفات لا ممّا يتوقّف أداء واجب آخر على صرفه في مصرف خاص حتّى يقال بعدم اقتضاء النّهي هنا للفساد كما لو توقف الحجّ الواجب على صرف مال بالخصوص فتخلّف المستطيع و صرفه في وجه آخر كبيعه و نحوه فإنّ النّهي هنا لا يوجب فساد معاملته كما حقّق في محلّه و لذا فرّقوا في مسألة اشتراط تمكّن المالك من التصرّف في النّصاب في تمام الحول بين ما لو نذر أن يتصدّق ببعض النّصاب و لو مشروطا بأمر غير حاصل فإنّه يوجب انتفاء الشّرط في أثناء الحول لتخلّل حجره عن التصرّف في المنذور كيف ما شاء و بين ما لو توقف و انحصر أداء واجب كالحجّ مثلا على صرفه في

ص: 141

طريق خاصّ فلو عصى و تخلّف حتى حلّ الحول يجب عليه الزّكاة لبقاء تمكّنه إلى هذا الحال

و السرّ فيه ما أشرنا إليه من أنّ في القسم الأوّل تعلّق النّهي برقبة العين فيصير محجورا عن التصرّف فيها شرعا الموجب لقصر سلطنته و خروجه عن عموم النّاس مسلطون على أموالهم بسبب المنع الشّرعي الّذي هو كالامتناع العقلي المنافي مع بقاء تمكّنه من التصرّف في تمام السّنة و هذا بخلاف ما إذا كان النّهي لأجل مقدميّته لواجب آخر فإنّ التوقّف و المقدميّة لا يقتضي أزيد من إيجاب الفعل على المكلّف و أمّا قصر سلطنة المالك عن ماله و حصرها في مصرف خاصّ فهو أمر زائد يحتاج إلى مئونة زائدة و لا يكفي فيه النّهي النّاشي عن المقدميّة كما لا يخفى

و بالجملة بهذا الوجه يمكن توجيه الفساد و لكن أصل المطلب و إن كان في غاية المتانة إلّا أنّ جعل المسألة من صغرياته مبنيّ على كون وجوب الوفاء بالشّرط كالوفاء بالنّذر حقّا إلهيّا و حكما تكليفيّا محضا في عرض ما يقتضيه الشّرط من الوضع كما يظهر من شيخنا العلّامة قدّس سرّه في بعض كلماته السّابقة

و لكن قد ظهر أنّه ليس كذلك و إلّا لا يكاد يسقط بإسقاط المشروط له شرطه و تجاوزه عن حقّه مع أنّ الظّاهر تسالمهم على سقوطه بالإسقاط في غير العتق فلا يكون التّكليف فيه كالتّكليف بوجوب الوفاء بالنّذر بل تكليف تبعيّ يتبع الوضع و يدور مداره كما في الدّين و نحوه نظير تصرّف العبد في ماله أو في نفسه المتوقّف صحّته على إجازة مولاه معلّلا بأنّه لم يعص اللّٰه و إنّما عصى سيّده

و من المعلوم أنّ هذا النّحو من التكليف لا يكاد يصلح لتخصيص أدلة السّلطنة بل إنّما يتبع الوضع فإن كان الحقّ الثّابت للمشروط له مانعا عن نفوذ التصرّف في العين فهو و إلّا فلا موجب للبطلان و حينئذ الصحّة و الفساد مبنيّان على الخلاف المتقدّم بين الشّهيد و من تبعه و بين المشهور من أنّ الاشتراط يوجب إحداث حقّ مالي مالكي في ذمّة المشروط عليه كسائر الحقوق الماليّة أو لا يوجب إلّا جواز العقد و بناء على ما حقّقناه من إفادته الحق لا محالة و لذا يجوز له إسقاطه فليس من قبيل حقّ الجناية بمعنى كونه حقّا ثابتا على رقبة العين كل ما كان حتى لا ينافي استينافه مع نفوذ التصرفات الناقلة و لو بالعقود المتعددة بل ثابت في رقبة العين ملكا لمالكها فينافي مع نفوذ التصرّفات كما في باب حقّ الرّهانة

و بالجملة فالمسألة من صغريات ذلك الباب فيجري فيها الخلاف الّذي فيه بين الأصحاب من توقّف الصحّة على إجازة المرتهن أي صاحب الحق كما هو المشهور ظاهرا و المعروف من جماعة من الأجلّاء أو الفساد مطلقا كما حكي عن بعض المتأخرين مثل صاحب المقابس و غيره مدّعيا لعدم جريان حكم الفضولي في المسألة و نظائرها

و كيف كان فالقول بالفساد مطلقا مبنيّ على هذا الوجه كما أنّ القول بتوقّفه على الإجازة مبنيّ على إجراء حكم الفضوليّ عليه كما هو المحقّق المختار في محلّه و حينئذ فالمتّجه ما أفاده قدّس سرّه من أنّ خير الأقوال أوسطها و حينئذ لو أجاز صحّت العقود المترتّبة و يسقط حقّه الثابت بالاشتراط لما ذكرنا من إرجاعها إلى إسقاط الشّرط و الرّضا بالعقد بدونه و لو ردّ العقود اللّاحقة تنفسخ كلّها و يجب على المشروط عليه الوفاء بالشرط لعدم تعذّره بعد انفساخ العقود المترتّبة فلا موجب للخيار كما لا يخفى الفساد مطلقا

و حينئذ فقوله قدّس سرّه فإذا فسخ المشروط له ففي انفساخ العقد من أصله أو من حينه أو الرّجوع بالقيمة وجوه رابعها التّفصيل بين التصرّف بالعتق فلا يبطل لبنائه على التّغليب فيرجع بالقيمة و بين غيره فيبطل انتهى مبنيّ على الاستدراك الّذي في كلامه من صحّة العقد الثاني بناء على عدم جواز الإجبار لا أنّه متفرّع على ما اختاره أوّلا لما عرفت من أنّ حدوث الخيار

ص: 142

بالتعذّر مبنيّ على صحّة العقود المترتّبة و إلّا فلا تعذّر للشّرط أصلا أمّا على القول بالفساد فواضح و كذلك على القول الأوسط مع ردّ العقود المترتّبة حيث إنّ العين باقية في ملك المشروط عليه و أمّا مع الإجازة فالعقود المترتّبة و إن صحّت بها و يتعذّر الشّرط لا محالة إلّا أنّ مرجعها إلى إسقاط حقّه رأسا كما قلنا

و بالجملة فالعبارة لا يخلو عن التّعقيد و على أيّ حال فالتّفصيل بين العتق و غيره للمنع عنه مجال و لازمه القول به بالنّسبة إلى جميع الخيارات بل في العين المرهونة أيضا مع أنه لم يلتزم به أحد نعم من بعض كلمات شيخنا العلّامة في أحكام الخيار يلوح أنّ التصرّف بالعتق محلّ الإشكال في جميع أبواب الخيار لكنّه لم يلتزم به في الرّهن بلا إشكال

و قد عرفت أنّ المسألة من هذا الباب فلا موقع للتّفصيل و كون بناء العتق على التّغليب لا يكاد يثبت المدّعى فإنّ معناه أنّه لو انعتق بعض العبد بوجه يلحقه الباقي بالتّفصيل الّذي ذكر في محلّه و هذا لا دخل له بما هو محلّ البحث في المسألة كما أن احتياجه إلى القربة لا يوجب كونه من حقوق اللّٰه تعالى و إلّا يلزم القول به في سائر الشّروط الّتي من الوجوه القربيّة كالوقف و الصّدقة و تسبيل المنفعة على الوجوه العامّة و نحوها فلا وجه للاختصاص بالعتق مضافا إلى ما أشرنا إليه سابقا من أنّ طرف الالتزام في اشتراط العتق و نحوه هو المشروط له و الشّارط يلتزم له و يشتغل ذمّته له لا للّه تعالى حتى يكون حقا له تبارك و تعالى كما في النّذر فإنّه التزام له تعالى كما لا يخفى فالقياس على النّذر و شبهه في غير محلّه بل يكون حقّا ممحّضا للمشروط له كاشتراط الوقف و الصّدقة و نحوهما فيسقط بإسقاطه لا محالة

و من هنا ظهر ما هو التّحقيق في المسألة الآتية فلا نعيده لضيق المجال و عدم مساعدة الحال و أسأل اللّٰه التوفيق و حسن المآل

[السّابعة قد عرفت أنّ الشرط من حيث هو لا يقسّط عليه الثّمن]

قوله السّابعة قد عرفت أنّ الشرط من حيث هو لا يقسّط عليه الثّمن إلى آخره

لا يخفى أنّ المسألة مع إطناب الكلام فيها لم تنقّح كما هو حقّها مع أنّها من أهمّ المسائل فينبغي جعلها خاتمة لباب الشّروط و بيان أقسامها كما هو حقّها و تميز ما يتقسّطه بإزائه الثمن عمّا لا يتقسّط بإزائه شي ء منه و بيان الضّابط في ذلك فنقول إنّ الشّرط أي ما يقع في عقد المعاوضة بصورة الاشتراط تارة يكون من الأمور الخارجيّة الغير الرّاجعة إلى العوضين بوجه كاشتراط عمل أو ضميمة شي ء خارجيّ إلى الثّمن أو المثمن على وجه الاشتراط من غير أن يوجب حدوث خصوصيّة فيهما

و أخرى من الأمور الرّاجعة إلى العوضين و هذا أيضا تارة من قبيل الصّور الجوهريّة الّتي بها شيئيّة الأشياء و ماليّة الأموال و تقع متعلّقة للأغراض أوّلا و بالذّات و يبذل بإزائها الأعواض كحماريّة الحمار و ما يشبه ذلك و أخرى من الأوصاف العرضيّة لأحد العوضين مثل كون العبد كاتبا و الثمن نقدا غالبا و نحو ذلك

و ثالثة من قبيل كميّة الأشياء و مقاديرها كقولك بعتك هذه الصّبرة بشرط أن تكون عشرة أصواع أو هذه الأرض بشرط أن تكون عشرة أجرب و غير ذلك و إنّما جعل ذلك قسما ثالثا مع أنّه أيضا من الأعراض اللّاحقة لأحد العوضين من الثّمن أو المثمن لأنّ فيه جهتين و حيثيّتين جهة الوصفيّة من حيث إفادته لوصف الاجتماع و كون العين الشخصيّة متّصفة بوصف كونها كذا جزءا و جهة ذاتيّة جوهريّة باعتبار إفادته لتعيين مقدار العوضين الّذي به يزيد و ينقص و يختلف باختلافه قلّة و كثرة

و ببيان أوضح الأوصاف ممحّضة لاعتبار خصوصيّة في الموصوف من غير أن يوجب تغييرا في الموصوف من حيث القلّة و الكثرة و الزيادة و النّقيصة

ص: 143

غايته أنّ الموصوف الخارجي تارة واجد للوصف و أخرى فاقد له

و بعبارة أخرى اختلاف فيه من حيث النّقص و الكمال لا من حيث الزّيادة و النّقصان في الصّورة الجوهريّة الّتي أخذت عنوانا في المعاملة و هذا بخلاف المقدار فإنّه يوجب اختلاف تلك الصّورة الجوهريّة زيادة و نقيصة فيشبه من تلك الجهة باشتراط نفس الصّورة الجوهريّة أي القسم الأوّل فتأمّل جيّدا

و بالجملة هذه أقسام الشّروط و من الواضح أنّ القسم الأوّل أي اشتراط ما هو الخارج عن حقيقة العوضين تعذّره أو تخلّفه لا يوجب إلّا الخيار فإمّا أن يفسخ العقد و يردّ العوض و إمّا أن يمضيه بتمام العوض من الثّمن أو المثمن لما حقّقناه أنّه التزام بشي ء وراء الالتزام الّذي بين العوضين

و بعبارة أخرى التزام في ضمن الالتزام الأوّل بعد تماميّته بتمام جهاته غايته حيث إنّه مرتبط به و محقّق في ضمنه فانتفاؤه يوجب الخيار بالبيان الّذي تقدّم و على أيّ حال لا يوجب انتفاؤه تبعّضا في الصّفقة و لا تقسيطا في الثّمن بلا شبهة لعدم وقوع شي ء من الثّمن بإزائه على حسب التزام المتعاقدين و ما أنشئ عقد المعاوضة و ما يقال إنّ للشّرط قسطا من الثّمن أي عند التّحليل لا بحسب ما يقتضيه العقد فتأمّل

و من هذا القبيل القسم الثّالث أي ما كان راجعا إلى اعتبار وصف في العوضين فإن انتفاءه أيضا يوجب الخيار في فسخ العقد بكلّه أو إمضائه كذلك لما عرفت من أنّ المبادلة بين العوضين و لا يقع شي ء بإزاء الوصف و إنّما يوجب زيادة في الموصوف من حيث الماليّة فانتفاؤه لا يوجب انثلام في الالتزام الأوّل أي في أصل المعاملة و إنّما يوجب جوازه لعدم التزامه بالفاقد و إناطته بوجود الوصف بالتّقريب الّذي تقدّم

و من هنا يظهر الكلام في القسم الثّاني أي ما كان الشّرط من الصّور الجوهريّة فإنّه لا ينبغي الشّبهة في أنّ تخلّفه يوجب بطلان العقد رأسا عكس ما ذكرنا في الأوصاف فإنّ حقيقة المعاملة متقوّمة بها فمع انتفائها لا معاملة أصلا و ذلك لما أشرنا إليه مرارا أنّ الموادّ الهيولائيّة ليست لها ماليّة و لا يقع بإزائها شي ء من الأموال بل يقع العوض بإزاء الصّورة النّوعيّة العرفيّة الّتي ربما تكون أضيق من الصّورة العقليّة فإنّ في مثل العبد الزنجيّ و الرّوميّ يكون الصّورة النّوعيّة محفوظة و لكن العرف يرى كلّ واحد مباينا للآخر فتأمل

و كيف كان فانتفاء ما هو من قبيل الصّور النوعيّة للعوضين يوجب بطلان المعاملة و فساد العقد سواء كان العقد على الكلّي و على الموضوع الخارجيّ غاية الأمر في القسم الأوّل أي في الكلّي فرض انتفائه بتعذّر الكلّي بجميع أفراده فلا عبرة بتخلّف عنوان المقبوض و سواء جعل العنوان مقدّما على الإشارة كقولك بعت الحمار الّذي هو هذا و مؤخّرا عنها كما في قولك بعت هذا الحمار أو جعل شرطا كقولك بعت هذا على أن يكون حمارا و غير ذلك من التّعبيرات لما عرفت من أنّ البحث ليس في مرحلة اللّفظ حتى يمكن الاختلاف باختلاف التّعبير بل ما هو المناط في الشّرط و هو أن يكون التزاما في ضمن الالتزام المنشإ بالعقد مفقود في مثل تلك الأمثلة أي في الصّور النّوعيّة فإنّها قوام العقد و حقيقة ما ينشأ به لا أن تكون أمرا زائدا عليه كما هو واضح كما أنّ ملاك العنوانيّة هو هذا فلو جعل الوصف عنوانا كقولك بعتك هذا الكاتب لا يكاد يوجب انتفاؤه بطلان العقد لأنّه بأيّ لفظ عبّر لا يخرج عن كونه التزاما زائدا على العقد متحقّقا في ضمنه فلا موجب لبطلانه بانتفائه

و بالجملة فاللّازم ملاحظة ما هو المناط في القسمين

ص: 144

أي الشرطيّة و العنوانيّة لا ملاحظة اختلاف الألفاظ و التّعابير فإنّ هذه قاعدة جارية سارية في غير واحد من أبواب الفقه كما أشرنا إلى بعضها فيما تقدم و أمّا القسم الأخير الّذي هو محلّ البحث و هو أن يكون الشّرط من قبيل المقادير فحيثما عرفت أنّ فيه جهتين و حيثيّتين فقد وقع محلّ الخلاف و الإشكال في أنّه يعامل معه معاملة العنوانيّة فلو تخلّف المقدر المشترط يبطل المعاملة بالنّسبة إلى المقدار الفائت و يقسّط الثّمن بنسبته كما إذا أخذ المقدار عنوانا لا شرطا كقولك بعتك هذه العشرة أمنان من الحنطة فإنّه لا إشكال و لا خلاف ظاهرا في أنّ عند التخلّف يقسّط الثّمن بحصّته مع ثبوت الخيار للمشتري أيضا لتبعّض صفقته فكذلك إذا أخذ شرطا كقولك بعتك هذه بشرط أن تكون عشرة أمنان فظهر أنّها خمسة أمنان من غير فرق بين متساوي و الأجزاء أي ما كان مثليّا كما في المثال و غير متساوي الأجزاء كقولك بعتك هذه الأرض على أن تكون عشرة أجرب فظهر أنّها خمسة أجرب ففي كلتا الصّورتين يرجع المشتري إلى نصف الثّمن و له الخيار بالنّسبة إلى الباقي أيضا كما إذا باع ما يملك مع غيره أو مال نفسه مع مال غيره و عدم إجازة مالكه فإنّه يرجع من الثّمن بحصّته و للمشتري الخيار لتبعّض صفقته أو يعامل معه معاملة الأوصاف فله الفسخ بكلّه أو الإمضاء كذلك نظرا إلى أنّ المبيع هو الموجود الخارجي كائنا ما كان و هو محفوظ على حاله

غاية الأمر أنّه التزم أن يكون بمقدار معيّن و هو وصف غير موجود في المبيع فأوجب الخيار كالكتابة المفقودة هكذا أفاد القائلون بهذه المقالة كصريح القواعد و محكي الإيضاح و قوّاه في محكي حواشي الشّهيد و الميسيّة و الكفاية و استوجهه في المسالك و يظهر من جامع المقاصد أيضا لو فرق بين متساوي الأجزاء و غيره

[القول في حكم الشرط الفاسد]
[الأوّل أنّ الشّرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به بل هو داخل في الوعد]

قوله الأوّل أنّ الشّرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به بل هو داخل في الوعد فإنّ إلخ

اعلم أنّ فساد الشّرط لا محالة بانتفاء أحد الأمور المذكورة المعتبرة بعضها في أصل كونه شرطا مصطلحا و بعضها في صحّته من كونه مذكورا في متن العقد و غير مناف لمقتضاه و غير مخالف للمشروع و كونه مقدورا و غير مستلزم للحال و لا مجهولا و لا لغوا أي عدم تعلّق الغرض المعتدّ به عند العقلاء به نوعا إلى غير ذلك و لا إشكال في عدم وجوب الوفاء به و أمّا استحبابه في غير ما كان مخالفا للمشروع فقد أفاد قدّس سرّه أنّه لا تأمّل فيه لدخوله في الوفاء بالوعد و فيه تأمّل بل منع لأن الوعد إخبار فلا ربط له بباب الشّروط التي هي من مقولة الإنشاء كما لا يخفى فلا دليل على استحباب الوفاء به كوجوبه

و على أيّ حال الكلام في الشّرط الفاسد تارة يقع في تحرير محلّ النّزاع و تعيين ما هو محلّ الخلاف منه و أخرى في أنّه هل يوجب فساد العقد أو لا يوجب الفساد بلا خيار أو مع الخيار فالأقوال في المسألة ثلاثة و أمّا سائر التّفاصيل ففي الحقيقة راجعة إلى الجهة الأولى لا أن يكون أقوالا في أصل المسألة و

ملخّص الكلام فيها أنّ فساد الشّرط إن كان موجبا لاختلال أصل العقد كالشّروط المنافية لمقتضاه أو النّافية لجميع آثاره المترتّبة عليه أو آثاره المرغوبة منه عرفا كشرطان لا يملك في عقد البيع أو لا يستمتع مطلقا في عقد النّكاح إلى غير ذلك فلا شبهة في أنّه فاسد و مفسد للعقد لا محالة لإرجاعه إلى نقض العقد و إنشائه السّابق إمّا صريحا كما في القسم الأوّل أو ضمنا و التزاما كما في الثّاني فهذا القسم خارج عن محلّ البحث بلا كلام و كذلك إذا كان فساده موجبا لاختلال شي ء من

ص: 145

الأمور المعتبرة في العوضين من كونهما لا معلوما مقدورا لكلّ واحد من المتعاقدين من تسليم ما انتقل عنه إلى من انتقل إليه كبيع الخشبة بشرط أن يجعله صنما أو العنب بشرط أن يعمله خمرا فإن مرجع هذا الشّرط إلى سلب المنافع المحلّلة و حصرها في المحرّم فيوجب خروج العين عن الماليّة و صيرورتها مسلوبة المنفعة أمّا المنافع المحلّلة فلعدم جواز استيفائها بمقتضى الاشتراط و أمّا المنفعة المحرّمة فلسلبها عنه شرعا فيخرج المال عن كونه مالا و صالحا لأن يقابل بالعوض و هذا هو المراد من قوله قدّس سرّه إنّه أكل المال بالباطل فلا تغفل و من هذا القبيل الشرط المجهول لكن لا مطلقا بل إذا كان مرجعه إلى اشتراط إحداث وصف مجهول في أحد العوضين فإنّه يوجب الجهالة فيهما فيوجب البطلان لا محالة

و عليه ينزّل كلامه قدّس سرّه و لا تأمّل أيضا في أنّ الشّرط الفاسد لأجل الجهالة يفسد العقد لرجوع الجهالة فيه إلى جهالة أحد العوضين انتهى و إلّا إذا كان الشّرط أجنبيّا مجهولا بنفسه فلا موجب لإفساده و كون التّراضي منوطا به هو عين دعوى القائلين بالإفساد في محلّ النّزاع فلا يصلح للتمسّك به على الخروج عنه كما لا يخفى فلا محالة مراده الجهالة الرّاجعة إلى أوصاف العوضين كما يظهر من تعليله و مطاوي كلامه فراجع

و من هذا القبيل الشّرط الغير المقدور فإنّه تارة يكون كذلك بنفسه و أخرى يوجب تعذّر تسليم ما اشترط فيه فتارة يقال بعتك هذا الزّرع بشرط أن تجعله سنبلا ففساد الشّرط يوجب فساد العقد أيضا لتعذّر تسليمه سنبلا حيث إنّه ليس بفعله و تحت قدرته

و أخرى بعتك هذا الثوب بشرط أن تجعل زرعي سنبلا بحيث يكون الشّرط بنفسه متعذّر التسليم و حينئذ لا موجب لكونه مفسدا إلّا من جهة إناطة التّراضي و هي في محلّ المنع كما يأتي

و بالجملة الموارد الخارجة عن محلّ النّزاع صحّة و فسادا لا بدّ و أن يكون فساد الشّرط من جهة أخرى غير إناطة التّراضي به أو كونه ضميمة لأحد العوضين فإنّهما عين الدّعوى في محلّ البحث كما لا يخفى

و حينئذ فكلّما كان مرجع البحث في إفساده و عدمه إلى هاتين الجهتين فهو محلّ الخلاف و محطّ الأقوال و ما كان جهة البحث فيه إلى جهة أخرى مثل كونه مخلّا بالعقد أو بشرائط العوضين كالموارد المشار إليها فهو خارج عن محل البحث و مفسد للعقد بلا إشكال

و من هنا يظهر أنّ فساد الشرط لو كان من جهة لغويّته و عدم تعلّق غرض العقلاء به فخروجه عن البحث و عدمه مبنيّ على كون نظر القائل بالإفساد إلى أنّ الشّرط ضميمة لأحد العوضين و له قسط من الثمن كما هو الوجه الأوّل الّذي استدلّوا به فلا يوجب فساد العقد لعدم ماليّته و جريان الدّليل المذكور بالنّسبة إليه و إن كان نظرهم إلى الوجه الثّاني و هو إناطة التراضي به فلا وجه لإخراجه عن محلّ النزاع و التّسالم على صحّة العقد كما قيل فإنّ إناطة الرضاء لا تدور مدار الماليّة و عدمها كما لا يخفى

نعم إذا كان فساد الشرط لعدم ذكره في متن العقد كشروط التّباني فلا ينبغي التأمّل في عدم فساد العقد به بل هنا من قبيل السّالبة بانتفاء الموضوع حيث لا شرط اصطلاحا لا أنّه شرط فاسد غير مفسد

هذا ملخّص ما أفاده أدام اللّٰه أيّام إفاضاته في تحرير الضّابط فيما هو محلّ البحث و ما هو خارج عنه صحّة و فسادا

و حاصله أنّ جهة البحث إن كانت راجعة إلى إناطة الرضاء بالشّرط و عدمها فهو محلّ البحث و الخلاف و إلّا فإن كانت راجعة إلى لزوم اختلال في العقد أو شرائط العقود

ص: 146

عليه فهو موجب للفساد بلا إشكال و إن كان مفاد الشرط من جهة أخرى غير راجعة إلى شي ء منهما فهو خارج عن محلّ البحث أيضا من طرف الفساد

و لقد أجاد دام ظلّه فيما أفاد و أتى بالتّحقيق حقّه و بتوضيح المراد من كلمات الأصحاب غايته إلّا أنّه يختلج ببالي القاصر إشكال في هذا الباب و هو أنّ معنى الصحّة في الشّروط بل في الوضع و الإنشاءات من العقود و الإيقاعات و غيرهما أنّ ما أنشأه المنشئ و أوجده بأسبابه وجد و تحقّق عند الشّارع الّذي بيده اعتباره فبإنشاء المنشإ و إمضاء الشّارع صحّ اعتبار و وجد في ظرف الاعتبار شي ء لم يكن بموجود قبل الإنشاء أو بدون الإمضاء هذا معنى الصحّة و معنى الفساد ما يقابل هذا أي لم يتحقّق بالإنشاء شي ء في موطنه و ظرف وجوده بل كان مجرّد لفظ و لقلقة لسان و حينئذ فلو قلنا بفساد الشّرط فمعناه أنّه و لو التزم به إنشاء إلا أنه لم يتحقق التزام و لم يعتبر اعتبار و حينئذ فكيف يمكن أن يؤثّر في فساد العقد لبداهة أنّ مجرّد اللّفظ و الإنشاء غير صالح لذلك بل ما ينشأ ربما يكون منافيا لمقتضى العقد أو مخالفا للكتاب و نحو ذلك

اللّٰهمّ إلّا أن يقال إنّ مجرّد إنشائه نقض لإنشائه السّابق أو محرّم شرعا فيفسد و لكن هذا لا ينحلّ به الإشكال و لعله لقصور فهمي و عدم إدراك ما هو حقيقة الوضع و الإنشاء و أسأل اللّٰه البصيرة في دينه و فقها في حكمه فإنّه الموفّق

و كيف كان إذا عرفت محلّ الخلاف و ميّزت ما هو قابل للنّزاع عن غيره بالضّابط الّذي أفاده الأستاذ دام ظلّه العالي فلنشرع في ذكر الأقوال و بيان الاستدلال فنقول و على اللّٰه الاتّكال إنّه قد حكي عن الشّيخ و الإسكافي و ابن البراج و ابن سعيد القول بأنّ فساد الشّرط يوجب فساد العقد

و عن جماعة من الأجلّة المتأخّرة مثل الشّهيدين و العلّامة و المحقّق الثّاني و جماعة أنّ العقد يبقى على الصحّة و هذا أيضا يرجع إلى قولين الصحّة مع الخيار و بلا خيار على التّفصيل الّذي يأتي الكلام فيه أمّا القول بالصحّة فيدل عليه العمومات و الإطلاقات الدالّة على مشروعيّة المعاملة تأسيسا أو إمضاء كما هو الغالب في العقود فلا يحتاج إلى دليل آخر و مئونة أخرى في إثباتها كما لا يخفى بل القول بالفساد يحتاج إلى إقامة الدّليل المخرج للعقد عن هذا الأصل و هو من وجوه

الأوّل دعوى أنّ فساد الشّرط يوجب جهالة العوض لأنّ له قسطا من الثّمن و جهالة العوض يوجب الغرر المبطل للمعاملة كما إذا كان من أوّل الأمر و فسادها واضح حلا و نقضا كما أفاده قدّس سره لمنع وقوع الثّمن بإزاء الشّروط و الأوصاف بل إنّما توجب زيادة الماليّة في المثمن الّذي يقع العوض بتمامه بإزائه و على فرض تسليم وقوع الثّمن بإزائها أيضا لا يكاد يوجب الفساد كما في صور فساد الجزء مثل العقد على ما يملك مع ما لا يملك كالعبد و الخنزير و ما يملك مع ما لا يملك كما في الفضولي فهذه الجهالة غير مضرّة بصحّة المعاملة لمعلومية كلّ من العوضين حال العقد و إمكان رفعها بتقويم الجزء الصّحيح منفردا و منضمّا غايته يوجب الخيار لمكان تبعّض الصّفقة و تعذّر شرط الانضمام المعتبر ضمنا و نحن نقول به في المقام على ما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّٰه

و الثاني و هو العمدة دعوى إناطة التّراضي الحاصل عند العقد على وجود الشّرط فإذا انتفى لفساده ينتفي الرّضا المعتبر في صحّة المعاملة عرفا و شرعا

و أجيب عنه بالنقض و الحلّ أيضا أمّا النّقض فبوجوه منها النّقض بالشّروط الفاسدة في النّكاح فإنّه لا خلاف نصا و فتوى في عدم فساد النّكاح بمجرّد فساد شرطه المأخوذ فيه هكذا أفاد قدّس سرّه و ليكن المراد كما يظهر من كلامه فيما تقدم الشّروط المرتبطة بالمهر

ص: 147

أي الّتي بمنزلة الضّميمة له ففسادها لا يوجب فساد عقد المهر الّذي يتضمّنه عقد النّكاح فإنّه ينحلّ إلى عقدين عقد المزاوجة و هو إنشاء العلقة الزّوجيّة بين الزّوجين من غير توقّفه على ذكر المهر مقدارا أو تعيينا غايته حيث إنّه يتضمّن التّسليط على البضع فلا بدّ من كونه بعوض و بإزائه شي ء من المال و لذا يصحّ النّكاح بلا ذكر المهر فيجب مهر المثل مع الدخول و الامتناع على الموسع قدره و على المقتر قدره مع عدمه و كذلك نكاح المفوّضة فيجب ما يعيّنه الزّوج و لو بعد العقد و تمام الكلام خارج عن المرام و عقد المهر و هو تعيين ذاك الأمر الكلّي الثّابت على الزوج بإزاء تسليطه على البضع في مقدار معلوم أو في عين معلومة فما يكون مرتبطا بهذه المرحلة و بمنزلة الضميمة للمهر فساده لا يوجب فساد عقد المهر فيرجع إلى مهر المسمّى

و أمّا ما يكون مرتبطا بأصل النّكاح مثل اشتراط الخيار فيه أو عدم الاستمتاع بالكليّة ففساده لمنافاته مع مقتضى العقد عرفا أو شرعا يوجب فساد النّكاح كما لا يخفى فراجع و تأمّل

ثم إنّ عدم رجوعهم إلى مهر المثل عند فساد الشرط كما أفاده قدس سرّه بمجرّده لا يصير دليلا على المطلب و لا يثبت المدّعى فإنّ بناءهم في صور فساد المهر تارة الرّجوع إلى مهر المثل كما إذا عقد على عبد فبان حرّا و أخرى بالرّجوع إلى مثل المسمّى أو قيمته كما إذا عقد على مال فظهر مال الغير و بعض المقامات صار محلّ الإشكال كالعقد على الخمر و الخنزير و نحوهما في بطلان أصل المهر و الرّجوع إلى مهر المثل أو بطلان تعيينه في ما لا يملك فيرجع إلى قيمته عند مستحليه و الضّابط في ذلك أنّ الفساد تارة يرجع إلى تقديره كما إذا عقد على شي ء لا قيمة له أصلا كالعقد على الحرّ مثلا و أخرى يرجع إلى بطلان تعيينه كما في مال الغير فيرجع إلى قيمته و منه يظهر وجه الإشكال في مثل الخمر و الخنزير من حيث إنّه لا ماليّة لهما في الشرع فيرجع الفساد إلى بطلان التّقدير و من حيث إنّ لهما تقدير عند مستحليه فيرجع إلى القيمة

و كيف كان المسألة من قبيل القسم الثّاني فإنّ فساد الشّرط لا يوجب بطلان أصل التقدير بل غايته بطلان تعيين ما هو بمنزلة الضّميمة للمهر فيقوم ما جعل مهرا مع الشّرط تارة و مع عدمه أخرى و يرجع إلى التّفاوت و حينئذ فلو ثبت تسالمهم على عدم الرّجوع إلى شي ء مطلقا و الاقتصار على ما هو المسمّى كما هو الظّاهر فيدلّ على المدّعى و إلّا فلا دلالة بمجرّد عدم الرّجوع إلى مهر المثل فاحفظ ما ذكر من الضّابط

و منها النقض بالجزء الفاسد فإنّه لا يكاد يوجب فساد العقد قطعا بل يقسّط الثمن بنسبته و يصحّ في الباقي و للمشتري الخيار لتبعّض الصّفقة الراجع إلى انتفاء شرط الانضمام و منه يظهر أنّ مرجعه أيضا إلى انتفاء الشرط لا أن يكون الفرق بينه و بين الشرط عسرا كما أفاده في جامع المقاصد بل هو عينه فإنّ فساد الجزء يوجب انتفاء شرط الانضمام المعتبر في العقد ضمنا فيكون التّراضي أيضا منوطا به كما في الشّرط الفاسد

و كيف كان فالتفصيل بين الجزء الفاسد و الشّرط الفاسد و أنّ الثّاني يوجب فساد العقد دون الأوّل تحكّم صرف كما هو واضح و منها النّقض بصورة تعذّر الشّرط فإنّ التّراضي لو كان منوطا به على وجه يوجب انتفاؤه فاللّازم القول بالفساد في صورة التعذّر أيضا غايته أنّ التعذّر تارة يكون عقليا و أخرى شرعيا كما في صور فساد الشّرط و هذا ليس بفارق لأن التعذّر الشّرعي كالتعذّر العقلي كما أنّ الفرق بأنّ في صورة التعذّر وقع العقد صحيحا على وجه المراضاة ثم طرأ عليه التعذّر الموجب لخياره

ص: 148

إمّا برضائه بالفاقد و إمّا بفسخه للعقد و هذا بخلاف فساد الشّرط فإنّ الرّضا من أوّل الأمر منوط بأمر فاسد فلا يقع العقد من أوّل الأمر صحيحا أيضا ليس بفارق لما يأتي الإشارة إليه من أنّ الرّضا غير منوط بالشّرط مطلقا على وجه ينتفي بانتفائه بالتعذّر الطّاري و غيره

و كيف كان فمن عدم التزامهم بالفساد هنا يكشف أنّ الإناطة ليس على وجه يوجب انتفاء الشّرط انتفاء التّراضي المعتبر في صحّة العقد و حلّ ذلك ما أشرنا إليه سابقا في توجيه الخيار عند تعذّر الشّرط و نعيده هنا أيضا توضيحا للمقام و تبعا له قدّس سرّه حيث حمل كلامه على خلاف مقصوده فلا بأس بالتّنبيه عليه

و حاصله أوّلا أنّ المراد من التراضي المعتبر في العقود ليس ذلك المعنى القلبي المعبر عنه بطيب النّفس فإنّه من قبيل الدّواعي غالبا و تخلّفه لا يوجب بطلان المعاملة و إلّا يلزم بطلان كثير من المعاملات الواقعة لأجل الفقر و الحاجة أو لأجل بعض الأغراض التي لو علم عدم حصولها لم يقدم على المعاملة أصلا و غير ذلك من الدّواعي الّتي قد تحصل و قد تتخلّف بل المراد الرّضا المعاملي أي في مقام العقد و الإنشاء الخارجي إيجابا أو قبولا لا يكون بمكره و لا مجبور كما هو واضح

ثم إنّ العناوين الّتي يقع عليها العقد أو القيود المأخوذة فيه وصفا أو شرطا تارة تكون من الصّور النوعيّة لم يقع عليه العقد و أخرى تكون من العوارض الخارجيّة بالنّسبة إليه

و الّذي يقع عليه المبادلة و يبذل بإزائه العوض هو القسم الأوّل أي الصورة الجوهريّة الّتي للشي ء و بها يكون الشّي ء شيئا و بها يكون ماليّة الأشياء لوضوح أنّ المادّة الهيولائية غير صالحة لأن يبذل بإزائها المال و لا يعدّ من الأموال كما أنّ العوارض أيضا لا يبذل بإزائها شي ء من العوض بل توجب زيادة في الماليّة و كثرة الرّغبة في معروضها

و على أيّ حال فالمبادلة تقع بين الشّي ء بصورته النّوعيّة و عوضه كما أنّ الرّضا المعتبر في المعاملة منوط بها فإذا تخلّف الصّورة النّوعيّة مثل أنّه باع حمارا فبان بغلة أو بقرة فلا شبهة في بطلان العقد رأسا لأنّ البغلة أو البقرة لم يقع عليها العقد و لم يكن المواطاة و المراضاة عليها فيحتاج إلى مبادلة جديدة و رضاء جديد سواء أخذت الصورة النوعيّة عنوانا للمبيع في لسان العقد كقوله بعتك هذا الحمار أو وصفا كقوله بعتك هذا الّذي هو حمار أو الحمار الّذي هو هذا أو شرطا كقوله بعتك هذا بشرط أن يكون حمارا إلى غير ذلك من التّعبيرات ففي جميع هذه الصّور يفسد المعاملة عند التخلّف لما ذكر من أنّ ما وقع عليه العقد و المراضاة غير الموجود لم يقع عليه العقد و المراضاة

و أمّا العوارض فحيث عرفت عدم وقوع شي ء من العوض بإزائها فانتفاؤها لا يوجب خلل في العقد و فيما وقع عليه العقد و لا يكون التّراضي بالمعنى الّذي قلنا أيضا منوطا به و إلّا فانتفاؤها يوجب البطلان لا الصحّة و الخيار بل من قبيل قيود الواجب بمعنى أنّ المبيع وقع عليه العقد بهذا الوصف فيجب على البائع تسليمه كذلك لا من قبيل قيد الوجوب بمعنى التّعليق في الإنشاء و لا التّعليق في المنشإ فإنّ جميع ذلك يوجب الفساد عند عدمه بل التزام زائد في ضمن الالتزام الأوّل نتيجته وجوب الوفاء به و مع عدمه عدم لزوم الوفاء به من غير أن يوجب اختلالا في الالتزام الأوّل و أركانه و المراضاة المعتبرة فيه نظير وجوب الأكثر في ضمن الكلّ في العبادات فإن انتفاءه لا يوجب انثلام وجوب الأقلّ كما هو الوجه في جريان البراءة في هذه المسألة إلّا

ص: 149

من حيث دخله في الغرض و هذا ساقط في باب المعاملات لما عرفت أنّ صحّتها و فسادها لا يدوران مدار الدّواعي و الأغراض

و كيف كان فقد ظهر أنّ التّراضي المعتبر في المعاملة غير منوط بوجود الشّرط و عدمه و هذا هو مراده قدّس سرّه من كون المفقود في المعاملة ركنا أو غير ركن و ضابطه ما ذكرنا من كونه من الصّور النّوعيّة أو من الأوصاف و الأعراض بالنّسبة إلى المتعاوضين لا أن يكون مراده التّفصيل بين ما يكون على نحو وحدة المطلوب أو تعدّد المطلوب

فلا يصحّ توجيه الخيار بأنّ باب العقود من قبيل الثّاني كما قيل و حمل كلام المصنف عليه فإنّ ذلك أوّلا ليس أمرا كليّا مضبوطا حتّى يمكن دعواه في جميع العقود بل يختلف باختلاف الموارد و الأغراض و ثانيا لا يكاد يوجب التّفاوت بين ما هو الرّكن و غيره فإنّ غير الرّكن أيضا بما يكون له دخل في أصل المطلوب

و ثالثا ليس بناؤهم في الخيار و عدمه على ذلك لوضوح أنّه لو أحرزنا في القسم الأوّل أي في مثل بعتك هذا الحمار أنّ غرض المشتري و مطلوبه مطلق دابّة تحملها و تحمل أثقاله من دون مدخليّة للحماريّة فيما هو مطلوبه من المعاملة مع ذلك لو بان أنّه بقرة أو بغلة يفسد البيع بلا خلاف و لا إشكال كما أنّه لو أحرز أنّ تمام غرضه من شراء العبد أن يكون كاتبا بحيث لو علم بعدم كتابته لا يقدم على المعاملة و شرائه بفلس و مع ذلك لو اشترى الكاتب ثم تخلّف الوصف ليس له إلّا الخيار أيضا بلا خلاف و لا إشكال

و السّر فيه ما ذكرنا أنّ باب العقود و المعاملات صحّة و فسادا لا يدور مدار الأغراض الباطنيّة و الدّواعي الشخصيّة

و كيف كان فقد ظهر أن ثبوت الخيار ليس مبنيّا على وحدة المطلوب و تعدّده بل بمعزل عن هذا الباب غير مرتبط به بلا شكّ و لا ارتياب بل مبنيّ على الضّابط الّذي ذكرناه فاحفظه فإنّه من دقائق الأفكار النّفسية الّتي استفدناها من شيخنا المحقّق و أستاذنا المدقّق أدام اللّٰه أيّام إفاضاته

و بالجملة فقد تحصّل من مجموع ما ذكر أنّ مقتضى القواعد في الشّرط الفاسد هو الخيار مع صحّة العقد كما عن جماعة من الأجلّة و اختاره المصنف قدّس سرّه بالأخرة أيضا مع اضطراب في قلمه لمخالفة مثل المحقّق و العلّامة و الشّهيدين و غيرهم من الأجلّاء الّذين ليست مخالفتهم بأمر سهل في أمثال هذه المسائل مع تفصيله قدّس سرّه بين صورة علم المشروط له بالفساد و جهله

و الوجه فيه أنّ بناءه قدّس سرّه في خيار تخلّف الشّرط مطلقا أنّه على خلاف القاعدة و ثبوته في موارده إنّما هو بمثل قاعدة الضّرر و نحوها كما لا يخفى على المتتبّع في كلامه قدّس سرّه فيختلف الحال من حيث شمول القاعدة و عدمه باختلاف العلم و الجهل

و أمّا على ما اخترناه في جميع الأبواب من أنّه على القواعد من غير حاجة إلى دليل آخر فلا يكاد يفرق بين صورتي العلم و الجهل أيضا نعم الّذي يشكل الأمر في المسألة و يصعب المشي على طبق ما ذكرنا من القاعدة أنّه ليس من الخيار لا في كلمات القائلين بالفساد أو الصحّة و لا في لسان الأخبار و الأدلّة عين و لا أثر و لذا صارت المسألة في غاية الإشكال أقول و يؤيّد ذلك أي عدم ذكر من الخيار في الأقوال و الآثار ما تقدّم من الإشكال في أصل المسألة و أنّ الشّرط بعد فرض فساده كيف يؤثر في العقد مع أنّ تأثيره فيه نحو ترتيب أثر عليه المنافي مع فساده و قد أجاب الأستاد عنه بأن معنى الفساد عدم ترتيب الأثر عليه شرعا

و أمّا الأثر اللازم لوجوده تكوينا الحاصل بإنشائه لا محالة فلا ينافي مع فساده مثلا البيع المشترط فيه بما يخالف الكتاب مثل بيع العنب

ص: 150

على أن يصنعه خمرا معنى فساده عدم ترتّب آثار الصحّة عليه و إلغائه عند الشّارع

و أمّا كونه التزاما في ضمن العقد عرفا بحيث لو لم يكن المنع الشّرعي يصحّ فهو أمر حاصل بالتزام المتعاقدين و تأثيره في فساد العقد من تلك الجهة و لكن لا يخفى أنّ هذا مبنيّ على كون المجعول الشّرعي في العقود هو ترتيب الآثار لا نفس المسبّبات مثل الملكيّة و الزّوجيّة بل كانت هي منتزعة عن الآثار و هو خلاف التّحقيق

قوله قدّس سرّه الثّالث رواية عبد الملك إلى آخره

هذا هو الوجه الثّالث الّذي استدلّ به القائلون بالفساد و هو عدّة أخبار غير واضحة الدلالة على المدّعى منها رواية عبد الملك عن الرّضا ع عن الرّجل ابتاع منه طعاما أو متاعا على أن ليس منه على وضيعة هل يستقيم ذلك و يأخذ ذلك قال ع لا ينبغي إلى آخره بناء على أنّ المراد لا ينبغي البيع لاشتماله على شرط عدم الوضيعة المخالف للسنّة فيفسد و إلّا فلا موجب للكراهة و فيه ما لا يخفى لاحتمال أن يكون المراد كراهة الأخذ بالوضيعة فلا يدلّ على فساد الشّرط فضلا عن فساد العقد كما يحتمل إرجاعه إلى الشّرط أي لا ينبغي مثل هذا الشّرط و على أيّ حال غايته الكراهة لا الفساد مع ما فيه من الإجمال و الإبهام كما لا يخفى

و منها ما رواه الحسين بن منذر عن أبي عبد اللّٰه ع في بيع العينة و المشهور فيه ما هو المعهود المتداول بين النّاس تخلّصا عن الرّبا و هو أن يشتري السّلعة بثمن مؤجّل ثم يبيعها من بائعها بأقل من هذا الثمن نقدا متباينا على ذلك قبل العقد فقد سأله عن ذلك فقال ع إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس إلى آخره بحمل الخيار على ما يقابل التزامهما بالبيع الثّاني و هو لا يكون إلّا باشتراط البيع على بائعه و قد قلنا بفساد هذا الشّرط فيدل على أنّ مع الاشتراط فيه بأس و لا موجب له إلّا فساد الشّرط

و فيه تكلّف واضح بل الظّاهر أنّ مراده ع من قوله إن كان بالخيار و كنت بالخيار وقوع المعاملة الأولى جدّا و حقيقة بحيث لو لم يشأ أحدهما للبيع الثّاني كان عليه ذلك في مقابل وقوعها صوريا و وسيلة للعقد الثّاني كما لا يخفى على المتأمّل

و منها رواية عليّ بن جعفر ع في بيع العينة أيضا عن أخيه ع قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسة نقدا أ يحلّ قال ع إذا لم يشترطا و رضيا فلا بأس إلى آخره قال قدّس سرّه و دلالتها أوضح من الأولى و هو كما أفاد من حيث التصريح بعدم الاشتراط إلّا أنّ تفسيره بقوله ع و رضيا شاهد على ما ذكرنا أي وقوع البيع الأوّل عن مراضاة و عن طيب لا صوريّا للتوصّل إلى الثّاني

و كيف كان فالإنصاف عدم دلالة شي ء منها على المدّعى خصوصا في قبال ما ذكر من الأخبار العديدة الواضحة الدلالة في أنّ الشّرط الفاسد كاشتراط كون ولاء العتق على غير المعتق كما في قضيّة بريدة و اشتراط عدم الإرث في الرّوايتين الأخيرتين لا يوجب فساد أصل البيع و دلالتها على ذلك في غاية الظهور و لم نذكرها لوضوحها فراجع هذا مع أن عمومات مشروعيّة العقود و المعاملات يكفي للقول بالصحّة كما لا يخفى

نعم قد استدلّ عليها أيضا بأن صحّة الشّرط فرع صحّة البيع فلو كان صحّته أيضا موقوفا على صحّة الشرط يدور و لكنّه مدفوع بأنّ المراد من صحّة الشّرط إن كان صلاحيّة لأن يقع صحيحا و واجب الوفاء فهو لا يتوقّف على صحّة البيع بل على الشّروط المتقدّمة و إن كان المراد وجوب الوفاء به فعلا فهو و إن توقّف على صحّة البيع و وجوب الوفاء به أيضا إلّا أنّ التوقّف من الطّرفين في مرتبة واحدة كتوقف صحّة الإيجاب على القبول و القبول على الإيجاب

ص: 151

و هنا لا محذور فيه و لا يكون مستحيلا كما حقّق في محلّه

قوله ثمّ على تقدير صحّة العقد إلى آخره

كان التحقيق هنا عقد فروع و جعل ذلك أوّلها مقابل قوله الثّاني و لعلّه غلط من النّسخة أو سهو من قلمه و كيف كان قد حقّقنا سابقا أن خيار تخلّف الشّرط على القاعدة و فساد الشّرط أيضا أحد مصاديقه فإنّ التعذّر الشّرعي كالتعذّر العقلي في كونه موجبا لتخلّف ما التزم عليه المتعاقدان بمعنى أن صاحب الشّرط لم يلتزم بالفاقد فلا ملزم للعقد بالنّسبة إليه شرعا فإنّ دليل اللّزوم مفاده وجوب الوفاء في ما التزما به و المفروض تعذّره و حينئذ فلا فرق بين علم المشروط له أو جهله به

و أمّا بناء على مختاره قدّس سرّه من أنّه على خلاف القاعدة قد ثبت في بعض الموارد بالإجماع و دليل الضّرر و نحوه فالتّفصيل في محلّه لأنّ مع علمه بالحال قد أقدم على ضرره فلا يعمّه القاعدة و الإجماع أيضا منتف في المقام

بل قد عرفت أنّ في كلماتهم ليس من الخيار عين و لا أثر فاللّازم الأخذ بالمتيقّن هذا آخر ما استفدنا منه دام ظلّه في باب الشّروط و أسأل اللّٰه أن يجزيه عنّا خير الجزاء و وفّقنا و إياه لما يحب و يرضى هذا آخر ما استنسخته من تقريرات العالم الفاضل المرحوم الميرزا أبي الفضل الأصفهاني طاب ثراه فلنرجع إلى ما استفدناه منه دام ظلّه في أحكام الخيار

[الكلام في أحكام الخيار]

[الخيار موروث بأنواعه]

اشارة

قوله قدّس سرّه الكلام في أحكام الخيار الخيار موروث بأنواعه إلى آخره

لا يخفى أنّ توضيح ما أفاده في هذا العنوان يتوقّف على التّنبيه على أمور قد تقدّم الإشارة إليها في هذا الكتاب إجمالا

الأوّل أنّ المجعول الشّرعي الأعمّ من التّأسيسي و الإمضائي على قسمين تكليف و وضع و إنكار الأخير و جعله منتزعا من الأوّل لا وجه له فإنّ بعض أقسامه كالسّببية و الجزئيّة و الشّرطيّة و المانعيّة و إن لم يكن قابلا للجعل متأصلا إلّا أنّ ما عداه قابل لذلك لأنّ المجعول الشّرعي التأصّلي عبارة عمّا كان وجوده التّكويني عين تشريعه فإذا تحقّق شي ء في عالم الاعتبار بنفس إنشائه فهو قابل للجعل و لا شبهة أنّ الملكيّة و الولاية و الحريّة و نحو ذلك تتحقّق في عالم الاعتبار خارجا بنفس إنشاء من بيده ذلك فكما أنّ التّكليفيّات سنخ من الاعتباريّات إذا أضيفت إلى الجاعل تكون من أفعاله و إذا أضيفت إلى الأفعال تشبه الكيفيات الخارجيّة و إذا أضيفت إلى المكلّف تكون من سنخ الانفعال و لها آثار و أحكام من وجوب الطّاعة و قبح المعصية فكذلك الوضعيّات و منها الملكيّة الّتي تسمّى بالجدة الاعتباريّة و الإضافة الخاصّة بين المالك و المملوك الحاصلة من أسباب خاصّة اختيارية أو قهريّة كالبيع و الإرث و نحوهما

ثمّ إنّ لهذه الإضافة مرتبتين مرتبة قويّة تسمّى بالملك و ضعيفة تسمّى بالحق أي لو كانت تامّة من حيث نفسها و من حيث متعلّقها تسمّى ملكا و لازمه سلطنة المالك عليه المستتبعة لنفوذ أنحاء التصرّفات فيه إلّا ما خرج و لو كانت ناقصة من حيث نفسها كالإضافة الحاصلة بين المرتهن و العين المرهونة أو من حيث متعلّقها كالحاصلة بين ذي الخيار و ما تعلّق الخيار به أو الحاصلة بين المالك و الشّي ء الغير المتموّل كحبّة الحنطة تسمّى حقّا

الثّاني أنّ انتقال هذه الإضافة إلى الغير بمعناها الجامع بين الملك و الحقّ تارة بمبادلة المملوك الّذي هو أحد طرفي الإضافتين و أخرى بتبدّل المالك الّذي هو الطّرف الآخر و ثالثة بإعطاء نفس الإضافة و السّبب لحصول الأوّل هو العقود المملكة للعين أو المنفعة مجّانا أو بالعوض الّتي تجمعها العناوين الأربعة الهبة و العارية و البيع و الإجارة و ما يحذو حذوها و للثّاني هو الإرث الّذي قد بيّنا في أوّل الكتاب أنّه عبارة عن تبدّل المالك مع بقاء الملك و الإضافة الّتي بينه

ص: 152

و بين مالكه على حاله و للثّالث هو الهبة المعوّضة فإنّها على ما احتملناه في المعاطاة عبارة عن إعطاء المالك نفس الإضافة لغيره بل لا يبعد أن يكون الهبة الغير المعوّضة أيضا كذلك فإنّهما لا تختلفان من هذه الجهة

و كيف كان فلا إشكال في أنّ الإرث سبب للانتقال إلى الوارث بالتبدّل المالكي و الانتقال الحاصل بالوراثة مباين سنخا مع الانتقال الحاصل بالعقود المملكة الثالث أنّ إرث الخيار يتوقف على أمرين أحدهما كون الخيار حقّا لا حكما شرعيا كالإجازة للعقد الفضولي و جواز الرّجوع في الهبة الثاني أن لا يكون من الأمور القائمة بشخص مخصوص كحقّ الحضانة و المضاجعة لأن تبدّل ذي الحق و قيام شخص مقام آخر بمقتضى أدلّة الإرث يتوقف على أن يكون الحق ممّا تركه الميّت فلو لم يكن كذلك إمّا بأن لا يكون حقّا بل يكون حكما أو لا يكون بعد الميّت باقيا لكون القائم به هو شخص الميّت بحيث يذهب بذهابه فلا معنى للانتقال إلى الغير و حيث قد تقدم في بحثي المعاطاة و الخيار كون الخيار حقّا مالكيا لا حكما تعبّديا و بيّنا الفرق بين الجواز الحقّي و الحكميّ فإثبات الأمر الأوّل لا يتوقّف على قيام الإجماع عليه و لكن إثبات كونه قابلا للانتقال إلى الغير بغير الإجماع مشكل فإنّ الحقوق بأجمعها و إن كانت قابلة للإسقاط و هذا هو الضّابط التام بين الحقّ و الحكم و قد أوضحنا في صدر مبحث البيع أنّه لا وجه لتقسيم بعض المحشين الحقوق بما يقبل الإسقاط و ما لا يقبله كحق الولاية و الأبوّة و حقّ الاستمتاع للزّوج و نحو ذلك لأنّ هذه من الأحكام و تسميتها حقّا إنّما هو بعناية و مناسبة إلّا أنّ إثبات كونها قابلة للانتقال إلى الغير مشكل لإمكان كونها حقا و إضافة خاصّة و لكنّها قائمة بشخص خاص و قد يتوهم إمكان إثبات ذلك من نفس أدلّة الخيار فإنّ الظّاهر منها أنّ الميّت المالك لحقّ الخيار مورد للحقّ لا مقوّم له فإذا كان موردا له ينتقل إلى وارثه

و فيه أنّه لو كان موردا له أنتج عكس المقصود فإنّ كون الشّخص موردا لحقّ أو مال إنّما هو لانطباق عنوان عليه من دون نظر إلى خصوصيّة الشخصيّة كأعلم البلد و الفقراء و نحوهما و هذا العنوان لو انطبق على شخص يكون مصرفا للمال أو الحقّ و لو لم ينطبق عليه لا يستحقّه و كون أبيه متّصفا بهذا العنوان لا يوجب انتقال ما كان له إلى وارثه فأصل مورد الإرث مبني على أن لا يكون المورث موردا بل كان ذا حق لخصوصيّته الشخصيّة فيقع النزاع في أنّه هل ينتقل هذا الحق إلى وارثه أو لا

و قد يقال إنّ الحقّ لو كان ممّا يستجلب به المال كحق الخيار و الشّفعة و التّحجير و السّبق في المباحات الأصليّة أو يستجلب به أمر آخر كالقصاص و حدّ القذف فهو ممّا تركه الميّت و ينتقل إلى وارثه و أمّا لو لم يكن كذلك كحقّ السّبق في المشتركات العامّة من المدارس و المساجد و الخانات فليس ممّا تركه الميّت حتّى ينتقل إلى وارثه و هذا منشأ التّفصيل بين جعل الخيار لأحد المتعاقدين فيرثه وارثه و جعله للأجنبي فلا يرثه لأنّ الأجنبي لا يستجلب المال لنفسه بإعمال الخيار و لا شيئا آخر فحقّ الخيار ليس ممّا تركه حتى يقوم الوارث مقامه

و السرّ في ذلك أنّه لو كان الحقّ متعلّقا بشي ء كالمال أو القصاص فحيث إنّ غير نفس الإضافة يكون هناك أمر باق فلا بدّ أن ينتقل إلى الوارث و أما لو لم يكن للمورّث إلّا نفس السّلطنة من دون تعلّقه بأمر آخر كالجلوس في المدرسة و المسجد أو التولية و القيومة من قبل الحاكم فليس غير الاستيلاء شي ء باقيا حتى ينتقل إلى الوارث هذا

و لكنّك خبير بأن إثبات هذا التّفصيل أيضا بغير الإجماع مشكل فإنّ

ص: 153

تعلّق الخيار المجعول لأحد المتعاقدين بالمال و عدم تعلّقه به لو كان مجعولا للأجنبيّ دعوى بلا برهان و هكذا الفرق بين حقّ التّحجير مثلا و حقّ الجلوس في المسجد

نعم لو ثبت التّفصيل فلا فرق بين أن يكون متعلّق الحقّ مالا فعليّا كحقّ السّبق في المباحات الأصليّة و أن لا يكون كذلك كالصّيد الّذي يقع في الشّبكة المنصوبة من الميّت بل لا يبعد أن يقال إنّ إرث الصّيد من إرث الأموال لا الحقوق لأنّه لا فرق في نظر العرف و العقلاء بين الأموال الفعليّة و ما يئول إليها

و كيف كان فما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ الاستدلال على إرث الخيار بالكتاب و السنّة الواردين في إرث ما ترك الميّت يتوقّف على كون الخيار حقا لا حكما و أن يكون قابلا للانتقال ممّا لا شبهة فيه

و قد عرفت أن إثبات الجزء الثّاني بغير الإجماع مشكل و أمّا إثبات الجزء الأوّل فلا يتوقّف على الإجماع على نفس الحكم و لا على الإجماع على سقوطه بالإسقاط و لا على الخبر الوارد في خيار الحيوان من سقوطه بالتصرّف معلّلا بأنّه رضى منه لما عرفت من أنّ الخيار حقّ مالكيّ لا حكم تعبّدي فهو قابل في نفسه لأن ينتقل إلى الوارث

و نحن و إن استوفينا البحث عن ذلك سابقا إلّا أنّه لا بأس بالإشارة إليه توضيحا لما سبق و تنبيها لما سيأتي فنقول إنّ اللّزوم و الجواز تارة يلحقان المنشأ بالعقد بمعنى أنّ ذات المعقود عليه قد يقتضي اللّزوم مع قطع النّظر عن وقوعه في حيّز العقد كالنّكاح و الضّمان و الوقف و نحو ذلك بحيث إنّه لو صحّ وقوعه بالمعاطاة لكان لازما أيضا و قد يقتضي الجواز كما في الهبة الغير المعوّضة و هذا القسم من اللّزوم أو الجواز يكون حكما تعبّديّا صرفا و لذا لا يتغيّر النّكاح و نحوه بالشّرط على خلافه و لا يقبل الإقالة و لا يتغيّر الهبة أيضا عن مقتضى ذاتها بالشّرط على خلافها و لا يؤثّر وقوعها تحت الالتزام العقدي في لزومها فهي خارجة عن عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالتّخصيص

و أخرى يلحقان نفس العقد بمعنى أنّ المنشأ كالبيع مثل في حدّ ذاته لا يقتضي الجواز أو اللّزوم و لكنّه حيث أنشئ بالعقد الّذي هو العهد المؤكّد فبمدلوله الالتزامي العرفي يدلّ على التزام كلّ من المتعاقدين بالمدلول المطابقي و هو المبادلة بين المالين و مرجع قوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إلى تحقّق تلك الالتزام و أنّ البائع لالتزامه بالتّبديل ملزم على أن يكون المبيع عوضا عن الثّمن و هذا الالتزام يملكه المشتري و المشتري أيضا ملزم على أن يكون الثّمن عوضا عن المبيع و التزامه بذلك يملكه البائع فكلّ واحد مالك لالتزام طرفه و حلّ هذا الالتزام العقدي إمّا بالإقالة أي ردّ كلّ منهما إلى طرفه الالتزام الّذي ملكه أو بفسخ أحدهما إذا كان مالكا لكلا الالتزامين الّذي يعبّر عنه بالخيار فحقيقة الإقالة هي الفسخ لا البيع ثانيا

غاية الأمر لا يتحقّق حلّ العقد إلّا بتجاوز كلّ منهما عن حقّه لأنّ كلّ واحد لا يملك إلّا أحد طرفي العقد و حقيقة الخيار هي ملك كلا الالتزامين أحدهما السّلطنة على التزام صاحبه الّذي ملكه بالعقد الّذي به جاز له الإقالة الثّاني السّلطنة على التزام نفسه الّذي ثبت له شرعا كخيار المجلس و الحيوان أو بجعل منهما كخيار الشّرط أو بتخلّف الشّروط الضّمنية كخيار الغبن و العيب و نحو ذلك

إذا عرفت ذلك ظهر الفرق بين الخيار و الجواز الحكمي و اللّزوم العقدي و الحكمي فإنّ الجواز الحكمي مقابل للّزوم الحكمي و أمّا الخيار هو مقابل للّزوم العقدي الّذي هو حقّ من الحقوق فإنّه عبارة عن سلطنة كلّ من المتعاقدين على التزام الآخر فكلّ منهما مسلّط و مسلّط عليه

ص: 154

و على هذا فلا شبهة أن الخيار قابل للإسقاط و الانتقال إلى غيره بعد ما ثبت إجماعا أنّه ليس لنفس ذي الخيار خصوصيّة بها يقوم به حتى ينتفي بموته أو جنونه

[بقي الكلام في أنّ إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال]

قوله قدّس سرّه بقي الكلام في أنّ إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال إلى آخره

لا يخفى أنّ المسلّم من عدم تبعيّة إرث الخيار لإرث المال إنما هو بالنّسبة إلى الدّين المستغرق لتركة الميّت فإنّه لو قيل بعدم انتقال التّركة إلى الوارث فلا تلازم بينه و بين عدم انتقال الخيار إليه

و أمّا بالنّسبة إلى الزّوجة المحرومة من العقار و غير الأكبر من الأولاد المحروم من الحبوة فظاهر المشهور هو التّلازم و كيف كان ففي إرث الوارث للخيار المتعلّق بالمال الّذي لا يرث منه وجوه ثالثها التّفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا إلى الميّت أو عنه فيرث في الأوّل دون الثاني

و رابعها عدم الجواز في هذه الصّورة و الإشكال في غيرها و قبل بيان مدرك الوجوه ينبغي التّنبيه على أمر و هو أنّ النّزاع في إرث الزوجة الخيار المتعلّق بما تحرم عنه و هكذا إرث غير الولد الأكبر الخيار المتعلّق بالحبوة إنّما هو بعد الفراغ عن أنّ إرث الخيار ليس كإرث حق الشّفعة فإنّ أصل ثبوت خيار الشّفعة للشريك إنّما هو بمعنى ثبوت حقّ إبطال المعاملة و إرجاعها إلى نفسه بالثّمن الّذي اشترى المشتري به فإرثه عبارة عن انتقال هذا الحقّ إلى الوارث بأن يرجع المعاملة إلى نفسه بالثمن من ماله و أمّا إرث الخيار فليس عبارة عن حقّ إرجاع المعاملة إلى نفسه بل عبارة عن حق حلّ المعاملة و إرجاع ما انتقل عن الميّت إليه ثم إرث الوارث منه فلا تلازم بين ثبوت حقّ الشّفعة للوارث و ثبوت حق الخيار له

و بعبارة أخرى الأقوال الأربعة في إرث الزّوجة الخيار مبتنية على أن يكون الفسخ حلّا للعقد و أن يكون كالإقالة على مذهب الخاصّة لا أن يكون كالأخذ بالشّفعة و كالتملّك الجديد

ثم إنّه لا تلازم أيضا بين إرث حقّ الإقالة و حقّ الخيار لما عرفت أنّ الخيار ملك كلا الالتزامين و أمّا ما به يقدر على الإقالة فهو ملك التزام الطّرف و هو ليس تابعا لإرث المال و إلّا لزم أن يكون الطّرف مالكا للفسخ دون الوارث لأنّ الطّرف مالك لالتزام الميّت من دون أن يملك الوارث التزام الطّرف فمن عدم قدرته على الفسخ نستكشف أنّ الالتزام الّذي كان الميّت مالكا له يملكه الوارث و هذا البرهان لا يجري في الخيار لأنّ من عليه الخيار لا يملك التزام طرفه

و كيف كان فالأقوال في المسألة مبتنية على أن يكون الخيار حلّا للعقد إذا عرفت ذلك فنقول الوجه لعدم إرث الخيار مطلقا هو أنّ الخيار على ما تقدّم ملك كلا الالتزامين و لا يمكن أن تملك الزّوجة مثلا كليهما لأنّ الأرض لو انتقلت عن الميّت فهي ليست مالكة لالتزام نفسها و لو انتقلت إليه فهي ليست مالكة لالتزام الطّرف لأنّ الأرض لغيرها من الورثة فلو أراد البائع أن يفسخ البيع و يردّ الأرض إلى نفسه ليس للزّوجة منعه عنه

و وجّهه المصنف قدّس سرّه بوجه آخر فقال و الخيار حقّ فيما انتقل عنه بعد إحراز تسلّطه على ما وصل بإزائه و لا يخفى أنّ هذا نظير ما أفاده في خيار المجلس من عدم ثبوته للوكيل الغير المفوّض و هذا الوجه بظاهره لا يستقيم في كلا المقامين لوضوح أنّ الخيار حق متعلّق بالعقد لا بما انتقل عنه و لا يتوقّف على السّلطنة على المنتقل إليه أيضا و إلّا لم يثبت للأجنبيّ و لا للورثة مع استغراق الدين

و لكنّه يمكن أن يكون مقصوده أنّ الخيار و إن كان متعلّقا بالعقد إلّا أنّه لا بما هو في حيال نفسه بل لكونه طريقا لاسترجاع ما انتقل عنه و ردّ ما انتقل إليه فإذا كان الوارث محروما عن أحدهما فلا معنى لفسخه

و أمّا وجه ثبوت الخيار لها مطلقا كما قوّاه

ص: 155

صاحب الجواهر فهو أنّ الخيار ليس إلّا السّلطنة على الفسخ و الإمضاء و هو متعلّق بالعقد على ما عرفت من تعريفه في بحث الخيار من أنّه ملك فسخ العقد و إقراره و لا ربط له بالمنتقل عنه أو إليه حتّى تحرم الزّوجة عنه و لذا صحّ جعله للأجنبي و لا ينافي ذلك ما قيل من أنّه ملك كلا الالتزامين فإنّ مالكيّة الالتزامين لها معنيان أحدهما صحيح و ثابت في المقام و هو التسلّط على الفسخ و الإمضاء فإنّ هذا اعتبار عقلائي كان للمورث فيرثه وارثه و ذلك ليس تابعا للملك و بهذا المعنى يصحّ جعله للأجنبيّ

و الثّاني هو الملك المطلق بحيث يكون له السّلطنة على طرد غير ذي الخيار و منعه عن الفسخ و هذا لا دليل على اعتباره

و أمّا وجه ثبوت الخيار لها إذا انتقلت الأرض إلى الميّت كما اختاره فخر المحقّقين و فسّر به عبارة والده في القواعد فلأنّ به تستجلب الثّمن فإنّ ملك بائع الأرض للثّمن لما كان متزلزلا حين حياة المورّث اقتضى بقاء هذا التّزلزل بعد موته ثبوت حقّ للزّوجة و إن لم يكن لها تسلّط على نفس الأرض و هذا القول هو الظّاهر من القواعد قال قدّس سرّه الخيار موروث بالحصص كالمال في أيّ أنواعه كان إلّا الزّوجة غير ذات الولد على أشكال أقربه ذلك إن اشترى بخيار لترث من الثّمن انتهى فإنّ الظّاهر أنّ المشار إليه في قوله أقربه ذلك هو الإرث كما فسّر به الفخر و السيّد عميد الدّين و الشّهيد

و أمّا وجه عدم ثبوت الخيار لها في هذه الصّورة كما اختاره جامع المقاصد و فسّر به عبارة القواعد و قال إنّ المتبادر أن المشار إليه بقوله ذلك هو عدم الإرث الّذي سيقت لأجله العبارة فلأنه إذا انتقلت الأرض إلى الميّت لا ترث الزّوجة منها بل هي حقّ لباقي الورثة استحقّوها بالموت فكيف تملك الزّوجة إبطال استحقاقهم إلى أن قال و أيضا فإنّها إذا ورثت في هذه الصّورة وجب أن ترث فيما إذا باع الميّت أرضا بطريق أولى لأنّها ترث حينئذ من الثّمن و أقصى ما يلزم من إرثها من الخيار أن يبطل حقّها من الثّمن و هو أولى من إرثها حق غيرها الّذي اختصوا بملكها انتهى

و الأقوى من هذه الوجوه هو ما اختاره فخر المحقّقين و توضيحه يتوقف على الإشارة إلى أمور تقدم التّنبيه عليها الأوّل أنّ العقد بمدلوله الالتزامي يدلّ على التزام كلّ من المتعاقدين بمالكيّة صاحبه لما انتقل عنه إليه و هذا معنى لزوم العقد و حلّه إمّا برد كلّ منهما التزام صاحبه الّذي هو مقوم مالكيّته لما انتقل إليه و إمّا بالسّلطنة على كلا الالتزامين و الأوّل هو الإقالة و الثّاني هو الخيار الثّاني أنّ اعتبار الحقوق الّتي هي من الأمور الاعتبارية النّفس الأمريّة تارة على وجه الموضوعيّة سواء كانت من الحقوق المتقوّمة لشخص خاصّ كحق المضاجعة و الحضانة أم لا كحقّ القصاص و حدّ القذف و أخرى على وجه الطّريقيّة لاكتساب المال و جلب منافع الأموال كحقّ الخيار الثالث أنّ ثبوت الخيار للوارث ليس من جهة تبعيّته للملك فإنّ هذا لا يختصّ بالحقّ بل الحكم أيضا يثبت للوارث إذا انتقل المال إليه كحق إجازة العقد الواقع فضولا في ملك المورّث

إذا عرفت ذلك ظهر بطلان القول بإرث الخيار لها مطلقا لأنّ هذا الحقّ حيث اعتبر لجلب المال لا يمكن أن ترثه الزّوجة إذا انتقلت الأرض عن الميّت و لا ينافي ذلك كون الخيار عبارة عن التسلّط على الفسخ و الإمضاء و عدم كونه تابعا لإرث المال لأنّ انتقاله إلى الوارث يتوقّف على كون الحقّ متروكا بحيث لو لم يملكه الوارث لبقي الحقّ بلا مستحقّ و كونه متروكا يتوقّف على إثبات كونه ممّا يستجلب به شي ء إمّا لنفس ذي الحقّ

ص: 156

أو لغيره كالأجنبي و لا ندّعي امتناع ثبوت الخيار لمن ليس مالكا للمال شرعا أو عقلا حتّى ينتقض بثبوته للأجنبي

إن قلت لا إشكال في بقاء هذا الحق بعد الميّت و لذا يرثه سائر الورثة فلو كان باقيا و لم يكن تابعا للمال بل كان مجرّد السّلطنة على الفسخ و الإمضاء ترثه الزّوجة أيضا قلت بقاؤه لسائر الورثة لا يلازم إرث الزّوجة منه سواء قيل بأنّ الوارث يستحقّ الخيار بالحصّة أو قيل بكونه قائما بالمجموع أو قيل بأن لكلّ وارث خيارا مستقلّا أمّا على الأوّل فواضح لأنّ الزّوجة ليست لها حصّة و أمّا على الأخيرين فلأنّ اعتبار اجتماعها معهم أو ثبوته لها بالاستقلال أوّل الكلام لإمكان كونها كالوارث القاتل أو الكافر فإثباته لها لبقائه لسائر الورثة لا وجه له

و ظهر بطلان القول بعدم الإرث مطلقا لأنّ مبناه على أن يكون أدلّة الخيار مسوقة لبيان تسلّط ذي الخيار على ما انتقل عنه بعد الفراغ عن تسلّطه على ما انتقل إليه و لذا لا يثبت للوكيل في إجراء الصّيغة و المبنى ممنوع لأنّها مسوقة لبيان تسلّط ذي الخيار على الفسخ و الإمضاء و هذا التّسليط ليس تابعا للتّسلّط على المال المنتقل عنه و إليه و عدم تسلّط مجرى الصّيغة على الفسخ و الإمضاء إنّما هو لاعتبار قيد في الموضوع و هو كونه بيّعا الّذي هو فاقد له لا لعدم تسلّطه على المالين هذا مع أنّ المورّث في المقام كان مسلّطا على ما انتقل إليه و كان الخيار ثابتا له فإذا كان لأدلّة الإرث إطلاق فمقتضاه ثبوته للوارث و لو لم يكن مسلّطا على ما انتقل إلى الميّت لما عرفت في الأمر الثّالث من أنّ إثبات الحقّ للوارث ليس من جهة تبعيّته للملك فإنّ ذلك لا يختصّ بالحقّ بل الحكم أيضا كذلك

و ظهر بطلان القول بالإرث إذا انتقلت الأرض عن الميّت لأنّها بالفسخ لا تستجلب شيئا و هذا بخلاف ما إذا انتقلت إليه فإنّها تستجلب الثّمن فلا مانع من سلطنتها على التزام الميّت بكون الثّمن باقيا في ملك الطّرف فإنّه بعد أن ثبت أنّ هذا الالتزام بيد الميّت و كونه مالكا له كملكيّته لالتزام الطّرف بكون الأرض باقية في ملك الميّت و ثبت بأدلّة الإرث أنّ ما كان للميّت فهو لوارثه فيثبت لها ملكيّة هذا الالتزام و إن حرمت عن التزام صاحب الميّت للميّت لعدم إمكان توصّلها به إلى الأرض المنقلة إلى الميّت لأنّ أثر الحرمان عن الأرض الموجب لحرمانها عن مالكيّة التزام طرف الميّت ليس إلّا عدم إمكان الإقالة لها و أمّا من حيث دخل ذلك الالتزام في حلّ العقد فيدخل في عموم أدلّة الإرث

و بعبارة واضحة لا شبهة أنّ التزام الميّت فيما انتقل عنه ترثه الزّوجة لأنّ سلطنتها عليه طريق لاسترجاع الثّمن و أمّا التزام الطّرف بكون الأرض باقية في ملك الميّت فله حيثيّتان حيثيّة كون الأرض متقوّمة به فهي لسائر الورثة و لهم الإقالة و رد هذا الالتزام دون الزّوجة و حيثيّة مدخليّته في الفسخ و قدرة ذي الخيار عليه و من تلك الجهة من لوازم الخيار الّذي هو حقّ مالي تتوصّل الزّوجة به إلى الثمن فتأمّل

ثمّ إنّه قد يجعل مبنى الأقوال الأربعة الاختلاف في حقيقة الخيار فلو قيل بأنّه ملك إقرار العقد و إزالته فترثه مطلقا و لو قيل بأنّه السّلطنة على الرّد و الاسترداد في عرض واحد فلا ترثه مطلقا لأن الأرض لو كانت منتقلة عن الميّت ليس لها السلطنة على الاسترداد و لو كانت منتقلة إليه ليس لها السّلطنة على الرّد و لو قيل بأنّه السّلطنة على الرّد و يتبعه الاسترداد قهرا لا ترثه لو كانت الأرض منتقلة إلى الميّت و أمّا لو كانت منتقلة عنه فترثه لأنّ لها

ص: 157

السّلطنة على ردّ الثّمن و لو قيل بأنّه السّلطنة على الاسترداد و يتبعه الرد قهرا فالأمر بالعكس

و فيه أنّ الخيار عبارة عن التّسلط على الحلّ و الإمضاء و الرّد أو الاسترداد خارج عن حقيقته و منشأ الأقوال الأربعة مع الاعتراف بأن حقيقة الخيار ذلك إنّما هو للنّزاع في اعتبار قيد في دليل الإرث و عدمه و هو كون هذا الحقّ طريقا لاسترجاع العين أو أنّه لوحظ بحيال نفسه

و على أيّ حال كون الخيار عبارة عن الرّد وحده لا معنى له فإنّ ذلك هبة و كذلك الاسترداد استيهاب و الرّد و الاسترداد إمّا هبتان أو تبديل مال بمال هذا كلّه لو أريد من الرّد و الاسترداد الرّد إلى الشّخص و أمّا لو أريد منه الرّد إلى الملك فالرّد إليه لا يمكن إلّا بحلّ العقد و إبطاله فمن دون حلّه كيف يمكن أن يردّ العوضان إلى ما كانا قبل العقد مع أنّه لو أمكن ذلك فلا محالة يملك الرّد و الاسترداد في عرض واحد لأنّ الرّد إلى الملك عبارة عن إبطال التّبديل الواقع أوّلا و التّبديل ليس تبديلا مكانيّا حتّى يلاحظ الرّد أحد العوضين أوّلا و الآخر ثانيا بل اعتباري و يحصل في كلّ منهما في رتبة واحدة و في زمان واحد

[مسألة في كيفيّة استحقاق كلّ من الورثة الخيار مع أنّه شي ء واحد غير قابل للتّجزية]

اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة في كيفيّة استحقاق كلّ من الورثة الخيار مع أنّه شي ء واحد غير قابل للتّجزية إلى آخره

لا يخفى أنّ الوجه الأوّل و هو استحقاق كلّ واحد منهم خيارا مستقلّا كمورثه بحيث يكون له الفسخ في الكلّ و إن أجاز الباقون بمعنى تقديم الفاسخ على المجيز و إنّ تأخّر فسخه ممتنع ثبوتا فإنّ الملك و الحقّ و الاستيلاء و كلّ ما يتصوّر من الإضافات و الاعتبارات الّتي وجوداتها العينيّة هي عين جعلها ممّن بيده جعلها و إيجادها لا يعقل أن تكون مع وحدتها مملوكة أو مضافة إلى اثنين بتمام الملكيّة و الإضافة بحيث كان لكل منهما منع الآخر عن التّصرف فيها إذ كما لا يمكن توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد كذلك لا يمكن أن يكون ملك واحد بتمامه لمالكين و حقّ واحد بتمامه لمستحقّين

و ما يقال من أنّ الملك حيث كان من الاعتباريّات فلا مانع من اعتبار مالكين لملك واحد فقد ظهر جوابه في عقد الصّبيّ من أنّ الاعتبار الصّحيح هو المدار في الاعتباريّات لا التّخيّلات و الفرضيّات و يمتنع أن تكون إضافة واحدة قائمة باثنين و ما يمكن ثبوته لهما مع فرض وحدته هو حقّ المطالبة أو حقّ الاستيفاء فثبوت حقّ الخيار للأب و الجدّ إذا جنّ العاقد أو ثبوته لحاكمين مستقلّا ليس من باب قيام إضافة واحدة بشخصين فإنّ الحقّ قائم بنفس المجنون و إنّما يكون للولي إعماله فلا يصحّ قياس إرث حقّ الخيار على إرث حقّ حدّ القذف لأنّ الحقّ الّذي ثبت للمورّث في القذف هو حقّ مطالبة الحد لا أنّ له إضافة إلى الحدّ فإنّ الحدّ جزاء شرع للتشفّي فله المطالبة به و له العفو

و بالجملة الّذي يمتنع ثبوته لشخصين مستقلّا و في عرض واحد هو ما يكون من قبيل الملك لا ما يكون من قبيل الولاية و حقّ الاستيفاء أو المطالبة و حقّ حدّ القذف و إن جاز لكلّ من الورثة إعماله من دون المراجعة إلى غيره إلّا أنه نظير حقّ حدّ السّرقة و الزّنا لكل فقيه فلو دلّ الدّليل على أنّ حدّ القذف لا يسقط بعفو بعض المستحقّين فلا يستكشف عنه أن ملك الخيار أو المال يمكن أن يكون بتمامه لاثنين مستقلا و في عرض واحد لإمكان أن يكون هذا الدّليل في مقام إثبات السّلطنة لهما على المطالبة بحيث لو لم يكن هذا الدّليل لقلنا بمقتضى أدلّة الإرث أنّ حقّ الحدّ بمقدار حقّهم من إرث المال و لا يقاس إرث الخيار أيضا على إرث الشّفعة لقيام الدليل

ص: 158

على أنّ الشّريك المتعدّد الطّاري أو الابتدائي كالشّريك الواحد إمّا مطلقا أو إذا كان شريكه الآخر غائبا فإذا انتقل المال إلى الورثة يصير كلّ واحد منهم شريكا لانطباق عنوان الشّراكة عليه فلو أراد كلّ منهم إعمال الحقّ يقع التّزاحم و إذا أسقط أحدهم حقّه فللآخر إعماله و هذا الحكم في ابتداء العقد خلافيّ إلّا أنّ الظّاهر هو الاتّفاق في ثبوته للورثة المتعدّدة فلا محالة يكون كيفيّة ثبوته لهم نظير كيفيّة ثبوته للمتعدّد حين العقد لو قيل به و هذا لا ربط له بإرث الخيار مستقلّا لأنّ كيفيّة ثبوته للمتعدّد هي الشّركة بينهم لو أخذ الكل بالشّفعة و إلّا يقع بينهم التّزاحم و أمّا لو أخذ واحد منهم دون غيره فهذا بمنزلة تفويض المسقط حقّه إلى غيره

ثمّ لا يخفى أنّ حقّ القصاص أيضا ليس ممّا يستقلّ به كلّ وارث لأنّه لو كان كذلك لم يكن وجه لردّ الدّية بمقدار حقّ غير الآخذ بالحقّ إلى أولياء المقتصّ منه فإمكان استيفاء الحقّ من كلّ واحد كإمكان الأخذ بالشّفعة لكلّ واحد مع رجوع المال المأخوذ إلى الجميع و هذا ليس عبارة عن استقلال كلّ واحد على الأخذ بالحقّ

و حاصل الكلام أنّ استحقاق كلّ واحد من الورثة خيارا مستقلّا في عرض الآخر بحيث ينتج تقديم الفاسخ على المجيز كما في خيار المجلس للمتعاقدين ممّا لا يمكن ثبوتا و استحقاق كلّ واحد منهم على نحو استقلال الوكيل المفوّض و موكّله بحيث ينتج تقديم السّابق مجيزا كان أو فاسخا و إن أمكن ثبوتا إلّا أنه لا دليل عليه إثباتا لأنّ ظاهر أدلّة الوراثة أنّ الحقّ كالمال يتخصّص و ليس هنا دليل آخر يدلّ على استحقاق كلّ منهم مستقلّا و لم يقم برهان على أنّ الشّارع جعل لكلّ منهم ذلك و لا على أنّ المورّث اشترط على صاحبه أن يكون لكل من ورثته الخيار فالوجه الأوّل لا أساس له سواء قيل بأنّ الحق الواحد الفعلي قائم بالمتعدّد أو قيل بأنّ حقّ الاستيفاء قائم بهم إلّا أن يقال إن مقتضى ورود الحكم على العام أو المطلق هو استقلال كلّ فرد من الأفراد و هذا المعنى حيث يمتنع بالنّسبة إلى المال أو الحقّ على نحو اجتماع الملاك المتعدّدة على ملك واحد فيلتزم بتقسيم المال و الحقّ بالحصص

و أمّا استقلال كلّ منهم على نحو الوكلاء المتعدّد أو المولى و العبد بالنّسبة إلى مال العبد و نحو ذلك فيجب الأخذ بظهور العام أو المطلق لأنّه لا دليل على امتناع ثبوت حقّ واحد في سائر الحقوق للمتعدّد كحق القصاص و حدّ القذف و الشّفعة فإنّ الأوّلين عبارتان عن حقّ الاستيفاء و الثّالث عبارة عن حقّ أن يملك كحق الإحياء و هكذا ثبت حقّ السّبق للمتعدّد و إنّما الممتنع إعمال هذا الحقّ للمتعدّد للتّزاحم بينهم فإذا أسقط بعضهم حقّه فللباقي إعماله و على هذا فلو دلّ دليل الإرث على أنّ ما تركه الميّت فلكلّ واحد من ورثته فالأخذ بظهوره و هو ثبوت هذا الحق للمتعدّد مستقلّا لا مانع منه هذا تمام الكلام في الوجه الأوّل

و أمّا الثّاني أي استحقاق كلّ منهم خيارا مستقلّا في نصيبه فهو أصحّ الوجوه كما اختاره العلّامة في القواعد و قال الخيار موروث بالحصص كالمال لأنّ ظاهر قوله ص ما ترك الميّت من حقّ فلوارثه أن يكون إرث الحقّ كإرث المال و أن يكون جنس الوارث واحدا كان أو متعدّدا قائما مقام المورث و أن تكون الإضافة الخاصّة به قائمة بهذه الطّبيعة بمطلق وجودها و لازم ذلك استحقاق الفسخ و الإجازة لكلّ واحد في مقدار نصيبه إلّا أنّه ينافي ذلك تبعّض الصّفقة على طرف الميّت و مقتضى الشّرط الضّمني الّذي التزم به الميّت من عدم تبعّض الصّفقة عليه عدم نفوذ إعمال الخيار لكلّ واحد مستقلا بل لا بدّ من اتّفاقهم على الفسخ و الإجازة إلّا أن يرضى الطّرف

ص: 159

بالتّبعّض أو اشترط عليه المورّث أي جعل لنفسه خيار الفسخ في البعض و إلّا فالورثة ملزمون بعدم التّشقيص قضيّة للشّرط الضّمني المقتضي للنّفوذ وضعا و ما أفاده المصنف قدّس سرّه من جواز الفسخ لبعض الورثة غايته ثبوت خيار التّبعض لمن عليه الخيار مبنيّ على عدم اقتضاء الشّرط الوضع و النّفوذ و هو خلاف التحقيق و مناف لمختاره أيضا إلّا أن يقال إنّ العقد باعتبار تعدّد الورثة ينحل إلى عقود و التّعدد الطّاري كالتّعدد الابتدائي و لكن سيجي ء في آخر البحث فساده

و أمّا الثّالث و هو استحقاق مجموع الورثة لجميع الخيار بأن لا يتعدّد الحقّ و لا المستحقّ الّذي لازمه عدم جواز الفسخ و لا الإجازة من البعض فمبنيّ على ما أفاده قدّس سرّه من الفرق بين إرث الحقّ و المال و إن كان دليلهما واحد و هو أنّ المال قابل للتّجزية فيقسم على حسب السّهام و الحقّ أمر بسيط غير قابل للتّجزية فيشتركون فيه

و فيه أنّ عدم قابليّته للتّجزية مبنيّ على أن يكون من الحقوق الموضوعيّة التي مطلوبيتها عند العقلاء باعتبار أنفسها لا باعتبار كونها طريقا للتّوصل إلى المال و قد تقدّم أنّه طريق لاستجلاب المال و استرداد المنتقل عنه بالفسخ و إبقاء المنتقل إليه بالإجازة فلا مانع من تجزيته بتجزية الأموال بل لا محيص عن ذلك لما عرفت من أنّ حقيقته هي سلطنة أحد المتعاقدين أو كليهما على التزام نفسه بكون المنتقل عنه في ملك صاحبه و التزام صاحبه بكون المنتقل إليه في ملكه و أحد الالتزامين يملكه بالعقد و الآخر بالجعل الشّرعي أو المالكي بحيث لو لم يكن هذا الجعل كان كلّ واحد من الورثة ملزما بما التزم به المورّث و لا شبهة أنّ لزوم التزامه بما التزم به المورث إنّما هو بمقدار حصّته من المال و لا وجه لأن يلتزم بما في يد سائر الورثة فإذا كان وجوب التزامه بمقدار نصيبه من المال فكذلك سلطنته على الالتزام أيضا بمقدار نصيبه من المال و هذا ينتج الوجه الثّاني

و أمّا الوجه الرّابع و هو قيام الخيار بالمجموع من حيث تحقّق الطبيعة في ضمنه فمبنيّ على أن يكون إرث الخيار ثابتا لصرف الوجود من الوارث لا لمطلق الوجود و حيث إنّ صرف الوجود قائم بكلّ واحد من الورثة فكلّ من بادر إلى إعمال الحقّ فسخا كان أو إجازة ينفذ في حقّ الجميع و لا عبرة بما يقع متأخّرا

و فيه أنّ المتبادر من أدلّة الإرث كون الحكم شموليّا لأنّ البدليّة و قيام الطّبيعة بفرد ما و بصرف الوجود يتوقّف على مئونة زائدة في مقام الثبوت و الإثبات فلو جي ء بتنوين التّنكير كما في قوله جئني برجل أو تعلّق الأمر بالطّبيعة كقوله صلّ فلازمه كفاية الفرد في مقام الامتثال أمّا التنوين فلأنّها وضعت لإفادة الفرد المنتشر و أمّا الأمر فلأنّ المادّة و إن كانت مجرّدة عن الطّبيعة و الفرد إلّا أنّ الهيئة حيث دلّت على طلب الطّبيعة و طرد العدم فبمجرّد وجود الطّبيعة و بأوّل وجودها و أمّا لو جعلت الطّبيعة موضوعا للحكم كما في قوله لا تشرب الخمر و ما تركه الميّت فلوارثه فظاهر الخطاب يقتضي أن يكون كلّ فرد من أفراد الطّبيعة موضوعا للحكم مستقلّا

و بالجملة ما أفاده قدّس سرّه من قيام الخيار بالمجموع من حيث تحقّق الطّبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا و إن كان تحقيقا دقيقا و لازمه وحدة الحقّ و المستحقّ بقيام الحقّ الواحد بصرف الوجود من الوارث و ينتج نفوذ إعمال الحقّ من كلّ من بادر إليه و صحّة قيامه بالمجموع فسخا أو إجازة من حيث كونه مصداقا للقدر الجامع لا بما هم هم و كونه كالفسخ و الإمضاء من ذي الخيار بتصرّف واحد لو اختلفوا في الفسخ

ص: 160

و الإمضاء مقارنا إلّا أنّه يرد عليه أوّلا أنّ عنوان الوارث ليس عنوانا واقعيّا ثابتا لهم حتّى يمكن أن يكون الخيار قائما بصرف الوجود منه بل عنوان انتزاعيّ من نفس دليل الإرث فموضوع الحكم ليس إلّا الأشخاص و إطلاق الوارث عليهم إنّما هو من قبيل من قتل قتيلا فله سلبه

و ثانيا لو كان مراده قدّس سرّه من الطّبيعة الجامعة هي الإضافة الخاصّة الّتي بينهم و بين المورث الّتي بها ينتقل ماله إليهم لا إلى غيرهم لا ما هو ظاهر كلامه من كونها عنوان الوراثة فظاهر الأدلّة لا يساعد على ذلك لوضوح أن كيفيّة الاستحقاق بالنّسبة إلى الأموال و الحقوق على نهج واحد و لا شبهة أنّ المال يرثه الأشخاص على سبيل العام الاستغراقي لا المجموعي بكلا معنييه

فالوجه الثّالث و الرّابع ممّا لا دليل عليه و إن لم يمتنع ثبوتا كما اعترف به قدّس سرّه بالنّسبة إلى الوجه الرّابع و أمّا الوجه الأوّل فقد عرفت امتناعه ثبوتا فانحصر الوجه الصّحيح في الوجه الثّاني و قد عرفت أنّه يشترك مع الوجه الثّالث في أنّ نفوذ الفسخ و الإمضاء يتوقّف على اتّفاقهم غاية الفرق بينهما أنّ عدم نفوذ الفسخ أو الإجازة من البعض في الوجه الثّالث إنّما هو لعدم المقتضي و أمّا في الوجه الثّاني فلوجود المانع و هو تبعّض الصّفقة على طرف الميّت

نعم لو قلنا بأنّ التعدّد الطّاري من قبل الوراثة كالتّعدد الابتدائي فلا مانع من إعمال كلّ منهم حقّه مستقلا فالصّواب تنقيح هذا المعنى الّذي دار في ألسنة الأعلام و تنقيحه يتوقّف على بيان الفرق بين قولهم في بعض الموارد إنّ العقد واحد لا يتبعّض و قولهم إنّ العقد ينحلّ إلى عقود متعدّدة

فنقول مورد الأوّل هو العقد الصّادر من واحد المتعلّق بشي ء واحد كما لو بيع حيوان أو المتعلّق بشيئين متّفقي الحكم كما لو بيع حيوانان فإنّه لا يجوز للمشتري الفسخ في البعض و الإمضاء في غيره لأنّ الالتزام الواحد لا يقبل التّبعيض و التّفرقة بين أجزاء المنشإ من النّصف و الثّلث و الرّبع تنافي الشّرط الضّمني الّذي بناء المتعاقدين عليه و هو مقابلة مجموع المبيع لمجموع الثّمن و لذا لو كان المبيع مشتركا بين مالكين و لم يعلم به المشتري لو فسخ أحدهما يثبت خيار تبعّض الصّفقة للمشتري

و مورد الثّاني هو الجمع بين مختلفي الحكم في عقد واحد سواء كان منشأ الاختلاف الاختلاف في المالكين كما لو جمع بين ملك نفسه و ملك غيره في المبيع أو في اللّزوم و الجواز كما لو جمع بين الحيوان و غيره أو في الصّحة و الفساد كالجمع بين الشّاة و الخنزير فإنّ الإنشاء و إن كان واحدا في هذه الموارد إلّا أنّه حيث جمع بين المختلفات فينحل منشؤه و التزامه إلى متعدّد فيتبع كلّ واحد حكمه إذا كان المشتري عالما بذلك و ذلك واضح لأنّه إذا كان المالك متعدّدا مثلا فلا معنى لالتزام كلّ منهم بكون المبيع بتمامه باقيا في ملك المشتري لأنّه لا معنى لالتزامه بما هو من وظيفة شريكه إلّا إذا كان وكيلا مفوّضا عنه

إذا عرفت ذلك فنقول أصل تعدّد الحق بموت المورّث لا ينبغي الشّبهة فيه فإنّه لا ينافي ذلك كون الحقّ واحدا في ابتداء العقد فإنّ مناط انحلال العقد إلى العقود المتعدّدة موجود في المقام و هو عدم إمكان التزام كلّ واحد من الورثة بالنسبة إلى نصيب الآخر

و طرو التعدّد على العقد الواحد ليس بعزيز كما لو تلف بعض المبيع قبل القبض أو في زمان الخيار أو خرج بعضه عن المالية كما إذا صار الخل خمرا إلّا أنّ مجرّد تعدّد العقد و انحلاله إلى العقود لا يؤثّر في جواز الفسخ بالنّسبة إلى كلّ واحد من الورثة لأنّ مالكيّة الطّرف لالتزام المورث تقتضي عدم تسلّط كلّ منهم بمقدار

ص: 161

نصيبه بل يتوقّف فسخهم و إجازتهم على اتّفاقهم مثل الوجه الثّالث إلّا أنّ الفرق بينهما أنّه على الوجه الثّاني يجوز لكلّ واحد من الورثة الإجازة دون الثالث لأنّها تدور مدار رضا الطّرف فلو رضي بها فقد أسقط حقّه و هكذا لو رضي بالتّشقيص يجوز لكلّ واحد فسخ البيع بالنّسبة إلى حقّه دون الوجه الثّالث لأنّه لو كان الحقّ قائما بالمجموع فرضا الطّرف لا يفيد جواز إعمال الخيار لكلّ واحد و أمّا لو كان الحقّ لكلّ واحد منهم مستقلّا بمقدار نصيبه فرضا الطّرف يؤثّر في صحّة إعمال الحقّ لكلّ واحد

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ التّعدد الطّاري ليس كالتّعدد الابتدائي و هذا النّزاع يجري في مثل الرّهن و الشّفعة و نحوهما و أنّه فرق بين ما كان الرّاهن متعدّدا ابتداء و بين ما إذا عرض التّعدد كما لو تعدّد ورثة الرّاهن أو المرتهن فإنّ تعدّد الوارث و إن أوجب تعدّد الحقّ بمقدار نصيبه من المال إلّا أنّ إعماله يتوقّف على اتّفاقهم هذا تمام الكلام في أصل المسألة و أمّا كلمات الأساطين فقابلة للحمل على المختار و على ما اختاره المصنف من الوجه الثّالث بل ظاهر عبارة القواعد و الدّروس و المسالك أنّ المانع من إعمال الخيار هو تبعّض الصّفقة على المشتري لا قيام الخيار بالمجموع

نعم عبارة الإيضاح موهمة لذلك فإنّ قوله قدّس سرّه في توجيه المنع بأنّه لم يكن لمورّثهم إلّا خيار واحد ظاهر في أنّ الخيار الثّابت للورثة خيار واحد قائم بالمجموع و لكنّه بعد التّأمّل في كلامه يظهر أنّ مقصوده أنّ التّعدد الطّاري ليس كالتّعدد الابتدائي

و ما ذكره قدّس سرّه في توجيه كلام العلّامة في اعتبار توافق الورثة في إعمال خيار العيب من

قوله قدّس سرّه إنّ المراد بوجود التّوافق وجوبه الشّرطي و معناه عدم نفوذ التّخالف و لا ريب أنّ عدم نفوذ التّخالف ليس معناه عدم نفوذ الإجازة من أحدهم مع فسخ صاحبه بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون إجازته و هو المطلوب

لا يخفى ما فيه فإن عدم نفوذ فسخ صاحبه مع عدم إجازة الشّريك الآخر هذا الفسخ مرجعه إلى عدم نفوذ إجازة بعضهم مع فسخ الآخر لأنّ مقتضى اعتبار التّوافق أن يكون الفسخ و الإمضاء كلاهما بالاتّفاق فلا يمكن أن تكون الإجازة من أحدهم نافذة دون فسخه فمراد العلّامة من اعتبار التّوافق أنّه لولاه لزم التّقرير و كذا ما استظهره من عبارة العلّامة لترث من الثّمن و هو

قوله إنّ هذا الكلام قد يدلّ على أنّ فسخ الزّوجة فقط كاف في استرجاع تمام الثّمن إلى آخره

لا يخفى ما فيه فإنّ قول العلّامة لترث من الثّمن حيث وقع بعد قوله الخيار موروث بالحصص ظاهر في استقلال كلّ واحد من الورثة في مقدار حصّته من المال لا في استقلال كلّ واحد في استرجاع تمام الثّمن

[فرع إذا اجتمع الورثة كلّهم على الفسخ فيما باعه مورّثهم]

قوله قدّس سرّه فرع إذا اجتمع الورثة كلّهم على الفسخ فيما باعه مورّثهم إلى آخره

لا يخفى أنّ ما ذكره من التّفصيل بين ما كان للميّت مال و ما لم يكن و ما أفاده من التّقابل بين ثبوت حقّ انحلال العقد للورثة و قيامهم مقام الميّت ممّا ينافي ما اختاره في غير المقام

و توضيح ذلك أنّه قد تقدّم أنّ حقيقة الإرث هي تبدّل المالك أو المستحقّ لا تبدّل الملك أو الحقّ ففي إرث الحقّ تنحلّ الإضافة الّتي أحد طرفها قائمة بالحق طرفها الآخر بالمستحق من طرف المستحقّ و تقوم بشخص آخر مع بقاء الحقّ على ماله و هكذا في إرث المال و هذا بخلاف البيع فإنّ فيه يتبدّل الملك لا المالك فإذا كان ذلك حقيقة الإرث فيتفرّع عليه أمور

الأوّل أنّه لا بدّ أن ينتقل إلى الوارث حقّ حلّ العقد

ص: 162

و إقراره لا التّملك و التّمليك فإنّ حقّ الخيار المنتقل إلى الوارث بأدلّة الإرث لا يمكن أن يتغيّر عمّا هو عليه بسبب الإرث و المفروض أنّ ما كان للمورّث هو حقّ حلّ العقد و إقراره لا التّملك و التّمليك و لذا صار إرث الزّوجة الخيار المتعلّق بما تحرم عنه محلّا للخلاف و لو كان الخيار عبارة عن التّملك و التّمليك لم يكن وجه للإشكال بانتقاله إلى الزّوجة فإنّ تملّك الزّوجة الأرض و إعطاء الثّمن من مالها غير قابل للمناقشة فيه

الثّاني أنّه لا بدّ أن لا يكون حقّ الخيار للورثة كحقّ الشّفعة لهم بأن يعطوا الثمن من مالهم و يتملّكوا المثمن بل لا بدّ أن ينتقل المثمن بفسخهم إلى المورّث و يردّ الثّمن إلى المفسوخ عليه لو كان باقيا و بدله لو كان تالفا و كان للميّت مال و لو لم يكن له مال يبقى في ذمّته و هذا التّفصيل إنّما يتفرّع على كون الخيار ملك إقرار العقد و حلّه و أمّا إن كان عبارة عن التّملك و التّمليك فلا وجه للفرق بين كون الثّمن باقيا في ملك الميّت أو تالفا و لا فرق في صورة التّلف بين أن يكون على الميّت دين مستغرق أو لا و بين أن يكون للميّت مال أو لا لأنّ في جميع الصّور للورثة أن يعطوا الثّمن من مالهم و يتملّكوا المثمن كما في الشّفعة

الثالث أنّه لا يمكن أن يكون حقّ الفسخ مقابلا لقيام الورثة مقام الميّت لأن قيامهم مقامه بأدلّة الإرث هو الّذي اقتضى ثبوت حقّ الفسخ لهم و أدلّة الإرث لا تجعل طرف الإضافة للورثة إلّا على نحو كان المورّث عليه و لا نثبت لهم حقّا آخر من غير فسخ الحقّ الثّابت للمورث

و بالجملة و إن كان بين الورثة و الأولياء و الوكلاء فرق فإنّهما من قبيل النّائب عن ذي الحقّ في الاستيفاء و لا يرجع أثر الاستيفاء إليهما و أمّا الورثة فهم نفس الميّت إلّا أنّ هذا الفرق لا يقتضي جعل ملك الفسخ و الإقرار مقابلا لقيام الوارث مقام الميّت فإذا كان ملك الفسخ و الإقرار ثابتا للوارث فلو فسخ يرجع كلّ عوض إلى محلّه الّذي خرج عنه فيرجع المنتقل عن الميّت إليه و لو لم يكن له مال تشتغل ذمّته ببدل ما انتقل إليه

نعم للطّرف أن يحبس المال المنتقل إليه حتّى يستوفي دينه من الميّت و لو كان عليه دين مستغرق فللطّرف حقّ الأولويّة بالنّسبة إلى المال المردود من سائر الغرماء و لو كانت قيمته أزيد عمّا يستحقّه الطّرف بعد الفسخ يرد الزائد إلى الغرماء و لو كانت أنقص يضرب مع الغرماء و لا وجه لرجوع المال إلى الوارث و اشتغال ذمّته بعوضه لو لم يكن له مال

و حاصل الكلام أنّ الفسخ ضدّ البيع الواقع أولا و ليس بيعا جديدا و تملكا و تمليكا و لذا وقع النزاع في الإقالة بأنّها بيع أو فسخ فإذا كان ضدا للبيع الواقع أولا فلو ارتفع البيع بالفسخ فلا محالة يرجع كلّ مال إلى مالكه الأصلي و منه إلى الورثة و لا وجه لأن يرجع إلى مالكه الفعلي إلّا من حيث كونه قائما مقام المالك الأصلي لا من حيث إنّه مالك له فعلا و لذا لو وقع العقد ثانيا على أحد العوضين أو كليهما ثم طرأ فسخ أو انفساخ لا يرجع العوضان إلى مالكهما الفعلي بل يرجعان إلى مالكهما الأصلي و يرجع المالك الأصليّ إلى النّاقل بالمثل أو القيمة و هكذا لو رجعت الأرض المنتقلة عن الميّت بالفسخ لا ترث منها الزّوجة و لو كانت راجعة إلى المالك الفعلي للثّمن لكانت الزّوجة مثل سائر الورثة لأنّ الرّجوع إليها كذلك مثل شرائها الأرض فهو يملكها

الرابع لا وجه لانتقال ما يرجع بالفسخ إلى الفاسخ وحده و لو قلنا بجواز إعمال حقّ القياس لكلّ واحد منهم مستقلّا لما

ص: 163

عرفت من أنّ إرث الخيار ليس كإرث حقّ الشّفعة و التملّك الجديد فلا بدّ أن يرجع المال إلى جميع الورثة لأن بفسخ أحدهم يبطل العقد و يرجع من حين الفسخ كل مال إلى مالكه الأصلي

و ما أفاده قدّس سرّه في

قوله و من هنا جرت السّيرة بأن ورثة البائع ببيع خيار ردّ الثمن يردون مثل الثّمن من أموالهم إلى آخره

لا شهادة فيه على أنّ بالفسخ ينتقل تمام المال إلى الفاسخ و أن حقّ حلّ العقد و إقراره مقابل لقيام الوارث مقام المورث و أنّ الفسخ يقتضي رجوع المال إلى المالك الفعلي لا الأصلي لأن وجه جريان السّيرة كذلك غير معلوم فيحتمل أن يكون ردّهم مثل الثّمن من أموالهم لا لكونهم مالكين فعلا بل لأنّ الفسخ يقتضي رجوع المبيع إلى ملك المورّث فتشتغل ذمته بالثمن المنتقل إليه فللورثة بل لكلّ أحد أداء دينه

نعم لو جرت السّيرة بعدم أداء سائر ديون الميّت من المبيع و عدم كونهم ملزمين بذلك لكشف عن عدم انتقال المبيع إلى ملك الميّت بل ينتقل إليهم بما هم مالكون فعلا فيكون نظير حق الشّفعة و قيام السيرة كذلك ممنوع بل الظّاهر عدم التزام أحد بذلك مع أنّه لو ثبت ذلك أيضا بالسيرة فغاية الأمر أن إرث الخيار المشروط بردّ مثل الثمن يخرج عن إرث سائر الخيارات و يكون هو بالخصوص عبارة عن ملك أن يملك كالشفعة و لازم ذلك أنّه لو اشترى أحد الورثة سهم البقيّة ثم طرأ فسخ أو انفساخ أن يرجع جميع ما انتقل عن الميّت إلى الوارث المشتري و الظّاهر عدم التزام الفقهاء به أيضا

و كيف كان فقد تقدّم من المصنف قدّس سرّه في أوّل الخيار أنّه عبارة عن ملك حلّ العقد و عدمه و ليس عبارة عن ملك أن يملك كحقّ الشّفعة نعم يمكن أن يكون خصوص الخيار المشروط بردّ مثل الثّمن واسطة بين حقّ الشّفعة و ملك الفسخ و إقراره بأن يكون بالنّسبة إلى الرّد مثل الشّفعة فلا يعتبر فيه إخراج الثّمن أو مثله عن ملك الميّت بحيث لو كان الثّمن موجودا لا يجب على الورثة ردّ عينيه بل لهم أن يردوا مثله من أموالهم و أن يكون بالنّسبة إلى رجوع ما انتقل عن الميّت مثل سائر الخيارات فيرجع إلى ملك الميّت و يرثه الورثة أو يؤدّي منه ديونه لو كان عليه دين و منشأ هذا الاحتمال هو ما عرفت أنّ بناء هذه المعاملة على إتلاف الثّمن فلا يشترط ردّ نفس الثّمن و ليس نظر المشتري أيضا إلى الثّمن المنتقل عنه بخصوصيّة بل غرضه أن لا يتلف ماله فإذا أخذ منه المبيع بفسخ أحد الورثة فله مثل الثّمن و لو من ملك الفاسخ نهاية الأمر حيث إنّ الفاسخ دفعه من ماله فله حبس المثمن ليستوفي ماله من الورثة و أمّا انتقال المبيع إلى خصوص الفاسخ فلا وجه له

[مسألة لو كان الخيار لأجنبيّ و مات]

قوله قدّس سرّه مسألة لو كان الخيار لأجنبيّ و مات إلى آخره

لا يخفى أنّ مقتضى ما ذكرناه من الضّابط بين الحقوق الّتي يرثها الوارث و الّتي لا يرثها أن لا يكون الخيار المجعول للأجنبي ممّا يرثه وارثه لأنّه ليس له غير نفس الإضافة و هي السّلطنة على الفسخ و الإمضاء من دون أن يستجلب بها نفعا من مال أو حقّ فبموته يسقط هذا الحقّ و لا وجه أيضا لأن ينتقل بالوراثة إلى جاعل هذا الحقّ له لأنّه ليس وارثا للأجنبي وارث المال أو الحقّ لأولي الأرحام لا لغيرهم

نعم من غير عنوان الإرث يمكن أن يكون له كما إذا كان الحقّ لكلّ منهما مستقلا و إنّما فوض أمر إعماله إلى الأجنبي فإذا مات يبقى أصل الحقّ له و قد تقدّم في خيار المجلس توجيه ما أفاده العلّامة من انتقال حقّ الخيار من الوكيل إلى الموكّل

[مسألة و من أحكام الخيار سقوطه بالتّصرف]

قوله قدّس سرّه و من أحكام الخيار سقوطه بالتّصرف إلى آخره

قد تقدّم مرارا أنّ كلّ فعل خارجي يكون مصداقا لعنوان من عناوين العقود و الإيقاعات بحيث يحمل

ص: 164

عليه بالحمل الشّائع الصّناعي يوجد به هذا العنوان كما يوجد بالقول إلّا أن يدلّ دليل تعبّدي على اعتبار اللّفظ و قد تقدّم في باب المعاطاة أنّ قوله ع إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام ليس ناظرا إلى ذلك و لم ينعقد إجماع عليه أيضا

نعم أصل الصّغرى و أن أي عنوان يكون الفعل مصداقا له و أيّ عنوان لا يكون مصداقا له مطلب آخر لا بدّ من إحرازه و قد تقدّم أنّ النكاح و الضّمان و الصّلح في العقود و الطّلاق و العتق في الإيقاعات لا يكون الفعل مصداقا لها و أمّا الإجازة و الفسخ فلا شبهة في وقوعهما بالفعل و لذا اشتهر بين الفقهاء أنّ كلّ تصرّف ورد في المنتقل إليه إجازة و كل تصرف ورد في المنتقل عنه فسخ بقيود ثلاثة الأوّل كونه تصرفا مالكيّا الثّاني أن لا يكون للامتحان و الاختبار الثّالث أن يكون المتصرف ملتفتا إلى كون المتصرف فيه محلّا للخيار و وجه اعتبار هذه القيود واضح لأنّه لو انتفى واحد منها لا يكون التصرّف مصداقا للفسخ أو الإجازة

و قد تقدّم أيضا أنّه لو كان الفعل مصداقا لعنوان فقصد الفعل كاف في تحقّق العنوان به و إن لم يقصد بإيجاده ذاك العنوان بل بعض العناوين يتحقّق بنفس قصد الفعل و إن قصد عنوان الخلاف كالتصرّفات المالكيّة في المنتقل إليه فإنّه لو قصد عنوان الغصب بها تقع إجازة و إن أبيت عن ذلك فلا شبهة أنّ وطي المطلّقة الرجعيّة رجوع و إن قصد الزّنا و على أي حال لو قصد الفعل و لم يقصد الخلاف يقع العنوان به و لا وجه لاعتبار قصد العنوان حتى يحرز تحقّقه من حمل فعل المسلم على الصّحة مع أن إحرازه بهذه القاعدة في غاية الإشكال لأنّها ليست أمارة على ما هو الحقّ تبعا لما اختاره المصنف في الأصول

[مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرّف أو يحصل قبيله]

اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرّف أو يحصل قبيله إلى آخره

لا يخفى أنّه لا بدّ أوّلا من بيان المحذور الّذي يرد في تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه ثم الدفع عنه فنقول إنّ المحذور تارة يقرّر في الوضعيّات و أخرى في التّكليفيات أمّا الوضعيّات فحاصله أنّه لو باع ذو الخيار ما انتقل عنه فتتوقّف صحّة بيعه على كونه ملكا له قبل البيع و كونه ملكا له قبل البيع و كونه مالكا له يتوقّف على أن يكون قوله للمشتري بعتك فسخا و كونه فسخا متوقّف على كونه بيعا فالبيع يتوقف على الملك و الملك على الفسخ و الفسخ على البيع و يلزم أيضا اجتماع العلّة و المعلول في رتبة واحدة لأنّ البيع معلول للملك و الملك معلول للتّصرف فمن التصرّف يحصل تملك الفاسخ و تملّك المشتري المترتّب على ملكيّة الفاسخ و أمّا التكليفيّات فلأنّ البيع و الوطي و نحوه محرّم على غير المالك فبالوطي مثلا يتحقّق الملك و الحليّة المترتبة عليه في رتبة واحدة

و أمّا الدفع فمن وجوه أربعة الأوّل أن تكون إرادة التصرّف مملّكة و هذا الوجه إن صحّ يرتفع به جميع الإشكالات حتى في الوطي لأنّه يقع بعد تحقّق الملك إلّا أنّه قد تقدّم مرارا أنّ الفسخ و الإجازة من الإيقاعات و هي لا تحصل بمجرد الكراهة الباطنيّة و الرّضا القلبي الثّاني أنّ الفسخ يحصل بأوّل جزء من الفعل أو القول و نفوذ التصرّف يحصل بباقي الأجزاء و هذا يتمّ في البيع لا الوطي فإنّ الجزء الأوّل يقع محرّما الثّالث أنّ الفسخ و البيع يحصلان معا بنفس التصرّف إلّا أنّ الأوّل مقدم رتبة على الثّاني و هذا الوجه و إن اختاره جملة من الأساطين إلّا أنّه لا يخلو من إشكال كما سنشير إليه الرّابع أن التصرف تارة بالعقد النّاقل و أخرى بالمعاطاة فإذا كان بالعقد فالفسخ يحصل بالإنشاء و البيع بالمنشإ و إن كان بالمعاطاة

ص: 165

فالفسخ يحصل بالأخذ من المنتقل إليه و البيع بالإعطاء للمشتري

نعم لا يجري هذا في التّعاطي من طرف واحد و على أيّ حال فأصحّ الوجوه في الجواب عن الإشكال في الوضعيّات هو الأخير و تقريبه يظهر ممّا تقدّم في المعاطاة من تقدير الملك آنا ما فيما يقتضي الجمع بين الأدلّة ذلك ففي المقام يقدر الملك آنا ما للفاسخ ثمّ ينتقل إلى المشتري و تقدير الملك و إن توقّف على الدّليل إلّا أنّ دليله في المقام كون الفعل بنفسه مصداقا للفسخ بالحمل الشّائع الصّناعي و حيث إنّ إنشاءه القولي فعل من أفعاله فبقوله بعت ينفسخ العقد و يملك ما انتقل عنه من حيث الإنشاء و ينتقل إلى المشتري من حيث أثر القول و مرتبة الأثر متأخّرة عن مرتبة أصل القول

نعم لو اعتبر في الانتقال إلى الغير كون العقد واقعا في ملك النّاقل لزم المحذور لأنّ الملكيّة تحصل بنفس العقد و أمّا لو اعتبرت الملكيّة في السّبب الّذي مرتبته متأخّرة عن السّبب فلا محذور

و بالجملة بناء على ما هو الحقّ من اعتبار وقوع المنشإ في الملك لا الإنشاء و لذا لا تعدّ الملكيّة من شروط العقد بل تعدّ من شروط العوضين فالفسخ يحصل بذات الإنشاء و الانتقال إلى المشتري يحصل بأثره و لذا لو عقد فاسدا يتحقّق به الفسخ أيضا لأنّه يحصل بالإنشاء لا بالمنشإ و أمّا في التكليفيّات فالإشكال أصلا غير وارد لأنّ حليّة الوطي مثلا لا تتوقّف على ملك الرقبة بل على سلطنة الواطئ و لذا يجوز بالتّحليل و التّزويج فلو كان لذي الخيار السّلطنة عليه بالوطي حلال له و به يفسخ المعاملة من حيث كونه مصداقا للفسخ

نعم لقائل المنع عن ثبوت هذه السّلطنة له في ملك غيره و أمّا لو سلم عموم معقد الإجماع بجواز تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه لكلّ تصرّف حتّى الوطي و الأكل و الشّرب و البيع و نحو ذلك من الإتلاف الحقيقي و الحكمي فلا وجه لتفصيله بين نفوذه وضعا و حرمته تكليفا لامتناع كون طرفي الفعل تحت سلطنة الفاعل وضعا و خروج أحد طرفيه عن تحت سلطنته تكليفا و قد ذكرنا في الإجارة على الواجبات بيان الملازمة و أوضحنا أنّ الملازمة ثابتة في العكس أيضا أي إذا كان الشّي ء واجبا أو حراما تكليفا لا يمكن أن يكون التصرّف فيه نافذا وضعا

و يمكن أن يكون نظر صاحب الجواهر قدّس سرّه في قوله إنّ الرّجوع من حقوق المطلق إلى ما ذكرناه أي لا يعتبر في حلية الوطي أن تكون الموطوءة زوجة قبل الوطي لأنّه يكفي في سلطنته على الوطي كونه من حقوق الزّوجيّة و هذا التّوجيه و إن لم يكن له محلّ في الرّجوع في زمان العدّة لعدم خروج المطلّقة الرّجعية عن الزّوجية إلّا أنّه وجيه بنفسه

ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر أنّ التّفصيل بين رهن ذي الخيار و عقد الواهب لا وجه له فإنّه إن تحقّق الفسخ بنفس عقد الرّهن يتحقّق له رجوع الواهب بالعقد على العين الموهوبة أيضا فإن الحكم في الهبة و الخيار واحد

قوله قدّس سرّه و أجاب الشّهيد عن الثّاني بمنع الدّور التّوقفي و أنّ الدّور معي

لا يخفى أنّ الدّور المعي في المقام لا يرجع إلى محصّل لأنّه عبارة عمّا كان الأثر الحاصل مستندا إلى مجموع الشّيئين من دون توقّف أحدهما على الآخر كالهيئة الحاصلة من اعتماد لبنة على أخرى و في المقام لو كان الفسخ بالفعل متوقّفا على الملك قبله مع أنّ الملك متوقّف عليه فالدّور توقّفي لتوقّف الشّي ء في الوجود على ما يتوقّف عليه فالصّواب في الجواب منع توقّف الفسخ على الملك قبله لا بمعنى

ص: 166

حصولهما معا و فرض الأوّل مقدما على الثّاني رتبة فإنّ التقدم الرّتبي إنّما يتصوّر في الشّيئين المجتمعين زمانا مع كون أحدهما علّة للآخر و الإشكال في المقام إنّما هو في صحّة علّة الملك و هي الفسخ بل لما عرفت من أنّ الفسخ يحصل بالإنشاء في التصرّف القولي فيملك الفاسخ آنا ما و ينتقل عن ملكه إلى الثّالث بأثر الإنشاء و هو متأخر رتبة عن الإنشاء و أمّا في التصرّف الفعليّ كالوطي و نحوه فالإشكال غير وارد أصلا

و ما أفاده المصنف قدّس سرّه في

قوله و توهّم أنّ الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كلّ ما يحصل به قولا كان أو فعلا فاسد إلى آخره

لا يستقيم لما عرفت من الملازمة بين الحليّة الوضعيّة و التكليفيّة فإذا جاز الفسخ بأدلّة الخيار جاز كل ما يحصل به قولا كان أو فعلا لما ظهر أنّه لا تدلّ أدلّة توقّف الوطي و البيع على الملك على اعتبار ملك الرّقبة بل الملك لغة و عرفا هو السّلطنة كما في قوله عزّ من قائل بملكنا و لو سلّم فقوله ص لا بيع إلّا في ملك قابل للتّخصيص فلا يقتضي الجمع بين أدلّة نفوذ التصرّف و هذا الدّليل الالتزام بحصول الفسخ قبيل التصرّف

نعم لو قيل بأنّ الجواز الوضعي لا ينافي الحرمة التكليفيّة تعيّن الالتزام بحصول الفسخ و الإجازة بالكراهة و الرّضا

[فرع لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار]

قوله قدّس سرّه فرع لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار له فقال أعتقتهما إلى آخره

لا يخفى أن عتق المشتري العبد و الجارية بصيغة واحدة تارة يقع فيما كان الخيار له و أخرى فيما كان للبائع و ثالثة فيما كان لهما

أمّا الصّورة الأولى فالأقوال فيها ثلاثة نفوذ عتق الجارية لتقديم الفسخ على الإجازة فيما وقع التزاحم بينهما و نفوذ عتق العبد لأنّه ملكه دون الجارية لأنّها ملك البائع و عتقها من المشتري يتوقّف على الملك المتوقف على الفسخ و في رتبة تحقّق ملك الجارية ينعتق العبد فلا يبقى مجال لانعتاق الجارية و عدم نفوذهما أصلا و الأقوى هو الأخير لأنّ تقديم الفسخ على الإجازة الّذي هو مدرك القول الأوّل مورده ما كان الحقّ لمتعدّد فيؤثر الفسخ و إن كان متأخرا عن الإجازة لأن أثر الإجازة سقوط الحقّ من طرف المجيز لا مطلقا فللآخر إعمال حقّه بالفسخ

و أمّا مدرك القول الثّاني ففيه أنّ مقابل عتق الجارية هو عتق العبد لا إجازة ذي الخيار فإنّ الإجازة تقابل الفسخ و كما أنّ عتق الجارية متوقّف على الفسخ فكذلك عتق العبد يتوقّف على الإجازة فإنّه و إن كان مملوكا له فعلا إلّا أنّ نفوذ عتقه يتوقّف على إمضاء العقد و إمضاؤه يتوقّف على عدم كون عتق الجارية فسخا كما في العكس فإذا كان التوقّف من الطرفين فلا ينفذ كلاهما

و أمّا الثّانية فعتقه العبد يتوقّف على نفوذ تصرّف من عليه الخيار في متعلّق الخيار و أمّا عتقه الجارية فلا ينفذ بلا إشكال لا من قبل نفسه لعدم كونه مالكا لها و لا من قبل ذي الخيار لبطلان الفضولي في الإيقاعات و أمّا الثّالثة فبناء على نفوذ تصرّف من عليه الخيار فحكمها حكم الصورة الأولى فلا ينعتق كلاهما و أمّا بناء على عدم نفوذه فيصحّ عتق الجارية لكونه فسخا من ذي الخيار و لا يصحّ عتق العبد لأنّه يوجب إبطال خيار البائع

[مسألة من أحكام الخيار عدم جواز تصرّف غير ذي الخيار]

اشارة

قوله قدّس سرّه مسألة من أحكام الخيار عدم جواز تصرّف غير ذي الخيار إلى آخره

قد تقدّم في خيار الغبن في ذيل عنوان تصرّف الغابن الأقوال في المسألة و مدركها إجمالا و لكنّه لا بأس بإعادتها تبعا لما أفاده شيخنا الأستاذ مدّ ظلّه و توضيحا لما تقدم فنقول أمّهات الأقوال ثلاثة عدم جواز تصرّفه وضعا و تكليفا فلا ينفذ معاملاته و يحرم عليه إتلافه و جوازه مطلقا بحيث لو فسخ ذو الخيار يرجع إلى المثل أو القيمة و جوازه مطلقا إلّا أنّه لو فسخ يبطل إمّا من حين الفسخ

ص: 167

أو من أصله و لازم القول الأخير التّفصيل بين التصرّفات المتلفة و النّاقلة فلا تجوز الأولى و تجوز الثّانية و لازمه أيضا التّفصيل في التصرّفات النّاقلة بين العتق و غيره فلا ينفذ العتق و ينفذ غيره لأنّ بطلان تصرّفه بفسخ ذي الخيار لا يتصوّر في الإتلاف الخارجيّ و الإتلاف الشّرعي لأنّ التّالف لا يمكن استرجاعه و الحرّ لا يمكن عوده رقّا فلو صحّ العتق نفذ مطلقا و لو لم ينفذ يجب أن لا يصحّ رأسا

ثم إنّه ربما يتوهّم ابتناء المسألة على حصول الملك بنفس العقد أو بانقضاء الخيار كما أنّه ربّما يتوهّم ابتناؤها على تعلّق الخيار بالعقد أو بالعين فعلى الأوّل من كلّ منهما يجوز تصرفاته مطلقا و على الأخير لا يجوز مطلقا

و لكنّك خبير بفساد كلا التوهمين أمّا الأوّل فلأنه لو قيل بما ينسب إلى الشّيخ و جماعة من توقّف الملك على انقضاء الخيار فلا بدّ من القول بعدم جواز تصرف غير ذي الخيار مطلقا سواء كان منافيا للاسترداد أم لا و أن يكون تصرّفه منوطا بإذن ذي الخيار كما في تصرّف الرّاهن في العين المرهونة و لا بدّ أن يعلّل المنع بقوله ع لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه لا بما علّل به أكثر المانعين من أنّ تصرفه ينافي استرداد العين و أمّا الثاني فلأنّه و إن جعله مبنى القولين أو الأقوال جملة من الأساطين إلّا أنّه لا يمكن الالتزام به فإن تعلّق الخيار بالعين ابتداء لا وجه له لما ظهر سابقا أنّ الخيار سلطنة لذي الخيار على التزامه العقدي الّذي لو لم يكن له الخيار كان ملزما بالتزامه

و بعبارة أخرى الخيار ملك فسخ العقد و إقراره و لا يتعلّق بالعين رأسا و لذا يصحّ إعماله في صورة بقاء العين و تلفها فالأولى أن يقال إنّ الخيار و إن كان سلطنة على حلّ العقد و إبقائه إلّا أنّه يمكن أن يكون هذا المعنى طريقيّا أو موضوعيّا و على الطريقيّة يمكن أن يكون الغرض منه استرجاع المال بالأعم من العين أو المثل أو القيمة و أن يكون الغرض منه استرجاع نفس العين فلو كان موضوعيا صرفا يجوز تصرّف من عليه الخيار بجميع أنحاء التصرّفات كما لا يخفى إلّا أنّ ذلك باطل جدّا لأنّه لو كان هذا بنفسه من الاعتبارات العقلائيّة وجب إمّا أن ترثه الزّوجة مطلقا و أن يرثه وارث الأجنبيّ و إمّا أن لا يرثه الوارث أيضا لأن الاعتبار العقلائي تارة من قبيل الولاية أو القيمومة التي هي عبارة عن نفس السّلطنة فهذا لا ينتقل إلى الغير و لو كان وارثا للمال

و أخرى اعتباره باعتبار متعلّقه فلا بدّ أن ينتقل إلى وارث ذي الحقّ و لو لم يكن وارثا للمال و بالجملة كون الخيار موضوعيّا صرفا لا وجه له فانحصر في الوجهين على الطّريقيّة و مبنى الوجهين أنّه لو قلنا في باب الضّمان بأنّ المدار فيه على قيمة يوم الأداء إمّا لبقاء العين التّالفة بخصوصيّتها الشّخصيّة في عهدة الضّامن أو بماليّتها الغير المتقدّرة بالمقدار فلازمه أن يجب عليه حفظها ليتمكّن المضمون له عن استرجاع نفس العين فلا يجوز له التصرّفات المتلفة و النّاقلة و يكون حفظها من قبيل المقدّمات الوجوديّة للواجب المطلق

و أمّا لو قلنا بأنّ المدار على قيمة يوم التّلف فلازمه أن يكون ماليّتها المتقدّرة في عهدة الضّامن فيجوز له إتلافها و نقلها إلى الغير لأنّ ما في ذمّة الضّامن هو القدر المشترك بين العين و المثل أو القيمة و يكون حفظا للعين من المقدّمات الوجوبيّة للواجب و حيث اخترنا في مسألة الضّمان أنّ المدار على قيمة يوم الأداء فلا يجوز له التصرّفات المانعة عن الاسترداد بل في الخيار المشروط بردّ مثل الثّمن لا شبهة في عدم جواز التصرّف المانع و إن قلنا بتعلّق الضّمان بالأعمّ لأنّ الغرض من جعل

ص: 168

الخيار نوعا هو ردّ نفس المبيع

لا يقال غاية ما يقتضيه الخيار مطلقا هو طريقيّته لجلب المال الّذي هو القدر الجامع بين العين و بدلها و لذا لا سقط بتلف العين بل ينتقل إلى البدل لأنّا نقول الّذي يمكن أن يكون الخيار وسيلة إلى استرداده هو ما انتقل عن ذي الخيار إلى من لا خيار له و هو نفس العين و لذا لو طرأ الفسخ أو الانفساخ و كانت العين باقية لا يصحّ ردّ المثل أو القيمة و ردهما عند التّلف إنّما هو لتعذّر ردّ العين و عدم موجب لسقوط الخيار فلا ملازمة بين الرّجوع إلى البدل مع التّلف و جواز الإتلاف

ثم بناء على ذلك هل يبطل التصرّفات النّاقلة أصلا و لا تصحّ بالإجازة أو أن حكمها حكم الفضولي وجهان تقدّم مدركهما في عقد الرّاهن و قلنا إنّه لا فرق في الفضولي بين أن يكون العقد قاصرا من حيث المقتضي أو لوجود المانع و إذا صح عقد الرّاهن بإجازة المرتهن صحّ عقد من عليه الخيار بإجازة ذي الخيار لأنّ مرجع إجازته إلى إسقاط حقّه

ثمّ إنّه لو وقع عقود مترتّبة على المال فليس له استرداد العين إلّا بعد فسخ العقد الأوّل إلّا أن يكون الاسترداد فسخا فعليّا للأوّل و بالجملة فرق بين الإجازة و الفسخ فإنّ الإجازة مرجعها إلى إسقاط الحقّ فينفذ الجميع و أمّا فسخ العقد الثّاني مع عدم الفسخ الأوّل فلا معنى له

ثم إنّه قد ظهر في خيار الغبن وجه حرمة الوطي إذا كان الاستيلاد مانعا عن إعمال الخيار و لو كان سبب الخيار مقدّما و قد ظهر أيضا حكم العقود الجائزة الواقعة من غير ذي الخيار و تقدّم أيضا أنّ ما أفاده المصنف قدّس سرّه من جواز تصرفات من عليه الخيار مطلقا أقوى من المنع و لكن المسألة مشكلة جدّا حيث إنّ المشهور على المنع و إن كان حقيقة الخيار لا تقتضي ذلك لما عرفت أنه في صورة تلف العين و بقائها لا تختلف حقيقته فلا بدّ من أن يكون طريقا لاستجلاب المال الّذي هو القدر المشترك بين العين و المثل أو القيمة

قوله قدّس سرّه ثم إنّ المتيقّن من زمان الخيار الممنوع فيه من التصرّف على القول به هو زمان تحقّق الخيار فعلا إلى آخره

توضيح ذلك أن الخيار على أقسام ثلاثة لأنّه تارة فعلي منجّز بلا توقّفه على شي ء أي متّصل بالعقد بلا شرط متأخّر شرعيا كان كخياري المجلس و الحيوان أو جعليّا من المتعاقدين كشرط الخيار في متن العقد مطلقا لهما أو لأحدهما

و أخرى متأخر بنفسه و بمنشئه كخيار التّفليس و خيار التأخير بناء على كونه تعبّديا و إمّا بناء على كونه ناشئا عن تخلّف الشّرط الضّمني و هو التّسليم و التسلّم الّذي بناء المعاملة عليه نوعا و إن أعمل فيه التعبّد من حيث تعيين الحد بالثّلاثة فحاله حال الغبن و العيب و الرّؤية و سيجي ء حكمها و ثالثة واسطة بين الأوّلين كالخيار المشروط بردّ الثمن بعد سنة فإنّ شرط الخيار حاصل حين العقد و لكن زمان إعماله متأخّر ثم إنّه يظهر من جملة من الأساطين أن خيار العيب و الغبن و الرّؤية كخيار التّفليس متأخر عن العقد بنفسها و بمنشئها لتوهّمهم ثبوتها بالتّعبد و اشتراط تحقق أصل الخيار شرعا بظهور العيب و الغبن و تخلّف الوصف في مقابل القول بأنّ العلم بها كاشف عقلي

و لكنّك خبير بأنّ منشأ ثبوتها هو الشرط الضّمني خصوصا في خيار الرّؤية المسبّب عن فقد الوصف المشترط في العقد اعتمادا على الوصف أو المشاهدة السّابقة فإن فقد الوصف الموجب للخيار حاصل حين العقد و العلم به و عدمه ليس له مدخليّة في ذلك فقياس خيار الرّؤية على خيار التأخير لا وجه له بل المصنف قدّس سرّه صرّح في خيار الغبن بأنّ ثبوت الحقّ للمغبون قبل العلم

ص: 169

لا شبهة فيه و إن كان إعماله فعلا مشروطا به و مع هذا فكيف ينفي الخلاف ظاهرا في جواز تصرف من عليه الخيار في الثّلاثة لتوقّف الخيار على أمر متأخّر من ظهور العيب أو الغبن أو تخلّف الوصف

إذا عرفت ذلك فنقول أمّا الخيار المتأخّر بنفسه و بسببه فلا ينبغي الإشكال في جواز تصرّف من عليه الخيار فيما يتعلّق به وضعا و تكليفا قبل تحقّق سببه لكونه مالكا له ملكا طلقا و مجرّد تعلّق الحق به بعد ذلك لا يمنع عن تصرفات مالكه و ذلك واضح كما أفاده قدّس سرّه لاستلزام المنع عنه المنع عن التصرّف في أحد العوضين قبل قبض الآخر من جهة كون العقد في معرض الانفساخ بتلف ما لم يقبض

كما لا ينبغي الإشكال في المنع عن جواز التصرّف بناء على القول به في زمان تحقّق الخيار فعلا كالمجلس و الثّلاثة في الحيوان أو الزمان المشروط فيه الخيار و إمّا التصرّف في زمان الخيار المشروط بأمر متأخر سواء كان وقتا كيوم الجمعة أو أمرا آخر كردّ مثل الثّمن ففيه إشكال و خلاف و الأقوى إلحاقه بالخيار المنجّز فإنّ المانع عن التصرّف على القول به هو تزلزل العقد و فعليّة حق ذي الخيار و هما حاصلان لأنّ نفس الشّرط الموجود حال العقد حق مالكي يجوز إسقاطه و إبقاؤه و التصرّف المتلف مناف له

و أمّا الخيارات الثّلاثة المسبّبة عن الشّرط الضّمني فحيث إنّ الخيار حاصل حين العقد على ما هو الأقوى و لا مدخليّة لظهور الغبن و العيب و تخلّف الوصف فإلحاقها بالخيارات الثلاثة أي المجلس و الحيوان و الشّرط في غاية الوضوح لو لا الإجماع على خلافه و الظّاهر عدم تحقّقه و إن ادّعى المصنف قدّس سرّه أنّ هذا النحو من الخيار غير مانع من التصرّف بلا خلاف ظاهرا

لأنّ عدم الخلاف لا يكشف عن الإجماع أمّا أوّلا فلذهاب جملة من الفقهاء جواز التصرّف في متعلّق الخيار و لو في خيار المجلس و نحوه و أمّا ثانيا فلذهاب جملة منهم إلى عدم تحقّق الخيار إلّا بعد العلم به و كون العلم شرطا شرعيا له فلم يبق إلّا قليل ممن يعترف بثبوت الخيار و كون العلم كاشفا عقليا و يلتزم بعدم جواز التصرّف في زمان المجلس و نحوه و مع ذلك يختار جواز تصرف الغابن و نفوذه قبل ظهور الغبن و بهذا المقدار لا يتحقّق الإجماع

و على هذا فإلحاقه بالخيار المنجّز فعلا أقوى ثمّ إنّ جماعة من المانعين من جواز التصرّف جوّزوا وطي الأمة المتعلّقة لحقّ الخيار مع التزامهم بتقديم حقّ الاستيلاد و تفويته لحقّ الخيار و إن كان متأخرا عن سبب الخيار و ما يمكن أن يكون وجها لذلك أمران الأوّل أن المتيقّن من المنع هو التصرف المتلف فعلا لحقّ ذي الخيار و أمّا مجرّد كونه معرضا للفوات فلا دليل على المنع عنه الثّاني التمسّك باستصحاب عدم العلوق و عدم صيرورة الموطوءة حبلى و لكن الأقوى هو المنع كما هو ظاهر المحكي عن التّذكرة و الدّروس لأنّ متعلّق التّكليف فيما كان حصول الأثر متوقّفا على أمر خارج عن اختيار المكلّف هو نفس فعل المكلّف فيما يحرم عليه في المقام هو الوطي لا حصول العلوق لكون فعل المكلّف بالنّسبة إليه معدّا فلا يصحّ إناطة التّكليف به فعلى هذا نفس الوطي تفويت لحقّ ذي الخيار إلا أنّه في معرض ذلك و لا يقاس بالعرض على البيع فإنّه بنفسه ليس تفويتا بل المفوّت هو البيع و هو أمر اختياريّ يمكن تركه بعد العرض على البيع و أمّا الاستصحاب فمضافا إلى كونه استقباليا ليس له حالة سابقة إلّا بالعدم المحموليّ و الجواز مترتب على عدم كون هذا الوطي موجبا للحمل و هذا غير مسبوق بالعدم

[فرعان]
[الثّاني أنّه هل يجوز إجازة العين في زمان الخيار]

قوله قدّس سرّه الثّاني

ص: 170

أنّه هل يجوز إجازة العين في زمان الخيار إلى آخره

لا إشكال في أنّه لو آجره من ذي الخيار أو بإذنه ففسخ لم تبطل الإجارة بل يمكن أن يقال إن استيجار ذي الخيار و إذنه في الإجارة مسقطان لخياره فلا يبقى محلّ للفسخ

و كيف كان فلو لم نقل بذلك إلّا أنّه لا شبهة أن بعد إجارته منه أو من غيره بإذنه إذا فسخ لا تبطل الإجارة و تردّ العين إليه مسلوب المنفعة و بلا غرامة لأنّ الإذن في تفويت المنفعة كالإذن في إتلاف الأوصاف لا تكون عهدتها على المتلف

و بالجملة بعد الإذن في الإجارة لا وجه لبطلانها بفسخ ذي الخيار و لا يقاس على إجارة البطن الأوّل من الموقوف عليه للفرق بينهما فإنّ البطن الثّاني يتلقّى الملك من الواقف فلا محالة ملكيّة البطن الأوّل موقتة إذ لا يعقل أن يملك الواقف كلّ واحد من البطون ملكيّة تامّة مطلقة قابلة للدّوام فإجارة البطن الأوّل تبطل بموته إلّا أن يكون متولّيا أيضا و هو أمر آخر و أمّا من عليه الخيار فيملك العين ملكيّة تامّة صالحة للدّوام و من نماء هذا الملك المنفعة الدّائمة

غاية الأمر أنّه متزلزل من حيث تعلّق حقّ ذي الخيار به فإذا أذن في الإجارة فإذنه و إن لم يناف فسخه بالنّسبة إلى العين إلّا أنّه ينافي فسخ بالنّسبة إلى الإجارة و أمّا لو آجره بلا إذن منه فالظّاهر عدم الإشكال أيضا في صحّة الإجارة إلى زمان الفسخ حتّى على القول ببطلان التصرّف من حينه بالفسخ لأنّه مختصّ بالتصرّف المنافي لاسترداد العين

و أما بالنسبة إلى ما بعد الفسخ فقولان بطلان الإجارة و صحّتها مع غرامة المؤجر المنفعة التّالفة في مدّة الإجارة و احتمال عود العين مسلوب المنفعة باطل جدّا لأنّ المنافع المستوفاة في الضّمان المعاوضي مضمونة على المستوفي أمّا وجه الصّحة فهو ما أفاده في المتن من أنّه يكفي في ملك المنفعة الدّائمة تحقّق الملك المتعدّدة للدّوام لو لا الرّافع آنا ما هذا مضافا إلى قياسه على التّفاسخ بعد الإجارة فإنّه لا يلتزم أحد ببطلان الإجارة

و أمّا وجه البطلان فلتبعيّة ملك المنفعة لملك العين لا بالمعنى الّذي علله به المحقّق القمّي من أنّه علم بالفسخ أنّ المشتري لم يملك منافع ما بعد الفسخ و أنّ الإجارة كانت متزلزلة و مراعاة بالنسبة إلى فسخ البيع فإنّ هذا يستلزم التوقيت في الملك الّذي لم يعهد في الشّرع عدا باب الوقف على البطون بل بمعنى أنّه بناء على عدم جواز تصرّف غير ذي الخيار تصرّفا يمنع عن الردّ فتصرفه بالإجارة نظير تصرّفه بالنّقل إلى الغير حيث إنّه لا يمكن مع بقاء العين الحيلولة بينها و بين المالك فمجرد عود الإضافة المالكيّة من دون رجوع آثار الملك من قدرة المالك على القلب و الانقلاب لا أثر له

و بناء على جواز تصرّفه يمكن المنع في المقام أيضا لمنافاته لتبعيّة المنافع للعين فإذا رجعت العين لا بدّ أن ترجع منافعها أيضا و لمنافاته لحقيقة الفسخ أيضا لأنّه يقتضي عود الملك إلى ما كان حين العقد و المفروض أنّه كان مع المنفعة و لمنافاته للتّسليم و التّسلم المشترط ضمنا في متن العقد لأنّ العقد كما يقتضي التّسليم و التّسلم بعد العقد فكذلك يقتضيه بعد الفسخ بعكس ما يقتضيه حين العقد و صحّة الإجارة تستلزم عدم لزوم تسليم العين إلى الفاسخ لاستحقاق المستأجر أن تكون العين تحت استيلائه فيقتضي أن يستحق المؤجر أخذ ماله دون الفاسخ و قياس الفسخ على الإقالة إمّا مع الفارق و إمّا أنّ الحكم في المقيس عليه حكم المقيس لأنّهما لو أقالا مع علمهما بالإجارة فالتزما بكون العين في يد المستأجر و أمّا لو آجر أحدهما ما انتقل إليه ثمّ استقل الآخر مع جهله فلا وجه لصحّة الإقالة و صبر المقيل إلى انقضاء مدّة الإجارة

ص: 171

بل لا بدّ إمّا من بطلان الإجارة أو الإقالة أو ثبوت الخيار للمقيل الجاهل فما أفاده المصنف في أوّل العنوان وجها لبطلان الإجارة من كونها إبطالا لتسلّط الفاسخ على أخذ العين هو الصّواب سواء قلنا بنفوذ التصرّفات النّاقلة من غير ذي الخيار أو لم نقل لأنّ العين في المقام باقية في ملك المؤجر فيؤثّر فسخ ذي الخيار بالنّسبة إليها و إذا عادت إليه فلا بدّ أن يكون مسلّطا عليها و هذا لا يجتمع مع صحّة الإجارة المقتضية لاستحقاق المستأجر وضع اليد عليها

قوله قدّس سرّه ثمّ إنّه لا إشكال في نفوذ التصرّف بإذن ذي الخيار و أنّه يسقط خياره بهذا التصرّف إلى آخره

لا يخفى أنّ نفوذ تصرّفه بإذن ذي الخيار واضح جدّا لأنّه مالك للمال فعلا و المنع كان لتعلّق حقّ ذي الخيار به فإذا جاز ارتفع المنع إنّما الكلام في سقوط خياره به مع أنّه لا منافاة بين الإذن في التصرّف النّاقل بل الإتلاف و إرادة الفسخ و أخذ البدل و المصنف جعل منشأ السّقوط أمرين الأوّل دلالة الإذن عرفا على الالتزام بالعقد و الثّاني أنّ التّصرف المأذون فيه تفويت لمحل هذا الحقّ

و لكنّك خبير بأن الوجه الأوّل لا يمكن الالتزام به كما أشرنا إليه في خيار الغبن لأنّ الإذن لو كان دالا على إسقاط الحقّ لزم سقوطه و لو لم يتصرّف المأذون مع أنّه لا يلتزم به المصنف و لا يمكن الالتزام به فإنّه نظير إذن المرتهن في بيع الرهن من أنّه لا يؤثر في السّقوط ما لم يقع البيع من الرّاهن و يجوز رجوعه عن إذنه

نعم التّفصيل بين إذنه في التصرّف للثّالث و لمن عليه الخيار في محلّه فإن إذنه للثّالث كاشف عن الفسخ لأنّه لا معنى لأن يأذن غير المالك في التصرّف في المال فيجب حمله على الفسخ و أمّا إذنه لمن عليه الخيار في التصرّف فيما انتقل عنه إليه فلا يدلّ عليه أنّه إمضاء للعقد لأنّه إذن فيما يقتضيه طبع المعاملة

و بالجملة كون الإذن بنفسه إسقاطا مستلزم لأن يكون إذن المرتهن أيضا كذلك مع أنّ كونه ملحوظا بلحاظ نفسه عرفا ممنوع جدّا بل المتبادر عند العرف كونه ملحوظا باعتبار متعلّقه و أنّه إذن في المسقط و لذا أنكر القواعد و جامع المقاصد و المسالك على الميسية الّذي رتب على المشهور ذلك

و كيف كان فدلالة الإذن بنفسه على إسقاط الخيار ممنوع و أمّا الوجه الثّاني فهو الصّوب الّذي لا محيص عنه و إن كان تعليله بقوله لأن أخذ البدل بالفسخ فرع تلف العين في حال حلول الحقّ فيه لا مع سقوطه عنه قابلا للمناقشة لأنّ الانتقال بالبدل ليس فرع كون العين متعلّقا للحق فإن الانتقال إليه في مورد تلف العين مسلّم حتى في العقود اللازمة إذا طرأ عليها الفسخ أو الانفساخ كما لو أقالا و كانت العين تالفة فالأولى أن يعلّل بما أشرنا إليه في خيار الغبن و هو أنّ التّصرّف المأذون فيه مفوّت لمحلّ الحقّ حيث إنّ الغرض من الفسخ استرجاع الملك السّابق إمّا بعينه أو ببدله و كل منهما متعذّر أمّا العين فلخروجها عن ملك المشتري بالتصرّف النّاقل أو بالإتلاف و أمّا البدل فلأنّه فرع كون العين مضمونة عليه و بعد كونه مأذونا في التّصرف لا يمكن أن يكون ضمان العين عليه فلا موضوع لانتقال الضّمان إلى بدلها فإذا امتنع الضّمان امتنع الفسخ فامتنع الخيار

[مسألة المشهور أنّ المبيع يملك بالعقد و أثر الخيار تزلزل الملك]

قوله قدّس سرّه مسألة المشهور أنّ المبيع يملك بالعقد و أثر الخيار تزلزل الملك إلى آخره

لا يخفى أنّ هذا العنوان مقدّم طبعا على العنوان السّابق فإنّ جواز تصرّف من عليه الخيار فيما انتقل إليه متفرّع على تحقّق الملك له قبل انقضاء الخيار فكان الأنسب تقديمه

و كيف كان فالأقوى ما عليه المشهور من عدم توقّف الملك على انقضاء الخيار مطلقا للأدلّة العامّة و الخاصّة

ص: 172

أمّا العامّة فلأنّ قوله عزّ من قائل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ ظاهر في أنّ البيع علّة تامّة لجواز التّصرف الّذي هو من لوازم الملك و كذلك قوله تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ الدّال على أنّ التّجارة عن تراض خارجة عن أكل المال بالباطل و إطلاقهما يشمل البيع الخياري و غيره

و أمّا الخاصّة فمنها صحيحة يسار بن يسار عن الرّجل يبيع المتاع و يشتريه من صاحبه الّذي يبيعه منه قال نعم لا بأس به قلت أشتري متاعي فقال ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك و الاستدلال إنّما هو بقوله ع ليس متاعك لا بجواز البيع من البائع حتّى يقال بأنّ البيع منه جائز و لو لم نقل بحصول الملك قبل انقضاء الخيار و منها ما دلّ على جواز النّظر في الجارية في زمان الخيار إلى ما لا يحلّ له قبل ذلك و الإشكال عليه بأنّه نظير حلّ وطي المطلّقة الرجعيّة الّذي يحصل به الرّجوع غير وارد لأنّ التّصرّف في وطي المطلقة الرّجعية وقع من ذي الحقّ فيتحقّق به الرّجوع و في المقام وقع من غير من له الخيار فلو لم يكن مالكا لكون العقد خياريّا حرم النّظر إليه

و بالجملة لو قيل بأنّ تصرّف من لا خيار له يوجب سقوط خيار ذي الخيار لم يكن جواز تصرّفه كاشفا عن كونه مالكا لإمكان حصول الملكيّة بنفس التصرّف إلّا أنّ هذا لا دليل عليه

و أمّا لو كان تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه موجبا لسقوط خياره فتحقّق الرّجوع بالوطي في المطلّقة الرّجعيّة لا ربط له بالمقام و منها ما دلّ على أنّ نماء المبيع للمشتري و تلفه منه في الخيار المشروط بردّ الثمن و لا شبهة أن تملّك المنافع فرع تملّك العين و المناقشة فيه بأنّه من قبيل اشتراط انفساخ البيع بردّ الثّمن لا اشتراط الخيار حتّى يكون دليلا للمقام لا وجه لها فإنّه خلاف ظاهر الأدلّة كما اعترف به المصنف قدّس سرّه بل قد تقدم في تلك المسألة أنّ اشتراط الانفساخ بلا سبب باطل و كون نفس هذا الشّرط سببا له يلزم من وجوده عدمه

و بالجملة دلالة هذه الأخبار على حصول الملك في زمان الخيار في غاية الوضوح بل جميع الأخبار الواردة في العينة يدلّ على حصول الملك في زمان الخيار فإن بيع المشتري المبيع في المجلس من البائع لا يمكن أن يصحّ إلّا أن يكون مالكا له مع ثبوت خيار المجلس له و للبائع و ما عن المصنف قدّس سرّه من الإشكال فيه بأن تواطؤهما على البيع ثانيا موجب لسقوط خيارهما مستشهدا بتصريح الشّيخ بجواز ذلك مع منعه عن بيعه على غير صاحبه في المجلس غير وارد لأنّ مجرّد التّباني و التواطؤ على البيع ثانيا لا يوجب أن يكون العقد لازما و كما أنّ التّباني على الخيار لا يوجب أن يكون العقد جائزا فكذلك التّباني على البيع لا يقتضي أن يصير الجائز لازما

و ما صرّح به الشيخ لا يدل على أن إسقاط الخيار لا يتوقف على الإنشاء بل يكفي التّباني عليه لاحتمال كون المنع عن بيعه على غير صاحبه لأجل ما بني عليه من عدم حصول الملك في زمان الخيار و جواز البيع على صاحبه لأجل الخيار العينة الدالّة عليه بالخصوص تعبّدا

و كيف كان فمجرّد التّباني لا أثر له و إسقاط الخيار كسائر الإيقاعات يحتاج إلى الإنشاء هذا كلّه مع أنّ كلمات القائلين بتوقّف الملك على انقضاء الخيار مضطربة غاية الاضطراب و لا ينطبق دليلهم على مدّعاهم فبعضهم يجعل الانقضاء كاشفا و منهم من يجعله ناقلا و بعض محطّ كلامه الخيار المتّصل و بعض يدّعي عدم حصول الملك حتى في الخيار المنفصل و قد يتّفق لشخص واحد قولان مختلفان فقد يظهر من الشيخ موافقة المشهور و قد يظهر منه على ما حكاه المحقّق توقّف الملك على انقضاء الخيار سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما و عبارته المحكية عنه

ص: 173

في الشّفعة صريحة في التّفصيل بين ما إذا اختصّ الخيار بالمشتري فيملك بنفس العقد و بين ما إذا كان للبائع أو لهما فيتوقّف على انقضاء الخيار

و الظّاهر عدم الخصوصيّة للمشتري بل كون أحدهما ذا خيار بحيث يقدر على إبطال العقد يوجب أن لا يملك الآخر إلّا بعد انقضاء الخيار فإذا كان الخيار للبائع لا يملك المشتري كالعكس و إذا كان لهما لا يملك كلّ منهما و الإشكال عليه بأنّ حصول الملك لأحدهما دون الآخر يقتضي إمّا الجمع بين العوض و المعوّض أو بقاء الملك بلا مالك و إن كان قابلا للدّفع بجعل الانقضاء كاشفا لا ناقلا إلّا أنّ أصل المدّعى لا دليل عليه

لأنّ غاية ما استدلّ له أمور الأوّل أنّ الغرض من الملك هو التصرّف الممتنع في زمان الخيار و فيه أوّلا أنّه مبنيّ على عدم جواز التصرّف في زمان الخيار و ثانيا أنّ التصرّف الممتنع ما كان متلفا أو ناقلا لا كلّ تصرف و ثالثا لا ملازمة بين امتناع التصرّف و عدم حصول الملك

الثّاني صحيحة ابن سنان عن الرّجل يشتري العبد أو الدابة بشرط إلى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدّابة أو يحدث فيه حدث على من يكون ضمان ذلك فقال على البائع حتّى ينقضي الشّرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري شرط له البائع أو لم يشترط قال و إن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع فإنّ قوله ع حتى ينقضي الشّرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري ظاهر في توقّف الملك على انقضاء الخيار و أمّا قبله فلا يصير للمشتري و فيه أنّ ظهوره لا يقاوم صريح قوله ع ليس متاعك لقابليّة حمله على الاستقرار أو الطلقيّة و في المقام و إن كان الملك للمشتري طلقا إلّا أنّه ليس مستقرا عليه بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه إلّا بأسباب خاصّة و بالجملة في قوله ع و يصير المبيع للمشتري احتمالات ثلاثة الأوّل حصول الملك له الثّاني صيرورته طلقا الثالث صيرورته مستقرا و لا يتنزّل إلى الثّاني إلّا بعد تعذّر الأوّل و لا إلى الثّالث إلّا بعد تعذّر الثّاني إلّا أنّه يتعذّر الحمل على أصل الملكيّة و كذلك على الطّلقية فيتعين الحمل على الاستقرار

الثّالث النّبوي المشهور الخراج بالضّمان فإنّه يدلّ على أنّ المنافع بإزاء الضّمان و ينعكس بعكس النقيض إلى أنّ من ليس ضامنا ليس الخراج له و بضميمة قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له ينتج عدم حصول الملك في زمان الخيار لأنّ كون التّلف على البائع في زمان خيار المشتري يقتضي أن يكون منافع المبيع للبائع لأنّ كون المبيع في زمان خيار المشتري في ضمان البائع يقتضي أن يكون المنافع له فإذا كانت المنافع له لم يحصل الملك للمشتري و إلّا كانت المنافع له لتبعيّتها للعين

و لا يخفى أنّه قد استدلّ بالنّبوي لقول المشهور أيضا بتقريب أنّ المبيع في زمان الخيار المشترك أو المختص بالبائع في ضمان المشتري و خراجه له و بقاعدة التّلازم بين ملك المنفعة و ملك العين يثبت حصول الملك بنفس العقد

و لكنّك خبير بعدم دلالته على كلا القولين أمّا قول المشهور فلما فيه أولا أنّه لم يعلم من القائلين بتوقّف الملك على انقضاء الخيار التزامهم بكون ضمانه على المشتري حتى يكون منافعه له فيستكشف منه حصول الملك بنفس العقد و ثانيا أن دلالة النّبوي على التّلازم بين ضمان العين و ملك المنافع هو الّذي أفتى به أبو حنيفة في الدابّة المستأجرة و قد أوضحنا ما فيه في المقبوض بالعقد الفاسد و بيّنا أن مفاده هو أنّ الضّمان العقدي يقتضي أن يكون المنافع بإزائه فلا ينافي تملّكه لمنفعية كونه في عهدة

ص: 174

الغير بأحد موجبات الضّمان مثل الغصب و الإتلاف كما لا ينافي كون ضمانه على مالكه أن يكون منفعته لغيره بسبب آخر كالإجارة و العارية

و أمّا قول الشّيخ و من تبعه فلأنّ انضمام النّبوي إلى قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له لا ينتج ما نسب إلى الشّيخ من التفصيل بل يدلّ على خلافه فإنّ الشّيخ يعترف بحصول الملك للمشتري مع اختصاص الخيار به بل انضمامه إليها لا ينتج عدم حصول الملك في زمان الخيار مطلقا لما ذكرنا من عدم التلازم بين الملك و الضّمان لعدم دلالة النبوي على ذلك بل النّبوي لا يدل إلّا على ما هو مقتضى المعاوضة من أنّ التّضمين العقدي بإزاء المنافع لا أنّ كون الشّخص ضامنا بإزاء الخراج

و بالجملة لو كان النّبوي دالا على أنّ كلّ من هو ضامن لشي ء فمنافعه له حتّى الغاصب لتمّ الاستدلال به على عدم حصول الملك في زمان الخيار و أمّا لو كان ناظرا إلى الضّمان المعاوضيّ فلا ربط له بالمقام و على أيّ حال الاستدلال به منضمّا إلى قاعدة التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له ينتج عدم حصول الملك لذي الخيار و هذا قول بعض المخالفين للمشهور و مضادّ للمحكي عن الشّيخ في الخلاف كما أن الاستدلال بما دلّ على كون تلف المبيع من مال البائع في زمان الخيار كصحيحة ابن سنان المتقدّمة و نحوها منضما إلى قاعدة الضّمان بالخراج لا يجدي لما نسب إلى الشّيخ

نعم للاستدلال بنفس هذه الأخبار وجه القول بالتوقّف مطلقا إلّا أنّه قد ظهر ممّا تقدّم أنّه لا ملازمة بين الملك و الضّمان على سبيل الإطلاق بل إنّما يكون التّلازم بينهما فيما لم يكن موجب لضمان غير المالك و هذه الأخبار تدلّ على أنّ البائع ضامن لما انتقل إلى المشتري ما لم ينقض خياره كما أن مقتضى المعاوضة أن يكون كلّ من المتعاقدين ضامنا لما انتقل إلى الآخر ما لم يسلّمه إليه فهذه الأخبار مخصّصة لما يدلّ على أنّ بالتّسليم يرتفع الضّمان فتدلّ على أنّ القبض في زمان خيار القابض كلا قبض

و لنعم ما عبّر به الشّهيد قدّس سرّه عن مفاد قاعدة المعاوضة و هذه الأخبار بقوله و بالقبض ينتقل الضّمان إذا لم يكن خيار

و على هذا فما أفاده المصنف قدّس سرّه في

قوله فهذه الأخبار إمّا أن يجعل مخصّصة لأدلّة المشهور بضميمة قاعدة تلازم الملك و الضمان أو لقاعدة التّلازم بضميمة أدلّة المسألة إلى آخره

تبعيد للمسافة لما عرفت أنّ مفاد هذه الأخبار أنّ قبض ذي الخيار كالعدم و أنّ الضّمان الثّابت قبل القبض باق بعد القبض أيضا إلى أن يرتفع الخيار هذا مع أنّ العلم الإجمالي بتخصيص أحد العامين يسقط كليهما عن الحجّية و الشّهرة لا تنفع في مقام الدّلالة

قوله قدّس سرّه ثمّ إنّ مقتضى ما تقدّم من عبارتي المبسوط و الخلاف من كون الخلاف في العقد المتقيّد بشرط الخيار عمومه للخيار المنفصل إلى آخره

لا يخفى أنّه لو قيل بتوقّف الملك على انقضاء الخيار لما علّل به بعضهم من أنّ فائدة الملك التّصرف الممتنع في زمان الخيار فالتّعدي إلى الخيار المنفصل مبنيّ على المسألة السّابقة و هي منع تصرّف من عليه الخيار حتّى في الخيار المنفصل أو اختصاص المنع بالخيار المتّصل و حيث قد عرفت أنّ عدم الجواز كان مختصّا بالخيار الفعلي فعدم حصول الملك أيضا مختصّ به

نعم كان هناك نزاع آخر في الصّغرى و هو أنّ خيار العيب و الغبن و الرّؤية كخيار التّأخير و التّفليس أو أنّها كخيار المجلس و الحيوان و ظهر أنّ الأقوى كونها من الخيارات الحاصلة حين العقد و أن توقّف إعمال الخيار على العلم بالعيب و الغبن و فقد الوصف

و كيف كان فالتّخصيص أو التّعميم في المقام مبني على التّخصيص

ص: 175

أو التّعميم في المسألة السّابقة و قد ظهر أنّ القدر المسلم هو خيار المجلس و الحيوان و الشّرط المطلق و أمّا لو قيل بالتّوقف للأخبار المتقدّمة الدّالة على أنّ التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له فالتّعدي إلى الخيار المنفصل مبنيّ على المسألة الآتية و هي أنّ قاعدة التّلف ممّن لا خيار له سارية في غير خيار الحيوان و الشّرط اللّذين هما مورد الرّوايات

و أمّا لو اختصت بهما و خيار المجلس على إشكال فيه فلا يمكن التّعدي إليه و كيف كان فالتّعدي و عدمه إمّا مبنيّ على المسألة المتقدّمة أو الآتية نعم بناء على ما اختاره المصنف في كلتا المسألتين من اختصاص كلا الحكمين بخيار الحيوان و الشّرط و المجلس فلا فرق بين أن يكون مدرك القول بتوقّف الملك على انقضاء الخيار عدم جواز التّصرف في زمان الخيار أو الأخبار المتقدّمة

[مسألة من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار]

قوله قدّس سرّه مسألة من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار إلى آخره

لا يخفى أنّ هذه القاعدة أي كون التّلف في زمان الخيار ممن لا خيار له في الجملة من القواعد المسلّمة بين الفقهاء كقاعدة كون تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه و لا إشكال في أنّها لا تشمل ما إذا كان الخيار للطّرفين لأنّه ليس هناك من لا خيار له حتّى يكون التّلف منه و إنّما الإشكال من جهات أخرى

الأولى في شمولها للخيار الثّابت للبائع أو اختصاصها بالمشتري بأن يكون تلف المبيع في زمان خيار المشتري على البائع لا تلف الثّمن في مدّة خيار البائع على المشتري

الثّانية في شمولها لجميع الخيارات أو اختصاصها بالخيار الزّماني كالحيوان و الشّرط أو تعمه و ما كان متوسّطا بين الزّماني و غيره كالمجلس فإنّه ليس زمانيّا و مضروبا في الزّمان حتّى يكون كخيار الحيوان و الشّرط بل هو معنون بعنوان الاجتماع المنطبق على الزّمان

الثّالثة في كونها تعبديّة صرفة مستفادة من الأخبار المتقدّمة في المسألة السّابقة أو أنّها مقتضى قواعد باب المعاوضة أيضا

الرّابعة أنّ الضّمان فيها هل ضمان المعاوضة أي بتلف المبيع يردّ الثّمن إلى المشتري أو ضمان اليد فيرجع المشتري إلى البائع بالمثل أو القيمة و كلّ هذه الجهات محلّ الخلاف بين الأعلام و ليس إجماع على إحداها

و المشهور بينهم في الجهة الأولى و الثّانية هو الاختصاص فاختاروا اختصاص القاعدة بخيار المشتري في خصوص الحيوان و الشّرط و صرّحوا بأنّه إذا مات المعيب لم يكن مضمونا على البائع و إن مات بعد العلم بالعيب و قيّد المحقّق الثّاني كون الضّمان على البائع في الاقتصاص من العبد الجاني بما إذا كان في الخيار المخصوص بالمشتري أي خيار الحيوان فيظهر من تقييده أنّ العبد من جهة العيب ليس في ضمان البائع مع أنّ العبد الجاني فيه جهتان من الخيار كونه معيبا و كونه حيوانا

و لكن يظهر من جماعة من المحقّقين التّعميم بالنّسبة إلى الجهتين فمنهم الشّهيد قدّس سرّه حيث قال و بالقبض ينتقل الضّمان إلى القابض إذا لم يكن له خيار و منهم المحقّق جمال الدّين في حاشية الرّوضة و منهم صاحب الرّياض و مفتاح الكرامة و حيث إنّ المسألة خلافيّة فلا بدّ أوّلا من تنقيح الجهة الثالثة

فنقول العقد المعاوضي متضمّن لالتزام كلّ من المتعاقدين بتسليم ما انتقل عنه إلى طرفه بحيث إنّ لكلّ واحد منهما حقّ حبسه حتّى يسلّمه الآخر و لو سلّم أحدهما و امتنع الآخر فله إجباره و التّرافع عند الحاكم و مع تعذّره فله المقاصّة منه بإذن الحاكم أو مطلقا و إن تلف مال كلّ منهما قبل التّسليم على الآخر و لكن هذا إذا لم يكن العقد خياريّا و أمّا إذا كان خياريّا فهو بجميع ما يتضمّنه من المدلول المطابقي و الالتزامي

ص: 176

خياريّ لأنه لا يمكن أن يكون لذي الخيار حلّ العقد و كان ملزما بما التزم به صريحا أو ضمنا فلا يجب عليه التّسليم إلى أن ينقضي خياره و لو سلّم تبرعا فله استرداده و هذا بخلاف من ليس له الخيار فإنّه ليس له الامتناع من التّسليم لو طولب به بمقتضى التزامه في ضمن العقد

نعم لو امتنع ذو الخيار من التّسليم فله المنع أيضا و له الاسترداد أيضا و لكن كلّ ذلك لا يقتضي أن يكون تسليم غير ذي الخيار كالعدم و يبقى ضمانه الثّابت قبل القبض إلى ما بعد القبض قبل انقضاء خيار الطّرف فلا بدّ من قيام دليل تعبّدي على بقاء الضّمان بعد خروجه عمّا هو وظيفته من القبض

و على هذا فانحصر المدرك في الأخبار المتقدمة و هي مختصّة بخيار الحيوان و الشّرط و لا تعمّ المجلس فضلا عن غيره من الخيارات فالمرجع هو القواعد العامّة و هي تقتضي أن يكون ضمان المال بعد القبض على مالكه الفعلي و لا يقال إنّ كون التّلف ممّن لا خيار له ليس منافيا للقواعد لأنّ مرجعه إلى انفساخ العقد و رجوع كل مال إلى مالكه الأصلي قبل التّلف آنا ما ثم التّلف منه كما يظهر منه قدّس سرّه في المتن

لأنّا نقول و إن اقتضى الانفساخ ذلك إلّا أنه بنفسه مخالف للقاعدة فإنّ مثل قوله عزّ من قائل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ يدلّ على لزوم العقد و عدم انفساخه بلا موجب و بدون الانفساخ يمتنع أن يكون تلف المقبوض على غير قابضه و هكذا الأدلّة الدالّة على أن تلف المبيع في العقد الخياري المشروط بردّ الثّمن على المشتري تدلّ على أنّ القبض موجب لأنّ يكون تلف المال على مالكه و كذلك الأدلّة الدالّة على التّفصيل بين صورة القبض و عدمه فلا نحتاج إلى استصحاب عدم الانفساخ حتى يقال إن أصالة الضّمان الثّابت قبل القبض حاكم عليه لأنّ الشكّ في الانفساخ مسبّب عن الشكّ في الضّمان

هذا مضافا إلى أنّ الأدلّة الاجتهاديّة على خلاف الاستصحاب لأنّ الضّمان لو كان جعليّا و كان مقتضى الشّرط الضّمني فالجعل مقيّد بعدم التّسليم و أمّا لو كان شرعيّا فقوله ع حتى يخرجه من بيته يدلّ على انتهاء الضّمان بالإخراج الّذي هو كناية عن التّسليم

نعم لو قلنا بكون الضّمان قبل القبض تعبّديا مع عدم تعرض دليل التعبّد لحكم الضّمان بعد القبض كان للاستصحاب مجال و بالجملة لو كان الضّمان شرعيّا صحّ الاستصحاب لو شكّ في بقائه بعد القبض و أمّا لو كان للشرط الضّمني فيرتفع موضوعه بالتّسليم و ثبوته بعده إنّما هو بسبب آخر مشكوك الحدوث فالمستصحب داخل في القسم الثّالث من استصحاب الكلّي إلّا أن يقال بحجيّته فيما كان المرتفع و المشكوك من سنخ واحد و التّفاوت بينهما إمّا بالشدّة و الضّعف أو بحسب الدّقة العقليّة دون المسامحة العرفيّة كالحركة المتحصّلة من أمور متباينة

و بالجملة مقتضى العمومات و رواية عقبة بن خالد في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا إن شاء اللّٰه فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع الّذي هو في بيته حتى يقبض المال و يخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه حقّه إنّ المال بعد القبض في عهدة مالكه و لا يضمنه غيره حتى يقال بالانفساخ فلو نوقش في دلالة الأخبار الواردة في خيار المشروط بردّ الثّمن على كون الضّمان بعد القبض على المالك و لو كان ذا خيار بأن يقال هذه الأخبار تدلّ على ضمان المشتري الّذي لا خيار له المبيع المنتقل إليه و لا تعرّض فيها لضمان البائع الّذي هو ذو الخيار الثّمن الّذي انتقل إليه

ص: 177

فلا تنافي قاعدة التّلف في زمان ممّن لا خيار له لكفى العمومات و رواية عقبة و القدر المسلّم من قاعدة التّلف في زمان الخيار هو خيار الحيوان و الشّرط الثّابتان للمشتري

و لا وجه للتّعدي إلى سائر الخيارات و لا إلى الخيار الثّابت للبائع إلّا توهم استفادتها بالعليّة من قوله حتّى ينقضي الشّرط و يصير المبيع للمشتري بأن يقال كلّ من لم يستقرّ عليه المال لكونه ذا خيار يقدر أن يسلب ملكيته عن نفسه فتلف ماله على غيره أي بالتّلف ينفسخ المعاملة و يصير التّالف قبل التّلف آنا ما في ملك من لا خيار له ثمّ تلف من ماله و على هذا فلا فرق بين الخيار الثّابت للبائع أو المشتري و لا بين خيار الحيوان و الشّرط و غيرهما من خيار المجلس و خيار تخلّف الشّروط الضّمنيّة

و لكنّه فاسد لأنّ كلمة حتّى قلما تستعمل في العليّة و معناها غالبا هي الغاية مع أنّ استفادة العليّة منها تؤثر لو أحرز كونها علّة للمجعول لا الجعل و التّشريع

هذا مضافا إلى أنّ الظّاهر من قوله ع إن كان بينهما شرطا أيّاما معدودة أن يكون الشّرط أمرا مضبوطا له أمد محدود و أن يكون نفس الخيار مجعولا بينهما بجعل شرعي كخيار الحيوان أو بجعل منهما كخيار الشّرط لا أن يكون الشّرط أمرا آخر يوجب تخلّفه الخيار كاشتراط التّساوي و الصّحة و الوصف

و على هذا فلا يشمل الدّليل خيار المجلس و إن كان مجعولا شرعيّا فضلا عن الخيارات الثّلاثة لا سيّما لو قلنا بحدوثها بعد العلم بالعيب و الغبن و نقد الوصف

أمّا خيار المجلس فلعدم كونه مضبوطا و ليس له أمد محدود فإنّ الأيّام في قوله ع أيّاما معدودة و إن لم تكن لها خصوصيّة بل تشمل شرط الخيار السّاعة و السّاعات إلّا أنّها لا بدّ أن تكون معدودة محدودة

و أمّا الخيارات الثّلاثة فلأنّها ليست شرطا مجعولا ابتداء و إلغاء جميع الخصوصيّات و جعل المناط كون العقد في معرض الزّوال ليس قطعيّا بل هو أشبه شي ء بالقياس سيّما إذا قلنا بما ينسب إلى المشهور من كون ظهورها موجبا للخيار فإنّه يلزم تبدّل الضمان و انتقاله من المغبون مثلا إلى الغابن و هذا بعيد كما أفاده المصنف قدّس سرّه من عدم شمول الرّواية التّزلزل المسبوق باللّزوم

نعم لو قيل بالتعدّي إلى خيار المجلس فله وجه لأنّ منتهاه و إن لم يكن مضبوطا إلّا أنّ كونه محدودا بزمان الافتراق مضبوط فكما يتعدى من الأيّام إلى الساعات قطعا يتعدّى إلى عدم الافتراق و بقاء المجلس مع أنّه في السّنخ متّحد مع الخيارين في كونه مجعولا هذا بالنّسبة إلى سائر الخيارات الثّابتة للمشتري

و أمّا التّعدي من حيث المثمن إلى الثّمن فدعوى القطع باتّحادهما مناطا ليست جزافيّة كما أفاده المصنف قدّس سرّه بل دعوى القطع بعدم الخصوصيّة للمشتري و كون التّالف مبيعا مسموعة إذ لا منافاة بين ذلك و قاعدة كون ضمان المال على مالكه فإنّها ليست تعبّديّة حتّى تصلح للمعارضة مع قاعدة تلف المال ممّن لا خيار له بل هي من الأمور الارتكازيّة المرتفعة بكلّ ما دلّ على أنّ ضمان المال على غير مالكه حتّى استصحاب الضّمان الثّابت قبل القبض بل و لو قيل بأنّها قاعدة تعبديّة إلّا أنّه لا شبهة في كونها مخصّصة بقاعدة التّلف قبل القبض فلو شكّ بعد القبض في بقاء الضّمان فالمرجع هو استصحاب حكم الخاص لا عموم القاعدة كما ظهر وجهه في خيار الغبن

فالعمدة في دفع المنافاة بين القاعدتين ما ذكرناه من تخصيص قاعدة كون تلف المال على مالكه بقاعدة التّلف لا ما أفاده قدّس سرّه من أنّ المراد من الضّمان انفساخ العقد فلا منافاة لما عرفت من أنّ الانفساخ بلا موجب هو بنفسه مخالف

ص: 178

للقاعدة و الانفساخ قبل القبض إنّما هو الشّرط الضّمني أو لدليل تعبدي و هو قوله ع كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال تابعه

و حاصل الكلام أنه يمكن دعوى القطع باتّحاد المناط و أنّه لا خصوصيّة لتلف المبيع عند المشتري و لو أنكرنا ذلك فاستصحاب الضمان الثّابت قبل القبض كاف في حكومته على قاعدة كون تلف المال على مالكه و ليس تقديريّا و لا شكا في المقتضي كما لا يخفى

و لا يعارضه استصحاب عدم الانفساخ فإنّ الشّك فيه مسبّب عن الشكّ في الضّمان و الأصل السّببي حاكم على المسبّبي

قوله قدّس سرّه نعم يبقى هنا أنّ هذا مقتض لكون تلف الثمن في مدّة خيار البيع الخياري من المشتري إلى آخره

لا يخفى أنّ الالتزام بالتّعميم لا محذور فيه فإذا تلف الثّمن عند البائع ينفسخ البيع و يردّ المبيع إليه إلّا بعد ردّ الثمن فكأنّه اشترط أن لا يكون ضمان الثّمن على المشتري فاسدا لأنّه بعد الالتزام بالتعدّي من مورد النّص إلى تلف الثّمن في زمان خيار البائع لتنقيح المناط أو لاستفادته من العلّة المنصوصة في الأخبار و هي حتى ينقضي الشّرط و يصير المبيع للمشتري فشرط عدم كون تلف الثّمن في زمان خيار البائع من المشتري مخالف للكتاب فيكون كما لو اشترطا عدم ضمان كلّ منهما لما انتقل عنه قبل القبض بل لو قلنا بأن القاعدة ليست تعبّديّة و إنّما هي من مقتضيات الضّمان المعاوضيّ فشرط عدم كون تلف الثّمن من المشتري في زمان خيار البائع فاسد أيضا لكونه منافيا لمقتضى العقد

و بالجملة بناء على التّعدي إلى الثّمن و عدم الفرق بين الخيار المتّصل و المنفصل فلا محيص عن الالتزام باطّراد القاعدة و شمولها لخيار البائع المشروط بردّ الثّمن كما أفاده قدّس سرّه في

قوله فالأولى الالتزام بجريان هذه القاعدة إذا كان الثّمن شخصيّا إلى آخره

ثم لا يخفى أنّه لا فرق في الثّمن و المثمن من حيث الكليّة و الشّخصيّة أيضا و القاعدة تختصّ بالشّخصي دون الكلّي

و توضيح ذلك أنّه لو كان أحد العوضين أو كلّ واحد منهما كليّا فمقتضى المعاوضة بقاء الكلّي في ذمّة من انتقل عنه إلى أن يسلّم الفرد المنطبق عليه الكلّي إلى المنتقل إليه فلو سلّم غير المنطبق عليه عنوانا كالشّعير بدلا عن الحنطة فهذا التّسليم كالعدم لعدم وقوع العقد على ما ينطبق على المقبوض فيجب عليه الإبدال و لا خيار للمنتقل إليه بلا إشكال

و أمّا لو سلّم غير المنطبق عليه وصفا كالمعيب بدلا عن الصّحيح و غير الكاتب بدلا عن الكاتب فمقتضى القاعدة أيضا الإبدال لعين ما ذكرناه في تخلف العنوان إلّا أنّ الظّاهر من بعض الفقهاء هو التّخيير بين الإبدال و الخيار بين الفسخ و الإمضاء بل إذا كان معيوبا فالتّخيير بين الرّد و الأرش و الإبدال و الظّاهر أنّ ذلك جمع بين المتناقضين إذ لو تعيّن الكلّي في الفرد المقبوض فتخلّف الوصف لا يقتضي إلّا الخيار دون الإبدال و إن لم يتعيّن فيه فالمتعيّن هو الإبدال لا التّخيير بينه و بين الخيار إلّا أن يقال إنّ الجمع بينهما إنّما هو للجمع بين القاعدة و أدلّة الخيار فإن القاعدة تقتضي الإبدال لعدم كون المقبوض ممّا ينطبق عليه ما وقع العقد عليه و أدلّة الخيار مثل قوله ع فإن خرج السّلعة معيبا و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء ردّه و إن شاء أخذه أو ردّ عليه بالقيمة أرش العيب تقتضي التّخيير بين الرّد أي فسخ المعاملة و الإمضاء بلا أرش أو معه فتأمل

و كيف كان فالخروج عن عهدة الكلّي ثمنا كان أو مثمنا إنّما هو بأداء الفرد المنطبق عليه عنوانا و وصفا فإذا أدّاه كذلك فلا ضمان عليه لو لا قاعدة الضّمان في زمان الخيار و لكن حيث قد عرفت أنّ معنى القاعدة هو انفساخ العقد بالتّلف و أنّ

ص: 179

الضّمان المعاوضي الثّابت قبل القبض باق بعد القبض فلا وجه لشمول القاعدة لتلف الفرد المقبوض من الكلّي لأنّ تلف الفرد لا يقتضي إلّا صيرورة الكلّي كغير المقبوض فلا وجه لانفساخ العقد به و لا جامع بين صيرورة العقد كالعدم كما في تلف الشّخصي و القبض كالعدم و المفروض شمول القاعدة لتلف الشّخصي فلا تشمل الكلّي

نعم لو قيل بأنّ معناها ثبوت الضّمان الواقعيّ لا اسمي فلا مانع من شمولها للكلّي لأنّ العقد بناء عليه لا ينفسخ حتّى يكون الشّخصي مباينا مع تلف الفرد المقبوض من الكلّي

و بالجملة إذا قلنا بأنّ معنى القاعدة أنّ الضّمان الثّابت قبل القبض لا يرتفع بالقبض في زمان الخيار و أنّ الضّمان المعاوضي باق فالفرق بين تلف الشّخصي و الفرد من الكلّي واضح فإن تلف المبيع الشّخصي إذا كان في زمان خيار المشتري على البائع بمقتضى النّصوص يقتضي انفساخ العقد لا محالة و رجوع المبيع إلى ملك البائع آنا ما حتّى يكون التّلف من ماله و هذا بخلاف الفرد من الكلّي فإنّه يمكن أن يكون من البائع بلا انفساخ المعاملة

و ممّا ذكرنا ظهر وجه الأمر بالتأمّل في قول المصنف و هو أنّ انفساخ العقد لا عين له و لا أثر في الأخبار حتى يكون لزومه في الشّخصي و عدم لزومه في الكلّي منشأ للفرق بينهما بل كون التّلف من ملك البائع بناء على ظهور الخبر في ذلك هو الموجب للفرق بينهما فإنّه في الشّخصي لا يستقيم إلّا بالانفساخ و هذا بخلافه في الكلّي و لذا لو قلنا بأنّه ليس معنى قوله من البائع كون التّالف ملكا له بل معناه أنّ خسارته عليه فلا حاجة إلى فرض الانفساخ فلا فرق بينهما

قوله قدّس سرّه ثم إنّ ظاهر كلام الأصحاب و صريح جماعة منهم كالمحقّق و الشّهيد الثّانيين أنّ المراد بضمان من لا خيار له لما انتقل إلى غيره هو بقاء الضّمان الثّابت قبل قبضه إلى آخره

هذه هي الجهة الرّابعة الّتي أردنا تنقيحها فنقول الاحتمالات في المراد من الضّمان ثلاثة الأوّل هو الضّمان المعاوضي كالضّمان في قاعدة تلف المبيع قبل قبضه فمفاد النصوص في المقام أنّ الضّمان الثّابت قبل القبض باق بعده إذا كان للمشتري خيار فالقبض في زمان الخيار كالعدم و هذا هو الظّاهر من الشّهيد في الدّروس حيث قال و بالقبض ينتقل الضّمان إلّا إذا كان خيار فمعنى كون تلف المبيع في زمان خيار المشتري من مال البائع هو انفساخ المعاملة و انتقال المبيع إلى البائع آنا ما قبل التّلف

و على هذا لا يمكن أن يقيّد الانتقال إليه بما إذا فسخ المشتري لأنّ العقد بمجرّد التّلف ينفسخ قهرا فيرتفع موضوع حق الفسخ لأن بقاءه ببقاء العقد الثّاني هو الضّمان الواقعي أي المثل و القيمة المعبّر عنه بضمان اليد فمفاد الرّوايات أنّه لو تلف المبيع في زمان خيار المشتري فغرامته على البائع سواء فسخ المشتري أم لم يفسخ

غاية الأمر أنّه لو فسخ يسترجع الثّمن و لا شي ء عليه للبائع و لو لم يفسخ يأخذ المثل أو القيمة فالفرق بين هذا الاحتمال و الاحتمال الأوّل يظهر في صورة عدم الفسخ و أمّا في صورة الفسخ فلا فرق بينه و بين الانفساخ في أنّه يسترجع الثّمن الثّالث هذا الاحتمال مع تقييد الضّمان على البائع بما إذا فسخ المشتري و أمّا لو لم يفسخ فلا شي ء له

ثم لا يخفى أنّه بناء على التّقييد لا وجه للاحتمالات الثلاثة في قوله قدّس سرّه فيحتمل أنّه يتخيّر بين الرّجوع على البائع بالمثل أو القيمة و بين الرّجوع بالثّمن و يحتمل تعيّن الرّجوع بالثّمن و يحتمل أن لا يرجع بشي ء إلى آخره

ص: 180

لأنّه إذا قيّد التّلف على البائع بصورة فسخ المشتري فلا وجه للرّجوع إليه في صورة عدم الفسخ

هذا مضافا إلى أنّه لا يعقل التخيير بين الرّجوع إلى الثّمن و إلى المثل و القيمة لأنّ الرّجوع إلى الثّمن أي المسمّى إنّما هو لانفساخ المعاملة فلا يجتمع مع بقائها

و كيف كان فأقوى الاحتمالات هو الوجه الأوّل لأنّ الظّاهر من النّصوص أنّ الضمان السّابق باق بعد القبض في زمان الخيار نعم قد يرد عليه إشكالان الأوّل أنّ في صحيحة ابن سنان فرض الأعمّ من تلف الوصف أو تلف العين فقال فيموت العبد أو الدابّة أو يحدث فيه حدث على من يكون ضمان ذلك إلى آخره و لا معنى لأن تكون و الأوصاف مضمونة بالمسمّى لعدم وقوع شي ء من الثمن بإزائها في عقد المعاوضة و لا يمكن الجمع بين الضّمانين في قوله على من يكون ضمان ذلك فيتعيّن إرادة الضّمان بالمثل أو القيمة في تلف العين أو الوصف

و فيه أنّ الضّمان الواقعي و إن كان هو الظّاهر من لفظ الضّمان أو منصرفه و لكنّه إنّما يراد منه لو لم تكن قرينة على خلافه و مع تعهّد الضّامن ضمان المسمّى و إمضاء الشّارع له لا معنى لأن يراد الضّمان الواقعي فينحصر إرادة ذلك فيما إذا لم يكن في البين تسمية كما لو قيل ألق متاعك في البحر و على ضمانه أو لم يمض الشارع المسمّى كما في المقبوض بالعقد الفاسد فإذا فرض أنّ الرّوايات دلّت على أنّ القبض كالعدم و أنّ الضّمان السّابق باق فلا معنى لأن يراد منها الضّمان الواقعي

نعم لو دلّت على ارتفاع الضّمان السّابق بالقبض و جعل ضمان على حدة بعد القبض كان الظّاهر منه أو منصرفه هو الضّمان الواقعي و هذا خلاف ظاهر السّؤال أيضا فإن قوله على من يكون ضمان ذلك لا يمكن أن يكون سؤالا عن ضمان اليد لوضوح أنه على من تلف العين في يده و أمّا اتّحاد معنى الضّمان في تلف الوصف و تلف العين فهو و إن كان كذلك إلّا أن نتيجة كون الوصف في ضمان من ليس له الخيار أنّ عهدة الوصف عليه أيضا بعد القبض كما يكون عليه عهدة الموصوف و تلف الموصوف يقتضي الانفساخ

و أمّا تلف الوصف فلا يقتضي الإبقاء خيار تخلّفه دون الغرامة لا بالضّمان الواقعي و لا بالمسمّى و بالجملة الضّمان في كليهما بمعنى واحد و هو أنّ عهدة الوصف و الموصوف على من لا خيار له فلو أسقط المشتري خيار الشّرط أو انقضى مدّته فله إعمال الخيار بالنّسبة إلى فقد الوصف و على أيّ حال لا يقع بإزائه شي ء من الثّمن فلا يوجب تخلّفه الغرامة

نعم قد ثبت في تخلّف وصف الصّحة التّخيير بين الأرش و الخيار تعبّدا لا لكونه مقتضى المعاوضة الثّاني أنّ الضّمان بالمسمّى قد ارتفع بالقبض لخروج كلّ واحد من المتعاقدين عن عهدة ما ضمنه و بالقبض انتقل الضّمان بالمثل أو القيمة و انعكس الأمر به أيضا فصار كلّ منهما ضامنا لما انتقل إليه فلو دلّ دليل على ضمان كلّ منهما لما انتقل عنه بعد القبض أيضا يؤخذ بظاهره و هو الضّمان الواقعي و فيه أنّ مفاد الدّليل لو كان عدم تأثير القبض في رفع الضّمان لا تشريع ضمان على حدة فلازمه بقاء الضّمان السّابق و هو المسمّى و هذا هو الظاهر من قوله ع على البائع حتى ينقضي الشّرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري لأنّ معناه أنّ القبض ليس غاية للضّمان بل الغاية انقضاء شرطه و استقرار الملك عليه بحيث لا يقدر أن يسلب الجدة الاعتباريّة عن نفسه

و على هذا فتأمّل المصنف في عبارة الدّروس بقوله و العبارة محتاجة إلى التأمّل من وجوه عديدة في محلّه و إشكاله تارة يرجع إلى المبنى و أخرى إلى المعنى

ص: 181

أمّا الأوّل فوارد على ما هو ظاهر كلامه في قوله و بعده لا يبطل الخيار من أنّ القبض يرفع الضّمان المعاوضي و أنّ الضّمان في مدّة الخيار ضمان واقعي و هو مناف لقوله في مقام آخر و بالقبض ينتقل الضّمان إلّا أن يكون خيار فإنّ ظاهره أنّ القبض كالعدم و الضّمان المعاوضي باق

و أمّا الثّاني فوارد على جملتين من كلامه الأولى قوله فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه فإنّ هذا الكلام تفريع على قوله و بعده لا يبطل الخيار أي لو قلنا بأنّ التّلف في زمان الخيار لا يوجب سقوط الخيار كما هو مسلّم في الجملة فلو كان ذو الخيار هو البائع و تلف المبيع عند المشتري كما هو مورد البحث و فسخ البائع يرجع إلى المشتري ببدل المبيع إذا لم يكن البائع ضامنا و هذا القيد الأخير لا يستقيم أصلا لأنه لا يمكن رجوعه إلى المشتري إلّا إذا كان الخيار مختصا به و لا يكون مشتركا و لا مختصّا للمشتري

أمّا في الخيار المختصّ بالمشتري فلما عرفت أنّ المشتري يرجع إلى البائع و أمّا في الخيار المشترك فلأنّ ضمان كل منهما لا يمنع أن يرجع كلّ منهما إلى الآخر فلو تلف المبيع عند المشتري و فسخ البائع يرجع إلى بدل المبيع مع كونه بصورة عدم ضمانه هذا مع أنّ الضّمير في قوله عدم ضمانه يرجع إلى المبيع لا إلى الثّمن كما هو واضح

و بالجملة لو كان الخيار مختصّا بالبائع فلا يتصوّر كونه ضامنا حتّى يقيّد رجوعه بالبدل بصورة عدم ضمانه و لا يمكن فرض المسألة في تلف الثّمن عند البائع مع كونه ذا خيار أمّا أوّلا فلأنّ ظاهر قوله لا يبطل الخيار و إن كان التّلف من البائع كما إذا اختصّ الخيار بالمشتري هو اختصاص القاعدة بتلف المثمن و إلّا كان حقّ التّعبير أن يقال و إن كان التّلف ممّن تلف عنده كما لو كان الخيار لطرفه حتّى يشمل الثّمن أيضا و أمّا ثانيا فلأنّه لو فرض تلف الثمن عند البائع و قلنا بأنّ التّلف لا يسقط الخيار فمقتضاه أنّه لو فسخ يسترجع المبيع و لو لم يفسخ يسترجع بدل الثّمن

و على أيّ حال ليس هو ضامنا مع اختصاص الخيار به فلا وجه للتّقييد و لا يمكن فرضها في إتلاف البائع المبيع عند المشتري حتى يتصوّر ضمانه مع كونه ذا خيار أمّا أوّلا فلأنّ الإتلاف موجب لسقوط خياره و أمّا ثانيا فلأنّ القاعدة لا تشمل الإتلاف و أمّا ثالثا فلأنّ مفروض الشّهيد قدّس سرّه هو التّلف

الثّانية قوله قدّس سرّه و لو أوجبه المشتري في صورة التّلف قبل القبض لم يؤثر في تضمين البائع المثل أو القيمة فإنّ إيجاب المشتري إمّا بعد التّلف أو قبله فإذا كان بعده فلا محلّ له لأن خياره سقط بانتفاء الموضوع لارتفاع العقد و انفساخه بالتّلف قبل القبض فلا موقع لقوله لم يؤثّر في تضمين البائع لأنّه لم يكن إيجابه قابلا لأن يؤثّر حتى يقال لم يؤثّر و إذا كان قبله فإيجابه غاية الأمر يجعل العقد غير خيار و لا أثر لكون العقد لازمان لإبطال أثر التّلف قبل القبض فإنّ العقد سواء كان خياريا ثم لم يكن يبطل بالتّلف الطّاري قبل القبض فإذا تلف المبيع يرجع الثّمن إلى المشتري قهرا و لا وجه لأن يكون بدل المبيع من المثل أو القيمة راجعا إليه

و بعبارة أخرى انفساخ العقد بالتّلف قبل القبض لا يختصّ بالبيع الخياري فسقوط الخيار لا يوجب بقاء العقد حتى يضمن البائع بدل المبيع فعلى أيّ تقدير قوله قدّس سرّه لم يؤثّر إلى آخره توضيح الواضح

نعم يمكن توجيه بأن تكون هذه الجملة توطئة للجملة الأخيرة و هي قوله و في انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر فيكون حاصل الجملتين هو الترديد بين الوجه الثّاني و الثّالث من الوجوه المتقدّمة بأن يكون الضّمان واقعيّا مطلقا أو مقيّدا بصورة الفسخ فلو لم يفسخ المشتري بل أوجب

ص: 182

العقد في زمان الخيار فهل يؤثّر في تضمين البائع المثل أو القيمة أو لا يؤثّر وجهان فلو كان مقيّدا لا يؤثّر أي لا يوجب تضمينا و لو كان مطلقا يؤثّر

قوله قدّس سرّه ثمّ إنّ الظّاهر أن حكم تلف البعض حكم تلف الكل إلى آخره

لا يخفى أنّ تلف البعض موجب لانفساخ المعاوضة بالنّسبة إليه كتلف الكل لأنّ الأبعاض يقسط عليها الثّمن فتلف البعض في زمان الخيار في ضمان من لا خيار له و أمّا تلف الوصف فهو و إن كان في ضمانه بمعنى أنّه يوجب الخيار سواء كان قبل القبض أو بعده إلّا أنّه لا وجه لانفساخ المعاملة به من غير فرق بين وصف الصّحة و غيره لعدم وقوع شي ء من الثمن بإزائه

نعم بين وصف الصّحة و غيره فرق من جهة أخرى و هو أنّ في تلف وصف الصّحة يتخيّر المالك بين الردّ و الأرش دون غيره و على أيّ حال لا فرق بينهما من جهة الانفساخ و قد تقدّم في خيار الغبن في ذيل عنوان التغيير ما يوضح ذلك فراجع

قوله قدّس سرّه و أمّا إذا كان بإتلاف ذي الخيار سقط به خياره إلى آخره

لا يخفى أنّ مورد القاعدة مثل مورد قاعدة التّلف قبل القبض هو التّلف السّماوي و لقوله ع فهلك في يد المشتري و أمّا الإتلاف فله أحكام أخر و تقدم الإشارة إليها إجمالا في خيار الغبن

فنقول توضيحا لما تقدّم و تنبيها على عبارة المتن إن صور الإتلاف كثيرة لأنّه تارة يكون بفعل البائع و أخرى بفعل المشتري و ثالثة بفعل الأجنبي و على التقادير تارة يكون الثّمن تالفا و أخرى المثمن و على التّقادير تارة يكون قبل القبض و أخرى بعده و على التّقادير تارة يكون الخيار لأحدهما أو كليهما و أخرى لا يكون خيار مطلقا و هذه الصّور تجري في إتلاف البعض أو الوصف و الوصف تارة يكون وصف الصّحة و أخرى غيره من الأوصاف

و كيف كان فلا شبهة في أنّه لو أتلف ذو الخيار ما انتقل إليه سقط به خياره و لو أتلف ما انتقل عنه فإتلافه فسخ للمعاملة لأنّ كلّا من الإتلاف فيما انتقل إليه و فيما انتقل عنه تصرّف منه و تصرّفه فيما انتقل إليه إجازة و فيما انتقل عنه فسخ بالشّرائط المتقدمة بأن لا يكون للاختبار أو الغفلة و نحو ذلك

و أمّا لو كان للاختبار أو الغفلة أو الجهل بسبب الخيار كإتلاف المغبون ما انتقل إليه قبل اطّلاعه على الغبن فليس إجازة كما تقدّم في خيار الغبن و على هذا فلو أتلف ذو الخيار ما انتقل عنه غفلة قبل إقباضه إلى من انتقل إليه لا يكون إتلافه فسخا بل يكون موجبا للخيار لمن انتقل إليه لتعذّر التّسليم كما لو أتلفه الأجنبي قبل القبض

و بالجملة إتلاف ذي الخيار ما انتقل إليه سواء وقع قبل القبض أو بعده استيفاء لماله و إسقاط لخياره بالشّرائط المتقدّمة و إتلافه ما انتقل عنه مطلقا فسخ للمعاملة بالشرائط المتقدمة و مع فقد الشّرائط يختلف حكم قبل القبض و بعده فإنّه لو وقع قبله يوجب الخيار للمنتقل إليه و أمّا لو وقع بعده فلا يوجب الخيار هذا حكم إتلاف ذي الخيار

و أمّا إتلاف غير ذي الخيار و الأجنبي فلا يبطل خيار ذي الخيار و تقدّم حكمهما في خيار الغبن فلنرجع إلى العبارة فنقول مفروض كلامه قدّس سرّه هو تلف المبيع في يد المشتري الّذي له الخيار و ينطبق ما أفاده على الفروض إلى قوله و إن كان بإتلاف أجنبيّ

و أمّا من قوله و إن كان بإتلاف أجنبيّ تخيّر أيضا بين الإمضاء و الفسخ و هل يرجع حينئذ بالقيمة إلى المتلف أو إلى صاحبه أو يتخيّر وجوه إلخ فكأنه ينعكس الفرض و هو إتلاف الأجنبي ما انتقل عن ذي الخيار و هو الثّمن كما هو ظاهر غير موضع من كلامه منها قوله و هل يرجع حينئذ فإنّ الظّاهر أنّ ضمير يرجع راجع إلى ذي الخيار

ص: 183

و لو كان المبيع تالفا لا يستقيم سواء أمضى العقد أو فسخ لأنّه لو أمضاه فليس له الرّجوع إلى صاحبه لاستقرار الثّمن في ملك البائع بإمضاء المشتري و لو فسخه ليس له الرّجوع إلى الغاصب لأنّ المبيع بمجرّد الفسخ ينتقل إلى البائع فله الرّجوع إلى الغاصب أو إلى ذي الخيار لا أنّ ذا الخيار مخيّر

نعم لو كان ضمير يرجع راجعا إلى المفسوخ عليه ينطبق على فرض المقام و هو تلف المبيع عند المشتري إلّا أنّه خلاف الظّاهر و أمّا لو فرض كون الإتلاف واقعا على الثّمن المنتقل إلى البائع ففسخ المشتري فللتّرديد بين رجوعه إلى المتلف أو إلى صاحبه وجه و منها قوله و لأنّ الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها في ملك الفاسخ إلى آخره لأنّ رجوع المبيع التّالف في ملك الفاسخ أي المشتري لا معنى له بل فسخ المعاملة يقتضي رجوع الثمن إليه و منها قوله أو لاعتبارها عند الفسخ ملكا تالفا للفاسخ إلى آخره و منها قوله الفاسخ في السّطر الأخير من هذا العنوان و منها قوله بعد ذلك و من كون يد المفسوخ عليه يد ضمان

نعم ينطبق العبارة على المقام إذا قلنا بأنها غلط من قلم النّاسخ و أنّ الصحيح هو المفسوخ عليه بدل الفاسخ في المواضع الثلاثة و الفاسخ بدل المفسوخ عليه في قوله و من كون يد المفسوخ عليه يد ضمان كما لا يخفى و هكذا لا بدّ من التصرّف في لفظي الثمن و المثمن فإن انطباقها على المقام يصحّ بأن تكون العبارة هكذا و من أنّه إذا دخل الثّمن في ملك من تلف المثمن في ملكه

و كيف كان فانطباق العبارة على المقام يحتاج إلى التصرّف فيها و أمّا لو جعلنا قوله و إن كان بإتلاف أجنبيّ إلى آخره إعراضا عنه و بيانا للقاعدة الكليّة فإذا أتلف الثّمن و لم يفسخ المشتري يرجع البائع إلى المتلف بلا شبهة

و أمّا لو فسخ فتارة يفسخ بعد رجوعه إلى المتلف و أخرى قبله فإذا فسخ بعد رجوعه إليه فلا إشكال أيضا لأنّ الثمن كان ملكا للبائع و رجع مالكه إلى المتلف و برئ ذمّة المتلف و فسخ المشتري لا يوجب إلّا تعلّق حقّه ببدل الثّمن الّذي هو في عهدة البائع لا المتلف و أمّا لو فسخ قبل رجوع البائع إلى المتلف فهنا محلّ الوجوه الثلاثة من تعيّن الرّجوع إلى البائع أو المتلف أو التّخيير و مبنى الوجوه قد تقدم في خيار الغبن و قلنا إنّ الأقوى هو التّخيير كما هو مقتضى ضمان شخصين لمال واحد كما في تعاقب الأيدي

و ما أفاده المصنف في المقام من أنّه أضعف الوجوه لا وجه له بل تعيّن الرّجوع إلى البائع أضعف الوجوه لأنّه متفرّع على أن يكون المتلف ضامنا للمالك الفعليّ للمال و هو متفرّع على الانتقال إلى القيمة يوم التّلف و قد تقدم في ضمان القيمي أنّه أضعف الأقوال سندا

[مسألة و من أحكام الخيار أنه لا يجب على المتبايعين تسليم العوضين في زمان الخيار]

قوله قدّس سرّه و من أحكام الخيار ما ذكره في التّذكرة فقال لا يجب على البائع تسليم المبيع و لا على المشتري تسليم الثّمن في زمان الخيار إلى آخره

قد عرفت في خيار المجلس أنّ من أعظم الشّروط الّتي يتضمّنها العقد هو التّسليم و التّسلم بل هو الغرض الأصلي من المعاوضة فإذا لم يكن العقد خياريا يجب التّسليم على الطّرفين و يثبت لكلّ واحد منهما حقّ حبس ما انتقل عنه إذا امتنع الآخر من التّسليم لأنّ ذلك أثر التزام كلّ منهما على التّسليم فيكون حاكما على قاعدة السّلطنة و حرمة التصرّف في مال الغير بدون إذن مالكه و أمّا لو كان خياريا فحيث إنّ العقد بجميع مداليله المطابقيّة و الالتزاميّة تحت يد ذي الخيار لا يجب عليه التّسليم كما لا يجب عليه الوفاء بأصل العقد فلا يقال هذا مخالف لقاعدة السّلطنة لأنّ من لا خيار له لو انتقل إليه المال على نحو كان لمالكه الأصلي التسلّط

ص: 184

على عدم التّسليم لم يثبت له السّلطنة المطلقة و بالجملة قاعدة السّلطنة قابلة للتّضييق

فما أفاده قدّس سرّه من أنّه لم أجد لهذا الحكم وجها معتمدا ففيه ما لا يخفى مع أنه قدّس سرّه في فروع بيع الصرف و أحكام القبض ملتزم بذلك و كيف كان فما أفاده العلّامة غير قابل للمناقشة و إن قلنا بتعلّق الخيار بالعقد لأنّ عدم وجوب التّسليم على ذي الخيار ليس لتعلّق حقّه بالعين كتعلّق حق المرتهن بالعين المرهونة حتى يكون قابلا للمنع بل لما عرفت من أنّه لو لم يجب الوفاء بالعقد عليه لا يجب عليه الوفاء بما التزم به في ضمنه فيجوز له حبس العين و إن جاز للآخر أيضا حبس ما انتقل عنه و لو لم يكن له الخيار لأن التزامه بالتّسليم كان منوطا بتسليم صاحبه

نعم يصحّ المناقشة فيما أفاده في قوله و لم يتبرّع أحدهما بالتّسليم لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر على تسليم ما عنده فإن المتبرّع لو كان من عليه الخيار فلمنع ذي الخيار عن التّسليم وجه و هو كونه ذا خيار و أمّا لو تبرّع ذو الخيار فلا وجه لمنع الآخر عن التّسليم مع كونه ملتزما به

غاية الأمر أن التزامه كان منوطا بتسليم ذي الخيار و المفروض تبرّعه به و هكذا في قوله و له استرداد المدفوع قضية للخيار لأنّ الدّافع و إن كان من له الخيار إلّا أنّ مقتضى خياره هو الامتناع عن التّسليم ابتداء و أمّا بعده فلا دليل على جواز استرداده إلّا إذا كان اتّفاقيّا كما هو الظّاهر حيث جعل المخالف بعض الشّافعيّة

[مسألة قال في القواعد لا يسقط الخيار بتلف العين]

قوله قدّس سرّه قال في القواعد لا يسقط الخيار بتلف العين إلى آخره

لا يخفى أنّ هذه القاعدة مسلّمة في الجملة و لا تعارضها قاعدة التّلف قبل القبض و قاعدة التّلف في زمان الخيار فإنّ التّلف في الموردين و إن أوجب سقوط الخيار إلّا أنّ إيجابه له إنّما هو لانفساخ العقد به و مورد هذه القاعدة إنّما هو مع بقاء العقد فلا تزاحم بينهما ثم إنّ موردها إنّما هو في الخيار الشّرعي لا الجعلي فإنه تابع لكيفيّة الجعل فقد يتعلّق الخيار بنفس العين بخصوصيّتها الشخصيّة و قد يتعلّق بماليّتها فمن اختلافهما لا يمكن الاستظهار لإثبات القاعدة أو نفيها كما أنّه لا يمكن إحراز الثّبوت أو السّقوط من كلمات الأعلام فإنّه قد يظهر منهم التأمّل في بقائه مع التّلف في جملة من الموارد

منها في المرابحة لو ظهر كذب البائع في رأس المال فإنّه لا شبهة في ثبوت الخيار للمشتري إمّا للإجماع أو لإرجاعه إلى تخلّف الشّرط الضّمني حيث إن بيعه برأس المال يتضمّن اشتراط صدقه في أخباره و مع ذلك لو تلف المتاع في يد المشتري فقد تردّد العلامة في ثبوت الخيار بل حكي عن المبسوط و بعض آخر الجزم بالعدم و علّل ذلك بأنّ الردّ إنّما يتحقّق مع بقاء العين و لكن قوّى في المسالك و جامع المقاصد ثبوته

و منها في الغبن فإنّ المحقّق الثّاني تردّد في سقوط خيار الغبن بتلف المغبون فيه بل ظاهر العلامة سقوطه في التّلف الحكمي كما إذا نقل المغبون العين عن ملكه معلّلا بعدم إمكان الاستدراك حينئذ

و منها خيار الرّؤية فإنّ المحقّق الثاني ألحقه بخيار الغبن في سقوطه بتلف العين

و على هذا فالصواب تحقيق المسألة على مقتضى القواعد العامّة فنقول بعد ما تقدم مرارا أنّ الخيار عبارة عن ملك فسخ العقد و إقراره فتلف العين لا يقتضي سقوطه و لو كان طريقا لاسترجاع العين لأنّه ليس طريقا لاسترجاعها بخصوصيّتها الشخصيّة بل طريق لاسترجاعها بماليّتها و هي محفوظة في كلتا صورتي بقاء العين و تلفها بل لو لم يرد في الأدلّة لفظ الخيار و إنّما ورد الردّ و الاسترداد فتلف العين لا يقتضي امتناعهما لأنّهما ليسا ظاهرين في الردّ و الاسترداد الخارجيّين بل المقصود منهما الردّ و الاسترداد في الملك مع أنّه لم يرد في الأدلّة لفظ الردّ

ص: 185

إلّا في خصوص خيار العيب و النّزاع في سقوطه بالتّلف أو بقائه لغو لأنّ إعمال الخيار فيه يتوقّف على بقاء العين بحالها فلو تغيّرت عمّا وقع العقد عليه و لم تكن العين قائمة بعينها سقط الخيار فضلا عمّا إذا تلف

هذا مع أنّه لو دلّ الدّليل على ثبوت حقّ الردّ فنقول إنّه إمّا أمر أجنبيّ عن الخيار و إنّما هو حكم شرعيّ تعبدي و لا يترتّب عليه آثار الخيار من سقوطه و نقله إلى الغير كجواز الرّجوع إلى العين الموهوبة أو جواز الرّجوع في المعاطاة فإنّه لا يصلح للإسقاط و لا المصالحة عليه و لا أن يرثه الوارث و إمّا مرجعه إلى ذاك المعنى المتعلّق بالعقد الغير المرتبط بشي ء من العوضين

و بالجملة لو استفيد من جواز الردّ هذا المعنى القابل للنّقل و الإسقاط فهو متعلّق بالعقد و لا يدور مدار بقاء العين و لو لم يستفد ذلك فهو حكم شرعيّ في مقابل الخيار فليس في المقام معنيان قابلان لأن ينطبق عليهما الخيار و كان أحدهما متوقّفا على بقاء العين دون الآخر فلا وقع للتّرديد

و ما أفاده قدّس سرّه من أنّ إرادة ملك الفسخ من الخيار غير متعيّنة في كلمات الشّارع فيه ما لا يخفى فإنّ حاصل ما أفاده هو أنّ الردّ و إن كان مقابلا للخيار و لزوم بقاء العين فيما إذا ورد في الأدلّة لفظ الردّ لا يقتضي لزوم بقائها إذا ورد فيها لفظ الخيار إلّا أنّ لفظ الخيار أيضا مردّد بين معنيين و لم يعلم ما أريد منه في الأدلّة فيحتمل إرادة معنى منه يتوقّف على بقاء العين

و لا يخفى أنّه ليس معنى الخيار في الأدلّة إلّا ما هو اصطلاح المتأخّرين فيه فإنّهم استفادوا هذا المعنى من الأخبار و من كلمات القدماء و هذا المعنى لا يتوقّف على بقاء العين فإنّه في مقابل لزوم العقد سواء كان ثابتا بجعل شرعيّ أم ناشيا من تخلّف الشّرط الضّمني

نعم الخيار الجعليّ المالكيّ يمكن تقييده بصورة بقاء العين و أمّا مع الإطلاق فحكمه حكم القسمين الأوّلين

أمّا الخيارات المجعولة شرعا كما في خيار الحيوان و المجلس و التّأخير على وجه فالظّاهر من أدلّتها كقوله ع لو افترقا وجب البيع و قوله ع فإذا مضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشّراء و قوله ع و إلّا أي لو لم يأت بالثمن فلا بيع بينهما كون الخيار في مقابل اللّزوم العقدي الّذي لا ربط له بالعوضين مع أنّه لو منعنا الظّهور في ذلك إلّا أنّه لا شبهة في أنّ إطلاق الأدلّة يقتضي بقاء الخيار مع التّلف أيضا هذا مع أنّ الاستصحاب يقتضي بقاءه أيضا و ليس من الشكّ في المقتضي لأنّه لو لم يحدث الأمر الزّماني و هو التّلف نقطع ببقائه في عمود الزّمان

و أمّا ما كان مستندا إلى تخلّف الشرط كخيار الغبن و العيب و الرّؤية فتعلّقه بالعقد أوضح فإنّه ليس متعلّقا به و مجعولا في ضمنه ابتداء بل المجعول هو الشّرط فإذا تخلّف فلا التزام حقيقة و نتيجة صحّة العقد و عدم الالتزام بالفاقد ثبوت الخيار بين الفسخ و الإمضاء و عدم توقّفه على بقاء العين واضح و حاصل الكلام أنّه لا وجه لسقوط الخيار بتلف العين بعد كون يد المتعاقدين يد ضمان

غاية الأمر أنّ كلّا منهما يضمن مال صاحبه قبل القبض و يضمن ما انتقل إليه بعده و كون الشخص ضامنا لمال نفسه معناه أنّه لو تلف ثمّ طرأ فسخ و انفساخ أو إقالة يجب عليه ردّ المثل أو القيمة و لا ينتقل إليه بدل التّالف مجانا فضمانه يقتضي عدم سقوط حق الخيار بتلف متعلّقه و إنّما المانع عن إعماله عدم كون ذي اليد ضامنا كما في الهبة و لذا يمتنع الرّجوع إذا تلف العين الموهوبة

[مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة]

قوله قدّس سرّه مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة إلى آخره

لا يخفى

ص: 186

أنّه لا فرق بين يد الفاسخ و المفسوخ عليه فإنّ يد كلّ منهما يد ضمان و مجرّد عدم أخذ الفاسخ ماله من المفسوخ عليه و إبقائه عنده لا يقتضي أن تصير يده يد أمانة إلّا أن يجعله وكيلا في الحفظ و إقدام الفاسخ على الفسخ ليس تسليطا للمفسوخ عليه على ماله فلا وجه لخروجه عن الضّمان

نعم قد يتوهّم الإشكال على أصل الضّمان مطلقا و حاصله أنّ الضّمان بعد الفسخ إن كان هو الضمان الثّابت عليهما قبله أي الضّمان المعاوضي فالمفروض انتفاء موضوعه هذا مع أنّه كان بالعوض المسمّى و هو ارتفع يقينا فبطل أصل الضّمان لامتناع بقاء الجنس مع ذهاب فصله و إن كان ضمان اليد فشمول دليل اليد للمقام مشكل لعدم تجدّد اليد و الاستيلاء على مال الغير

و لكنّك خبير بفساد التوهّم فإنّ المستفاد من دليل اليد أنّ كون مال الغير تحت استيلاء شخص يقتضي أن يكون ضمانه عليه إلّا أن يتحقّق رافعه و لم يؤخذ مال الغير عنوانا للمأخوذ حتّى يقال إنه حين الأخذ لم يكن مال غيره فلا يشمله قوله ص على اليد ما أخذت بل اعتبر بالقرينة العقليّة في موضوع الحكم بوجوب الأداء و لا شبهة أنّه حين الحكم بوجوب الأداء هذا العنوان موجود لأنّه في هذا الحين مال الغير و إن لم يكن حين الأخذ كذلك

و بالجملة المال المقبوض إذا طرأ عليه عنوان مال الغير يترتّب عليه الضّمان كما أنّه لو خرج عن هذا العنوان يرتفع عنه الضّمان ثم إنّه لا ينافي ضمان كلّ منهما لما في يده مع جواز حبسه حتّى يسلّم الآخر ما في يده لما تقدّم أنّه من مقتضيات عقد المعاوضة كاقتضائه التّسليم على كلّ منهما ابتداء

[القول في القبض]

[مسألة اختلفوا في ماهيّة القبض في المنقول]

قوله قدّس سرّه اختلفوا في ماهيّة القبض في المنقول إلى آخره

لا يخفى أنّ معنى القبض متّحد في جميع الموارد و هو الاستقلال و الاستيلاء على الشّي ء و إنّما الاختلاف نشأ ممّا يتحقّق به القبض ففي غير المنقول هو التّخلية و في المنقول هو حصوله تحت اليد و لا فرق بين أفراد المنقول من المكيل و الموزون و المعدود و غيرها و اعتبار الكيل و الوزن و العدّ في المكيل و الموزون و المعدود ليس لعدم تحقّق القبض إلّا بها بل لدليل خارجيّ كما أن مجرّد الكيل و الوزن و العدّ من دون التّسليم إلى من انتقلت هذه الأشياء إليه لا يتحقّق بها القبض

فممّا ذكرنا ظهر أنّه لا وجه لعدّ الاختلاف في الآثار بين الإقباض و القبض من اختلاف معنى القبض لما عرفت من أنّ معناه في جميع الموارد واحد فالأولى صرف الكلام إلى الأحكام المترتّبة على القبض فنقول الإقباض و القبض الّذي بمعنى الانقباض ليسا كالكسر و الانكسار بحيث لا يمكن التّفكيك بينهما خارجا بل هما من قبيل الإيجاب و الوجوب فإنّ الكسر و الانكسار ليس لهما مرتبة إنشائيّة بل هما أمران خارجيان لا يتحقّق كلّ منهما بدون الآخر بخلاف الإيجاب و الوجوب فإنّ لهما مرتبة إنشائيّة و مرتبة خارجيّة و الإنشائي من الإيجاب و إن لم ينفكّ من منشئه في هذه المرتبة و لو صدر ممّن ليس له حقّ الإيجاب إلّا أنّ الخارجيّ منه و الّذي يترتّب عليه الأثر ينفك عن الإنشائي لأنّ السّافل و إن أنشأ جدّا و حقيقة إلّا أنّه لا يصير إيجابه منشأ لتحقّق الوجوب خارجا

و هذا حال جميع العقود و الإيقاعات فإنّ تأثيرها خارجا ينفكّ عن إيجادها أي إنشائها لفظا و ذلك واضح و حال القبض و الإقباض كحال الوجوب و الإيجاب لو قلنا بأنّ الإقباض هو التّخلية و الانقباض دخوله تحت اليد و الاستيلاء فإنّه

ص: 187

قد يتحقّق التّخلية و لا يتحقّق تحت الاستيلاء كما أنّه قد يقع دخوله تحت الاستيلاء من دون تسليط من له حقّ الإقباض فإذا اختلفا خارجا فلا بدّ من البحث عن أحكام القبض في أنّها هل مترتبة على فعل المقبض أو على فعل القابض

فنقول الحكم لو كان تكليفيّا كوجوب الإقباض على الغاصب و على المتبايعين فيما يجب عليهما فلا محالة يترتّب على فعل المقبض لأنّ التّكليف يتعلّق بالمقدور فوجوب الإقباض على الغاصب هو رفع موانع استيلاء المغصوب منه على ماله لا وصوله تحت يده و لو كان وضعيّا فتارة ينشأ من قبل اشتراط أحدهما و أخرى من التعبّد فلو نشأ من الاشتراط فيصير الأمر كالتّكليفي لأنّ الشّرط راجع إلى ما هو تحت قدرة المشروط عليه فلو شرط البائع على المشتري أن يبيع المبيع من زيد فمرجع الشّرط إلى وجوب عرض المشتري المبيع على زيد و إنشاء البيع من المشتري و أمّا شراء زيد و قبوله له فهو خارج عن الشّرط فلو قلنا بأنّ كون تلف المبيع قبل القبض من باب الشّرط الضّمني فإذا رفع البائع موانع قبض المشتري و خلّى بينه و بين المبيع فهو بري ء من الضّمان و إن لم يتسلّمه المشتري

و لو نشأ من دليل التعبّد يراعي كيفيّة الجعل و ظاهر النّبوي كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه أن رفع الضّمان بقبض المشتري و ظاهر رواية عقبة بن خالد حتّى يقبض المتاع و يخرجه من بيته هو أن رفعه بتخلية البائع فإنّ ظاهر قوله ع حتى يقبضه و إن كان موافقا لظاهر النّبويّ لأنّ الإقباض خارجا بدون القبض لا يتحقّق إلّا أنّ عطف قوله ع و يخرجه من بيته على قوله يقبض المتاع يوجب صرف ظهور الإقباض عمّا هو ظاهر فيه و يجعله بمعنى التّخلية الصّرفة لأنّه ظاهر في كونه تفسيرا له فلا بدّ من حمل أحد الخبرين على كونه واردا مورد الغالب و إذا لم يتحقّق ترجيح و أمكن حمل كلّ منهما على الغالب بأن يحمل رواية عقبة على الغالب من ملازمة الإخراج مع الوصول إلى المشتري فالمدار على الوصول إليه أو يحمل النّبوي على وروده مورد الغالب من ملازمة حصول القبض مع إقباض البائع فالمدار على فعل البائع فيتساقطان و المرجع هو الأصول و الاستصحاب يقتضي الضّمان إلّا إذا حصل القبض خارجا من إقباض البائع لو كان منشأ الضّمان التعبّد و أمّا لو كان منشؤه الشّرط الضّمني فلا يجري الاستصحاب لأنّ الاشتراط يرجع إلى ما هو فعل المشروط عليه

[الكلام في أحكام القبض]
اشارة

قوله قدّس سرّه الكلام في أحكام القبض إلى آخره

لا يخفى أنّه من القواعد المجمع عليها أنّ تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه و مع الغض عن الإجماع يدلّ عليه النّبوي و رواية عقبة بن خالد فأصل الحكم في الجملة مسلّم و إنّما الكلام في أنّه تعبّد صرف أو من باب اشتراط المتعاقدين و قبل تنقيح البحث عنه يجب ذكر معاني الألفاظ الواردة في هذا العنوان التي أشير إليها إجمالا في بحث الخيار و أحكامه

أمّا المبيع فلا يشمل بحسب اللّفظ الثّمن و لو قيل بشموله له مناطا كما سيجي ء إن شاء اللّٰه و أمّا التّلف فهو ظاهر في التّلف السّماوي أو ما يلحق به كما لو كان الإتلاف واجبا شرعا كمورد القصاص و الارتداد و صيرورة العبد حرّا لا بفعل من مالكه كالمزمن و المعقد فمثل التنكيل خارج عن هذا الباب لأنّه إتلاف و إن ترتّب العتق عليه كترتّب المعلول على علّته و كما إذا سرق المتاع و لا يعرف السّارق أو غصبه سلطان لا يرجى عوده و أمّا الإتلاف

ص: 188

من البائع أو المشتري أو الأجنبي فهو خارج عن هذه القاعدة و لا يشمله النّص سواء قلنا بالتعبّديّة أو من باب اشتراط التّسليم لأنّه على أيّ حال لا موجب لانفساخ العقد بالإتلاف كما أشير إليه أيضا في قاعدة التّلف في زمان الخيار و أمّا القبض فقد عرفت معناه و هو الاستيلاء على الشّي ء

و أمّا قوله فهو من مال بائعه فظاهره أنّ التّلف يقع في ملك البائع و التّالف يصير من أمواله سواء جعل الظّرف لغوا متعلّقا بتالف أو مستقرا متعلّقا بثابت و على أيّ حال ليس معناه أنّ خسارته عليه كما في الغصب و إلّا لكان اللّازم التّعبير بعلى البائع و نحوه فلا يمكن جعل الرّواية دليلا على ثبوت الضّمان الواقعي من المثل أو القيمة

إذا عرفت ذلك فنقول أمّا أصل الضّمان فممّا لا إشكال فيه لأنّ المشتري لم يعط الثّمن مجّانا للبائع و لا البائع المثمن مجّانا للمشتري بل جعل كلّ منهما ماله بإزاء مال الآخر و هذا هو معنى الضّمان في قاعدة الخراج بالضّمان و في قاعدة كلّ ما يضمن بصحيحه فمعناه التعويض و إنّما الكلام في أنّه كيف يقتضي التّلف انفساخ العقد لأنّ كون الثّمن عوضا عن المبيع و عدم كونه مجّانا معناه عدم هبة المشتري لا وقوع التّلف من البائع لأنّ المثمن ملك للمشتري و تلف في يد غيره من دون تفريط فنقول معنى عدم المجانيّة و إن لم يقتض ذلك إلّا أنّ المعاوضة تتضمّن التزامات مطابقيّة و التزامات ضمنيّة

و من الالتزامات الضمنيّة تسليم البائع المثمن إلى المشتري خارجا فإذا لم يمكنه التّسليم يبطل العوضيّة فإن قلت تعذّر التّسليم لا يقتضي البطلان غايته ثبوت خيار تخلّف الشّرط للمشتري قلت لو بقي المال على قابليّة التّسليم غاية الأمر تعذّر العارض كالإباق أو السّرقة المرجوّ عوده أو امتنع البائع عنه فتلزم بالخيار

و أمّا لو لم يبق على قابليّة التّسليم كالتّلف و ما في حكمه فلا معنى لخيار تخلّف الشّرط لأنّه بطل العوضيّة و امتنع الوفاء بالالتزام الضّمني إن قلت امتناعه لا يقتضي أيضا بطلان المعاوضة غاية الأمر أنّه يجب على البائع ردّ المثل أو القيمة قلت لو كان الالتزام الضّمني هو البدليّة على تقدير البقاء فالأمر كما ذكر و أمّا لو اقتضى البدلية على كلّ تقدير أي البدليّة المطلقة فحيث خرج المثمن عن كونه قابلا للبدليّة فلا بدّ من رجوع الثمن إلى ملك المشتري لاقتضاء المعاوضة ذلك

و بالجملة كلّ من المتعاقدين يجعل المبادلة بين المالين اعتبارا و كذلك بينهما خارجا أي يعطي ماله و يأخذ عوضه و هذا معنى اشتراط التّسليم فمرجع اشتراطه إلى أخذ ما سمّاه في عقد المعاوضة عوضا لا إلى أخذ البدل الواقعيّ فإذا بطل ما سمّاه في عقد المعاوضة عن العوضيّة و خرج عن صلاحيّة البدليّة يخرج الآخر عن البدليّة فيرجع قهرا إلى مالكه و هذا معنى الانفساخ

ثم إذا رجع الثّمن إلى المشتري فلا بدّ أن يرجع المبيع إلى البائع و لا يمكن قياسه على الغصب في أنّه مع بقاء المغصوب على ملك المغصوب منه يرجع بدله إليه لأنّ الغصب لم يكن فيه معاوضة حتّى لا يمكن الجمع بين العوض و المعوّض بل وجوب البدل على الغاصب من باب الغرامة و بدل الماليّة لا بدل العين

و في المقام حيث إن بدليّة المثمن للثّمن كانت بالمعاوضة و المعاوضة إذا اقتضت خروج المعوّض عن ملك من دخل في ملكه العوض و بالعكس فبطلانها مقتض للعكس فإذا دخل الثّمن في ملك المشتري فلا بدّ أن يخرج المثمن عن ملكه بل قيل بذلك في الغصب أيضا

و كيف كان ففي المقام لا إشكال أنّ الانفساخ

ص: 189

كالفسخ فكما أنّ بالفسخ يرجع كلّ من العوضين إلى ملك مالكه الأصلي فكذلك في الانفساخ و هذا ممّا لا إشكال فيه إنّما الكلام في أنّ رجوع المبيع إلى ملك البائع قبل التّلف آنا ما أيضا على مقتضى القواعد أو تعبّد صرف و إلّا فمقتضى القواعد هو انفساخ المعاملة و رجوع المبيع إلى البائع من جهة التّلف فهو معلول للتّلف فكيف يتقدّم عليه فنقول هذا أيضا على طبق القواعد و حقيقة المعاوضة تقتضي ذلك و يصير التّلف كاشفا لا علّة

و توضيح ذلك أنّه لو سلّم أن عقد المعاوضة اقتضى ضمان المسمّى لا المثل أو القيمة و لازمه انفساخ المعاوضة و أنّه اقتضى رجوع المثمن إلى البائع يجب أن يقال برجوعه إليه آنا ما قبل التّلف لأنّه بعد التّلف لا يصلح للرّجوع و لا قابليّة له للعوضيّة و المفروض أنّ بطلان المعاوضة يقتضي دخول ما خرج فإذا لم يبق ما خرج على صلاحيّة الدّخول اقتضى خلاف ما يقتضيه الانفساخ و مجرّد فرض التّالف موجودا لا يخرجه عن المعدوميّة فلا بدّ أن يلتزم بما هو صالح للرّجوع و الصّالح إنّما هو قبل التّلف فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ المحتملات أو الأقوال ثلاثة

الأوّل كون تلف المبيع قبل القبض من مال البائع تعبديّا صرفا مطلقا الثّاني كونه مطابقا للقاعدة مطلقا أي و إن لم يكن نصّ في المقام فجميع ما ذكرنا من الانفساخ و رجوع المثمن إلى ملك البائع و رجوعه إليه قبل التّلف هو مقتضى قواعد المعاوضات الثّالث التّفصيل بين الجهات بأن يكون أصل الانفساخ على طبق القاعدة و أمّا تحقّقه قبل التّلف فبالنّص الخاص و هو الرّواية و النّبوي

ثم إنّه يتفرع على الأوّل أنّه لا يمكن التعدّي من تلف المبيع إلى الثّمن و لا من البيع إلى غيره إلّا إذا استظهر كون الخصوصيّة ملغاة كما في خيار العيب فإنّه يتعدى عن البيع إلى سائر المعاوضات بل إلى شبه المعاوضات من الخلع و مثله و أمّا لو علم دخل الخصوصيّة أو احتمل كما في خيار المجلس فلا يمكن التعدّي

و على الثّاني و الثّالث يتعدّى إلى الثمن في البيع و إلى المثمن في جميع المعاوضات لأنّ أصل الانفساخ على القولين على طبق القواعد و كونه قبل التّلف أو بعده من جهة السّريان إلى غير البيع و فيه إلى الثمن لا أثر له بل على الظّاهر لا أثر له أصلا بل هو نزاع علميّ فتدبّر

[مسألة تلف الثّمن المعيّن قبل القبض كتلف المبيع المعيّن]

قوله قدّس سرّه مسألة تلف الثّمن المعيّن قبل القبض كتلف المبيع المعيّن إلى آخره

لا يخفى أنّه حيث ثبت أنّ مقتضى المعاوضة مع إمضاء الشارع لها هو انفساخها بتلف كلّ واحد من العوضين قبل التّسليم فلا فرق بين تلف المثمن أو الثّمن و لا بين البيع و غيره من الصّلح و الإجارة بل لو قلنا بالتعبديّة فلا فرق أيضا بين تلف المبيع أو الثّمن فإنّ النّبوي و إن اختصّ بتلف المبيع إلّا أن رواية عقبة بن خالد صريح أو ظاهر في سراية هذا الحكم إلى الثمن أيضا فإنّ قوله ع فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه ماله صريح في أنّ المبتاع هو المشتري و الضّمان الثّابت عليه هو الضّمان المعاوضي الثّابت على البائع و الضمير في قوله لحقّه راجع إلى البائع فيصير مفاده أنّ المشتري لو قبض المبيع فهو ضامن لحقّ البائع حتى يرد إليه الثمن فإذا تلف الثّمن قبل أن يردّه إليه ينفسخ المعاوضة و يرجع المبيع إلى البائع و احتمال كون المبتاع هو البائع مساوق لأن لا يكون للشّرط جزاء كما أن احتمال رجوع الضّمير إلى المشتري أو كون الضّمان عليه هو ضمان اليد لا المعاوضي احتمال

ص: 190

لا يعتنى به مع أنّ الرّواية لو لم تكن صريحة فلا أقلّ من ظهورها في سراية الحكم إلى الثّمن فيكفي للمدّعى

نعم بناء على التعبّدية لا يتعدى من البيع إلى غيره من المعاوضات لأنّ إلغاء الخصوصيّة و استظهار أنّ المناط هو المعاوضة يتوقّف على شمّ الفقاهة خصوصا في تسرية الحكم إلى شبه المعاوضات كعوض الخلع و المهر

ثمّ إنّ ممّا ذكرنا ظهر أمور أحدها ثبوت أصل الضّمان و ثانيها كون الضّمان ضمانا معاوضيّا لا ضمانا واقعيا فمقتضاه الانفساخ و ثالثها أنّ الانفساخ قبل التّلف آنا ما على طبق مقتضى المعاوضة فعلى هذا يجري هذه الأحكام في سائر المعاوضات و رابعها أنّ الضّمان يرتفع بتخلية البائع و إن لم يقبضه المشتري

و بقي هنا أمر آخر يجب التعرّض له و هو أنّه هل هذا الضّمان قابل للإسقاط أم لا و الحق عدم سقوطه بالإسقاط لا لأنّه إسقاط لما لم يجب لأنّ الضّمان فعليّ بمقتضى المعاوضة و لا لأنّه مجعول شرعيّ تعبدي لا يقبل الإسقاط لأنّ التعبّدي على قسمين قسم راجع إلى حقّ خلقي كخيار الحيوان أو قسم ممحّض في كونه حكما شرعيا كلزوم النّكاح و جواز الهبة فلو كان من قبيل الثّاني فلا يقبل الإسقاط مطلقا لأنّه من آثار الحكم و هو المائز بينه و بين الحقّ و أمّا لو كان من قبيل الأوّل فلو رجع الإسقاط إلى أصل الجعل كما لو جعل العقد غير خياريّ فهذا راجع إلى الشّرط المخالف للكتاب أو لمقتضى العقد و أمّا لو رجع إلى إسقاط حقّه فلا محذور كما قدّمناه في خيار المجلس بل لأنّ حكم الضّمان المعاوضي حكم ضمان الأعيان فكما أنّه ليس للمغصوب منه إسقاط الضّمان عن الغاصب مع بقاء يده على حالها من كونها يد ضمان فكذلك في المقام لأنّ المعاوضة إن اقتضت الضّمان قبل القبض فقبل رفعها بالإقالة و قبل رفع عدم القبض بهبة أو إباحة لا يمكن أن يرفع مقتضاها

و بالجملة لا بدّ في رفع الضّمان من رفع موضوعه فمع بقاء الموضوع على حاله لا يمكن رفع أثره إمّا لأنّه مخالف لأصل الجعل أو مخالف لمقتضى العقد فليس رفعه تحت استيلائه و سلطنته

[مسألة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه]

قوله قدّس سرّه لو تلف بعض المبيع قبل قبضه إلى آخره

لا شبهة في أنّ تلف بعض المبيع كتلف كلّه لو كان البعض ممّا يقسّط عليه الثّمن في عقد المعاوضة كتلف أحد العبدين اللّذين باعهما صفقة و تلف منّ من الحنطة من عشرة أمنان سواء قلنا بأنّ القاعدة على القاعدة أو على التعبّد

أمّا بناء على الأوّل لأنّ التّلف إذا اقتضى انفساخ المعاوضة بالنّسبة إلى التّالف فيرجع التّالف آنا ما إلى ملك البائع

و أمّا على الثّاني فلأنّ المبيع و إن كان منصرفا عن بعض المبيع و ظاهره هو المنتقل إلى المشتري بعقد مستقلّ لا في ضمن العقد الواقع على المجموع إلّا أنّ هذا الانصراف بدوي لصدق المبيع على كلّ جزء ممّا وقع عليه العقد و لذا لو لم يكن هذا الجزء موجودا أو مملوكا في حال العقد يبطل البيع بالنّسبة إليه و يصحّ في الباقي

و أمّا لو لم يكن البعض ممّا يقسّط عليه الثّمن كيد العبد و رجله فحكمه حكم تلف الوصف و الحقّ فيه أنّ تلفه لا يوجب إلّا تحقّق الخيار للمشتري سواء كان الوصف ممّا ثبت فيه الأرش لو كان في أوّل العقد مفقودا أو لم يكن

و بالجملة لا فرق بين تلف وصف الصحّة و سائر الأوصاف و تعذّر الشّرط فإن كلّها لو حدث بعد العقد و قبل القبض يكون موجبا للخيار لا الأرش لأنّ تعهّد البائع بالتّسليم موصوفا لا يقتضي انفساخ المعاوضة بالنّسبة إليه بعد كونه موصوفا حال العقد و سرّه أنّ في عقود المعاوضة لا يجعل مقدار من الثّمن مقابلا للوصف مطلقا فإنّ

ص: 191

الوصف و إن أوجب تفاوت المبيع في القيمة إلّا أنّ القيمة تجعل بإزاء المبيع و لا تجعل مقدار منها مقابلا للموصوف و مقدار منها إذ الوصف فالانفساخ بلا موجب

غاية الأمر أنّ الملزم لقبول المشتري لم يتحقّق فله الردّ أو الإمضاء مجّانا لأنّ الالتزام فعلا بالفاقد و قد ظهر سابقا أنّ الأرش على خلاف القاعدة فلا يتعدّى إلى غير مورده هذا آخر ما وفّقني اللّٰه تعالى لضبطه ممّا استفدت من تحقيقاته دام ظلّه فيما يتعلّق بالمكاسب المحرّمة و كتاب البيع و الخيارات و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلّى اللّٰه على محمّد و آله الطيّبين الطّاهرين

ثمّ لمّا لبّى شيخنا المعظّم قدّس اللّٰه تعالى سرّه داعي الحقّ و جاور ربّه الكريم طلب منّي جماعة من العلماء و الأعاظم من إخواني المؤمنين بل أمروني بطبعه و نشره ليكون تذكرة لاسمه و ينتفع به أولو العلم من بعده فامتثلت أمرهم و أحببت أن ألحق به ما استفدته منه في قاعدة الضّرر و زيّنته تيمّنا بثالث و هو ما صنّفه قدّس سرّه في حكم اللّباس المشكوك فيه فإنّه رسالة شريفة تحتوي على جملة من القواعد الفقهيّة و المسائل الأصوليّة و الدّقائق الحكميّة و تأليف لطيف لم يكتب مثله في الإماميّة فأقول و باللّٰه سبحانه و تعالى أستعين

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.